النهار - أهلاً بالرئيس نجاد ومهلاً في تنفيذ العقود - بقلم مروان اسكندر
الأحد 17-10-2010
أهلاً بالرئيس نجاد ومهلاً في تنفيذ العقود - بقلم مروان اسكندر
جميع اللبنانيين يرحبون برؤساء الدول الصديقة عند زيارتهم لبنان رسمياً، ومن مصلحة لبنان تطوير التعامل الاقتصادي والنفطي والسياحي مع ايران. ولبعض اللبنانيين مصالح مستمرة في ايران كما لإيرانيين يحملون جنسية دولة الإمارات مصالح عقارية قيد التطوير في لبنان.
حماسة الاستقبال للرئيس محمود أحمدي نجاد كانت واضحة ومنتظمة وملتزمة ومع ذلك حافظ الزائر على خطاب هادئ ومساع لتقريب وجهات النظر وعمل قدر الامكان على كبح حماسة مؤيديه لاعلان زيارته عنواناً لنصر سياسي.
ان الاتفاقات الاقتصادية المتوازنة والمنفتحة تفيد الأطراف المتعاقدين، ولا يحول دون تنفيذها الا وجود اتفاقات مع اطراف آخرين تفرض في حال انجاز عقود جديدة بشروط ايسر وأوفر تأمين الشروط ذاتها للأطراف المتعاقدين معهم كسوريا ومصر على سبيل المثال. فيكون من الضروري اعادة النظر في العقود الموقعة والسارية لتوسيع مفاعيلها لتماثل اية عقود جديدة.
أما بعد، فان عقد اتفاقات مع ايران ومؤسساتها في نطاق توليد الكهرباء، وتوزيع المياه وتنقيتها، وانشاء السدود، وانجاز مرافق لتكرير النفط والبحث والتنقيب عن النفط والغاز، وحتى لو اقترنت هذه العقود بتسهيلات مالية مهمة، فلا بد من تمحيصها ودرسها بتعمق وتقويم القدرات الايرانية في صددها.
نبدأ اولاً بموضوع النفط والغاز والبحث والتنقيب عن هذه الموارد المهمة وتطوير الحقول. فايران كانت منذ 1957 الدولة التي بادرت الى انجاز عقود مشاركة. انجزت حينئذٍ مع شركة النفط الايطالية، اصبحت عقود المشاركة في ما بعد البديل الناجع من الامتيازات التي ألغيت تدريجاً. وعقود المشاركة معتمدة في ايران وسوريا ومصر وليبيا، لكن هذه العقود تفترض مشاركة طرف أجنبي أو أكثر من الشركات المتخصصة في النشاط المعني، بحث وتنقيب، ضخ عبر الانابيب أو تكرير.
معلوم ان ايران ثاني أغنى بلد باحتياط الغاز في العالم ورابع اغنى بلد باحتياط النفط، لكن ايران التي تعتمد على استهلاك الغاز بكثافة، ونظراً الى عدم تطوير حقولها منذ سنوات وسنوات اصبحت مستوردة للغاز. وبالنسبة الى مرافق التكرير، انحصرت الاعمال في ايران باصلاح بعض المصافي القديمة العهد وانشاء عدد بسيط من المصافي، على أيدي شركات تعهدات اجنبية. وايران تستورد البنزين اضافة الى الغاز وكلفة استيراد البنزين والغاز بالمليارات من الدولارات سنوياً.
لو كانت القدرات الايرانية في هذه النشاطات على مستوى الحاجات لما كانت ايران، وهي الدولة التي يبلغ عدد سكانها 75 مليوناً، في حاجة الى اعتماد الخبرات الفرنسية والايطالية في مجال التكرير، والخبرات الفرنسية والنروجية في مجال البحث والتنقيب والتطوير. ومع كل ذلك، لم تحقق ايران اكتفاءً ذاتياً في انتاج النفط والغاز والتكرير، فكيف لنا ان نعتمد هذه الخبرات وايران في أشد الحاجة اليها، وهي لجأت الى الخبرات الاجنبية لتحقيق تطوير لا يكفي حاجاتها؟
منذ فترة قصيرة، عام 2009، انجزت ايران عقوداً مع شركة النفط الصينية لتطوير انتاج النفط والغاز وتوسيع طاقة التكرير. والتزم الصينيون الذين لا يتقيدون بشروط العقوبات الدولية على ايران استثمار 24 مليار دولار في هذه الاعمال، والروس كذلك وهم أيضاً يعارضون العقوبات الاقتصادية على ايران التزموا بواسطة شركتهم العملاقة للغاز "غاز بروم" تطوير مكامن للغاز في ايران وتأمين انتاجها لتغطية الحاجات المحلية وتحقيق بعض الصادرات. والروس وفروا استثمارات لهذه المشاركات على مستوى ستة مليارات دولار.
ان حماسة الروس والصينيين لتطوير مصادر الطاقة في ايران تنطلق من ضخامة الثروة الطبيعية المتوافرة في ايران. كما ان الروس هم أصحاب أكبر احتياط للغاز في العالم وصادراتهم من الغاز والنفط تفوق، بالقيمة والطاقة صادرات أي دولة أخرى بما فيها السعودية، المنتج الاول والاكبر للنفط في العالم. ومصلحة روسيا التنسيق مع ايران في ما يخص الغاز والنفط.
اضافة الى ذلك، تولى الروس انجاز اعمال تطوير مفاعل بوشهر لانتاج الكهرباء من الطاقة النووية وكان المصنع قد انجز باستثناء تجهيزات استقبال اللقيم النووي على يد شركة "سيمنز" الالمانية التي تم التعاقد معها لانجاز مفاعل عام 1975 كما تم التعاقد مع شركة فرنسية لانجاز مفاعل نووي كهربائي آخر. واستناداً الى المعلومات المتوافرة، تعاقد الروس مع ايران على انجاز مفاعلات نووية كهربائية اخرى مستقبلاً لم يحدد عددها.
الصينيون ركزوا اهتمامهم على ايران لانهم في حاجة كبيرة الى استيراد الغاز والنفط وقد اصبحوا يحوزون ثلث الاحتياط النقدي العالمي وهم يبحثون عن التوظيف في مجالات الطاقة ومصادرها في انحاء العالم وقد حازوا امتيازات في أكثر من بلد افريقي كما هم حازوا عقد مشاركة مهماً مع العراق كما فعل الروس الذين انجزوا اتفاقين للمشاركة في العراق. وقد اصبحت الصين ثاني أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة ويتوقع ان يزيد استهلاكها عن الاستهلاك الاميركي سنة 2015.
ثم نأتي الى موضوع المياه، وايران تتمتع بتساقط مهم لمصادر المياه خلال ستة اشهر من السنة ومن ثم تعاني ستة أشهر من الجفاف، وبعض التدفق المائي يصل الى ايران من أذربيجان وتركمانستان. ولدى ايران عدد كبير من السدود واستهلاكها من المياه يذهب بنسبة 85 في المئة الى الزراعة. وبحسب الدراسات الميدانية هنالك مجال كبير لتحسين استعمال المياه في الزراعة وقد اصبح هذا الهدف مهماً لان الحاجات المنزلية غير متوافرة على المستوى المطلوب وخصوصاً في المناطق الزراعية.
وقد بدأت ايران تنفيذ مشاريع لتنقية المياه وحفظها وتوزيعها بصورة منتظمة وايران تنفذ برنامجاً مدعوماً دراسياً وتمويلياً من البنك الدولي، وخلال السنتين المنصرمتين تعاقدت ايران مع شركتين المانيتين لتطوير انظمة تأمين المياه النظيفة لمدن ايرانية. وما يسترعي الانتباه ان ايران انجزت هذه العقود على أسس الانجاز التشغيل ومن ثم وبعد زمن غير قصير تحويل المنشآت وانظمة التشغيل الى الدولة. بكلام آخر في موضوع المياه، اعتمدت ايران حديثاً على منهج من مناهج الخصصة أي الـBOT.
ازاء هذه الاوضاع في ايران في مجالات التكرير، والبحث والتنقيب، وانتاج الكهرباء، وتطوير مصادر المياه وشبكات توزيعها، لا بد من التساؤل عن جدوى اعتماد الخبرة الايرانية التي هي اعتمدت على الخبرة الاجنبية؟
والسؤال الاخير الذي لا بد منه، يتعلق بحل الخلافات على العقود. فالعقود من النوع المشار اليه غالباً ما تخضع للتحكيم الدولي أو الاقليمي، أي لدى مراكز التحكيم في فرنسا، بريطانيا، سويسرا، لبنان، دبي، فهل يرضى الطرف الايراني بالتحكيم، وان كان هنالك تبدل كيف يمكن تنفيذ احكام المحكمين؟ واذا انتهى الامر بأحكام تصدر عن المحاكم الايرانية الا يعني ذلك تجاوز الاصول القانونية في لبنان؟
التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي مع ايران موضع ترحيب بالتاكيد، لكن العقود التي اقترحها وبسرعة صاروخية وزير الطاقة والمياه تحتاج الى دراسة معمقة لشروطها وسبل تأمين حقوق الطرفين. فعسى ان تأخذ الحكومة اللبنانية نفساً عميقاً ومتعمقاً قبل انجاز عقود تربط مستقبل خدمات حيوية للبنانيين ولمستقبل لبنان مع طرف احتاج ولا يزال يحتاج الى خدمات شركات تقنية تابعة لجنسيات مختلفة.