كلمة المناضل - عدد - بعد البلقان هل ينتهي دور الأمم المتحدة ؟؟
كلمة المناضل العدد 295 آذار ـ نيسان 1999
بعد البلقان هل ينتهي دور الأمم المتحدة ؟؟
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
بات واضحاً أن الولايات المتحدة الأميركية ـ وبعد أن أصبحت القوة الوحيدة في العالم ـ لا تريد لأحد أن يشاطرها القرار فيما يتعلق بإدارة السياسة الدولية ، وأصبحت لا تعير اهتماماً كبيراً لأراء الدول الأخرى حتى الحليفة لها .
وبنتيجة ذلك وبسبب جملة من الأسباب بعضها خاص بالدول الأوربية الحليفة لها وبعضها خاص بطبيعة النزاعات التي نشأت في العالم أو التي خططت لها الولايات المتحدة كي تحدث ، والسبب الأهم أن القوى والدول التي تعارض النهج والسياسات الإمبريالية في حالة من الضعف والانقسام لا تقوى معها على رفع صوتها في مواجهة السياسة الأميركية ومخططاتها .
ذلك كله قد فتح الباب واسعاً أمام هيمنة القرار الأميركي على مجمل السياسات التي تمارس سواء في آسيا أو إفريقيا أو أميركا اللاتينية حتى وصل في نهاية المطاف إلى أوربا نفسها .
فمن الواضح أن الولايات المتحدة وبعد أن خطت الدول الأوربية خطوات واسعة نحو الوحدة كان يمكن أن تواجه بموقف أوربي موحد له سمة الاستقلالية وربما يكون في المستقبل عامل توازن مع الموقف الأميركي ، لكن وبعد جملة من الخطوات التي أدت إلى جذب عدد من دول أوربا التي كانت ضمن المجموعة السوفييتية وأعضاء في حلف وارسو ، استطاعت الولايات المتحدة أن تضمها إلى حلف شمال الأطلسي " الناتو " ، ودفعت دولاً جديدة أخرى / إلى الظهور / على المسرح الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، وأثارت بين هذه الدول الحديثة نزاعات عرقية وقومية كانت نائمة في المرحلة السوفييتية ، ورعت كل هذه النزاعات بعدما أثارتها وسلحت ودعمت محركيها، ذلك كله فتح أفاقاً جديدة أمام السياسة الأميركية كي تدخل بقوة في أوربا وتهيمن على القرار وتوجه السياسة فيها كيفما ترغب ..
والأهم من ذلك أن يحدث هذا كله والأمم المتحدة ومؤسساتها بعيدة أو مبعدة عن مجريات الأحداث ولا ترغب الولايات المتحدة في استشارتها أو إشراكها في معظم ما يحدث إلا في حالات قليلة وفي الوقت الذي ترغب ، لإعطاء القرار الصفة الدولية أحياناً.
وهذه السياسة كانت معروفة سابقاً في العالم إنما كانت تمارس في حدود ضيقة بسبب وجود كتل قوية تمنع الولايات المتحدة من ممارستها على نطاق واسع .
أما الآن وبعد غياب الرادع الدولي فقط أصبحت العصا الأميركية الغليظة هي الأسلوب الوحيد لإسكات أي معارضة أو احتجاج على الاستغلال البشع الذي تمارسه قائدة حلف شمال الأطلسي .
وفي احتفالات الحلف بمرور خمسين عاماً على تشكيله في أواخر نيسان وبعد أن قادته الولايات المتحدة إلى حيث ترغب ، وتستخدمه كيفما تشاء الآن فقد أعطت لنفسها الحق في توسيع مهماتها كي يشمل العالم كله ويصبح قوة الردع الوحيدة التي تقرر وتفعل ما يحلو لها ، واضعة الأمم المتحدة ومؤسساتها في ركن قصي من العالم ، وهذا أمر مؤسف لأن هذه المؤسسة الدولية والتي جهدت شعوب العالم وقواه الصغيرة والمتعددة وعملت على مدى خمسين عاماً لترسيخ أسس رأتها تخدم المجموع البشري ووضعت لها ضوابط ومبادئ كانت فيما لو طبقت ـ أساساً في حياة يسودها الأمن والرخاء والمساواة بين الشعوب والدول المختلفة ـ لكننا مع الأسف نراها اليوم في حالة بائسة لا تستطيع القيام بالحد الأدنى من مهامها وتستخدم مؤسساتها كغطاء لسياسة خبيثة ، وقراراتها تطبق فقط كما يحلو لقادة واشنطن .
إن من الواجب على جميع الدول والشعوب أن تدافع عن القيم والمثل والمبادئ التي ارتبطت بها الأمم المتحدة ، والميثاق الذي صاغته عند تأسيسها ، ومجموعة الأنظمة والقوانين والعلاقات التي كانت الأمل لمعظم شعوب العالم خصوصاً تلك التي خارج نطاق القوى المهيمنة على مقدرات يصعب حصرها عسكرياً واقتصادياً وعلمياً ، وتمثلها في الوقت الراهن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها وبعض من يسير معها في حلف الناتو .
وما زال أمام العالم فرصة كي ينقذ هذه المؤسسة الدولية التي تحمل ولشعوبه بعض الأمل في حياة آمنة ، كريمة ، متسامحة وإنسانية .