النهار- المسيحيــــون في الشــــرق
السبت 13-11-2010
المسيحيــــون في الشــــرق
"كنتم خير أمّة أخرجت للناس
تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"
هل غدا الذين قتلوا المصلّين في العراق من أمة المسلمين؟ من يقول لهم انهم خرجوا عن هذه الامة اذ ارتكبوا المنكر؟ من الأزهر الى النجف الشريف مرورا بكل مسلمي الأرض من يتلو عليهم من كتابهم: "من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعًا" (المائدة، 32)؟
لا استطيع ان أصدق ان مليار مسلم وما فوق لا يستطيع ان يضع حدًا لهؤلاء القتلة. خطبة الجمعة ضد الذابحين للمصلين الطاهرين لا تكفيني. الاستنكار في أفضل حال يعني ان عقلك أو وجدانك لا يقبل إبادة عابدين لربهم وقت العبادة. التنديد فرض إنشاء في أحسن حال ويبقى الدم المهراق دمًا.
المسلمون امة متماسكة لا تقبل الضيم ولا تُذل. هي شاعرة بوحدتها وشاعرة بقوتها اي انها ترفض المظلوميّة اذا حلّت بها. غير ان هذه الأمة ظالمة لنفسها وقابلة لتشويه صورتها ان قبلت سلطان هؤلاء المجرمين على سمعتها. انا لا أفهم الا يتحرك المسلمون من مكة الى اندونيسيا ضد المانعي الحياة بقطعهم عن الأمة اية كانت التسمية الفقهية لرذل هؤلاء.
قيادة هذا التحرك الإرهابي ليست مجهولة الإقامة. والقادة يتجولون بحرية كاملة في بعض الأماكن الجبلية في آسيا ليست بعيدة من رؤية الخبراء. والأقمار الصناعية لا تفوتها المعرفة. من يشرف على هذه الأقمار؟ الدول المجاورة وغير المجاورة عندها علم اليقين بهذا الوجود وهي صامتة اي ضالعة. السؤال هو من له مصلحة بإبادة الذين كانوا يصلّون في كنيسة سيدة النجاة؟ من يستفيد من قتل هؤلاء الشهداء؟الدول المطلعة على جغرافية هذه الكنيسة في بغداد ما هي؟ الشهداء انتقلوا الى المجد السماوي وهم يضموننا الى وجه الآب ويشددون الكنيسة لأننا الى أجسادهم المجيدة نحن منضمون. أُسكت صوتهم بلحظات طعنهم وأخذهم مخلصهم الى صدره لأنهم باتوا أحبة.
دماؤهم قدّست العراق ورفعت شعبه البريء الى حضن الله. عظم العراق بدمائهم وعظم المسلمون الصادقون، الخيرون لأنهم وحدوا الناس جميعًا بشهادتهم التي أرست مقدارا من البر في هذا الشعب العربي المصلتة عليه سيوف الاجرام الى ان يقوم الله ويحكم الأرض. والى ان نحج معًا الى القدس.
• • •
اذا كانت مقادس الشرق زرعت في أرضه البرارة لماذا يجب ان يموت الأبرار، لماذا ينبغي ان تداس الطفولة. ولكن بورك الله وتعالى لتنزل نعمته على الدماء الطاهرة وتنطق بالحق.
من بعد ألمي أشفق على القاتلين الذين أوصاهم كتابهم الا يلبسوا الحق بالباطل (البقرة، 42) ولكني وددت ان أقول لهم انهم لن يقدروا ان يقضوا على المسيحيين لأن لهؤلاء سرا في تاريخهم وهو ان الشهادة منذ العصر الروماني كانت تكثرهم لأنها شهادة حبهم لمن آذاهم. هم غافرون أبدا ولا يحقدون لأن الحقد امحاء الانسانية في الانسان ويخطئ من ظن ان له ثمرا. "من أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ" (متى 26: 52). من يبيد الآخرين يبيده الله ومن لا يستعمل السيف الله مملكته وحسبه الله.
حاولنا كثيرا ان نقتنع اننا لسنا اقلية لإيماننا في هذا العصر الحديث ان البشر باتوا مقتنعين ان الدين في القلب وانه ليس اداة تسلط أو تفريق وان الناس قادرون برفق ربهم ان يعيشوا معا وان يتشاركوا بحق وان يتجلّوا في كل علوم الأرض ويخدموها لمنفعتهم جميعا. وها نحن نرى ذلك في هذا البلد ونفرح له. ونموذج المشاركة الوطنية عندنا يمكن تصديره الى كل العالم العربي الذي كنا نحيا فيه معا حتى الآن. ولكن لنا عين على العراق وعين على مصر والأقباط الأحبة يستشهد منهم بعض كلّ سنة. وان كنت تعرفهم كما أعرفهم انا ترى ان ليس احد يتفوّق عليهم بحبهم لمصر وبخدمة لهم علمية فائقة في هذا البلد العظيم. الى هذا نوقن ان سوريا ولبنان وما بقي من فلسطين سالمة من الأذى الطائفي ولا محل للخوف على صعيد المواطنة ورجاؤنا الا يمتد داء العراق الى هنا لئلا تفقد العروبة ما فيها من بهاء مسيحي. اما اذا خشي الناس على مصير اولادهم فلا تحملوهم مسؤولية الهجرة. انها المرض العظيم.
في تموز أو آب السنة الـ 1975 كان المطران ايليا الصليبي راعي الأرثوذكسيين في بيروت قد جمع في دارته شخصيات لبنانية مسلمين ومسيحيين وكنت هناك فانتصب الشيخ بيار الجميل: وقال نحن المسيحيين خائفون وتصدى له تقي الدين الصلح رحمهما الله كليهما وقال له: أليس من العيب على الإنسان ان يخاف. فأجابه بيار الجميل أليس العار على انسان اذا أخاف. لست الآن في صدد دعم هذا وذاك ولكني أقول ان الخوف عيب على من مارسه وعيب على من تلقاه لكوننا في المواطنة منزهون ومتعالون عن كل خشية بشرية. احتسابي اننا في لبنان يؤمن أحدنا بالآخر. غير اني أود ان اؤكّد هنا ان ليست فئة منا راعية لفئة اخرى وان الوطن كافٍ ليرعانا جميعا. لا ذمية بعد ان الغتها السلطنة العثمانية في القرن التاسع عشر من القانون وأرجو الا تبقى في الذهن لأن الباقي على أرض الوطن والمهاجرين عنها، اذ ذاك، في خطر.
اود ان أعتقد ان ليس من مشروع يسمى أسلمة الأرض اذ يعني في آخر المطاف ان يهجر المسيحيون اماكنهم بسلاسة وتهذيب.
أنا مؤمن ان المسلمين اللبنانيين جديون وصادقون عندما يؤكّدون تمسكهم ببقاء المسيحيين. لقد نما بيننا الشوق من زمان بعيد والصداقات طيبة كما علاقة العائلات. غير ان هذه العلاقات يجب حمايتها سياسيًا واقتصاديًا فيما نقوّي الدولة كل جوانبها.
الا اننا اخوة مع مسيحيي العراق ومصر واسرائيل وفيها خوف خاص على المسيحيين بعد إعلان نفسها دولة يهودية ولست ابرئها بشكل أو بآخر من الاختلاط بالحركات الإسلامية المتطرفة تكفيرية كانت أم غير تكفيرية.
ومسك الختام اننا ملقون على صدر المسيح الذي وعدنا بأنه يكون معنا الى منتهى الدهر. لأنه هو - لا نحن- الدهر كله. نوقن اننا باقون حتى مجيئه واننا أحياء في هذا الجسد أو خارج هذا الجسد. ولكن هذا عند المسيحيين والمسلمين مشروع تقوى الى ان يرث الله الأرض وما عليها.
المطران جورج خضر