النهار - زيارة نجاد ليست استفزازاً - بقلم كلوفيس مقصود
الأحد 17-10-2010
زيارة نجاد ليست استفزازاً - بقلم كلوفيس مقصود
ما كادت زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد تعلن حتى اعتبرتها الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية واسرائيل خصوصاً، استفزازية، لكأنها تتوقع من لبنان الاصطفاف الفوري في المواجهة القائمة مع ايران لاسيما في ما يتعلق بالملف النووي واحتمال المزيد من تخصيبها الاورانيوم الآيل الى السلاح النووي. في هذا المجال يبدو الاستفزاز بدوره دفعا لتحريض لبنان على المشاركة بدوره في خندق المواجهة من دون أن تأخذ في الاعتبار أن تركيز الدول الغربية على خطر حصول ايران على امكان انتاج سلاح نووي يقابله عربياً وبالتالي لبنانياً وجود أسلحة نووية في اسرائيل معفية من المساءلة، لكأن عدم امتثالها لاتفاقات منع انتشار الاسلحة النووية أسوة بدول العالم، باستثناء الهند وباكستان بات مسلما به ومضافا الى استمرار الادارات الاميركية في توفير اسلحة متطورة لها، ليس لمجرد ترجيح تفوقها الاستراتيجي على الدول العربية كلها بل انها تقدم الاسلحة أخيراً "كمحفزات" كي تتجاوب الحكومة الاسرائيلية مع المطالبة بـ"تجميد الاستيطان"، وان لفترات تراوح بين عشرة أشهر كما في العام الماضي وشهر واحد بهدف معاودة "المفاوضات" بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
هذا لا يعني مطلقاً ان لبنان مع الدول العربية غير مكترثين لأخطار انتشار السلاح النووي في المنطقة بخاصة انها هي الداعية منذ عقود الى جعل المنطقة "خالية من السلاح النووي"، ولكن ما دامت ايران ملتزمة معاهدات عدم انتشار الاسلحة النووية والشفافية الكافية في تعاملها مع وكالة الطاقة المعنية لا يمكن لبنان ان يعتبر تبادل الزيارات بينه وبين ايران استفزازا لأحد. قد يكون ثمة اتفاق مع بعض سياستها، وقد لا نتفق مع بعض المصطلحات التي يستعملها نجاد، كما قد يختلف لبنانيون وعرب مع بعض سياسات وممارسات لإيران، لكن السعي الى العلاقات معها هي سياسة مشروعة للحيلولة دون ان تتحول الاختلافات خلافات ونزاعات.
واذا كانت هذه ميزة لما أبدته الدولة اللبنانية من تعامل مع هذه الزيارة فاعتقد انها اتسمت بحكمة منبثقة من اقتناع بأولوية الحرص على الوحدة الوطنية وتوظيف جميع الفرص المتاحة لجعل لبنان ساحة تلاق وتعارف بدلا من ان يكون ساحة لتصفية حسابات من القوى العالمية او الاقليمية على حساب احتمال تعميق الشروخ التي يستولدها النظام الطائفي، كما التفكك القائم في الحالة العربية اجمالا، والتي لطالما جعلت لبنان سريع العطب. وفي حال الزيارة الاخيرة كانت الحكمة في التعامل معها خطوة واعدة لاستقامة موضوعية السياسات الدولية للبنان، كي يسترجع قدرته على المساهمة في تفعيل الشرعية القومية والدولية فلا تكون الارادة اللبنانية المستقلة عرضة للطعن في تجردها واولوية وحدتها الوطنية.
كما ان لبنان في ترحيبه بزائريه من أين جاؤوا لا يمكنهم من تبني ما يتباين مع مستوى خطابه السياسي والديبلوماسي لأن ما تسعى اليه الدولة اللبنانية هو الاقتناع لا الاملاء، وهذا الموقف ينبثق من ثقافته العامة كما من مصلحة وحدته الوطنية والتزاماته القومية.