كلمة المناضل - عدد - قمة الدول الكبرى ومسؤولية السلام
كلمة المناضل العدد 296 أيار ـ حزيران 1999
قمة الدول الكبرى ومسؤولية السلام
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
انتهت قمة الدول الثمان الكبرى ، التي انعقدت في كولون بالمانيا ، بإعلان مهم حول عملية السلام في الشرق الأوسط خصوصاً فيما يتعلق باستئناف المفاوضات السلمية على المسارين السوري واللبناني ، مع تأكيدها على ضرورة الإسراع في ذلك للوصول إلى اتفاقيات بين الأطراف المتنازعة ، كما أكدت القمة على ضرورة التقيد الدقيق باتفاق التفاهم في نيسان لعام 1996 في إشارة واضحة لتذكير إسرائيل بعدم قصف الأماكن الآهلة بالسكان ، أو المناطق التي تقع خارج المنطقة المحتلة في جنوب لبنان ، وأكد البيان ، على وجوب احترام حقوق الجميع ، بما يتيح إيجاد حل يسمح للشعب العربي الفلسطيني بالعيش كشعب حر فوق أرضه .
كما أكد على ضرورة وضع هدف لإنهاء المفاوضات الخاصة بالوضع النهائي خلال عام ، وحث على تطبيق بنود اتفاق واي ريفر بصورة كاملة .
وإذا كانت قمة الدول الصناعية الكبرى ، تدرك ومن خلال إعلانها ، ضرورة إيجاد سلام عادل ودائم في المنطقة ، فهي تدرك أيضاً أن السبب الرئيسي وراء تعطيل عملية السلام ، هو الجانب الإسرائيلي أساساً وذلك بسبب موقف حكومة إسرائيل السابقة بقيادة بنيامين نتنياهو ، الرافض أصلاً لأسس عملية السلام ، وضربه عرض الحائط بهذه الأسس والمبادئ التي قامت عليها منذ مدريد ، وتنكره كذلك للأسس التي تم الاتفاق عليها مع سورية ، والمودعة لدى الجانب الأميركي ، الراعي لهذه المفاوضات ، لذا فإن قمة الدول الكبرى ، وهي تدرك ذلك تعلن اليوم ، أنها تنتظر من حكومة إسرائيل الجديدة برئاسة ايهود بارك ، أن تسارع فوراً إلى ذلك معتمدة على التصريحات الإيجابية التي أعلنها بعد فوزه برئاسة الحكومة في الشهر الماضي .
ويعرف قادة الدول الكبرى أن تعطيل عملية السلام ، والتنصل من الاتفاقات ، وانتهاك ما تم التوافق عليه ، هو مسؤولية إسرائيلية بالدرجة الأولى ، والإشارات الواضحة إلى ضرورة " التقيد حرفياً ببنود ترتيبات نيسان " ، " والتطبيق السريع والشامل لمذكرة واي ريفر " ، " والامتناع عن كل نشاط يسبق المفاوضات في شأن الوضع النهائي " . في إشارة منهم إلى ما تمارسه إسرائيل فيما يتعلق بالاستيطان ومصادرة الأراضي وموضوع القدس .
كل ذلك إشارات واضحة إلى مواقف إسرائيل ، التي قادت إلى هذا النفق المغلق ، على المسارات السورية اللبنانية ، والفلسطينية .
إن التطبيق المتوازن لإعلان ( كولون ) ، فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني ، يتطلب أول ما يتطلب ، من الراعي الأميركي ، نشاطاً أكبر وتحركاً فاعلاً ، لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ، ومعاودة النشاط السياسي ، للوصول إلى حل عادل ودائم ترضى عنه جميع الأطراف ، ويحقق سلاماً شاملاً في المنطقة ، وفي هذا الصدد يجب أن تعامل جميع الدول معاملة متساوية ، تحقق الديمقراطية الدولية ، لا أن تكون هناك دولة بمعزل عن العقوبات الدولية ، التي تطال شريحة معينة كبعض الدول العربية ، وتنجو منها دول أخرى تحظى برعاية أكثر من الولايات المتحدة الأميركية ، كإسرائيل . ولو طبق هذا المعيار بشكل متوازن ، وأجبرت إسرائيل على تطبيق القرارات الدولية ، لحل السلام العادل منذ زمن طويل في منطقتنا .
إن موقف القطر العربي السوري الصريح والواضح والمعلن ، باستعداده فوراً للولوج إلى عملية السلام من أوسع أبوابها ، ومن النقطة التي توقفت عندها المفاوضات قبل ثلاثة أعوام هذا الموقف الذي يحظى بالدعم الجماهيري الكامل ليس من السوريين فحسب ، بل من جميع أبناء الأمة العربية وقواها الرسمية والشعبية ، ويحظى كذلك بدعم كافة القوى الديمقراطية والموضوعية في العالم .
إن إقرار سلام عادل ودائم على الأسس المعلنة والمتفق عليها ، ضمن وثائق محفوظة لدى جميع الأطراف المعنية ، بما فيها الأمم المتحدة ، يطرح نفسه الآن بقوة على الجانب الإسرائيلي المتردد ، وعلى المجتمع الدولي ، وسورية إذ تعلن استعدادها الآن ، فهي مدركة أن التأخير أو التردد فيه لن يكون في صالح إسرائيل أولاً ولن يكون لصالح السلام بشكل عام ثانياً .
لقد قدمت سورية وقيادتها ، كل ما يمكن أن تقدمه لمصلحة السلام ، وليس لديها الآن أو في المستقبل ، ما يمكن أن تفعله أو تقدمه سوى الصمود والاستعداد لما يمكن أن تحمله الأيام القادمة .