كلمة المناضل - عدد - لماذا لبنان أولاً ؟؟؟
كلمة المناضل العدد 279 تموز ـ آب 1996
لماذا لبنان أولاً ؟؟؟
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
ما تزال دولة العدو الصهيوني ـ ومنذ تأسيسها ـ تمارس السياسة التي من شأنها إنهاء الصراع العربي الصهيوني وتحويله إلى نزاع بين إسرائيل وجاراتها الدول العربية وهي السياسة التي تنهي قضية فلسطين وقضية العرب عموماً وتجعل إسرائيل دولة تتمتع بكل مزايا فرض الأمر الواقع والهيمنة ، وفرض التجزئة على الأمة العربية وجعلها قدراً لا مفر منه وذلك بتعزيز الإقليمية وإذكاء الروح القطرية لدى الدول المحيطة بفلسطين وإقامة الحواجز عن طريق فرض المعاهدات والاتفاقات التي تعرقل أي محاولة للوحدة أو التضامن أو التنسيق بين أقطار الأمة العربية الواحدة . وكانت أبرز محطات هذه السياسة الصهيونية هي اتفاقات كامب ديفيد مع مصر وما تلاها من فرقة عربية وعزلة مصر آنذاك ـ ولو لفترة ـ عن جسم الأمة والعمل العربي المشترك، وتلا ذلك اتفاق غزة أريحا أولاً مع منظمة التحرير الفلسطينية والنتائج السيئة والسلبية التي أحاطت تلك الاتفاقات وما أحدثته من شروخ في الجسم الفلسطيني والفلسطيني العربي ، وما لحق بقضية فلسطين والحقوق الفلسطينية والعربية من تراجع كبير بعدها ، وتلا ذلك الاتفاقات مع الأردن في وادي عربة وتخلخل العلاقات العربية مع الأردن نتيجة لذلك والآن تحاول إسرائيل تسويق تلك السياسة في ما تطرحه حول لبنان أولاً في محاولة منها لأحداث مزيد من التمزق في الجسم العربي الذي بدأ يتعافى من جروحه بعد مؤتمر القمة العربي الذي عقد مؤخراً في القاهرة ووضع سياسة عربية لوحدة الموقف ، ودعم سورية ولبنان في نضالهما من أجل حل عادل ودائم يضمن تطبيق القرارات الدولية والحفاظ على الحقوق القومية .
إن النوايا الخبيثة وراء تلك السياسة مكشوفة ومعروفة وتهدف ضمن ما تخطط له الصهيونية إلى مايلي :
أولاً : إحداث شرخ عميق في جسم الأمة العربية عن طريق محاولة تخريب العلاقة السورية اللبنانية التي توطدت وتعمدت بالدم المشترك خلال النضال القومي والوطني في السنوات الماضية لتجاوز الأزمة اللبنانية .
ثانياً : إحداث انقسامات داخل لبنان وجر بعض الأطراف القصيرة النظر والمؤيدة للسياسة الصهيونية خصوصاً في الظروف التي تجري فيها الانتخابات النيابية وما يحيط بها من ظروف استثنائية ومحاولة إحياء اتفاق / 17 / أيار المقبور الذي هزمته جماهير لبنان وأسقطته آنذاك . وكذلك الحفاظ على القوى العميلة المتعاونة معها في الجنوب اللبناني المحتل .
ثالثاً : تسويق السياسة الصهيونية لدى بعض العرب المتعاونين مع العدو والظهور بمظهر أن إسرائيل راغبة في الانسحاب من جنوب لبنان وأنها لا ترغب في بقاء قواتها فيه .
رابعاً : الظهور أمام العالم أن إسرائيل تقترح " حلولاً عملية " وهي دولة ديمقراطية لا ترغب أن تفرض احتلالها على الآخرين وان مساعيها تلك تهدف إلى إقامة علاقات طبيعية مع البلدان العربية المجاور لها .
خامساً : إرضاء بعض العناصر داخل دولة العدو التي تعارض سياسة حزب الليكود والحكومة الإسرائيلية الراهنة عن طريق الالتفاف على المعارضة داخل الكيان الصهيوني نفسه وامتصاص الأزمة الداخلية التي تهدد الحكومة .
سادساً : وأخيراً إظهار إسرائيل وكأنها الدولة الوحيدة الراغبة في السلام أمام الرأي العام العالمي الذي ما انفك يطالبها بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة .
لقد أوضح لبنان رسمياً وشعبياً رفضه القاطع لمثل هذه الاقتراحات الخبيثة وكشف النوايا التي تبيتها إسرائيل له من وراء تلك المناورة وأوضحت سورية كذلك موقفها حيث لا يمكن أن تكون راعية وحامية لحدود دولة العدو في الوقت الذي تستمر فيه باحتلال الأراضي وانتهاك الحقوق وأبرزت الدولتان ومعها الأقطار العربية كلها إن هذه السياسة لا تهدف إطلاقاً إلى تطبيق قرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن وخصوصاً القرار / 425 / الخاص بالانسحاب من جنوب لبنان ، بل الهدف هو استمرار فرض الهيمنة الصهيونية على الأمة العربية والتنصل من الالتزامات التي فرضتها الاتفاقات السابقة خلال مسيرة التفاوض بعد مؤتمر مدريد والتنصل أساساً من المبادئ التي انطلقت منها عملية السلام في مدريد وفيها محاولة لتصفية قوى المقاومة الوطنية للاحتلال ليس في لبنان فحسب ، بل في جميع الأقطار التي ترفض سياسة إسرائيل واستمرار احتلالها للأراضي العربية وتنكرها للحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية . وكما هزم اتفاق / 17 / أيار سوف تهزم هذه المحاولة الجديدة للصهيونية وسوف يستمر العمل في سورية ولبنان من أجل الوصول إلى سلام عادل وشامل يضمن كافة العناصر التي قامت عليها عملية السلام في المنطقة والتي تحفظ للجماهير العربية حقها وكرامتها وتعيد ما احتل من أرضها .