السفير - كيف يتم تنفيس التوتر الإيراني الأميركي.. في العراق
السبت 16-10-2010
كيف يتم تنفيس التوتر الإيراني الأميركي.. في العراق
منذ اجتياح القوّات الأميركيّة للعراق، سعت إيران باستمرار إلى فرض إرادتها هناك، وتوسيع نفوذها في المنطقة. لم تفلح بالكامل. لكنها استطاعت اكتساب عمق استراتيجي في العراق، والاستفادة من الدعم الشيعي والكردي هناك، للتشويش على المشاريع الأميركيّة التي لا تروق لها. الكلام لأستاذ العلوم السياسية في جامعة «ساوث فلوريدا» الأميركية محسن ميلاني.
ويتابع ميلاني في تقرير نشرته دورية «فورين أفيرز» الفصلية، أنه عندما رأت إيران مصلحة لها في مشاريع أخرى، لم تتردد في تقديم يد العون للولايات المتّحدة، بأساليب تحصّن عبرها دورها الإقليمي.
هذا التناقض في سياسة إيران، يجعل منها، برأي ميلاني، بمثابة «القوّة المفسدة» في العراق. فهي لا تتمتع بالقوّة الكافيّة لفرض مشروعها الخاص، لكنها تمتلك ما يكفي لتعطيل المشروع الأميركي.
بين التعاون والخصام ... والغلبة الإيرانيّة
وترتكز خطّة المواجهة الإيرانيّة على استراتيجية ثلاثيّة الأبعاد: دعم شيعة العراق، واستنزاف الأميركيين عبر مواجهة غير مباشرة، وتطوير قدرة ردع داخل العراق لضمان عدم هجوم الأميركيين عليهم.
في المراحل الأولى للاحتلال الأميركي، عبّر الرئيس الإيراني آنذاك محمّد خاتمي عن استعداده للتعاون مع واشنطن، كما حصل في أفغانستان لتفكيك طالبان. غير أنّ الولايات المتّحدة رفضت العرض. وكان الردّ الإيراني مطالبةً بانسحاب القوّات الأميركية، والتشكيك بشرعية حكومة الاحتلال الانتقالية. وفيما كان جورج بوش ينادي بالديموقراطية في العراق، دعت طهران إلى تشكيل حكومة منبثقة عن انتخابات عامة عراقيّة. كان الإيرانيون يدركون بأن الانتخابات ستفضي إلى أكثرية شيعيّة مواليّة لهم.
وكان لهم ذلك. غير أنّه بعد الفوز الكبير لإيران في انتخابات 2005، خرج الوضع عن السيطرة تماماً. إذ دخل العراق آتون حرب أهليّة مذهبية. وخوفاً من امتداد الفتنة، التي قد تعيق تنامي الدور الشيعي، إلى الدول المختلطة المجاورة، حاول الإيرانيّون احتواء غضب شيعة العراق وحثهم على عدم الانتقام. وبالاشتراك مع الجهود الأميركيّة العسكريّة المبذولة على هذا الصعيد، عاد الاستقرار تدريجيّاً إلى العراق.
في 2008، ضمن الإيرانيون تحقيق أبرز غاياتهم الاستراتيجية، وتم تشكيل حكومة صديقة لهم، يهيمن عليها الشيعة، في بغداد.
بعدها، تحوّل الاهتمام إلى بنود الاتفاق الذي سيحكم انسحاب القوّات الأميركيّة. وخرج الاتفاق مناسباً أيضاً لطهران حيث نجح النظام بإقناع نوري المالكي في المطالبة بفرض بندين لهما طابع احترازي: الأول هو تحديد كانون الأول 2011، موعداً نهائياً للانسحاب؛ والثاني إبرام اتفاقية تفيد بأنه «لن يتمّ استخدام الأراضي والمياه والأجواء الإقليميّة العراقيّة في أي هجوم على الدول المجاورة». بهذا، تبددت المخاوف الإيرانية من هجوم أميركي محتمل.
واعتقدت طهران أنّها ستكون قادرة على مواجهة سياسة الولايات المتّحدة الاحتوائية، لو بنت شبكة نفوذ لها، داخل العراق، كما فعلت في إقليم هراة في أفغانستان. ومع التغلغل الإيراني في الحكومة والأجهزة الأمنية العراقيّة، والعلاقات الاقتصاديّة المتطوّرة بين البلدين، أسّست إيران لعلاقات صلبة مع الجار العراقي.
اقتصاديّاً، يمثّل العراق ثاني أكبر مستورد للسلع الإيرانيّة غير النفطيّة. وفي 2003، بلغت قيمة هذه الواردات 184 مليون دولار، ثم ارتفعت في 2008، إلى 7 مليارات، ومن المرجّح وصولها لـ10 مليارات في 2012.
وأبرمت ايران عقوداً تقضي ببناء معامل طاقة في بغداد، وإمداد مدن حدوديّة شرقيّة عراقيّة بطاقة إيرانيّة. كما أن طهران تستثمر بكثافة في البصرة، ثاني أكبر المدن العراقية، حيث تنوي إيران إنشاء منطقة تجارة حرّة، وإمدادات نفطيّة. وقد طوّرت طهران علاقاتها التجاريّة مع إقليم كردستان أيضاً، حيث تعمل حاليّاً أكثر من 100 مؤسسة إيرانيّة، وتستورد النفط الخام من الإقليم مقابل توليد الطاقة الكهربائيّة.
من جهتها، ترى إيران في الولايات المتّحدة «قوة غير صبورة». وفعلاً، ففي حين استثمر الإيرانيّون كلّ طاقاتهم في العراق في نيّة البقاء، بدأ الأميركيّون بالمغادرة. وهو أمر وصفه السفير الأميركي السابق في العراق ريان كروكر بأنه «افتقار إلى الصبر الاستراتيجي».
بين السلبيّة أو الحفاظ على الأرباح
ساهمت الانتخابات العامة التي أجريت في آذار الماضي، في تعقيد الأمور بالنسبة لإيران. فبعد 8 أشهر من الانتخابات لم يتمّ تشكيل الحكومة. كما حقّقت كتلة أياد علاوي غير المحبّذة إيرانيّاً، والمدعومة من السنّة والمقربة من واشنطن والرياض، العدد الأكبر من المقاعد البرلمانيّة.
مع ذلك، ستبقى إيران قوّة كبيرة على الساحة العراقيّة في السنوات المقبلة. أمّا الولايات المتّحدة، فمع هذا الصبر الاستراتيجي أو من دونه، ستظلّ القوة الأكبر هناك. وانسحاب القوّات الأميركيّة في أيلول 2010، لم يعن أبداً نهاية الالتزام الأميركي. وقد أسّست الاتفاقيّات الأمنية بين الدولتين لعلاقة متينة طويلة الأجل بينهما، وأعمق من أنّ تتجاهلها طهران.
من ناحية أخرى، لإيران نقاط ضعف عديدة تحدّ من طموحها. إذ ينقسم شيعة العراق إيديولوجيّاً وطبقيّاً بين داعمين لطهران ومنتقدين لها. وتتصاعد موجة القوميّة، وهي تاريخيّاً معارضة للفرس. وقد تحيي المشاكل الحدوديّة الطابع مع العراق، وخاصةً حول شط العرب، عداءً قديماً نائماً. أما داخلياً، فالانقسام في صفوف النخبة الحاكمة في إيران جرّاء انتخــابات 2009 الرئاسيّة، وعدم الرضى المتزايد بين الإيرانيــين، من شأنه أن يعيق أي مغامرة سياسية في العراق.
أخيراً، فإن لعب دور «القوّة المفسدة» لا يمكن أن يكون بديلاً مستداماً للسياسة الخارجيّة الإيجابيّة والبناءة. فلا يمكن الحفاظ على المكتسبات الإيرانيّة الهشّة في العراق إذا لم يتمّ التوافق مع واشنطن حول نظرة مستقبليّة مشتركة لهذا البلد.
(عن مجلة «فورين افيرز» الاميركية بتصرف)