كلمة المناضل - عدد - ماذا بعد الحملة الأميركية ؟؟
كلمة المناضل العدد 311 ت2 ـ ك 1 2001
ماذا بعد الحملة الأميركية ؟؟
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول التي وقعت في واشنطن ونيويورك اتخذت سياسة الولايات المتحدة الأميركية منحىً جديداً وخطيراً حيث أعلنت عن قيام تحالف دولي يهدف إلى " محاربة الإرهاب " ووضعت لذلك تعريفات وتصنيفات وقوائم تلائم مصلحتها ومصلحة حليفتها إسرائيل فقط . ورفع الرئيس الأميركي جورج بوش " الابن " إعلانه الشهير يومها : من لا يقف معنا فهو ضدنا ، وقادت هذه السياسة أولى حملاتها العسكرية على أفغانستان وتم تدمير نظام طالبان ومعه البنية التحتية لدول فقيرة مهلهلة ، وقتل آلاف المواطنين العزل وشرد الملايين في ظروف قاسية ، وما زال القصف والتدمير والقتل مستمراً منذ ثلاثة أشهر .
وقد رافقت الحملة العسكرية هذه ، سلسلة من الإعلانات والتصريحات والسياسات التي طالت كثيراً من الدول خصوصاً عدد من الدول العربية والإسلامية بحجة أنها مصدر للإرهاب أو داعمة له لمجرد أن سياسات تلك الدول لا تتفق مع الدعم الأميركي غير المحدود لدولة إسرائيل المعتدية والتي تستمر في احتلالها لفلسطين وتقتل وتشرد أعداداً يصعب حصرها من مواطنيها العرب . إضافة إلى تدمير منازلهم وقراهم وتدمير المنشآت الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وترفض الاعتراف أو تطبيق قرارات الهيئات الدولية خصوصاً القرارات التي اتخذها مجلس الأمن ، والداعية إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وإقرار الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني ، بما فيها حقه بقيام دولته المستقلة على ترابه الوطني وتنفيذ الاتفاقات التي تم توقيعها بمبادرة ورعاية الولايات المتحدة الأميركية .
إن شمول الدول العربية التي تعارض السياسة الصهيونية العنصرية المدعومة من الإدارة الأميركية بتلك الحملة التي تقودها الولايات المتحدة على " الإرهاب " له أهداف استراتيجية بعيدة المدى تسعى إلى بسط الهيمنة والنفوذ الأميركي الصهيوني على كامل الوطن العربي والاستمرار في استنزاف موارده خصوصاً النفطية منها ، والتحكم بالصادرات النفطية إلى دول أوربا واليابان وبالتالي محاولة توجيه سياسات تلك الدول والضغط عليها بحيث لا تخرج عن الأهداف التي ترسمها الإدارة الأميركية .
لقد استفادت السياسة الأميركية من الوضع الناشئ عقب انهيار دول المنظومة الاشتراكية ، والضعف العام الذي تمر به روسيا الاتحادية الآن وكذلك ظروف الضعف والتفكك العربي والانقسام السياسي حول كيفية مواجهة الاحتلال الصهيوني والعدوان المستمر على الأمة العربية واستغلت ذلك الوضع لتشن حملتها السياسية والعسكرية تلك، ولكن هل يمكن لهذه الحملة أن تستمر ؟ وإلى أي مدى يمكن أن تحقق نجاحاً متواصلاً ؟ وإذا كانت كذلك فكيف ستكون نهاية هذه الحرب وإلى أي اتجاه ستتحرك بعدها وفي أي منحى ستسير ؟؟ وهل سيستمر الوضع الدولي على هذه الحالة ينتظر حتى تنجز الولايات المتحدة وإسرائيل كامل أهدافهما في العالم ؟ وما هي الوسائل التي تمكن العرب خصوصاً والدول الإسلامية على وجه العموم سيما وأنها تتعرض بشكل أو بآخر لتلك الحملة وتحت ذرائع وحجج شتى من إحباط أهداف هذه الحملة ؟؟
تلك أسئلة كبيرة وغيرها كثير تواجه الجميع ويجب أن نتوجه إلى توحيد الفهم حول ذلك ومن ثم رسم سياسة تتناسب مع الأوضاع الجديدة الناشئة في العالم .
إن الوضع العربي الراهن والسياسات التي تقودها بعض القوى والأنظمة العربية بقدر ما تبعث على الشفقة والتشاؤم الذي يمكن أن يقود الأوضاع العربية إلى مهاوى اليأس والقنوط والركوع أمام تلك الهجمة التي تستهدف العرب وحضارتهم ووجودهم كما تستهدف قيم الإسلام الحضارية ، بقدر ما يوازي ذلك من طموح جماهيري وتحفز واسع لدى الأمة العربية وقواها الوطنية الرافضة لتلك السياسات والتي تنتظر الفرصة المواتية لمواجهة تلك الغزوة الغربية المتصهنية .
وإذا لم تبادر الأنظمة العربية إلى الاتفاق على سياسة موحدة تأخذ بعين الاعتبار كافة عوامل القوة والنهوض لدى الجماهير العربية فإن الوقت الذي يجب استغلاله ، سيمر دون جدوى ويمكن أن نفقد فرصة ثمينة لا تعوض .
لقد واجهت الأمة العربية في فترات تاريخية سابقة أوضاعاً كالتي تمر بها الآن ، لكن حيويتها وحضارتها وأصالتها ومبادئها الإنسانية الراسخة ، ساعدتها على النهوض مجدداً وأكثر من مرة واستعادت وحدتها وتماسكها ، واستمرت في حمل رسالتها وحضارتها للعالم الذي لا يستطيع ـ مهما بذلت القوى المعادية من جهد ـ تهميشها أو إنكار آثارها على الحضارة البشرية والتقدم الذي غذته المبادئ والأفكار السامية والمساهمات العلمية التي قدمتها الأمة العربية للبشرية كافة .