كلمة المناضل - حافظ الأسد الرفيق والقائد والصديق ... وداعاً
كلمة المناضل العدد 302 أيار ـ حزيران 2000
حافظ الأسد الرفيق والقائد والصديق ... وداعاً
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
كنت اتمنى أن لا اكتب هذه الكلمات في رحيل الرفيق الأمين العام للحزب حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية . ذلك الرجل الذي عايشته في القيادة القومية ثلاثة وثلاثين عاماً ، وعرفته منذ أربعين عاماً ونيف . كان ذلك إبان وحدة مصر وسورية حين كنت أدرس في القاهرة عام 1959 ، كان يومها مع عدد من الضباط البعثيين الذين أرسلوا إلى الإقليم الجنوبي ، وفي أحد الأيام حصلت مشادة بين هؤلاء البعثيين المبعدين وبين آخرين في ضاحية " مصر الجديدة " حيث كانوا يقيمون ، وقررنا في منظمة الحزب في القاهرة آنذاك أن نناصرهم في تلك المشكلة ، يومها عرفت حافظ الأسد .
مرت الأيام والسنون بعد أن أبعدت من القاهرة إلى بغداد ثم إلى الأردن حيث خاض الحزب نضالاً متعدد الوجوه ، وقامت الثورات والحركات في سورية ، والعراق ، ثم حدثت المعارك الدامية في الأردن في أيلول 1970 وكان حافظ الأسد رمحاً عربياً ممشوقاً في كل تلك الأحداث . به تعززت وترسخت ثورة الثامن من آذار في سورية وبه صمد الحزب طليعة مدافعة عن أهداف الجماهير العربية وبعد الحركة التصحيحية المجيدة حين أصبح الرفيق حافظ الأسد رئيساً للوزراء في سورية قبل انتخابه رئيساً للجمهورية يومها كنت معتقلاً في الأردن إثر أحداث أيلول وحين سمع بنبأ اعتقالي أرسل الرفيق اللواء ( آنذاك ) مصطفى طلاس إلى عمان للعمل على إنهاء المشكلات وتهدئة المعارك بين الجيش الأردني ومنظمات المقاومة وإخراجي من السجن . وتم ذلك بالفعل في نيسان 1971 حيث أبعدت إلى سورية .
منذ أن انتسب الرفيق الراحل إلى حزب البعث العربي الاشتراكي امتزجت حياته وروحه وفكره بتربة الوطن ، وتدفقت مع مائه وتحركت مع هوائه ، وعاشت مع مواطنيه حتى لتخاله موجوداً في كل ما ذكرت . ومنذ ثورة آذار 1963 حتى اليوم ما عرفت جماهير سورية والأمة العربية قائداً كرس حياته لها مثل حافظ الأسد بإخلاصه ووفائه ونقائه ، وكبريائه ، عاشت معه ، في رعايته مدافعاً قوياً عن حقها في الحياة الكريمة مكافحاً في سبيل عزتها وحريتها . كما عرفته الأمة العربية مناضلاً صلباً في سبيل العرب وحريتهم ووحدتهم وعزتهم ، وخبرته قائداً شجاعاً خاض معارك التحرير والكرامة ، صامداً في وجه التآمر والخيانة على جبهات متعددة حتى ليكاد الناس يعجبون من قدرته على توزيع طاقاته التي لا حصر لها لمواجهة مثل هذا الكم من الأحداث والمشكلات التي ألمت بالوطن خلال النصف الأخير من القرن الماضي .
بالإضافة إلى ذلك فقد كان نصيراً قوياً لكافة قوى التحرر الوطني العالمية حيث وقف مع نضال الشعوب المكافحة في سبيل حريتها وخلاصها من الاستعمار والهيمنة والاحتلال والغزو وداعماً للحق والعدل والمساواة بين شعوب العالم ودوله .
لقد واجه حافظ الأسد اعتى هجمة صهيونية امبريالية عنصرية استيطانية احاقت بالوطن العربي منذ الغزو الصليبي ، فصمد أمام مؤامراتها ونواياها ومطامعها الخبيثة ، واستطاع أن يهزمها في سورية ، وفي لبنان ، وفي الخليج العربي ، وفي أماكن أخرى من الوطن حيث كانت له مواقف سيسجلها التاريخ كما لم يسجل لمثله منذ ألف عام من تاريخ العرب .
كان حافظ الأسد أباً ، وأخاً ، ورفيقاً وصديقاً لكل مواطن عربي ، وكان قائداً ملهماً لكل رفيق بعثي ، ما عرف الحزب مثيلاً له منذ تأسيسه .
وترك للبعث ولسورية وللعرب إرثاً هائلاً من العطاء والبناء في مجالات الحياة المتعددة : السياسية ، والاقتصادية ، والفكرية ، والثقافية ، والأخلاقية ، وسطر تاريخاً مجيداً لسورية وللبعث . كانت حياته مكرسة للمبادئ التي آمن بها وللأمة العربية التي عاش لها ومات في سبيلها ، لقد سما حافظ الأسد فوق كل ما هو خاص وكان مثالاً للطهر والنقاء ، اعتز بالشعب وبالحزب وأهدافه ، فعز به الحزب والوطن .