كلمة المناضل - عدد - عود على بدء ، من حلف بغداد إلى أحلاف اليوم
كلمة المناضل العدد 284 أيار ـ حزيران 1997
عود على بدء ، من حلف بغداد إلى أحلاف اليوم
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
قبل أربعين عاماً ونيف حاولت القوى الاستعمارية تطويق حركة التحرر العربية والحركة القومية الصاعدة في الوطن العربي آنذاك ، حاولت تطويقها بزنار من التحالفات والمعاهدات والاتفاقات التي تخدم في النهاية مصالح القوى الاستعمارية في الوطن العربي عموماً وفي ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط خصوصاً ، كان أبرز تلك الأحلاف وأخطرها على الأمة العربية حلف بغداد سيئ الذكر وكان قبلاً يسمى حلف تركيا ـ الباكستان الذي رعته الدولة الاستعمارية القديمة انجلترا والتي لها تاريخ استعماري طويل في آسيا حيث كانت تحتل الهند ، وباكستان قبل استقلالها عن الهند والعراق والأردن وفلسطين ودول الخليج العربي وتفرض هيمنتها على أقطار الخليج وغيرها من الدول .
لقد قاوم الحزب وجماهيره وكافة الحركات الوطنية والقومية العربية آنذاك انضمام العراق لهذا الحلف وخاضت الأمة وقواها القومية وكذلك مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قاوموا جميعاً ذلك الحلف وأسقطوه ، وانهزمت القوى والأنظمة التي كانت ترغب في إدخال العراق وغيره من الدول العربية إلى ذلك الحلف المشبوه ، واستنهضت همة الجماهير وتحقق من خلال معركة حلف بغداد إنجازات كبيرة على الصعيد القومي وتحررت الإرادة العربية وحقق عدد من الأقطار العربية الاستقلال السياسي وتحالفت قوى قومية وتقدمية وأنجزت أول وحدة قومية في تاريخ العرب المعاصر بين سورية ومصر بقيام الجمهورية العربية المتحدة التي كان للحزب قصب السبق في الدعوة لها ودفعها وإنجازها .
واليوم وبعد أربعين عاماً على تلك الأحداث الخطيرة والمهمة في تاريخ العرب ، وبعد حال النكوص التي تتعرض لها حركة القومية العربية واشتداد الهجمة الإمبريالية التي تقودها الآن الولايات المتحدة الأميركية الداعمة الأولى والرئيسة لدولة العدوان الصهيوني العنصري ، نرى اليوم أحلافاً جديدة تنشأ في منطقتنا هدفها كما كان في السابق استمرار الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية على وطننا أداة هذا الحلف الآن تركيا وإسرائيل مدعومتين وبشكل كامل من الولايات المتحدة الأميركية .
إن أول أهداف هذا الحلف الجديد هو تطويق الوطن العربي وقواه التحررية والقومية التي ترفض الهيمنة والسيطرة الإمبريالية والصهيونية على أرضه وخيراته ، وهدفه الوقوف في وجه حركة التحرر العربية وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي وثورته في القطر العربي السوري بقيادة الرفيق المناضل حافظ الأسد الأمين العام للحزب رئيس الجمهورية العربية السورية وكذلك القوى العربية الرافضة لمنطلق الهيمنة والاحتلال ممثلة بلبنان الرسمي والشعبي والمقاومة الوطنية في جنوبه التي توقع بالعدو الصهيوني يومياً خسائر شتى .
ومن أهدافه أيضاً التلويح بالقبضة الحديدية لبعض الدول العربية التي تؤيد السياسة الرافضة للهيمنة الصهيونية وتدعم بشكل أو بآخر الموقف العربي السوري ، وكذلك بعض القوى الصديقة للأمة العربية التي تقاوم سياسة الهيمنة الأميركية والصهيونية ، كجمهورية إيران الإسلامية وغيرها .
إن أولى ثمرات هذا التحالف المشؤوم هو الاجتياح التركي لشمال العراق تحت حجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني التركي .
إن منطق البحث عن الأمن خارج الحدود هو عقيدة السياسة الاستعمارية القديمة التي رفضها العالم .
ويدل هذا الأمر على المطامع الاستعمارية التي يسعى وراءها كل من يبحث عن الأمن خارج حدوده السياسية والجغرافية وهذه هي الفلسفة الاستعمارية التي وجدت أولى مرتكزاتها وتطبيقاتها العملية في التوسع الاستعماري الذي حدث في العالم مع ظهور حركة الاستعمار وهذا هو الذي جلب الكوارث والحروب والصراع على مدى التاريخ . وهو ما حاولت أمتنا الابتعاد عنه ومقاومته منذ بدء تاريخها السياسي الحديث بعد الحرب العالمية الأولى وترسخ أكثر فأكثر بتبني القوى الوطنية والتقدمية وغيرها سياسة عدم الانحياز التي قدمها الحزب منذ تأسيسه كعقيدة سياسية للتعامل مع القوى العالمية المختلفة .
إن العدو الصهيوني ودولة إسرائيل تتبنى عقيدة الأمن خارج الحدود لذا نراها تبحث عن حلفاء من نفس العقيدة وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية والدول الحليفة لها والتي تؤيد سياستها .
إن ما قامت به سورية وحزبها في الأسابيع القليلة الماضية من جهد دبلوماسي لتوضيح مخاطر ما يرسم للمنطقة من مخططات جديدة وتوضيح مخاطر الأحلاف المشبوهة ودعوة سورية لإعادة اللحمة بين أبناء الأمة الواحدة والبحث عن مصالحها الاقتصادية والسياسية المشتركة والتي بدونها لن تستطيع الصمود أمام تلك الغزوة الإمبريالية الصهيونية المستمرة ، إن ذلك كله يتطلب من الجميع إدراك المخاطر الجدية وراء تلك الأحلاف .
وربما يكون في تذكر تاريخ حلف بغداد عبرة لجماهيرنا وقوانا وأنظمتها كي تدركها الصحوة العربية لبعث الثقة بالنفس ومواجهة المخاطر وبدء الطريق نحو التضامن ، فالوحدة ، فالتحرر .