كلمة المناضل - عدد - المعاني التي تقدمها الذكرى الخمسون لتأسيس الحزب
كلمة المناضل العدد 283 آذار ـ نيسان 1997
المعاني التي تقدمها الذكرى الخمسون لتأسيس الحزب
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
يصادف السابع من نيسان هذا العام الذكرى الخمسين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي ، وعادة تكتسي الذكرى السنوية طابعاً احتفالياً ميز حياة البعثيين على وجه الخصوص والقوميين والتقدميين عموماً حيث يستذكرون تاريخ الحزب ونضاله وإنجازاته ويتذكرون شهداءه وذكريات الرفاق الذين خاضوا معارك متعددة الأشكال خلال سنوات حياتهم الزاخرة بالعطاء سواء كان ذلك داخل الوطن العربي أو خارجه في أماكن تواجدهم في البلدان الأجنبية التي عاشوا أو درسوا أو عملوا فيها .
لكن الذكرى هذا العام تكتسي حلة أخرى ولها معان ربما اختلفت عن مثيلاتها في الأعوام السابقة ، ليس كونها الذكرى الذهبية ـ وهي مميزة ـ لكنها تحمل تحديات كبرى تطرح نفسها على البعثيين حيثما وجدوا .
أبرز تلك التحديات اثنان : ذاتي ، وخارجي .
فالتحدي الذاتي ينطلق أساساً من السؤال هل أن البعثيين الذين حملوا أهدافاً ورفعوا شعارات كبرى عند تأسيس حزبهم هل ما يزالون قادرين على تحقيقها ؟؟؟؟ ربما ويكون السؤال الأهم هل أن هذه الأهداف والمبادئ مازالت تصلح للأمة العربية وجماهيرها بعد أن انقضى خمسون عاماً على إعلانها في السابع من نيسان عام 1947 ؟؟؟ .
إن نظرة سريعة على حال الأمة العربية اليوم ومقارنتها مع ما كانت عليه حالها عند تأسيس الحزب عام 1947 تعطينا صورة لا يخطئها العاقل ، وتكاد تكون متشابهة مع تلك التي كانت قبل نصف قرن من الزمان على الرغم من تغير بعض ألوانها بمرور الزمن .
فالتجزئة هي السمة الواضحة الغالبة اليوم كما كانت بالأمس ، وغياب الحرية وفقدان الديمقراطية عن معظم الأنظمة العربية هي القاسم المشترك لها ، والتوزيع غير العادل للثروة وبقاء شرائح واسعة من الجماهير محرومة من أبسط متطلبات العيش الكريم واتساع الهوة بين بعض الأثرياء وغالبية الجماهير الفقيرة ، حتى في بعض الأقطار العربية التي تختزن ثروات طبيعية هائلة .
وأبرز ما يلاحظه الناظر لهاتين الصورتين هو استمرار الاحتلال الصهيوني بل وتوسعه في الصورة الأحدث وانتشار أذرعه الاخطبوطية إلى أبعد من حدود فلسطين ، وهناك إضافات سوداء تلطخ جوانب الصورة الحديثة في محاولة لطمس ملامحها وضياع أجزاء مهمة منها ، وهناك أيضاً قوى تمد يدها على أطراف الوطن في محاولات لقضم أجزاء منه أو نهبها أو تغيير هويتها العربية وإعطاء بعض أجزائه هوية وسمة أخرى ستكون لها نتائج مدمرة على المفهوم المتعارف عليه في الوطن العربي الذي يضم تنوعاً حضارياً وعرقياً ودينياً فريداً ، يجمعه الإطار القومي الإنساني ويتآخى فيه المواطنون في ظل الحرية والمساواة والسلم الاجتماعي ، والمواطنة العادلة ، والحقوق والواجبات المتساوية التي يتمتع الجميع في عطاءاتها .
وبعد تلك النظرة السريعة نرى أن الواقع العربي ما يزال يحتاج وبشكل أكثر إلحاحاً إلى تلك المبادئ والأهداف التي صاغها الحزب قبل خمسين عاماً ، وتشكل تلك الأهداف الآن العمود الفقري الذي تجتمع حوله القوى الوحدوية والقومية والاشتراكية في الوطن العربي للتصدي لهذه السلبيات التي تحتاج ـ الوطن ـ ويحتاج البناء العصري إلى جهود مضاعفة من البعثيين وأنصارهم وحلفائهم للتخلص من تلك السلبيات والأخطار التي تحيط بالوطن من الداخل والخارج ، مدركين أن بعض تلك القوى ـ خصوصاً الداخلية منها ـ قد أوجدت لها مرتكزات فكرية ومادية في جميع الأقطار العربية واستطاعت أن تقتطع جزءاً من جماهير الشعب التي وقعت تحت التأثيرات الفكرية والإعلامية والمادية لقادة تلك التيارات القطرية أو الإقليمية أو القوى المعادية لأماني وتطلعات الشعب ، وهذا يحتاج من البعثيين الاهتمام الأكبر بتنظيمهم وبناءه عصرياً متيناً وتوسيع قاعدته وتركيز نشاطه في مختلف الأقطار والاتجاهات وإقامة أوسع تحالف مع القوى القومية والتقدمية والاشتراكية في أماكن تواجدهم بغية تركيز الجهد نحو إقامة الجبهات المتحالفة للتصدي لتلك المخاطر .
والتحدي الخارجي الذي ما يزال يحيط بالوطن ويهدده وان اختلفت أساليبه عما كانت عليه قبل خمسين عاماً فهو ما زال يشكل الخطر الداهم ، صحيح أن قوى الاستعمار القديم التي كانت تحتل أجزاء كبيرة وكثيرة من الوطن العربي بشكل مباشر وتواجدت جيوشها وأساطيلها في قلب الوطن وعلى شواطئه ، وانتشرت قواعدها العسكرية من المحيط إلى الخليج ، ورغم أن الصورة قد تغيرت الآن ونالت معظم الأقطار العربية استقلالها وتم جلاء الجيوش الأجنبية عنها ، إلا أن معظم تلك الأقطار ما زال يخضع لأشكال حديثة من الهيمنة الاستعمارية ، والاستغلال الاقتصادي ، والتدخل المباشر ، وغير المباشر في قراراتها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية ، ونتائج تلك الهيمنة الإمبريالية الحديثة على تلك البلدان وجماهيرها أخطر بكثير من نتائج الاحتلال العسكري القديم الذي عرفته قبل نصف قرن .
إن هذا التحدي يستوجب نضالاً وعملاً مستمرين من الرفاق البعثيين خاصة ومن جميع القوى الوطنية والتقدمية والقومية عامة وعليهم مهام ذات طبيعة مختلفة عما كانت عليه سابقاً يوم كانوا يواجهون قوات الاحتلال العسكرية مباشرة ، ويواجهون الآن مهمة دقيقة وصعبة وشاقة دائماً ، لأن فيها مواجهة ذاتية لجزء من الأمة وحكامها وأنظمتها ، ومرتكزاتهم الفكرية والمادية التي أوجدوها خلال سنوات حكمهم وسيطرتهم وتأثيرهم إضافة إلى ذلك فالكيان الصهيوني الاستيطاني العنصري في فلسطين الذي كان في بداياته الجنينية عام 1947 قد كبر الآن وقوي عوده وتوسعت حدوده على الرغم من محاصرته خلال النصف قرن المنصرم وعلى الرغم من نبذه ومقاطعته وتحريم التعامل معه أو الاعتراف به عندما كان صغيراً وعندما كانت معظم الأقطار العربية مستعمرة أو ضعيفة أو فقيرة ... الخ . وبعد أن استقلت أقطارنا وتخلصت من جيوش الاحتلال ، ونمت ثرواتها ـ نراه اليوم ـ معترفاً به من معظم تلك الدول ويجري التعامل والتعاون وتبادل التمثيل السياسي معه و ... الخ وتوقع معه اتفاقات سلام وغيرها .
إن النظرة السريعة السابقة لحال الوطن والمواطن منذ تأسيس الحزب حتى اليوم تدلنا بوضوح أن المبادئ التي قدمها البعثيون للأمة مازالت صالحة بل ونستطيع القول إن حاجة الأمة لها اليوم أكثر من أي وقت مضى فالوحدة العربية هي العمود الفقري الذي يحمل أجزاء الوطن والأمة ويجعلها تقف معتدلة أمام الأمم والشعوب الأخرى ، وحرية العرب وحرية المواطن هي أساس الوجود والانتماء ، وهي الحق والحافز الذي يدفع المواطن للتضحية والنضال والشعور بالمواطنة الكريمة ومع الحرية وممارستها والشعور بها تتشكل الديمقراطية وتنمو وبدونها تصبح المواطنة والشعور بها كلاماً فارغاً ليس له مضمون ولا معنى .
ومن الحرية والديمقراطية تنطلق العدالة الاجتماعية ، عدالة توزيع الثروة وحق المواطن في التمتع بخيرات الوطن وثرواته ، وتنمو الروح الاشتراكية ويتحقق المبدأ الذي صاغه الحزب حلاً اقتصادياً عادلاً للوطن ومواطنيه .
هذا ما تحمله الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب ، وهذا ما يجب تمثله ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين الذي سندخله بثقة أكبر بحزبنا ومبادئه العظيمة وبشعبنا وأمتنا وتراثهما المجيد .