بين ثورة الضباط الأحرار وانتفاضة الشباب الثوار- عادل مالك
بين ثورة الضباط الأحرار وانتفاضة الشباب الثوار!
السبت, 19 فبراير 2011
عادل مالك *
نظرة بانورامية على واقع المنطقة تجعلنا نوجه النداء الآتي: ننعي إليكم النظام العربي بالضربة القاضية. والمقصود بالنظام تلك الصورة النمطية والتي تراكمت على مدى سنوات طويلة من أسلوب «التعاطي العربي» مع القضايا والشؤون العامة، وأكثر تحديداً مع فريق الشباب العربي. ويجري تشييع هذه الأنظمة في كل عاصمة عربية وفق ما تقتضيه العادات والأعراف.
إن ما نشهده في مختلف الشوارع العربية وضع المنطقة على خط الزلازل البشرية، حيث لا موجب لقوة العسكر للدفاع عن الأنظمة المتهاوية. نظراً لقيام «شرعيات الأمر الواقع»، أو «شرعية الشارع» مكان الشرعيات الأخرى المتهالكة.
وإذا ما قمنا بجولة ولو خاطفة على الواقع العربي لخرجنا بالانطباعات الآتية:
هناك حالة من الذعر المتنقل تتجول في دول المنطقة.
ففي مصر أصبح «ميدان التحرير» هو مصدر التشريع وتوزيع السلطات والصلاحيات حيث يعمل المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ترجمة مطالب المتظاهرين ووضعها في الأطر الدستورية الملائمة، في ضوء ما رفع «الشباب» من شعارات ومطالب تواصلت على مدى ثمانية عشر يوماً، وتعمل حكومة اللواء أحمد شفيق على عقد جلسات من الحوار مع ممثلين عن «جمهورية ميدان التحرير».
وفي ضوء ما يجري يمكن القول إن مصر انتقلت من ثورة الضباط الأحرار في 23 تموز (يوليو) الى انتفاضة للشباب الثوار في 25 كانون الثاني (يناير) من عام 2011.
وتتابع شرعية الشارع تجوالها في المنطقة، لتتابع ما يجري في اليمن. وعلى رغم أن الرئيس علي عبدالله صالح «أقسم بالثلاثة» أنه لن يجدد ولن يمدد ولايته فما زالت التظاهرات الشعبية تجتاح «اليمنين»: يمن صنعاء ويمن عدن، تطالب بالرحيل الفوري للرئيس وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة وسط تجدد المخاوف من عودة الانفصال بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي.
وقد أصبحت اليمن خط دفاع أول عن الأمن القومي الأميركي. كيف؟ ولماذا؟ لأن «أكاديميات الإرهاب» والتي تتخذ من اليمن مقراً لتخريج العديد من الإرهابيين، وهذا ما كشفت عنه تطورات السنوات الأخيرة في مجموعة أحداث وحوادث كانت تستهدف مجموعة من الأهداف الأميركية. وتشعر واشنطن بالقلق من تغييرات محتملة في اليمن على صعيد خوض الحروب ضد الإرهاب، خصوصاً أن الإدارة الأميركية تعمل على إنهاء بعض التشريعات لتزويد النظام في اليمن ببلايين من الدولارات بعدما أيقنت واشنطن أن محاربة الإرهاب لا تكون فقط بالوسائل الأمنية والتي أثبتت عدم جدواها في قمع الإرهاب.
وإذا ما تركنا صنعاء وعدن وانتقلنا الى البحرين لنتابع التطورات الدرامية التي وقعت في الأيام الأخيرة، والتي أسفرت عن وفاة بعض المتظاهرين، الأمر الذي اشعل جذوة الاضطرابات والتي تأخذ المنحى الطائفي والمذهبي كما هو معلوم. وقد ظهر ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة على شاشات التلفزة محاولاً احتواء غضب الشارع معلناً تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن الأسباب التي أدت الى وفاة بعض المتظاهرين. ومعلوم أن البحرين تشهد منذ سنوات مطالب شعبية تدعو الى تحويلها «مملكة دستورية».
ومن البحرين الى الجماهيرية الليبية، حيث قفزت الأحداث فيـــها الى الـــواجهة في الأيام الأخيرة حيـــث شهدت العاصمة طرابلس الغرب وبنغازي ومدن أخرى تظاهرات شعبية نادت بقــضايا مطلبية تتصل بتغييرات سياسية في حكم أصبح هرماً وأصيب بالترهل بعد ما يزيد على أربعة عقود متواصلة يُفاخر العقيد معمر القذافي بأنه يحــمل لقـــب عميد القادة العرب والأفارقة بعدما أعلن مرات عدة عن هجره وطلاقه من العروبة. ولعلها المرة الأولى منذ بضع سنوات التي تتسرّب فيها بعض المعلومات عن «تظاهرات شغب» اجتاحت الجماهيرية وعمدت السلطات الى تسيير تظاهرات مضادة لإعطاء الانطباع بأن الأخ معمر يتمتع بتأييد الجماهير!
ومن ليبيا الى الجزائر حيث تبدو بجلاء التحركات الشعبية في دول المغرب العربي. فكيف يمكن نسيان انتفاضة أو «ثورة الياسمين» في تونس التي أطلقت الشرارات الأولى للثورة على حكم الفرد والاستبداد وقمع أخريات وكل وسائل التعبير عن الرأي.
وتشهد الجزائر، بلد المليون شهيد، تظاهرات شعبية تطالب بالتغيير وبإنهاء حالة الطوارئ المعلنة منذ ما يقرب عقدين. ويبدو أن السلطات الجزائرية بلغتها الرسالة، حيث أعلنت عن الرغبة في رفع حال الطوارئ في وقت قريب جداً، وقبل الانتــخابات التـشريعية والرئاسـية المقبلة.
وتتابع حالات ذعر التغير جولاتها في المنطقة حيث يجد الكثير من الأنظمة أنها في عين عواصف التغيير.
وفي خضم هذه الأحداث يزدهر موسم طرح التساؤلات، ومنها السؤال المحوري الآتي: هل إن رياح الانتفاضات الشعبية العاصفة ستأتي حكماً ببدائل هي الأفضل لما هو قائم أو من الذي كان قائماً؟
يجب أن نكون في غاية الحذر عندما نقوّم المرحلة الحالية، والمراحل الآتية للتأكد فعلياً أن صحوة جديدة بدأت فعلاً بعد حالة السبات العميق التي سادت المنطقة لسنوات وسنوات من الغيبوبة الفكرية والسياسية وحتى الوطنية والتي أفرزت حالات التخلّف التي نعاني منها هذه الأيام.
وأمام القيّمين على الثورات الشبابية مسؤولية قومية كبيرة وهي الحذر من بعض الانتهازيين الذين يحاولون الدخول على خط الانتفاضات بقصد خطفها، أو بعض ممن يعملون على وضع اليد على المكتسبات التي أدت إليها ثورة الشعوب بشيبها وشبابها. ومثل هذا التحذير برسم ثوار «جمهورية ميدان التحرير» في القاهرة حيث تعمد بعض الفئات الى دمج بعض القضايا المطلبية بالقضايا الوطنية الكبيرة. وهذا الواقع ينسحب على ثوّار «الياسمين» في تونس حيث تسود بعض حالات التخبّط في رسم معالم الحاضر والمستقبل. وهذه الدعوة الهادفة الى الحرص على ثمار مكاسب الثورات، حتى لا تترحم الجماهير على أنظمة بائدة! أو على صنمية كمّت الأفواه، وأذلّت الناس وخنقت كل أنواع الحريات.
وفيما تتفاعل حركات التغيير في المنطقة التي وضعتها الأحداث الأخيرة، والآتية ربما، على خط الزلازل البشرية يجب ألا يغيب عن البال عامل ما يُطلق عليه بـ «الأجندات الخارجية».
وإذا أردنا أن نكون أكثر تحديداً، فعلينا طرح العديد من الأسئلة حول المواقف الأميركية من كل ما يجري... فما لوحظ من خلال أحداث مصر وجود حالة من الارتباك الشديد للسياسة الأميركية وتمثل ذلك بالمواقف المتناقضة التي عبّرت عنها مصادر الإدارة الأميركية من الرئيس باراك أوباما الى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون.
وفي هذا السياق يندرج السؤال الآتي: هل أن حسني مبارك ذهب ضحية «أميركيته» أم ضحية محاولة الخروج عن طاعة «الباب العالي» - الولايات المتحدة -؟
ومرة جديدة تؤكد الإدارة الأميركية أنها تتخلى عن حلفائها لدى حدوث أي اهتزاز في داخل هذه الدولة أو تلك. وذات مرة وخلال إجرائي مقابلة تلفزيونية مع زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر، طرحت عليه سؤالاً من وحي ما حدث في إيران مع قيام الثورة الإسلامية، وإرغام الشاه محمد رضا بهلوي على مغادرة طهران الى... أي مكان وافق على هبوط طائرته في مطاراتها، قلت: أنتم متهمون بالجحود وبالتخلي عن الأنظمة المتحالفة معكم، ومتى تصاب هذه الأنظمة بالضعف والوهن ترفعون عنها الغطاء. أجاب وبنوع من الصلافة: ... وما الخطأ في ذلك؟ أضاف: إن الولايات المتحدة تدعم الأنظمة طالما أن هذه الأنظمة محصّنة من الداخل، لكن عندما لا يتمكن هذا الحاكم أو ذاك من ضبط أموره الداخلية فيصبح عندها عبئاً علينا!
ومن الكلمة الأخيرة من تصريحات بريجنسكي: هل بات أي نظام عربي أو في المنطقة بوجه الإجمال من يراهن على السياسات وعلى المواقف الأميركية؟
والجواب بالتأكيد نعم، وهذه هي التجارب تتحدث عن نفسها. فالولايات المتحدة لا تريد أصدقاء لها، بل حلفاء يكلفون القيام بمهمات هنا وهناك، ونجاح هذه المهام مردوده لواشنطن فيما الأخطاء تتنصل منها واشنطن وتقــذف بها على الذين ما زالوا يعتقدون بإمكانية مشاركة لعبة الكبار، فيما هم صغار ويُستخدمون كذخيرة حية لمعارك الحروب التي تُخاض بالأصالة عن نفس بعض الأطراف أو بالوكالة عنها.
ومع نعي النظام العربي والأمل بانبلاج فجر جديد على المنطقة، تبدو الخريطة العامة الجاثمة على خط الزلازل البشرية الحادة، مع ضرورة التحسب الى الارتدادات التي تحدثها الزلازل في العادة، والتي تفوق في كثير من الأحيان الهزة الأولى والضخمة.
وسنبقى على رجاء حدوث القيامة الجديدة لدول المنطقة الرازحة في معظمها تحت وطأة «أنظمة يانعة» وقد حان موعد قطافها.