كلمة المناضل - أيــار بدايــة نكبـة مـا تـزال تـزداد اشتعالا
كلمة المناضل العدد 43 أيار 1972
أيــار بدايــة نكبـة مـا تـزال تـزداد اشتعالا
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
التاريخ لا يرحم الشعوب المستضعفة المتخاذلة التي تستسلم لأي هجوم مهما بلغت شراسته ، إن منطق التاريخ وإرادة الحياة تحتمان على الشعوب استمرار الكفاح حتى النهاية إذا ما صممت على بلوغ أهدافها ، ولقد أثبت شعبنا العربي عبر مراحل التاريخ قدرته على الصمود في وجه التحديات ، ولئن مرت مع أيار مؤشرات كبرى تركها هذا النضال ملاحم من الصمود على جوانب المسيرة المتقدمة دوما لجماهير هذا الشعب ، فان المؤشرات تعني إمعان النظر في معالم الدرب وتقدير معالم الخطى وابعادها ، ومن ثم تثبيتها في لوحة واضحة مستوعبة يأمر فيها المنطق العلمي لا منطق الأمية السياسية، والتخفي وراء التعابير الجوفاء حتى يحولوا العملية النضالية الى ثورة في التعابير الألفاظ .
ان عملية الثورة والتحرير عملية منطق وتقدير علمي لمجمل المواقف وفي كل مجالات العمل الثوري والنضالي ، فأين نحن من هذا المنطق في أيار الرابع والعشرين لذكرى النكبة الفلسطينية وما تفرع عنها من نكبات أخر ؟ لقد كان حزبنا في أول الحركات السياسية في الوطن العربي في وعيه طبيعة المعركة بتحديده جهات الصراع الرئيسية فيها ضمن رؤى علمية واضحة ، فهي معركة بين قوى الاستعمار والصهيونية والقوى المضادة للثورة من جهة ، وقوى التحرر والتقدم من جهة ثانية ، معتبراً أن كل نصر تسجله قوى التقدم هذه سواء في مجال بناء أنظمتها التقدمية والداخلية ، أو في قيام أية ظاهرة وحدوية تقوي جبهة هذه القوى على النطاق العربي كله ، إنما هو لبنة في بناء قدرة الصمود والتصدي في هذه المعركة ،(مع تأكيده في الوقت نفسه ان الجماهير العربية الكادحة هي الأداة الوحيدة في تحمل مسؤولية العملية الكفاحية هذه ) .
كما عمد حزبنا أيضا في مجال رسمه الأبعاد الموضوعية لمعركتنا هذه بعد ان حدد طبيعتها وأداتها ، عمد إلى توضيح أسلوب هذه المعركة بإعلانه شعار حرب التحرير الشعبية والكفاح المسلح أسلوبا رئيسيا ليس فقط من اجل تحرير التراب الفلسطيني وإنما لتحرير الجماهير العربية بأسراها ، ان استذكارا لشهداء السادس من أيار الذين تصدوا لوحشية الاستعمار التركي ، وشهداء التاسع والعشرين منه الذين صمدوا ببسالة نادرة في الدفاع عن مبنى المجلس النيابي في سورية ، شواهد لقدرة هذا الشعب في التصدي لكل قوة تتحدى إرادته في التحرير والكرامة ، أما ذكرى الخامس عشر من أيار ذكرى النكبة، ذكرى الحدث الذي مازال يزيد اشتعالا ، مستقطبا ليس فقط الاهتمام العربي وإنما اهتمام العالم بأسره خاصة بعد أن تطور إلى كيان يهدد أمن المنطقة وسلامة هذا العالم ، ان هذه الذكرى التي تكرر مرورها أربعا وعشرين مرة ، تقتضي إلا تمر على الذاكرة العربية كمجرد اعتياد احتفالي جنائزي أنها تقتضي زلزلة في الفكر العربي حول كل أسس العمل النضالي القائم ، ومراجعة جذرية لمساراته المختلفة ، وإذا كان العمل الفدائي الذي يعتبر ظاهرة متميزة على ساحة الكفاح اليومي للمعركة ما زال في مجال توضيح بعض من ملامح هذه الأسس ، وخاصة بعد قرارات المجلس والمؤتمر الوطني الفلسطيني في اجتماعهما الأخير في القاهرة ، المباشرة في اتخاذ الخطوات العملية لتوحيد العمل الفدائي تمهيدا لانتهاج استراتيجية مدروسة وموحدة ترسم مسار العملية النضالية الفلسطينية ، فان هذا يشكل جزءا محدودا من مجمل متطلبات المعركة أما الجزء الكبير فيقع على عاتق القوى التقدمية العربية التي لم تقدم حتى الآن إلا القليل من العمل والكثير من الشعارات ، لقد قرر الحزب منذ مؤتمره القومي التاسع المعقود في أيلول 1966 دور هذه القوى و أشار إلى ضرورة عقد لقاءات فيما بينها على المستويات الرسمية والشعبية وما نزال ننتظر مردودا عمليا يمكن أن يلحظ على ساحات النضال المختلفة مع أن معظم الأطراف أعلن الوعي الكامل لأبعاد المعركة وتنادي الى ضرورة الكفاح المسلح ، مباركاً شعار حرب التحرير الشعبية بكثير من الشحنات الكلامية ، ان استعراضنا لأحداث الساحة العربية وللأخطار الكبرى التي تهدد هذا الشعب في وجوده ومصيره ، لابد وأن يصفع الذهول في وجه كل القوى كي تسرع الى انتهاج وقفة واعية مسؤولة تضعها في مجال اتخاذ المواقف المباشرة والعملية في مجرى المعركة ، ان شعبنا العربي الفلسطيني إذا كان يأخذ بحكم ظروفه ظرفا كبيرا من أعباء العمل الكفاحي، إلا أن أي عمل نضالي لا يمكنه يحكم طبيعة المعركة أن يأخذ أبعاده المطلوبة إلا من ضمن جو نضالي صحي يجب ان تهيئ له القوى التقدمية العربية ، الرسمي منها والشعبي ، ولا يكون ذلك إلا بالمبادرة فورا إلى لقاء هذه القوى ، ووضع الدراسات وكل الإمكانات اللازمة لتحويل شعار حرب التحرير الشعبية إلى واقع عملي وشامل يضع كل القوى الثورية والحركات التقدمية في الوطن العربي ، في خندق التنفيذ المباشر لمهامها ومسؤولياتها التاريخية في قيادة الجماهير نحو تحقيق الأهداف القريبة والبعيدة لعملية التحرير ، ضمن منظور علمي للمعركة وأبعادها القومية والإنسانية بحيث توفر الظروف الموضوعية لتوحيد الجهود وحشد الطاقات في مجرى العملية النضالية الشاملة . أن هذه القوى مطالبة بأن تجسد عمليا وحدة النضال الجماهيري في كل وطننا العربي وعلى ساحة المعركة مباشرة ، وان مؤشر الزمن لايشعرنا بمجرد تتالي الأيام ومناسبات الذكرى ، إنه بالنسبة لنا إنذار خطر فهل نعي التحذير في ذكرى النكبة هذا العام أو نمر بها ضمن مراسم الاحتفالات الجنائزية المتكررة المعتادة ؟؟...