كلمة المناضل - عدد - إرهاب الدولة ودولة الإرهاب
كلمة المناضل العدد 310 أيلول ـ ت 1 2001
إرهاب الدولة ودولة الإرهاب
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
منذ ما يزيد على عشرين عاماً ، طلبت سورية ، وعلى لسان رئيسها الراحل حافظ الأسد ، عقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب ، وتحديد مفهومه ، والتمييز بينه وبين نضال الشعوب المحتلة أراضيها ، من أجل تحرير تلك الأراضي ، وطرد الغاصبين ، واسترجاع حقوقها المسلوبة ، وقد أقرت الأمم المتحدة بعد ذلك عقد مثل هذا المؤتمر ، ولكن وبسبب عدم رغبة الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل وبعض من يؤيد سياستهما ، لم يعقد مثل ذلك المؤتمر حتى الآن ، رغم الحاجة الماسة له في الوقت الحاضر ، لا سيما بعد أحداث / 11 / أيلول في الولايات المتحدة الأميركية .
لقد انطلقت الولايات المتحدة وإسرائيل ، من مفهوم خاص للإرهاب يخدم مصالحهما فقط ، دون النظر لمصالح الدول والشعوب الأخرى ، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالنضال الوطني والقومي ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ، في فلسطين والجولان وجنوب لبنان ، وأصرتا دائماً على وصف المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي بالإرهاب .
وكانت الولايات المتحدة ، تضع كل من يساند ذلك النضال المشروع على قائمة الإرهاب ، التي تحددها حسب مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل ، وتتخذ الإجراءات والعقوبات التي تختارها ، وتلزم الدول الأخرى على تبنيها وتطبيقها بشكل قسري على تلك الدول ، حتى أصبح بعضها يعاني جراء تلك العقوبات جوعاً ، وفقراً ، وأزمات ، أدت إلى موت آلاف الضحايا ، خصوصاً من الأطفال والنساء الذين عانوا من نقص حاد في الأغذية ، والأدوية ، والاحتياجات الأخرى ، الضرورية للحياة .
لقد قامت الولايات المتحدة بعد أحداث / 11 / أيلول ، بحشد دولي لما أسمته الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب ، وتشن الآن حرباً عسكرية تستخدم فيها أحدث أسلحة الدمار وقمة معطيات التقنية العسكرية التدميرية الحديثة التي تمتلكها وأصبحت أفغانستان مجالاً حياً ، ومختبراً لتجربة ما أنتجته الترسانة التدميرية الأميركية ، واستغلت إسرائيل الوضع الجديد الناشئ ، لشن حرب إرهابية تدميرية أخرى على الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني ، وقتلت عشرات الشهداء الأبرياء من المواطنين العرب الفلسطينيين العزل ، ودمرت منشآت حيوية واقتصادية ، وعانت جماهير فلسطين وخصوصاً الأطفال والنساء ، من حرمان سيؤدي حتماً فيما لو استمر إلى هلاك المئات ، ولم تحرك الولايات المتحدة وحلفاءها ساكناً لردع إسرائيل عن أعمالها الإرهابية تلك ، رغم التصريحات الخجولة التي ترمي من ورائها كسب ود بعض العرب ، في حملتها الراهنة على أفغانستان .
ويبدو أن الموروث الثقافي للولايات المتحدة الأميركية هو الذي يدفع إدارتها المتعاقبة لتأييد إسرائيل ، فهي أصلاً دولة مهاجرين مغتصبين لأراضي الغير ، خصوصاً أراضي السكان الأصليين في القارة الجديدة ، حيث مارسوا أعمالاً لا تختلف عما قام ويقوم به المستوطنون الصهاينة من احتلال لفلسطين ، وطرد لسكانها ، وتشريدهم وإرهابهم .
إن الحاجة لتعريف الإرهاب تبدو أكثر إلحاحاً الآن مما كانت عليه سابقاً ، وكذلك فإن الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية معنية أساساً في القيام بهذا العمل ، وعدم تركه بين أيدي بعض الدول التي تمارس الإرهاب بأوضح وأجلى صورة ، المتمثلة في إرهاب الدولة ، وقصف المواطنين الأبرياء العزل ، واحتلال أراضي الغير بالقوة ، وعدم الامتثال لقرارات الأمم المتحدة والاستهتار بكافة المواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية. ولقد أكد الرئيس بشار الأسد هذه الحقيقة عندما قال " إن الاحتلال بحد ذاته أعلى درجات الإرهاب " .
إن على الأمة العربية ذات التاريخ العريق ، والحضارة الإنسانية المتعددة الوجوه ، عليها أن تستمر في التمسك بموقفها المبدئي والعمل الدؤوب الجاد لإيضاح مفهومها للإرهاب ، وتمييزه عن النضال المشروع ، وعلى الدول الأوربية أن تكون جسراً ينقل الحضارة والمفاهيم المشتركة إلى الدول الحديثة نسبياً ، التي تفتقد تلك الحضارة والمفاهيم الإنسانية النبيلة ، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية ، فهذا واجب تجاه كل من يشعر أن حضارته وتاريخه ومفاهيمه عرضة للتشويه والهدم ممن يمتلك القوة فقط ويفتقر إلى المبادئ .