مسيرة الإنقاذ الوطني والإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي
المركز الثقافي
للبحوث والتوثيق
صـيدا
بدعوة من "هيئة العمل الوطني والمركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا"، أقيمت ندوة سياسية حوارية تحت عنوان: "مسيرة الإنقاذ الوطني والإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي، بين تجاذبات مصالح القوى السياسية، التقليدية، الطائفية، وطموحات الشعب اللبناني المستقبلية"، تحدّث فيها نائب رئيس تحرير جريدة السفير نصري الصايغ، ونائب رئيس تحرير"الكفاح العربي"، جورج ناصيف، في قاعة محاضرات المركز الثقافي وحضور حشد من شخصيات سياسية وممثّلي جمعيات وهيئات ثقافية واجتماعية في صيدا والجنوب.
ألقى كلمة التقديم رئيس المركز الثقافي الدكتور مصطفى دندشلي. فبعد أن قرأ قصيدة محمود درويش "أنا يوسف، يا أبي" التي غناها الموسيقار المقاوم مارسيل خليفة بعد أن أثارت مرة أخرى ضجة كبرى عند صدور القرار الظني بحقّه، أعلن تضامنه الكلّي وتضامن المركز الثقافي، الأدبي والسياسي مع الفنان الموسيقار المقاوم الذي رفع صوت الحرية والديمقراطية والمقاومة عالياً في سماء لبنان والوطن العربي والعالم..
وشكر د. دندشلي لمن أثار هذه القضية الآن حيث تحركت من جديد القوى الوطنية الديمقراطية الاعتراضية، الكامنة والعريضة. فكم نحن بحاجة الآن إلى هذا النوع من معارك الحرية والديمقراطية، مما يزيد من تلاحم القوى الوطنية وتنشيطها وتفاعلها...
وأعتبر أن هذا الحدث المفتعل، لا يمكن عزله عمّا يجري في الساحة السياسية من تحضير حثيث للحملة التي تهيّئ لها المعارضة المستجدة في اجتماعاتها المتكررة في الداخل والخارج... وهي تنذر بدخول مرحلة جديدة تعكس استعداداً لفتح معركة "كسر عظم" مع العهد وحرباً جديدة على الحكومة، تستهدف وضع خطة تحرك مدروسة ومنسّقة وبروزنامة تصعيدية، لتحقيق اختراقات سياسية وإعلامية، من خلال شنّ هجمات سياسية على الحكومة والدعوة إلى تغييرها وتحميلها مسؤولية الفشل في مواجهة قضايا الداخل وأخطاء الخارج، ومن ثمّ التركيز بصورة دائمة على شعارات "عسكرة النظام"، وأمركته، حتى يتسنى لها مستقبلاً استهداف رأس العهد العماد لحود...
استهل نصري الصايغ مداخلته بالإشارة إلى أنه لا يرى في الأُفق المنظور شيئاً من إنقاذ ولا تغيير ولا ديمقراطية ولا شعب موحّد ولا مستقبل، وإنما يمكن التعرف بسهولة على تجذّر القوى الطائفية، ذلك أن الخريطة السياسية اللبنانية مسكونة بالطائفية، ويركن على هامشها قوى متجولة تحمل مرتبة "مواطن". ولكن لا تعترف بهذه القوى القوانينُ ولا هي تنتظم في جماعات، وقلّما تستطيع أن تبرهن عن قوة فعلية للدخول في معادلة التغيير.
واعتبر أنّ الجديد بعد الطائف هو أن الطائفية أصبحت عقيدة الكيان اللبناني السياسية وعقيدة التنظيم التربوية والتعليمية والصحية والاجتماعية الخيرية، كما أن محاولة توحيد كتاب التاريخ قد باءت بالفشل...
ورأى أن المجتمع اللبناني لم ينتج بعد حتى الآن وحدته ويبقى لبنان البلد الوحيد قيد التأسيس وإنه منفصم حتى ليبدو أن بقاءه حياً وطبيعياً يتطلب كل يوم إرادة سياسية أو وصاية أو حماية أو معجزة...
وأضاف: إن تجارب الماضي قد أكدت أن النظام السياسي في لبنان مغلق، وغير قابل للتطوير أو التبديل إلا بعد حرب أو فتنة. إلا أنه في المقابل مفتوح كثيراً على تطوير نفسه باتجاه أن يصبح أكثر طائفية. وسلسلة التشريعات والقوانين التي صدرت لصالح الطوائف، دلّت على أن هذا النظام مأزوم... وإن "الشعوب" اللبنانية، ممثلة في هذه الكونفودرالية، غير المعلنة والتي تبطن كانتونات، ما يمنعها من الظهور، هو هذا الرباط الواهي من الديمقراطية التي تعطي الفسحة الأكبر لممارسة الأنشطة السياسية داخل اللعبة الطائفية، من دون المساس بأصولها...
عرض جورج ناصيف إيجابيات العهد وسلبياته وتساءل بعد مرور سنة على قيامه: أين أصاب وأين أخطأ؟!.. وماذا تحقق من عملية الإنقاذ والتغيير والإصلاح، ما هي طبيعة هذه الصراعات بين هذا المشروع الإصلاحي والقوى الطائفية والمذهبية والعشائرية في البلد؟.
وقال: أولاً أطلق هذا العهد مرموزاً إليه برمزَين أساسيَّين هما: لحود والحص، لغة نظيفة، ومعايير جديدة، وموجاً نظيفاً على المستوى الأخلاقي. وللمرة الأولى منذ الاستقلال يكون فيه هذا الكم الكبير من الكلام حول القانون ودولة القانون والمحاسبة والشفافية. هواء نظيف أُطلق على الأقل على مستوى الأخلاق، كما أعيد الاعتبار للمرجعية الأخلاقية، للبديهيات الأولى التي انتهكت بشكل فاحش وسقطت في المراحل السابقة...
الإيجابية الثانية هي تقديم ولأول مرة بعض المسؤولين الكبار والمدراء العامين والموظفين أمام القضاء ومحاسبتهم ومحاكمتهم وسجنهم.. وهذا ما لم نره في السابق على الإطلاق. لقد كانت السرقة مثلاً والرشوة والهدر والإنفاق العشوائي وكأنها شيء عادي، سهل، مألوف. فشيء مهم الآن أن تتوقف هذه الانتهاكات وهذا الانحدار الأخلاقي المخيف...
الأمر الثالث لقد أطلق العهد المحاولة الأولى لإعادة النظر بالمشروع الاقتصادي للبنان، ووضع خطة اقتصادية ومالية لخمس سنوات. ومحاولة عقلنة الاقتصاد واعتماد للمرة الأولى سياسة اقتصادية متقشفة وحقيقية والتبصُّر للمستقبل اللبناني... بمعنى أنّ السياسة الاقتصادية قد كانت في السابق سياسة "لحظوية". لكن الآن على الأقل، انتقلنا إلى محاولة قراءة ما سوف يتم على المستوى المستقبلي، وصياغة رؤية مرحلية لهذا العبور من الفوضى الاقتصادية المالية [20مليار دولار أميركي الدّيْن العام] إلى تصوّر نموّ اقتصادي عقلاني علمي للبلد.
الأمر الرابع، في موضوع الحريات العامة، فقد أُلغيت جميع القوانين القمعية في هذا المجال. وهناك تعهُّد رسمي أن يُحاكم أو يُسجن أيُّ صحافي أو توقف أيُّ صحيفة عن الصدور بسبب من إبداء رأي أو انطلاقاً من حرية التعبير.
بعد ذلك، توقف ناصيف أمام سلبيات أو عثرات العهد والحكومة فقال: لم تضع الحكومة موضع التنفيذ مشروع قانونها الانتخابي كما وَعدت به ولسنا نعرف حتى الآن إذا كان هذا المشروع سيكون ديمقراطياً حقيقياً أم لا !!.
واعتبر أن ما يجري من نقاش حوله لا يطمئن، كذلك التأخير في إصداره أو تجاذب القوى السياسية حوله لا يطمئن أيضاً....
وأضاف: منذ السبعينات، والقوى الوطنية والديمقراطية تطالب بوضع قانون عصريّ وحديث للأحزاب يواكب التطور السياسي والاجتماعي للبلد. ولم يجر حتى الآن في هذا العهد التفكير الجِدي أو الشُّروع في تحقيق ذلك...
أما الأمر السلبي الآخر، فهو مشكلة الطائفية في لبنان. فليس هناك من بحث جِدي حقيقي لا لإلغائها، وإنما لكيفية الانتقال تدريجاً في المستقبل من هذا المستنقع الطائفي إلى وضع أسس دولة لا طائفية، دولة القانون والمؤسسات... فهذا الجانب الطائفي في النظام السياسي قد يكون مقتلاً للعهد، إذا ازدادت فيه هذه الآفة وتحكمت بخناقه.
ورأى أن العهد الجديد قد أطلَّ بمشروع إصلاحي كبير، وإنما الإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتحقق بوجود قوى غير إصلاحية... لقد حاولت الشهابية أن تقدِّم مشروعاً إصلاحياً، ولكنها فشلت بعدما ضربت الإصلاحيين وأدوات الإصلاح الحقيقيين: فالخوف إذن على العهد هو أن تتكرَّر هذه التجربة الفاشلة وتعود القوى التي هادنها وتنقض عليه في لحظة ما...
وأوضح أن المشكلة الحقيقية الكبرى التي يواجهها العهد وحكومته هي أنهما طرحا مشروعاً إصلاحياً كبيراً جداً وقدّما حُلماً جميلاً وعلّيا كثيراً سقف الأحلام من خلال خطاب القسم والبيان الوزاري، دون معرفة كيفية تحقيق هذا المشروع الكبير.. فالرأي العام يطالب اليوم بتحقيق هذا الإصلاح وتنفيذ ولو تدريجاً هذه الأحلام الكبرى وتجسيد هذه القيم الأخلاقية والإصلاحية، خوفاً من أن تكون المحاكمة أصعب وأشد وأقوى..
ورأى ناصيف أنّ هذه التجربة السياسية، إذا قُدّر لها أن تفشل، فلن تقوم للبنان الوطن بعد اليوم قائمة ولو بعد خمسين سنة من الآن... ذلك أن الزعامات السياسية التقليدية التي سوف تأتي بعده، ستتحكم برقاب الناس والعباد فهذا هو الخطر الحقيقي الذي يجب أن يراه العهد بكل وضوح وجرأة..
وأضاف ناصيف: في مقابل ذلك ليس هناك معارضة حقيقية، أخلاقية في البلد... المحزن المخزي هو أن المعارضة المستجدة هي نقيض الإصلاح. فهي قد اعتمدت أسلوب الرشوة المفتوحة والمفضوحة: أموال هائلة تصرف لشراء ضمائر الناس وتُدفع للإعلام والصحافة خصوصاً وللقضاء والجامعة أيضاً... وهي فوق ذلك تعتمد أسلوب تجييش الغرائز الطائفية والمذهبية بشكل مخيف.. فالمطلوب أن تكون هناك معارضة أخلاقية حقيقية بنّاءة ونظيفة، تعمل على تصويب أخطاء العهد وحكومته وعثراتهما وهي موجودة، هذا إذا علمنا أن الإدارة لا تزال بنسبة كبيرة جداً غير مجدية وفاسدة...
وبعد ذلك تبع الندوة مناقشة عامة...