د. دندشلي- مقابلة مع الأستاذ أكرم الحوراني (2)
المـقـابـلـة الثانية مـع
الأستاذ أكـرم الحـورانـي
الزمان والمكان : آب عام 1965 ، دمشق
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
... لقد أحدثت الحرب العالمية الثانية تأثيرات عميقة في الأوضاع السياسيّة العالمية ، كما أن تأثيرها كان كبيراً في البلاد العربيّة ... نشأت في سوريا ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، عدد من الحركات ، منها ما أخذ الطابع الحزبي ، ومنها ما أخذ طابع الاتجاهات السياسيّة ... مثلاً في حلب ، تأسس التجمّع العربي ، وكان طابعه طابع النازي ... يدعو إلى الوحدة العربية ، ولكنه في تركيبة وعقلية نازيِّ الملامح ... وبقايا هذا التجمّع اعتمد عليها حزب الشيشكلي ...
وحركة أخرى في حماه والتي هي عبارة عن تجمّع الشباب المثقف في البلدة ... شعاراتها : الوحدة العربيّة ، مقاومة الإقطاع والطائفية والعشائرية ... وفيها بذور تقدمية واضحة نظراً للبيئة التي نشأت فيها وللصورة البارزة للتشويه الاجتماعي ... فكانت هذه الحركة التي هي عبارة عن ردّات الفعل أمام هذا الواقع السيء ، ذات نفحة تقدمية ... هذه الحركة ، كانت شعبية منذ نشوئها ، تعتمد في الدرجة الأولى على جماهير الفلاحين... ويمكن تلخيص أهدافها في تلك الفترة بـ: محاربة الفئة الإقطاعيّة، محاربة الاستعمار وتحرير سوريا من الاستعمار الإفرنسي . وفي الوقت نفسه تقريباً ، تكوّنت في سوريا حركة جديدة تحت اسم : نصرة العراق ...
* وفي عام 1950 ، تحوّلت حركة حماه ، حزب الشباب المثقّف، إلى حزب سياسيّ : تحت اسم الحزب العربي الاشتراكي ... وذلك في مناسبة مؤتمر الفلاحين في عام 1950 ـ 1951 وكان للحزب العربي الاشتراكي جريدة الحرية في حلب والاشتراكية في دمشق ...
* ولقد التقى مجموعات الشباب الذين كوَّنوا فيما بعد حركة البعث العربي والحزب العربي الاشتراكي ، في حركة نصرة العراق ... وفي ذلك الوقت تعرّف أكرم الجوراني على قادة حركة الكيلاني ... ومما يجدر ذكره أنه لا ينبغي أن يبالغ كثيراً بأهمية حركة نصرة العراق من الناحية العملية ... إذا إنها اكتفت فقط بالتأييد المعنوي ...
ومع ذلك ، فيمكن اعتبار هذه الفترة بداية النضال المسلح ضد الاستعمار... على غرار الحملة التي تطوع فيها الشباب إلى فلسطين ... القوى التي كانت تعتمد عليها حركة البعث أو على الأصح نصرة العراق ، هي مجموعة من الطلاب ... أما الحزب العربي الاشتراكي ، فكان يعتمد على الجماهير من فلاحين وعمال ... لذلك استطاعت هذه الحركة ، حزب الشباب في حماه ، أن تقدّم نائباً إلى المجلس النيابي منذ عام 1943...
* إن الشعارات والأهداف العامة للحزب العربي الاشتراكي وحزب البعث تقريباً واحدة ، كما أنه كانت هناك لقاءات دائمة بين الأعضاء الذين يكوّنون هاتين الحركتين ، وتأييد متبادل بين الطرفين في مختلف المناسبات ... وما التأخير في عملية دمج الحزبين ، إلاّ كون الركنين يختلفان حول الموقف من اتحاد سوريا والعراق منذ عام 1949 ... بل لقد كان داخل البعث نفسه اتجاهان : اتجاه تقدمي ، وآخر يميني .
ومع أنّ دمج الحزبين قد تمّ تحت ضغط الظروف السياسيّة ( مقاومة حكم الشيشكلي مقاومة عنيفة ) إلاّ أنه لم يتم إلاّ بشروط :
1 ـ ترك عفلق السياسة وانصرافه إلى القضايا الفكريّة .
2 ـ أن يسمّى حزب البعث العربي الاشتراكي ، زيادة كلمة الاشتراكية على الاسم .
3 ـ أن يوضع دستور جديد للحزب الجديد تبرز فيه الناحية الاشتراكية ...
وقد بقي الخلاف ، داخل الحزب حتى بعد الدمج : اتجاه يعتبر الحركة الفلاحيّة حركة غوغائيّة وانتهازيّة ، لذلك فلم يقتنع بأهمية دخول الفلاحين إلى الحزب ، بل بالعكس ... (يتجلّى خط حزب البعث في بيانات جلال السيّد ). كما أن الخلاف حول المفهوم الاشتراكي وحول المشاريع الاتحاديّة مع العراق لا يزال كما كان عليه في السابق ...
إنّ الخلاف الفكري بالنسبة إلى الاشتراكية يتلخص : لا يجوز البحث في الاشتراكية إلاّ بعد الوحدة ... لا حرية ولا اشتراكية إلاّ بعد الوحدة ... هذا الصراع كان يهدِّد وحدة الحزب .
* كان جلال السيّد وصلاح الدين البيطار يحاولان دائماً الاندماج والمشاركة في الحياة السياسيّة والعمليّة . وإنّ الثقافة الحقيقية هي الاحتكاك المستمر بالشعب ... في حين أن عفلق كان يتجنب الدخول في معترك السياسة ...
* كانت حركة البعث تتكوّن من مجموعات من الطلاب ، طلاب المدارس الثانوية وطلاب الجامعة ... وشباب " الطرشان " و"الأتاسي " يعتبرون أنفسهم تلاميذ خلّص لقادة حزب الشعب ، أو أنهم يعتبرون أنفسهم كجناح من حزب الشعب المعارض ... أي أنّ الصفة البارزة والمميّزة لحركة البعث هي عدم ارتباطها بالشعب ...
بقي الوضع داخل الحزب على هذه الصورة حتى عام 1955 ... وإلى أن ألقى خليل الكلاس بيانه المشهور في هذا الوقت ... هذا البيان الذي حاول فيه أن يوجد وحدة الحزب السياسيّة والفكرية ... ومنذ ذلك الحين ، أخذ حزب البعث ولو ظاهرياً طابع الوحدة المتكاملة ...
* منذ البداية ، توسعنا في العمل داخل صفوف الجيش ، ومنذ الاختلاف مع الإفرنسيين عملنا على إلحاق الجيش بالحكومة ... أما عفلق والبيطار ، فلا يريدان العمل البتّة داخل الجيش ...