تفكيك المخيم
صيداويات - الخميس 19 آب 2010- [ عدد المشاهدة: 136 ]
ساطع نور الدين - السفير:
لم يكن مقتل زعيم تنظيم «فتح الاسلام» عبد الرحمن عوض، مجديا لا بالنسبة الى المخيمات الفلسطينية التي ابدت لامبالاة واضحة ازاء التخلص منه، ولا بالنسبة الى السلطة اللبنانية التي تجاهلت الحاجة الى استيعاب تلك البيئة الفلسطينية البائسة التي انتجت مثل هذه الظاهرة المشينة... وما زال يمكن ان تنتج مثلها.
كانت ثمة فرصة للقاء لبناني فلسطيني في منتصف الطريق المزروع بالتجارب المؤلمة والذكريات المريرة، يفتح الباب امام مصالحة تحول دون ان يعيد التاريخ نفسه ويجر اللبنانيين والفلسطينيين مرة اخرى الى تلك الحقبة التي تآمر فيها الاسرائيليون والعرب جميعا على الشعبين ودفعوهما الى مواجهة بعضهما البعض، كي يستقيم التفاوض وتوقع معاهدات السلام ويسود الهدوء على جميع الجبهات العربية عدا الجبهة اللبنانية، التي لن تستعيد الامن إلا بمعجزة.
تقدم الفلسطينيون خطوة مهمة جدا نحو المصالحة، عندما تعاملوا مع تنظيم «فتح الاسلام» باعتباره اختراقا امنيا لصفوفهم، ولرغبتهم في نسيان الماضي، والانتقال الى مرحلة من المساكنة الطبيعية مع الجمهور اللبناني الذي لا يتنكرون لتضحياته الكبرى من اجل قضيتهم، ولا ينسون الاثمان الباهظة التي دفعها من اجلهم، ولا يزال.. ويسلمون في غالبيتهم الساحقة بأن السلاح قد استنفد على «الساحة» اللبنانية، وما عاد يجوز استخدامه إلا في خدمة امن المخيمات وفي خدمة اجهزة الدولة اللبنانية.
لكن الرد على هذه اليد الفلسطينية الممدودة، لم يكن مناسبا من قبل السلطة اللبنانية التي اثبتت مرة اخرى انها ما زالت مهجوسة بكوابيس الماضي، ومحكومة بإدارة مخلفات الحرب الاهلية ونتائجها، التي انتهت فعليا بالنسبة الى الجمهور الفلسطيني في لبنان في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ولم يعد لها حضور في ذاكرته ولا في سلوكه الذي بات مشدودا الى الداخل الفلسطيني اكثر من اي وقت مضى، على الرغم مما في ذلك الداخل من فراق وشقاق وحصار وأسر.
لم يطالب الجمهور الفلسطيني بثمن لذلك الموقف المبني اولا على وقائع سياسية ومصالح اجتماعية وحقوق انسانية لا يمكن انكارها، والمتعارض اساسا مع مزاعم بعض الرؤوس الفلسطينية الحامية التي تزور بيروت بين الحين والآخر وتردد ان لبنان كان وسيبقى جبهة مواجهة فلسطينية مع العدو الاسرائيلي، يمكن ان تنطلق منها مجددا صواريخ الكاتيوشا على المستعمرات اليهودية الشمالية وتزلزل الارض تحت اقدام المحتلين!
سلكت السلطة اللبنانية الاتجاه المعاكس تماما للمصلحة الوطنية التي كانت ولا تزال تستدعي تقويض فكرة المخيم الفلسطيني وفك الحصار عن سكانه، وعدم التعامل معهم باعتبارهم نسخا محتملة عن عبد الرحمن عوض، او اعضاء مفترضين في تنظيمات مثل «فتح الاسلام»، وكسر ذلك الحاجز النفسي الذي يرسخ العداء بين البيئتين اللبنانية والفلسطينية ويعيد انتاج الحرب الاهلية... التي انخرطت فيها المخيمات الفلسطينية بحماسة شديدة، لاسباب لم تكن مقتصرة على الدفاع عن قدسية البندقية وشرعية المقاومة، بل كان لها بعد اجتماعي وانساني لا لبس فيه، ولا مجال لاخفائه اليوم خلف شعار رفض التوطين!