الموقف من قضية الوحــدة
3 ـ الموقف من قضية الوحــدة
الوحدة هي الهدف الأول بين أهداف البعث والأمة العربية . ويحتل النضال الوحدوي مكانة الأولوية بين المهام الأخرى . فالوحدة تعيد للأمة العربية قوتها ودورها الحضاري وعطاءها المتجدد، وتضع الأساس للمشروع القومي النهضوي العربي ، وتفتح أمام الأمة آفاقاً واسعة كي تستعيد دورها في مسيرة الحضارة البشرية وتحقق رسالتها الإنسانية الخالدة . ولكن ما هو فهمنا لقضية الوحدة العربية ..؟ هل هي الدولة المركبة ..؟ هل يمكن أن تتحقق بين قطرين ..؟ هل يمكن أن تتحقق بين نظامين مختلفين في بنيتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية …؟
كان مفهوم الوحدة يرتكز على تحقيق وحدة الدولة ومؤسساتها وانصهار مؤسسات الدولة القطرية بالدولة الموحدة دون الأخذ بالاعتبار الوقائع والظروف التي نشأت خلال عقود التجزئة والحكم الأجنبي . وفي ظل نمو الوعي القومي حول أهمية الوحدة وضرورتها قامت الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر في شباط عام 1958 . غير أن هذه الدولة تفككت بعد ثلاث سنوات ونصف نتيجة لمؤامرة الانفصال .
وفي نيسان عام 1971 أعلنت سورية ومصر وليبيا إقامة دولة إتحاد الجمهوريات العربية وتشكلت مؤسسات الدولة : رئاسة الاتحاد ، مجلس وزراء اتحادي ، ومجلس أمة اتحادي ، ثم ما لبثت مؤسسات هذه الدولة أن تجمدت نتيجة الخلافات في المواقف السياسية بعد حرب تشرين عام 1973 .
والاستنتاج الذي يمكن التوصل إليه هو أن القفز فوق الوقائع أو سياسة حرق المراحل مسألة غير صحية , وأنه لابد من إزالة العقبات، عقبة عقبة، عبر سلسلة من الأعمال ، عملاً بعد عمل .
والسؤال كيف يجب أن ننظر إلى قضية الوحدة العربية وآليات تحقيقها .. ؟
أ ـ يجب التركيز على قضية تعزيز الانتماء القومي ، وتقوية الهويـــة القومية ، والتأكيد على الوحدة باعتبارها هدفاً مصيرياً للعرب ، والتركيز على أن مصير العرب ومستقبلهم وأمنهم مرتبط بالوحدة العربية .
إن التركيز على الانتماء القومي وتنمية الثقافة والتعريف بالتراث ضرورات قومية ووطنية أمام الغزو الثقافي الأجنبي ، كما أن غياب الوعي بالانتماء القومي سيؤدي إلـى فراغ يملؤه الانتماء الطائفي أو الديني أو العرقي أو الاقليمي ، وهــذا ما يزيد في تمزق العرب ومعاناتهم ، وهو أحد الأهداف الرئيسية لأعدائهم وفـــي مقدمتهم إسرائيل والصهيونية العالمية .
ب ـ وفي إطار تنمية الشعور القومي يجب المبادرة بالعمل على تحقيق مناخ عربـي يسوده الوئام لوقف الصراعات الهامشية والانتقال إلى مرحلة القبول ، قبول البعض بالبعض الآخر .
ج ـ إن طرح مبادرة لإقامة شراكة عربية اقتصادية وثقافية وعملية وأمنية هـي خطوة أولية لإزالة حواجز التفرقة ، وتدفع التوجه إلى شراكة سياسية بين العرب في مختلف أقطارهم ، وبكلمة أخرى المبادرة لطرح نظام عربي جديد يتحقـق عبر خطوات متتالية في إطار قومي وبصورة متدرجة تأخذ بالاعتبار الواقع القائم
د ـ يبادر الحزب والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية لتوسيع دائرة الاتصال والعلاقات مع مثيلاتها في الوطن العربي بهدف خلق مناخ عربي وتقوية الشعور بالانتماء والإحساس بالأخطار التي تهدد مصير الجميع .
وفي مثل هذه التوجهات يكون أي عمـــل بيـن دولتين أو اكثر ، بغض النظر عن الاختلاف في الأنظمة السياسية ، خطوة على طريق الوحدة شرط ألا يأخذ الطابع الإقليمي الذي يرسخ التجزئة والفرقة .
ولاشك في أن تركيز الجهود على التعاون الاقتصادي وإقامة اقتصاد متكامل فـي مرحلة ما من العوامل الرئيسية لتعزيز مسيرة الوحدة . فالوعي بأهمية الوحدة وضرورتها يجب أن يتكامل مع الارتباط الذي يجسد هذا الوعي على أرض الواقع عبر خطوات ملموسة ، وعندما يكون الارتباط المادي والثقافي والعلمي والأمني قوياً فإن الارتباط العاطفي الذي يعبر عن الوعي يصبح محصنا ويصبح الطريق لتحقيق الوحدة أكثر سهولة .