الواقع والممكن في الممارسة الديمقراطيّة اللبنانيّة
ورشة عمل حول :
الواقع والممكن في الممارسة الديمقراطيّة اللبنانيّة
الجمعة/20 كانون الأول 2002
في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا ـ الجنوب
تعقيب على ورقة الدكتور شبيب دياب ، حول موضوع :
الانتخابات النيابيّة : 1996 ـ 2000، محاولة في تحليل المحتوى
لبيانات الجمعيّة اللبنانية من أجل ديمقراطيّة الانتخابات..
* * *
تعقيب الدكتور مصطفى دندشلي
لا بدّ في البداية من توجيه كلمة شكر وتقدير للقيّمين على تنظيم هذه الحلقة الدراسيّة تحت عنوان: الواقع والممكن في الممارسة الديمقراطيّة اللبنانيّة … كما لا يسعني إلاّ أن أنوّه بالجهد الكبير المبذول في هذا البحث الاستطلاعيّ ـ الإحصائيّ ـ الكميّ الذي قام به الصديق الدكتور شبيب دياب ، وموضوعه : الانتخابات النيابيّة : 1996 ـ 2000، "محاولة في تحليل المحتوى لبيانات الجمعيّة اللبنانيّة من أجل ديمقراطيّة الانتخابات"…
إنّني كنت أتمنّى أن يتولّى غيري التعقيب على هذه الورقة وأن يكون أحدَ الباحثين الاجتماعيّين في الإحصاء، ذلك أنّ ليس هناك من لسان حال أو توافق منهجيّ أو تعاطف بيني وبين البحوث الإحصائيّة الكميّة …
ومهما يكن من أمر ، فقد جاء في الأسطر الأولى من الورقة ما يلي : " تُعتبر الانتخابات ركناً أساسياً من أركان الديمقراطيّة . فهي الأداة الأساسيّة للمشاركة في الحياة السياسيّة. وهي التعبير الديمقراطيّ الذي يُضفي صفة الشرعيّة على الحاكم ، بمقدار ما هي وسيلة لاختبار الحاكم نفسه". هذا صحيح ، فإنّ كلّ نظام ديمقراطيّ حقيقيّ ، لا بدّ من أن تكون الانتخابات الدوريّة ، نيابيّة أو بلديّة أو خلافه، من تداول السلطة وعلى مختلف المستويات ، ركناً أساسياً من هذا النظام السياسيّ . غير أنّه، في المقابل، ليس كلّ نظام انتخابيّ ، أو أيّ شكل من أشكال الانتخابات العامة أو الاستفتاءات الشعبيّة، يدلّ حكماً على وجود الديمقراطيّة التطبيقيّة ، وانتساب النظام السياسيّ في البلد إلى الديمقراطيّة بمعناها الحقيقيّ والصحيح …
هنا يُطرح سؤال : هل الانتخابات في بلادنا ، وكذلك بالشكل الذي تجري فيه في مجتمعات ما يُسمّى بـ "العالم الثالث "، وفي لبنان على وجه التحديد ، هل يمكننا، حقيقةً وفعلاً أن نعتبرها ركناً أساسياً من أركان الديمقراطيّة عندنا ؟!… وهل بهذا المعيار ، ومن ناحية الممارسة العمليّة ، يمكننا اعتبار أيّ شكل من أشكال الانتخابات الموسميّة ـ كلّ أربع سنوات ـ :
1 ـ الأداة الأساسيّة للمشاركة في الحياة السياسيّة .
2 ـ التعبير الديمقراطيّ الحقيقيّ الذي يُضفي صفة الشرعيّة على الحكم .
3 ـ كذلك وبمقدار ما هي وسيلة لاختيار الحاكم نفسه ؟!…
غير أنّ في الكثير الكثير من بلدان العالم ، وبوجه خاص في بلدان العالم الثالث ، ولا سيّما في البلدان التي توصف الأنظمة فيها، بشكل أو بآخر، بالأنظمة السلطويّة أو الدكتاتوريّة ، تجري فيها أيضاً انتخابات موسميّة أو استفتاءات شعبيّة ، تصل فيها نسبة المشاركة والمؤيّدة للحاكم إلى درجة عالية ، 99٪، فهل نستطيع أن نعتبرها أنظمة ديمقراطيّة ، وذلك لمجرّد إجراء الانتخابات فيها ، وأن نضعها في عداد " الديمقراطيّات " في العالم ؟!… فإلى أيّ مدى يصحّ لنا أن نطلق تسميـة " ديمقراطيّة"، على هذه الدول والأنظمة السياسيّة فيها ؟!… ثمّ ، ألاّ يحقّ لنا أن نعتبر هذا النوع من الانتخابات ، إنّما هو بمثابة نوع من أنواع الخداع والتضليـل والتزوير ، وشكل من أشكال " الديمقراطيات المظهريّة "، الخادعة ، المضلّلة ، المزيّفة ؟…
* * *
هنا نعود إلى قيام " الجمعيّة اللبنانيّة من أجل ديمقراطيّة الانتخابات "، وتأسيسها في الشكل الذي اعتمدته . لا شكّ في أنّها تُعتبر ، وبحقّ ، تجربة حديثة وجديدة ، لم يعرفها لبنان فيما مضى. ولكن ، وفي الوقت نفسه ، هل يمكننا أن ننظر إلى هذه " الجمعيّة اللبنانيّة " في الظرف السياسيّ الذي قامت فيه وتأسّست ، والعناصر التي تكوّنت منها ، على أنّها مؤشّرٌ أو دليلٌ على اشتراك " المجتمع المدنيّ"، بإطلاق ، وبصفة تمثيليّة ، في مراقبة الانتخابات النيابيّة ، والتحقّق من نزاهتها وعدم مخالفة الأطراف والقوى السياسيّة المشاركة فيها ، للقوانين والأنظمة الانتخابيّة ؟!…
هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، مَن هم هؤلاء الناشطون من ناحية أسمائهم ومواقعهم السياسيّة وانتماءاتهم الاجتماعيّة وتخصّصاتهم العلمية ؟!… وهل "للجمعيّة اللبنانيّة من أجل ديمقراطيّة الانتخابات" هيكليّة تنظيميّة ، أو هيئة تنفيذيّة مركزيّة ؟... كم يبلغ عدد المنتسبين إليها ، وفي مختلف المناطق اللبنانيّة ، أم أنّهم متمركزون في العاصمة بيروت ، ويقومون بزيارات دوريّة إلى المناطق الأخرى ؟!…
كما أنّ نشاط "الجمعيّة اللبنانيّة " العام والشامل والمتواصل على مدى بضعة شهور، وتنظيم اللقاءات والمحاضرات الدوريّة والدورات التدريبيّة ، وإصدار البيانات والنّشرات ومتابعة العمليات الانتخابيّة على اختلافها ، ومراقبتها ، إلخ.. إلخ.. كلّ ذلك إنّما يحتاج إلى عناصر قياديّة ، سياسيّة، ثقافيّة، ناشطة ، ومتفرغة للعمل كلياً .. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي : من أين يأتي تمويل هذا النشاط المكلف ، ومَن هي الجهة المموّلة للجمعيّة في الدورتين الانتخابيتين النيابيتين، واستطراداً في دورة انتخابات البلدية التي خاضتها هذه " الجمعيّة اللبنانيّة " نفسُها تحت شعار: " بلدي ، بلدتي ، بلديتي " ؟!… وكما نعلم جميعاً ، فإنّ هذا النشاط الانتخابيّ الواسع والمديد، إنّما يحتاج في الواقع العمليّ إلى إدارات متفرغة، وأجهزة تنظيميّة وإعلامية وإعلانيّة ، مكلفة للغاية ، لا يستطيع أن يقوم بذلك جمعيات طوعية إطلاقاً… فمن أين تأمّنت التغطية الماليّة لذلك كلّه ، وغيره الكثير الكثير أيضاً ؟!…
ثمّ ، ما هي العقبات التي واجهت " الجمعيّة اللبنانيّة " في الدورتين الانتخابيتين : طبيعتها السياسيّة أو الإعلاميّة أو التنظيميّة، الداخليّة أو الخارجيّة ، إلخ ؟!… فهل هذه " الجمعيّة " هي أيضاً موسميّة كموسميّة الدورات الانتخابيّة ، تغيب وتعود كلّ أربع سنوات مرّة ؟… أَوَ لَيْس العمل الديمقراطيّ ، إنّما هو بمثابة نضال طويل ، سياسيّ ، اجتماعيّ ، ثقافيّ ، دائم ومستمر وذي رؤية مستقبليّة ؟!…
* * *
أما من ناحية التعريف بالمرسِل : أي "الجمعيّة اللبنانيّة من أجل ديمقراطيّة الانتخابات"، فقد أسّسها ، كما تشير الورقة ، نخبة من " الناشطين في الحقل العام، من أكاديميّين وحقوقيّين وصحافيّين وباحثين وعاملين في جمعيات أهليّة وطلاب ". وهم مجموعة من الطبقة الوسطى ، متجانسة فكرياً، ولهم قِيَم وأهداف ديمقراطيّة مشتركة . كما أنّ الجمعية تنظر إلى الديمقراطيّة نظرة شموليّة، وكعملية متكاملة مفادها : نشر الوعي السياسيّ بحقوق المواطن الانتخابيّة ، وضع قانون انتخابي يمثّل القوى السياسيّة، انطلاقاً من مبدإ تكافؤ الفرص وحقّ المواطنين في المشاركة السياسيّة ، وصولاً إلى تنفيذ العمليّة الانتخابيّة وإعلان النتائج وفقاً للقانون ...
أما من حيث المنهج المتّبع في هذا البحث الاستطلاعيّ ، كما جاء في الورقة ، فهو يتناول مجموع النصوص والرسائل والتقارير الصادرة عن " الجمعيّة اللبنانيّة " ـ موضوع البحث ـ كما أنّ هذه الدراسة إنّما هي دراسة نوعية ـ كمية ، تسعى إلى التعريف بالمرسِل فقط، من خلال النصوص والبيانات موضوع البحث من جهة ، وتشمل الموضوعات وعناصر المحتوى الدال عليها وعلى أهدافها التي يوفّرها التحليل الكميّ من جهة أخرى . إذن ، تقتصر هذه الدراسة فقط على مضمون النصوص والبيانات التي نشرتها الصحف قبل كلّ دورة انتخابيّة وبعدها مباشرة ، دون التعرّض لتأثيرها في المتلقّي ، أي في المرسَل إليه ، ـ المواطن الناخب . وهي تقوم على مراقبة سير العملية الانتخابيّة ، كما أنّها تتضمّن معلومات حول المخالفات الحاصلة يوم الاقتراع وأماكن حصولها ، أي في الدوائر الانتخابيّة بعامة .
هذا، ويشتمل البحث ـ الدراسة على ثلاثة محاور أو موضوعات عريضة أساسية :
ـ أولاً : المحتوى القِيَميّ ، ويضمّ نقطتين :
1 ـ الديمقراطيّة .
2 ـ الوحدة الوطنيّة .
ـ ثانياً : المحتوى الحقوقيّ ـ القانونيّ ، ويتكوّن من :
1 ـ عدالة القانون .
2 ـ دور المال .
3 ـ الإعـلام .
4 ـ المناصب العامة .
ـ ثالثاً : المحتوى الإجرائيّ ، ويتناول :
1 ـ حياد الجهاز المشرف .
2 ـ نزاهة الانتخابات .
3 ـ حرية الناخب والنشطاء .
4 ـ المراقبة والمحاسبة .
5 ـ احترام القوانين .
* * *
أما هدف " الجمعيّة اللبنانيّة "، فقد تحدّد في العمل على ضمان ديمقراطيّة الانتخابات وعدالتها وحريتها ونزاهتها ، وعلى دراسة الأنظمة والقوانين الانتخابيّة وتثقيف الناخبين وإعلام المواطنين بحقوقهم وواجباتهم المتصلة بالانتخابات وتنظيم النشاطات : كإصدار البيانات والنشرات وتنظيم المحاضرات والدورات التدريبيّة ومتابعة العمليات الانتخابيّة ومراقبتها في جميع مراحلها ، للتأكّد من انطباقها على المبادئ الديمقراطيّة ، وعلى المعايير التي تضمن الحريّة والنزاهة والعدالة ، وعلى القوانين والأنظمة اللبنانيّة والمعاهدات الدوليّة التي التزم بها لبنان ...
* * *
هنا ، وانطلاقاً ممّا تقدّم ، لا بدّ من طرح تساؤلات استفساريّة أساسيّة ، وإبداء ملاحظات منهجيّة استضاحيّة : بادئ ذي بَدء، فقد اقتصرت الدراسة ، كما رأينا ، على "مضمون الرسالة" فقط، أي على الأهداف المنصوص عنها في بيانات " الجمعيّة اللبنانيّة "، بمعنى قد جرى التركيز على مضمون النصوص ومحتواها ومفرداتها ـ كما جاء في مقدّمة البحث ، وهذا من حقّ الباحث أن يقوم بذلك ـ ولكننا في الواقع لا نعرف شيئاً ، إطلاقاً ، عن مدى تأثيرها في المتلقّي ، في المستقِبل !... أي المواطن ـ الناخب … لهذا يبقى البحث غير مكتمل ، ولا يؤدي إلى الغرض المقصود منه ، لأنّ القارئ أو المتابع يريد أن يرى مقدار فاعلية هذا النشاط الانتخابيّ وتأثيره ونتائجه العمليّة في ظروفنا الاجتماعيّة الراهنة . وبالتالي لم نعرف ولم يتوضّح لنا مَن هو الجمهور الناخب : طبيعته الاجتماعيّة ـ السياسيّة ، الذي تجاوب مع هذه الطروحات الديمقراطيّة واستجاب لها . وهل تركت أثراً فاعلاً ووَقْعاً : أين ، وكيف ، وفي أيّ فئة اجتماعيّة ؟!… كذلك، ومن الأهميّة بمكان كبير التوقّف ولو قليلاً والإشارة إلى دور ما يسمّى عندنا بـ " المفتاح الانتخابيّ " وهو دور كبير ، وكذلك دور " المختار"، وعلى الأخص في القرى النائية والأرياف وحتى في المدن ، وأثرهما الواسع وتأثيرهما العام في الانتخابات، وفي كلّ انتخابات ، نيابيّة أو بلديّة على السواء …
هذا ، ومن جهة أخرى ، فإنّ اقتصار البحث فقط على إعلان الأهداف المنصوص عنها في بيانات " الجمعيّة اللبنانيّة "، نكون في الواقع وكأننا عزلنا هذه النصوص ـ الرسالة عن واقعها الاجتماعيّ الحيّ وأخرجناها من سياقها التاريخيّ المجتمعيّ الخاص ، وأغفلنا بالتالي عمليّة التفاعل، التأثير والتأثر ، وموقف الإنسان ـ المواطن ـ الناخب وتفاعله مع هذه النصوص ـ الرسالة، وتفاعلها معه ، وفَصَلْناها عن شبكة العلاقات المجتمعيّة والفرديّة على السواء . فلم نعد نعرف ، والحالة هذه ، مدى جدواها العمليّ والفعليّ " وعلى الأرض "، في سير العملية الانتخابيّة، فنكون وكأننا قد وَقَعْنا في ما يمكن أن نسميَه : " تحصيل حاصل"، أو "تفسير الماء بعد الجهد بالماء "، بمعنى أنّ هذه المحاولة التي بدت واعدة بمجرّد حدوثها من ناحية الممارسة العمليّة ، إلاّ أنهّا لم تأت بشيء جديد ، ولم يكن لها وقع أو أثر متواصل ومستمر من الناحية النظرية ـ القِيَميّة..
* * *
أودّ هنا أن أشير أيضاً إشارة سريعة، وعلى سبيل المثال فقط، أنّ المنهج الكميّ في التحليل البنيويّ الحديث ، أو ما يُسمّى "الحداثة "، إنّما يعتمد أكثر ما يعتمد على مفردات النصّ وتحليلها. وإنّ محلّلي النصوص ينسوْن أنّ هناك كاتباً أو باحثاً ، يكتب أو يبحث، وأنّه قد يصيب وقد يخطيء… كما أنّ ثمّة مجتمعاً ينتسب إليه الكاتب أو الباحث الذي ينتج هذه النصوص ، وهي بدورها تعبّر عنه. وأنّ هناك جمهوراً كذلك ، أو متلقياً يتفاعل مع هذه النصوص ومع هذا الباحث ، أو لا يتفاعل ، ولا يتجاوب، ولا يتأثر …
ذلك أنّ هذا المنهج الكميّ الذي يأخذ النصوص ويحلّلها من خلال المفردات ويصنّفها في جداول، وبمعزل عن الواقع الاجتماعيّ أو الحركيّة المجتمعيّة في سياقها التاريخيّ ، إنّما هو منهج أقرب ما يكون إلى المنهج السكونيّ الجامد ، الذي لا يفيدنا بمعرفة الواقع الحيّ المتحرك، في تطوّره وملامسته التجربة الواقعيّة الملموسة . فالمنهج الكميّ ـ الإحصائيّ ـ الرقميّ ، إنّما يركز أكثر ما يركز على مفردات النصوص ، أي على الأرقام، بمعزل عن الواقع الاجتماعيّ الذي أنتجها، وبمعزل كذلك عن الذي كتبها وحلّلها ، أي الكاتب …
ففي هذا الإطار ، فإنّ أَخْذ النصّ، بعد عزله عن واقعه الاجتماعيّ ـ السياسيّ وتصنيفه في مصطلحات (مفردات) قِيَميّة وحقوقيّة وإجرائيّة ، ومن ثمّ وضعه في جداول ، إنّما يؤدّي ذلك إلى تعاطينا بالأرقام ومع الأرقام . والأرقام بطبيعتها سكونيّة . فتتدخل هنا أيضاً الكسور التي تزيد الواقع غموضاً والتباساً ، بل وتشويهاً … فنتحدّث ، كما في النصّ موضوع البحث ، عن عدد المفردات الإجماليّ ونسبة توزّعها على " المحتويات "، ومن ثمّ نعود ونقوم بالمقارنة مع الدورة الانتخابيّة الثانيـة، لنرى مدى انخفاض عدد المفردات أو بقائها كما هي ، إلخ… إلخ…
مَثَلُ ذلك في هذه المفردة : "حريّة الناخب والنشطاء والضغوط "، فهي قد بلغت أعلى نسبة في دورة 1996، وهي 28.6٪، والتي تتعلق بالضغوط من: ترهيب أو ترغيب أو تعنيف، وطرد من مراكز الاقتراع ، إلى الضرب وإطلاق النار أو افتعال الاضطرابات للتأثير في العملية الانتخابيّة، إلخ… فإنّنا نستعرض أشياء وحوادث كثيرة غير متجانسة ونجملها في مفردة واحدة … ثمّ يلي ذلك نسبة 20.4٪، والمتعلقة بمخالفات، غير مصنّفة، للقانون أثناء العملية الانتخابيّة، مَثَل ذلك أيضاً: كنقل صندوق أو عدم توقيع المغلفات أو المحاضر ، أو استبدال رؤساء الأقلام بموظفين أمنيين ، أو تعليق صُوَر داخل أقلام الاقتراع ، إلخ… فإنّنا نكون ، كما نرى ، قد عمدنا إلى وضع تحت مفردة واحدة: نزاهة الانتخابات والتزوير أو محاولات التزوير في لوائح الشطب ، أو بطاقات المقترعين، أو اقتراع الموتى أو الغائبين، إلخ… إنّنا نضع أشياء كثيرة مختلفة، وأحياناً لا رابط بينها، في خانة واحدة…
كذلك الأماكن التي اُرتكبت فيها مخالفة ما : مراكز الانتخاب أو القرى أو المواقع الجغرافيّة، ثمّ تصنيف هذه المواقع ، بحسب الدوائر الانتخابيّة التابعة لها. وإنّ ذكر الموقع، يعني ذكر مخالفة واحدة على الأقل : فهناك مواقع حصلت فيها مخالفات متعدّدة لا يمكن حصرها ، احتسبت مخالفة واحدة : إخراجات قيد مزوّرة ، نقل صناديق الاقتراع ، إلخ… اعتبرت جميعها مخالفة واحدة دون النظر إلى طبيعة هذه المخالفة : واحدة أو أكثر…
* * *
هنا أرى من الأهميّة التوقّف قليلاً لقراءة نصوص " الجمعيّة اللبنانيّة " وبياناتها ووثائقها وأهدافها المعلن عنها :
ـ أولاً : في إطار المرسِل (الجمعيّة) والمتلقّي (المواطنين ـ الناخبين) في آنٍ معاً.
ـ ثانياً : معرفة مدى التفاعل والتأثير والتأثر بينهم ، بدلاً من أن تُقتصر هذه الدراسة على مضمون البيانات ومفرداتها وتحليلها كميّاً فقط ؟…
ـ ثالثاً : مدى ارتباط هذه النصوص وتعبيرها عن الواقع المجتمعيّ اللبنانيّ الحيّ ، عن السيرورة الاجتماعيّة ـ التاريخيّة ، عن موقف الإنسان ـ المواطن ـ الناخب ومدى تفاعل تلك النصوص معه وتفاعله معها في الوقت نفسه . بمعنى قراءة مدى تفاعل المواطن ـ الناخب ـ الجمهور العام ، مع نصوص " الجمعيّة اللبنانيّة " وبياناتها ومفرداتها ، وتجاوبه معها واستجابته أو ممانعته لها ، أو لا مبالاته … إلخ…
أو بتعبير آخر ، ألَم يكن من الأجدى معرفة مَن هي هذه الفئات الاجتماعيّة الناخبة التي استجابت فعلاً ، نظرياً وممارسة ، وإلى أيّ مدى ، أو التي لم تستجب لهذه النصوص والبيانات موضوع البحث ، ذلك أنّ هذه الجماهير الناخبة سواءٌ الشعبيّة ، أو الشبيبة ، أو الطبقات الوسطى عموماً، إنّما هي في الواقع صاحبة الشأن والمصلحة في ذلك كلّه ؟!…
فالسؤال الذي يُطرح في هذا السياق هو التالي : كيف فُهمت ، نظرياً وعملياً ، "مفردات" نصوص " الجمعيّة اللبنانيّة " في ممارستها : الديمقراطيّة، الحريّة ، العدالة ، تكافؤ الفرص، المساواة، الحقّ في الاختيار ، الحقوق والواجبات ، وبكلمة : حقوق المواطن ـ الناخب ، أو المواطنيّة الحقّة… ذلك أنّ للفرد المواطن ، للجمهور الناخب، دوراً من الناحية النظريّة والعمليّة، ينبغي أن يمارسه: فهل لعب هذا الدور ، وكيف ؟… وإذا كان الجواب بالنفي ، فلماذا ؟… أو بمعنى آخر أكثر تحديداً ووضوحاً : هل المجتمع اللبنانيّ، في الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة الراهنة، مهيّأ لتقبّل هذه المفاهيم الحديثة حول : ديمقراطيّة الانتخابات النيابيّة ؟!… ما هي المقوّمات ؟!… ولماذا السلطات السياسيّة النافذة ، في شتّى العهود المتعاقبة ، وبخاصة في ما يسمّى بـ " الجمهورية الثانية "، لا تقيم أيّ وزن للقوانين الدستوريّة وتخترقها في العلن وفي وضح النهار ، أو تختزلها في أشخاصها ، دون أن يكون ثمّة محاسبة أو محاكمة تُذكر في غالب الأحيان ؟!… هذا هو السؤال الملحاح الذي ما زال ينتظر جواباً، وهذا ما كنّا نأمل أو نتوقع أن تتوقف عنده " الجمعيّة اللبنانيّة " من أجل ديمقراطيّة الانتخابات، وأن تجيب عنه أو تشير إليه في سياق ممارستها العمليّة …
إلى هنا ، وكما يشير الدكتور شبيب في ختام بحثه ، وهو على حقّ ونحن نؤيده في ذلك، فإنّ موضوع استغلال المناصب والمواقع السياسيّة في لبنان ، إنّما يتوحّد وبصورة واضحة ، مع عدم حياد السلطة السياسيّة القائمة والمشرفة على العملية الانتخابيّة. فهي تستغلّ أيّما استغلال موقعها السياسيّ للتأثير فيها لجهة تسخير : أجهزة الدولة ، الإعلام الرسميّ وحتى الإعلام الخاص، إنّها هي التي تضع قانون الانتخاب وهي التي تحدّد الدوائر الانتخابيّة وتقيم الاستثناءات وتمارس أعمال الترهيب والترغيب والضغط على المرشحين ، إلخ … لذلك ، فإنّ مشكلة الديمقراطيّة في لبنان إنّما تكمن في طبيعة السلطة السياسيّة الجاثمة ، والممسكة بزمامها ، والتعطيل المتعمّد لها ، وإفراغ القِيَم الديمقراطيّة من مضمونها على المستوى الحقوقيّ والقانونيّ والإجرائيّ والأخلاقيّ …
ففي هذا المجال ، تحضرني مقولة أحد السياسيّين العريقين المخضرمين ، حين يقول، وهو على فراش المرض ، بعد تجربة سياسيّة تقليديّة طويلة : حتى تكون زعيماً سياسياً ونائباً في البرلمان النيابيّ في لبنان ، فلا بدّ لك من الإمساك بأوراق ثلاث :
1 ـ تأييد المرجعيات الدينيّة .
2 ـ دعم أجهزة الدولة السياسيّة والأمنيّة .
3 ـ حيازة بين يديك قوة ماليّة كبيرة .
فهذا صحيح إلى حدٍ كبير ، في الماضي وفي الحاضر ، فباتت الانتخابات النيابيّة عندنا، تخضع الآن وأكثر من أيّ وقت مضى ، لاقتصاد السوق ، العرض والطلب : المرشح يعرض مالاً.. والناخب يطلب ويزاود في الطلب ...
* * *
أعود هنا مرّة أخرى ، ولأهميّة الموضوع في حياتنا السياسيّة ، إلى طرح إشكالية الديمقراطيّة في مجتمعات العالم الثالث وفي مجتمعاتنا على وجه الخصوص . أولاً وقبل أيّ شيء آخر، إلى أيّ مدى ، كما قلنا أعلاه ، يمكننا أن نطلق صفة الديمقراطيّة على أنظمة سياسيّة تجري فيها الانتخابات ، نيابيّة كانت أم غير نيابيّة ؟... فهل لمجرّد حصول انتخابات نيابيّة أو رئاسيّة أو خلافها، يمكن اعتبارها دليلاً كافياً على أنّ النظام السياسيّ هو نظام ديمقراطيّ ؟... لقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ ، في الأنظمة الدكتاتوريّة ، التسلطيّة ، القمعيّة ، قد يُعلن عن إجراء انتخابات ، بصيغة أو بأخرى ، وعلى مختلف المستويات ... هنا ، يُطرح السؤال : أيّ نوع من أنواع الديمقراطيّة تلك ؟... شكلها ؟... مضمونها ؟... طبيعتها ؟... مرتكزاتها ؟... تداول السلطة فيها ، إلخ... ؟!...
هذا من جهة ومن جهة أخرى ، هناك تعريفات كثيرة وكثيرة جداً للديمقراطيّة ، للنظم الديمقراطيّة على اختلافها من حيث النشوء والمضمون والشكل والأسس الاجتماعيّة والتاريخيّة التي تقوم عليها ، إلخ... وهي معروفة بتفصيلاتها الدقيقة والفروقات فيما بينها، وآليات عمل كلّ منها، من الجوانب النظريّة والممارسات التطبيقيّة ونتائجها العمليّة ... كلّ ذلك معروف ومدروس وهو يُدرّس في الجامعات وفي جامعاتنا وبتوسّع كبير ... فهل لمجرّد معرفة ذلك كلّه وحفظه وترداده وتكراره، نصبح حقيقة ديمقراطيّين ؟!... لو كان الأمر على هذا الشكل ، لما كان ثمّة مشكلة ولأضحى طلاب كليات الحقوق وأساتذتها في طليعة الديمقراطيّين والتيّارات الديمقراطيّة ... غير أنّنا نعلم جميعاً علم اليقين، أنّ ذلك ليس بهذه البساطة ولا يتطابق مع ما يجري في الواقع الفعليّ الحقيقيّ . فليست القضيّة قضيّة تعريف أو معرفة التعاريف الديمقراطيّة ومكوّنات الديمقراطيّة ومقوّماتها وعناصرها وشروطها وأسسها وآليات عملها على الصعيد النظريّ وفي المستوى التطبيقيّ. بل الخلل، كلّ الخلل في ممارسة الديمقراطيّة ، إنّما ينبع من مكان أو مصدر آخر ، من البِنْية المجتمعيّة ، من التكوين الاجتماعيّ التاريخيّ الثقافيّ للبلد ...
في هذا السياق الاجتماعيّ والتاريخيّ والثقافيّ العام ، ماذا تعني ، عندنا ، حقيقةً وفعلاً ، "الحريّة "، مفهوم الحريّة من حيث التطبيق العمليّ، حريّة المواطن، حتى ولو كانت هذه الحريّة مطلقة نظرياً، كما هي الحال في لبنان ؟!... كلّنا يذكر مقولة الرئيس الحص : في لبنان الكثير الكثير من الحريّة ، والقليل القليل من الديمقراطيّة... هذا يعني أنّه لو توافرت هذه الحريّة المطلقة نظرياً، وهي متوافرة دستورياً وقانونياً في حريّـة الانتخابات ، فما هي المقوّمات ؟!... ما الذي يعيقها عملياً من أن تُمارس في "حق الاختيار" و"نزاهة الانتخابات" ؟!... أو بكلام أكثر تحديداً، لماذا لم تتحقّق حريةُ الانتخابات ، حقيقةً وبشكل سليم في لبنان ، وتُطبّق وفق الأسس والمعايير والشروط الديمقراطيّة الحقيقيّة والمتعارف عليها سياسياً واجتماعياً ؟!...
ومن جهة أخرى ، هل المواطن اللبنانيّ الذي يمارس حقّه الانتخابيّ دورياً ، كلّ أربع سنوات، هو ديمقراطيّ حقيقة وبكلّ ما تحمل الكلمة من معنى ويمكن وصفه بأنّه يتمتّع بصفة المواطنيّة في حياته الخاصة والعامة ، في سلوكه وتفكيره ، في علاقاته السياسيّة والاجتماعيّة ؟... وبمعنى آخر أيضاً ، هل مفهوم الديمقراطيّة ، في النظريّة وفي الممارسة ، هي بمثابة "وصفات" يمكن أن نتلقاها من خارج الذات ، حتى نصبح ديمقراطيّين ، أم أنّها قضيّة بنيويّة ـ مجتمعيّة ـ عضويّة تصدر من الذات ، أي من الداخل ، من طبيعة المجتمع وتطوّره التاريخيّ والثقافيّ ؟!... فهناك في الواقع فرق بين الحريّة والديمقراطيّة . فكلّ " ديمقراطية "، في المفهوم والتطبيق ، يجب أن تتوافر فيها الحريّة . ولكن كلّ " حريّة " ليست بالضرورة شرطاً في أن تكون ديمقراطيّة ...
* * *
هنا أهميّة العودة الدائمة إلى الواقع الاجتماعيّ، إلى الظروف التاريخيّة والثقافيّة، إلى طبيعة القوى السياسيّة المهيمنة التي تجري في إطارها وفي إطار قوانينها وقِيَمِها ومفاهيمها الحقوقيّة والإجرائيّة، الممارسةُ الديمقراطيّةُ والعمليّةُ الانتخابيّةُ . لا يمكننا ، بل ولا يجوز أن نعتبر الانتخابات والعمليات الانتخابيّة المتعاقبة التي كانت تجري منذ تأسيس لبنان الكبير ، ومن ثمّ في مختلف العهود والمراحل حتى حينه ، وأن ننظر إليها على أنّها عبارة عن انتخابات ديمقراطيّة ، بأبسط المعايير الديمقراطيّة الحقيقيّة ، سواءً أكان ذلك في الشكل أم في المضمون والمحتوى ، وإنّما كانت دائماً وأبداً تخضع للسلطة السياسيّة أو السلطات الحاكمة ، وتبعاً لمصالحها ولموازين القوى السياسيّة ـ الاجتماعيّة في الداخل أو في الخارج ، بمعنى أنّها لم تكن لتجريَ قط وفق إرادة أو مصلحة شعبيّة حقيقيّة. إنّ عمليات حلّ المجالس النيابيّة المتعاقبة أو تفصيل القوانين الانتخابيّة أو تقسيم الدوائر الانتخابيّة أو تغيير في عدد نواب المجالس النيابيّة ، زيادةً أو نقصاناً ، إنّ ذلك إنما كان يتمّ ، وبجرأة لا حدود لها ، بما يتلاءم مع قوة الطبقة السياسيّة الحاكمة ونفوذها ، ووفق مصالحها السياسيّة ـ الانتخابيّة ومصالح حلفائها وأنصارها ، في الداخل أو في الخارج ...
لقد عمدت مختلف التيّارات والقوى السياسيّة التي بسطت نفوذها وحكمت لبنان ، من الماضي إلى الحاضر ودون استثناء ، وخصوصاً بعد اتفاقية الطائف ، " وثيقة الوفاق الوطنيّ "، إلى وضع قوانين انتخابيّة "موسميّة "، إستنسابيّة ، انتقائيّة ، يجري تفصيلها وفرضها من أجل خدمة مصالحها السياسيّة ... فقد جرت بعد إقرار " وثيقة الطائف "، على سبيل المثال فقط لا الحصر ، ثلاثة انتخابات نيابيّة: 1992 ـ 1996 ـ 2000، فوُضع لكلّ واحدة منها قانون انتخابيّ خاص بها، جرى تفصيله وتسويقه بسرعة فائقة ، تجاوز وبصورة خطيرة، كلّ التعديلات السابقة، ضارباً عرض الحائط مراعاة أيّ أساس أو جوهر أو مرتكز لأبسط أيّ مبدإٍ من مبادئ الديمقراطيّة والانتخابات الديمقراطيّة في حدودها الدنيا ، سياسياً أو مادياً أو قانونياً .
من هنا ، يحقّ لنا أن نتفهّم المواطن اللبنانيّ وأن نوافقه ، وإلى أيّ فئة اجتماعيّة أو سياسيّة انتمى، عندما يعتبر ويزداد يوماً بعد يومٍ اقتناعاً في أنّ العمليات الانتخابيّة جميعها لا يمكن وصفها بالانتخابات الديمقراطيّة وبأيّ مقياس كان ، لا من الناحية النظريّة ، القانونيّة أو الدستوريّة ، ولا من ناحية الممارسة العمليّة ، وذلك انطلاقاً ممّا كان يسبقها من تحضيرات قانونيّة : مثلاً تقسيم الدوائر الانتخابيّة، أو ما يرافقها من إجراءات لا تتوافر فيها حياديّة الدولة وأجهزتها ...
ففي الانتخابات النيابيّة الثلاثة التي جرت بعد الطائف ، كانت قد جَمَعت اللوائحُ المختلفةُ الأقوياءَ مالياً إلى جانب الزعامات السياسيّة ـ الميليشياويّة . فنتج عن ذلك مجالس نيابيّة تضمّ تحت قبّتـها ـ خصوصاً المجلس النيابيّ الحالي ـ أرقاماً قياسيّة من المتمولين الكبار ورجال الأعمال... فأصبحت السلطة السياسيّة : التشريعيّة والتنفيذيّة ، خاضعة إلى حدّ كبير ، لنفوذ وسيطرة رأس المال الذي وُصف أحياناً بالمتوحش وأحياناً أخرى بحيتان المال ، يوجّهها وفق مصالحه وشروطه الخاصة أو تبعاً للمنفعة المادية لشركاء الخارج . فالمجلس النيابيّ الحالي تحديداً ، يضمّ بين جنباته نخباً رأسماليّة وأصحاب شركات محليّة وأجنبيّة ، منافية للمعايير السياسيّة والوطنيّة والأخلاقيّة التي ينبغي أو يفترض توافرها في النائب والوزير ( )...
فرغم الخروقات السياسيّة والقانونيّة الفاضحة والشوائب الدستوريّة الواضحة التي اعترت نظامنا الانتخابيّ ، ما زال هناك مَن يعتبر لبنان " بلداً ديمقراطياً، وأنّ له بعض المميّزات الديمقراطيّة في ممارسة الحكم ، وذلك بالنسبة إلى الأنظمة العربيّة الأخرى التي تعتمد على النظام الحزبيّ ـ الرئاسيّ ، أو على نموذج حكم العائلة والوراثة العائليّة ... ولكن ، في المقابل ، ثمّة مَن يرى إلى الانتخابات النيابيّة التي كانت وعادت تجري كلّ أربع سنوات ، على أنّها في الحقيقة وفي الأعماق على أنّها " المسرحيّة الديمقراطيّة اللبنانيّة الشكليّة والموسميّة ، ذلك أنّ الديمقراطيّة في لبنان ، إنّما تُمارس وتُطبّق من دون وجود ديمقراطيّين حقيقيّين وبغيابهم ...
هذا ، وعلى الرغم من جميع الشوائب التي تعشعش في نظام الحكم السياسيّ عندنا ، فإنّ الإصلاح الديمقراطيّ ، لا يمكن أن يتأتى إلاّ بالمزيد من الديمقراطيّة لا إلغائها ، المزيد من العمل الديمقراطيّ المتواصل والمستمر دائماً وممارسة . هـنا ، وفي هـذا النطاق ، يبرز دور المثقفين الملتزمين، دور القوى والتيّارات الديمقراطيّة الحقيقيّة ، قوى المجتمع المدنيّ بمعناه الديمقراطيّ، في كشف العيوب والخروقات والانتهاكات ، علمياً ، سوسيولوجياً ، تاريخياً، ثقافياً، في التحليل والمراقبة والإعلام ... وإلاّ فلن يقوم للبنان قائمة ما دامت موازين القوى الخارجيّة هي التي تتحكم ، سياسياً ، في شؤون الحكم الداخليّة وتسيّرها وفق مصالحها ...