كلمة المنالضل - عدد - ما لم تتحقق الوحدة سيبقى الوطن مستباحاً
كلمة المناضل العدد 293 ت2 ـ كانون1 1998
ما لم تتحقق الوحدة سيبقى الوطن مستباحاً
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
حفلت الأسابيع القليلة الماضية بسلسلة من الأحداث المؤسفة مرت على وطننا العربي وتركت فيه آثاراً وندوباً عميقة على الصعيدين المادي والمعنوي إثر تصاعد الهجمة الإمبريالية والصهيونية على جماهيرنا وأمتنا .
فبعد توقيع اتفاقات واي ريفر بين السلطة الفلسطينية وحكومة العدو الصهيوني التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية بعد أن مارست ضغوطاً كبيرة على الفلسطينيين ومنحت إسرائيل دعماً سياسياً ومادياً كبيرين حتى تم الوصول إلى هذا الاتفاق المهين وعلى أثر الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي لإسرائيل وغزة لرعاية الخطوات المتعثرة في محاولة لدفع الاتفاق وتطبيق بنوده المتعثرة بعد التنازلات الخطيرة التي قدمتها السلطة الفلسطينية رضوخاً لإرادة العدو وحليفته الولايات المتحدة الأميركية .
ومع ازدياد الضغط والحملة على الرئيس بل كلينتون داخل الكونجرس وخروجاً من المأزق الشخصي الذي أحاط به ، وفي موعد التصويت على تقديمه للمحاكمة في 17 / 12 / 1998 تمهيداً لمعاقبته أو عزله ، وبدفع من الدوائر الصهيونية النافذة في وزارتي الحرب والخارجية الأميركية ، أعطى الرئيس الأميركي الأوامر بشن عدوان عسكري جوي واسع النطاق على العراق استمر أربعة أيام شاركت فيه بريطانيا وكانت الذرائع واهية حيث استخدم غطاء الأمم المتحدة وقراراتها الخاصة بنزع أسلحة الدمار الشامل من العراق عن طريق جواسيسهم الذين يشرفون على تنفيذ هذه القرارات في لجان التفتيش المختلفة .
لقد نجحت الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل في تحقيق بعض الأهداف من هذه الضربة العسكرية والتي خلفت تدميراً واسعاً في منشآت حيوية عراقية وراح ضحيتها عدد كبير من المواطنين العراقيين الأبرياء وادعت الولايات المتحدة بعدها أنها عطلت قدرة العراق على تهديد جيرانه وإعاقته لمدة عام على الأقل من تطوير قدرته العسكرية ؟؟
وكان العدوان فرصة لإسرائيل للتنصل من التزامها بتطبيق الاتفاق مع السلطة الفلسطينية الذي اتخذ مجلس الوزراء الإسرائيلي قراره بوقف تنفيذ بنوده لستة أشهر أخرى مع قرار أولي بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في الكيان الصهيوني .
لقد أبرز العدوان العسكري على العراق حقائق لم تكن خافية على المتتبعين لما يجري في المنطقة العربية كشفت بشكل واضح عن الأهداف السياسية والعسكرية التي تسعى لها الولايات المتحدة وإسرائيل واستمرارها في محاولة إخضاع العرب وابتزازهم واحتلال أرضهم ونهب ثرواتهم ويمكن إظهار حقائق أخرى نجمت عن العدوان السافر تمثلت بما يلي :
أولاً : أكد العدوان الحقيقة التي قلناها سابقاً وهي أن الولايات المتحدة الأميركية تمارس سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع ما يجري في الوطن العربي خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي الصهيوني .
ثانياً : تكشف للعالم أن الحجج التي تقدمها أميركا لتبرير العدوان لم تستطع إقناع حتى أصدقاءها الذين شككوا بمدى صدقيتها .
ثالثاُ : جاء توقيت الهجوم العسكري في الوقت المقرر لإجراء التصويت في الكونجرس الأميركي لاتخاذ الإجراءات لتقديم رئيس الولايات المتحدة للمحاكمة حول الاتهامات الموجهة له تمهيداً لإدانته أو عزله .
رابعاً : لقد تحولت الأزمة العراقية خلال السنوات القليلة الماضية من أزمة عامة بين العراق والأمم المتحدة إلى أزمة خاصة بين العراق والولايات المتحدة الأميركية ، وأصبحت الأمم المتحدة الغطاء الذي تستخدمه الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها وأهداف حلفائها وخصوصاً إسرائيل وهذا الأمر هو نفسه الذي مارسته أميركا في الأزمة الكورية واستمر منذ نهاية الحرب الكورية في الخمسينات حتى اليوم .
خامساً : إن العمل الذي مورس ضد العراق الشقيق يمكن أن يكون بادرة تستخدمها الولايات المتحدة مع جميع الدول التي تعارض سياستها . وهذا الأمر يمكن أن يعيد العالم إلى شريعة الغاب خصوصاً في غياب القوة الدولية المؤثرة التي يمكن أن تواجه الإمبريالية الأميركية .
سادساً : أظهر العدوان أن دور الأمم المتحدة ومؤسساتها القائمة أصبح هزيلا إلى درجة فقدت معه قوة التأثير الدولي حيث شكل العدوان خروجاً على كل المبادئ والقيم الدولية التي جهد العالم في صياغتها وإقرارها بعد الحرب العالمية الثانية .
لقد واجه العدوان على العراق تنديداً واسعاً من الجماهير العربية وقامت مظاهرات واحتجاجات عامة في أقطار الوطن العربي وفي أجزاء أخرى من العالم وعمت النقمة على الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وحلفائها . وألحق المتظاهرون الغاضبون بعض الأضرار بممتلكات المعتدين في دمشق ، ودعت القوى السياسية والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية إلى مقاطعة المعتدين وطالبت برفع الحصار عن العراق وليبيا والسودان كما دعت إلى إعادة النظر في العقوبات المفروضة عليهم .
كما أدانت روسيا والصين وبلدان أخرى العدوان وطالبت بإيقافه فوراً ودعت إلى إعادة النظر في العقوبات على العراق وفي فريق المفتشين الدوليين .
إن حزبنا أيها الرفاق الذي أدان العدوان فور وقوعه ودعا إلى حملة عربية ودولية واسعة للتنديد به وإيقافه دعا العرب في الوقت نفسه إلى الوقوف موقفاً موحداً أمام الهجمة الإمبريالية الأميركية والصهيونية للدفاع عن الوطن وجماهيره ودعا إلى إعادة الأرض والحقوق وطالب بتضامن عربي فعال لأن الصراع سيبقى مستمراً ما دام هناك أرض عربية محتلة وحقوق ضائعة ومغتصبة وتهديد متواصل ، لأن قوى العدوان ما زالت تمنع الجماهير العربية من تحقيق مشروعها القومي وتقف في مواجهة أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية .