الأنوار - أفكـار حول لقاء صيدا الثقافي الواقع والمرتجى والتجربة الذاتية
أفكـار حـول لقـاء صيدا الثقافي
الواقع والمرتجى والتجربة الذاتية *
في الأسبوع الفائت ، وبدعوة من المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا ، التقى في ربوع عاصمة الجنوب وفي قاعة محاضرات جمعية دار رعاية اليتيم ـ ممثلون عن 53 مؤسسة ثقافية واجتماعية في لبنان للمشاركة في اللقاء الأول الذي كان بعنوان الثقافة والمؤسسات بين الواقع والمستقبل ـ تجربة ذاتية ـ وتم هذا اللقاء على مرحلتين صباحية و"عصرية" مع مداخلات من المدعوين الذين تحدثوا عن إنجازات مؤسساتهم ونواديهم منذ التأسيس حتى المرحلة الراهنة ، إضافة إلى حفل الغداء الذي أقيم في دار العناية الصالحية .
اللقاء ، وبمجهود صاحب الفكرة ومنفذها الدكتور مصطفى دندشلي ـ رئيس المركز الثقافي ـ كان ناجحاً باستقطابه كافة المؤسسات الثقافية بدءاً باتحاد الكتّاب اللبنانيين والنادي الثقافي العربي ، والحركة الثقافية في انطلياس ، والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، ونادي أدونيس جبيل ، والمجلس الثقافي للبنان الشمالي وأمسيات عاملية ولقاء الجمعة الثقافي ، ودار الندوة ، والمنتدى (...) باستثناء منطقة البقاع وعند العتاب الذي وجهه الدكتور علي شرف أمين عام ندوة الخميس إلى الدكتور دندشلي قيل له أن السبب يعود إلى صعوبة الاتصال بين صيدا والبقاع أو بيروت والبقاع و"الحق على رئيس اتحاد الكتّاب اللبنانيين الدكتور علي سعد" الذي بدوره أخذ على عاتقه هذه المهمة (...) كما لاحظنا غياب المجلس الثقافي للمتن الشمالي وهذه ربما سهوة أو طرفة عين ، المهم أن اللقاء نجح إلى حد ما رغم محاولة البعض تجيير هذا النجاح والهيمنة عليه .
* * *
لفتتني مداخلة الدكتور عبد الله كنعان حيث تحدث عن غاية اللقاء فحددها في الإسهام في تحريك الجو الثقافي العام وتوثيق عرى التعاون بين الجمعيات الثقافية في لبنان وتوضيح بعض المفاهيم الأساسية لعمل ثقافي حقيقي وهذه طرحت بصيغة تساؤلات ماذا نريد من الثقافة ؟ وهل تلعب الثقافة دورها الحقيقي في حياتنا العامة ؟ وما هي علاقة الثقافة بالسلطة السياسية ؟ وعلاقة النظام السياسي بالثقافة وفروعها ؟ وهل تطيفت الثقافة كما النظام السياسي حتى أصبحت لكل طائفة ثقافتها الخاصة ومفاهيمها الثقافية المناهضة للثقافة الطائفية الأخرى ؟
كما لفتتني مداخلة الدكتور مصطفى دندشلي والذي بدوره ركز على مفهوم الثقافة والعمل الثقافي ودور المثقف ، وأشار إلى أن المركز الثقافي ينطلق في فكره وعمله من ملاحظة استقرائية تظهر أن الفكربمجمله في لبنان إنما هو فكر مجرد مطلق بعيد إلى حد صارخ عن الواقع أحياناً . فهناك فراق بين الفكر والواقع المحسوس، والمثقفون يميلون غالباً إلى طرح القضايا في صورتها الكلية النظرية المجردة فيقعون في الغيبية والآراء الأسطورية التي تحجب عن إدراكنا رؤية حقيقية للواقع (...).
ومن هذا المنطلق نرى لزاماً علينا التوقف عند التوصيات التي صدرت عن اللقاء والتي تضمنت بنوداً سبعة هي :
1 ـ تقديم الشكر والتقدير للمركز الثقافي في صيدا على تنظيمه لهذا اللقاء .
2 ـ اعتبار هذا اللقاء حلقة في سلسلة اللقاءات التي تربط مختلف الهيئات الثقافية والإنمائية والاجتماعية دفاعاً عن استقلال لبنان ووحدته وتحريره وإصلاح نظامه . واعتبار النشاطات المشتركة جزءاً من بلورة لإرادة وطنية تجمع كل هذه الهيئات في جبهة ثقافية موحدة .
3 ـ اعتبار الثقافة أحد أبرز الأدوات التي تساعد على تقدم الإنسان وتوحيد المجتمع .
4 ـ إجماع الهيئات المشاركة على تأييد الثوابت التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر " الثقافة والتغيير " الذي عقد في أنطلياس 6ـ7ـ8 أيار 1988 .
5 ـ عقد لقاءات دورية بين ممثلي جميع الهيئات الثقافية للتداول في السبل العملية التي تحقق أمل المواطنين في إيقاف الحرب ، والخفاظ على حقوق الإنسان ورفض كل أشكال الاحتلال والفرز السكاني وتأكيد سيادة الدولة على كامل إقليمها الجغرافي .
6 ـ عزم جميع المشاركين على استمرار التعاون والتنسيق في مختلف النشاطات والمؤتمرات التي تقيمها الهيئات منفردة ومجتمعة وذلك بهدف ترسيخ ثقافة ديمقراطية تؤمن الحرية والعدالة والمساواة لكل أبناء الشعب .
7 ـ المشاركة الجماعية في إحياء " يوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي" في 19 أيار المقبل في جميع المناطق اللبنانية .
* * *
لا نستطيع التنكر لهذه البنود بالطبع أو التفلت من مضمونها وقيمتها لكن لا بدّ من القول أن اللقاء كي يكون له الصدى الفاعل ويكرس نجاحه المضمون عملياً يجب أن يطبق ما صدر عنه بالبدء بالعمل الجبهوي الثقافي مع المحافظة على استقلالية كل مؤسسة . كون اللقاء جمع مجمل المؤسسات الثقافية في لبنان والتي هي الآن أمام التحدي الكبير في بعده المصيري ووجوده في الميثاق بين أن يكون أو لا يكون .
ـ ثم التأكيد على تحديد المفاهيم الثقافية والفكرية والسياسية ، والعمل على إيجاد صيغة عمل مشترك حول كافة الطروحات .
ـ مطلوب شرح وتطبيق شعار الثقافة بين الواقع والمرتجى .
ـ الإسراع في دعوة وإعادة المثقفين العرب إلى لبنان ، لأن لبنان كان ولا يزال المركز الأول والمتنفس الأساس لكل المثقفين والمبدعين والمفكرين .
ـ مطلوب صفاء النيات بين المثقفين ، وخصوصاً المؤسسات واللقاءات التيتقول عن ذاتها أنها الأصل وتنفي الأصالة عن بقية المؤسسات التي بدأت تشق طريقها بسبب تقاعس وهيمنة المؤسسات القديمة .
ـ المطلوب من اتحاد الكتّاب اللبنانيين احتضان الجيل الطالع وأخذه بعين الاعتبار وإعادة النظر بعمليات الانتساب التي تخضع أحياناً للمحسوبيات ؟
ـ دعم المؤسسات الثقافية التي ما زالت تعمل في زمن الحرب كما يجب تشجيع ومساعدة الرابطات والنوادي واللقاءات التي ولدت أبان المحنة .
ـ مطلوب توسيع النتاج الثقافي والبرمجة، وتوسيع الأندية وإيجاد القاعات وإقامة المهرجانات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في إطار المؤتمرات والمبادلات الثقافية .
ـ السعي لافتتاح مكاتب عامة .
ـ تحديد العلاقة بين الثقافة والإعلان ، وتعزيز البرامج التلفزيونية الجدية .
ـ العمل على استعادة بيروت لمركزها الثقافي المميز .
ـ رفض الثقافات المطيفة ، فالثقافة لا توصف إلا بنفسها وتتخذ الإنسان غاية لها. فالثقافة هي العقل والعلم والتنظيم . ودورها الأساسي في مرحلة التغيير هو الالتزام الحقيقي الذاتي الواعي لقضايا الناس .
ـ لبنان منارة الشرق وموئل الريحاني وجبران ونعيمة . يجب أن يبقى موحداً ثقافياً ويجب إزالة الحواجز أو السدود أمام مجمل الطروحات الوطنية تحت شعار وحدة لبنان ، لأن عودة الثقافة إلى تآلفها يعني الحياة والروح إلى هذا الوطن .
* * *
هذه أمنياتنا من اللقاء الثقافي الأول نتمنى على المجتمعين لاحقاً أخذها بعين الاعتبار والتخلي عن بعض السطحيات التي رافقت بعض المداخلات والحساسيات التي رافقت البعض والمحسوسات التي تسلح بها البعض الآخر ولا نريد الدخول أكثر في التفاصيل . ففي لبنان لم تبق أياد نظيفة سوى الثقافة .
زينب حمود
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * ) جريدة الأنوار بتاريخ 24 شباط 1989