كلمة المناضل - عدد - السياسة الأميركية تراجع أخلاقي مريع
كلمة المناضل العدد 315 تموز ـ آب 2002
السياسة الأميركية تراجع أخلاقي مريع
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
" إن ضرب العراق أمر منته لا رجعة فيه ، فعندما يتعلق الأمر بتهديد الأمن القومي لدولة ما ، فإن لها الحق في أن تتحرك بمفردها ، لإنهاء التهديد دون الانتظار ، لموافقة أية دولة أخرى !!! " .
بهذه الكلمات اختصر هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركية الأسبق سياسة الإدارة الأميركية التي يقودها الرئيس جورج بوش الابن ، وهي تعبر تماماً عن المصالح الرأسمالية للمجمع الصناعي العسكري ، الذي يوجه السياسة الأميركية الراهنة ، ولو نظرنا إلى ما تعبر عنه تلك الكلمات القصيرة ، إضافة لما صرّح به وزير الدفاع الأميركي الحالي ، حول الأراضي العربية التي تحتلها " إسرائيل " قائلاً : " على أنها غنائم حرب قامت نتيجة التهديد العربي لدولة إسرائيل المسالمة آنذاك " ، لأدركنا ماذا يواجه العالم ودوله المتحضرة التي جاهدت أجيالها مئات السنين كي تصل إلى مجتمع متقدم متحضر خال من الحروب والنزاعات الهمجية البدائية التي عرفها العالم في عصور سابقة ما قبل الحضارة الحديثة ، حيث كان الغزو والنهب والسلب واحتلال أراضي وأملاك الشعوب الأخرى ، السمة البارزة في تلك الحقبة المنقرضة ، التي لا يذكر التاريخ المعاصر منها سوى الصفحات السوداء المريعة عن الهمجية والتدمير والروح البدائية التي سادت في الماضي .
لقد توصلت شعوب العالم بعد معاناة شديدة استمرت مئات السنين ، إلى قواعد ومواثيق تحكم العلاقات الدولية وتنظم مسيرة حياة الأمم والشعوب وصاغتها بمعاهدات ومواثيق من خلال مؤسسات ، جاهد العالم طويلا للوصول إليها عبر صيغ واتفاقات تم التوافق عليها ، وعدت سمة من سمات العصر الراهن ، حيث وصلت مفاهيم الإنسان إلى درجة من النضج والرقي تحفظ حقوق الأمم والأجيال وتقدر كل جهد وتقدم وبناء قامت به أمة من الأمم أو شعب من الشعوب مهما بلغ شأنها كبيراً كان أم صغيراً ومهما بلغت مساهمتها الحضارية للبشرية من الثراء أو القلة ، وقد أقر في طليعة تلك المواثيق والمعاهدات إعطاء الشعوب كافة ، صغيرها وكبيرها عريقها وحديثها ، حقوقاً متساوية في العالم . وهذا إنجاز يمثل قمة النبل والسمو في الفكر الإنساني المتحضر الذي بلغته البشرية بعد آلاف السنين من المعاناة المادية والفكرية .
إن الولايات المتحدة الأميركية تقوم الآن بدور الشرطي القبيح في العالم وهي اليوم بتعاونها مع " إسرائيل " العنصرية ودعمها لها بالوسائل المادية والعسكرية كافة ، ومساندتها السياسية لها في المحافل الدولية تشكل أكبر الخروق لتلك المبادئ ، وموقفها يمثل تراجعاً أخلاقياً مريعاً يعيد العالم إلى ذكريات عهود ما قبل الحضارة وإلى شريعة الغاب التي لها ذكر سيئ في تاريخ وفكر البشرية .
إن أفعال " إسرائيل " في الأراضي العربية المحتلة وتاريخها عبر خمسين عاماً من احتلالها لفلسطين والتنكيل بشعبها ، وطرده وتجويعه ، وحصاره واغتيال قادته وتدمير مدنه وقراه ، وبرعاية أميركية سافرة لا حدود لها ، وكذلك ما تصرح به الإدارة الأميركية وعلى لسان كبار مسؤوليها حول ضرورة تدمير العراق وضرب شعبه بعد تجويعه وحصاره خلال أكثر من عشر سنوات ، ذلك كله يشكل انتهاكاً صريحاً للمواثيق الدولية ويفتح صفحة سوداء في تاريخ العالم يجب أن يعمل الجميع على طيها بسرعة ، وإنهاء آثارها السلبية ومنع انتشار نتائجها المريعة .
ويجب العمل فوراً على تطويق واحتواء تلك التهديدات باستخدام الأسلحة النووية لضرب العراق ، وإخلاء المنطقة من جميع ذلك الأسلحة التي تمتلك " إسرائيل " ترسانة هائلة منها ، لأن استمرار ذلك يمكن أن يقود إلى كوارث ودمار في المنطقة لن تقتصر آثارهما على الأمة العربية فحسب ، بل سيشمل ذلك شعوباً أخرى ومناطق واسعة من العالم .
إن حزب البعث العربي الاشتراكي ، إذ يدين تلك التهديدات ، والنيات الإمبريالية والصهيونية ، يدعو جميع المفكرين والسياسيين ورجال العلم والأدب ، وجميع القوى المتحضرة في العالم إلى التحرك والتضامن مع الأمة العربية وجماهيرها التي تتعرض اليوم لأبشع صورة من صور التهديد والإرهاب ، ويتعرض تاريخها وثقافتها كذلك لحملة تشويه فكرية وسياسية ومادية تشنها القوى الصهيونية وحلفاؤها في العالم ، ولا سيما في الولايات المتحدة الأميركية.
إن العرب اليوم وأكثر من أي وقت سابق مدعوون للدفاع عن ثقافتهم وتراثهم وحضارتهم وتاريخهم ، وعليهم أن يوحدوا الجهد ويعملوا كتلة واحدة في هذا الاتجاه . تلك المسؤولية لا تقتصر على الجهد الرسمي فحسب . بل تشمل كذلك القوى والفعاليات السياسية والثقافية والروحية والنقابية والجماهيرية المتعددة ، التي عليها واجب أخلاقي ووطني وقومي يجب القيام به دون إبطاء .