نداء الوطن - من أجل إحياء الحوار الفكريّ ، دندشلي : كلّنا أخطأنا ... ومن هنا نبدأ ( 1) - الدكتور مصطفى دندشلي
حوار / من أجل إحياء الحوار الفكريّ
دندشلي : كلّنا أخطأنا ... ومن هنا نبدأ ( )
الدكتور مصطفى دندشلي واحد من أبرز المساهمين في إحياء الحوار الفكريّ والثقافيّ ، انطلاقاً من ترؤسه لمركز صيدا الثقافيّ للبحوث والتوثيق ، الذي قدّم منذ تأسيسه سنة 1977وحتى اليوم سلسلة من النّدوات والمحاضرات واللقاءات جمعت رجالات الثقافة والفكر من التيارات والاتجاهات كافة .
وللدكتور دندشلي الأستاذ المحاضر في معهد العلوم الاجتماعيّة في الجامعة اللبنانيّة مؤلفات وأبحاث أهمّها : "حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ " " أحداث صيدا 75 " عمل توثيقيّ إلى ترجمة "مقدّمة في علم الاجتماع " لغي روشي وأبحاث ومنشورات كثيرة في الصحف والمجلات .
حول عمله في إدارة مركز صيدا الثقافيّ للبحوث والتوثيق ، وحول بعض القضايا الفكريّة الراهنة كان لنا معه هذا الحوار :
* نشاطكم في مركز صيدا الثقافيّ للبحوث والتوثيق ، كما هو ظاهر ، لا يقتصر على القضايا المحليّة الضيّقة ، بل يتعدّاها ، ليطال جوهر القضايا الساخنة . " اتفاق غزّة وأريحا أولاً ". "السينودس المنعقد من أجل لبنان ". هل لك أن تضعنا في آخر اختباراتكم على هذا الصعيد ؟...
ـ في الحقيقة ، إنّ مجمل نشاط مركزنا منذ تأسيسه حتى الآن كان ينصبّ على طرح ومعالجة قضايا المجتمع الواقعيّة وفي المستويات المختلفة . لذلك وبنظرة سريعة وبسيطة على مجمل النّدوات والمحاضرات التي عقدها مركزنا ، نجد بأنّ الموضوعات التي لها علاقة بالاجتماع والاقتصاد والسياسة هي الطاغية ، وهي موضوعات راهنة وملحّة ، وتحاول أن تجيب من خلال عقد النّدوات حولها ، على تساؤلات كثيرة واستفسارات فكريّة ملحّة يطرحها المواطن على نفسه . فنحن من خلال عملنا ، نسعى دائماً إلى أن نلامس الواقع ومشاكله ، وأن تكون موضوعاتنا لها صفة المشاكل والإشكاليات التي يتفاعل معها سلباً أو إيجاباً المواطن فنحن بعيدون جداً عن مفاهيم الثقافة المجرّدة أو الغيبيّة أو التي لا تلامس ولا تتفاعل مع الواقع الاجتماعيّ ، على سبيل المثال فقط ، طُرح أخيراً " اتفاق غزة أريحا ، أولاً " بين منظمة التحرير والدولة الإسرائيلية ، لتوضيح هذا الموضوع الذي سوف يكون لـه انعكاسات عميقة في مجتمعنا اللبنانيّ وعلى مختلف المستويات ، نظّمنا ، سلسلة من النّدوات حول هذا الاتفاق وانعكاساته السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ وحتى الحضاريّ على لبنان ، يضاف إلى ذلك موضوع السينودس ، فتفاعل مركزنا مع هذا الحدث على صعيد الفكر وساهم في عقد لقاءات كثيرة لمناقشة هذا الموضوع وإبداء الملاحظات النقديّة حوله وآخر هذه اللقاءات كان المؤتمر العام الفكريّ والحواريّ الذي عقد في دار سيّدة الجبل ما بين12و14 تشرين الثاني 1993 لمناقشة هذه الوثيقة في قسمها الرابع من جوانبها الوطنيّة المتنوّعة ، تاركين طبعاً ، الأقسام الثلاثة الأولى جانباً ، لأنّها تخصّ الكنيسة الكاثوليكيّة من حيث معالجة شؤونها الداخليّة واللاهوتيّة والراعويّة ، ونحن الآن بصدد متابعة مناقشة وثيقة السينودس والتحضير في الشهر المقبل لعقد لقاءات فكريّة على نطاق ضيّق يضمّ مفكرين من مختلف الاتجاهات السياسيّة في لبنان .
السينودس وهموم الوطن
* إلى أيّ مدى يمكن للمفكرين والمثقّفين من التيارات والاتجاهات السياسيّة والدينيّة كافة أن يساهموا من خلال مناقشتهم لوثيقة السينودس من إرثاء مفهوم للوحدة والديمقراطيّة والعيش المشترك ؟...
ـ حول اهتمامنا بوثيقة السينودس ، أود فقط أن أشير إلى القسم الرابع من هذه الوثيقة والذي له الجانب الوطنيّ ، يعالج مختلف الشؤون السياسيّة والاجتماعيّة في النظام السياسيّ اللبنانيّ ، من هذا المنطلق ، أي المنطلق الوطنيّ ، كان اهتمامنا بمناقشة وثيقة السينودس. هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، نطرح السؤال التالي : إلى أي مدى كديمقراطيّين وطنيّين يمكن أن يكون لنا تأثير كبير وعلى الصعيد الوطنيّ والديمقراطيّ في الصياغة النهائّية لهذه الوثيقة ؟... من هنا نرى أنّه من الخطأ أن لا يهتمّ المثقّفون اللبنانيون على تنوّع اتجاهاتهم بهذه الوثيقة التي قد يكون لها شأن تاريخيّ كبير في مجتمعنا السياسيّ . فهي سوف تعبّر عن تيار ، من جهة دينيّ لا شكّ في ذلك ، ولكن من الجهة الأخرى ، وطنيّ . وهذا التيار موجود وواسع وله تأثيره الكبير ، داخلياً وخارجياً . من هنا، أرى من الأهميّة الكبرى ، نحن كمثقّفين وكمركز ثقافيّ لبنانيّ ، أن نبديَ آراءنا وأن نوجّه انتقاداتنا ، إذا كان هناك من انتقادات ، وان نقدم ملاحظاتنا ، إذا كان من موجب لخير لبنان من تقديم هكذا ملاحظات ، يضاف إلى ذلك بأنّني أعتقد ، بأنّ القيّمين على أعمال السينودس في لبنان ، من الأساقفة والمطارنة الأجلاء ، هم من القيادات الحواريّة المنفتحة ديمقراطياً وفكرياً . ويبدو واضحاً بأنّ لديهم الرغبة الصادقة في إعادة بناء لبنان على أسس وطنيّة وديمقراطيّة جديدة ، من هنا برأيي أهميّة دعم هذا التيار المتحرر والمنفتح على الآخر .
وهناك أيضاً، جانب آخر يهمّني أنا شخصياً ، وهو، ما يمكنني أن أعبّر عنه بتأكيد الثوابت الديمقراطيّة في لبنان والعيش المشترك والحوار الخلاّق والمبدع بين التيارات الفكريّة المتنوّعة في لبنان خاصة ، بعد هذه الحرب العبثيّة التي فرضت علينا ، في الداخل كما في الخارج ، فنحن بأمس الحاجة إلى مراجعة تجربتنا السابقة بعقلانيّة وديمقراطيّة انطلاقاً من المبدأ القائل ، بأنّنا كلّنا أخطأنا والاعتراف بالخطأ فضيلة . فيجب علينا كمثقّفين أن نعمل بجهد على إعادة بناء مجتمعنا على أسس سليمة وصحيحة . وأرى بأنّ الأجواء العامة في لبنان ، بعد هذه الانهيارات الكبرى التي أصابت المؤسّسات السياسيّة والحزبيّة ، تهيئ لظهور حركة تغيير ديمقراطيّ جديدة .
* من الملاحظ إنّ انفتاحكم على بقية المراكز الثقافيّة في لبنان ، له شأنه وهدفه في إطار تعميم الثقافة وسعياً إلى تيار ثقافيّ وطنيّ شامل ...
ـ نشاطاتنا الثقافيّة تتحرك إذا صحّ التعبير في دوائر ثلاث أو حتى أربع .
أولاً : الدائرة التي لها علاقة بالمجتمع الصيداويّ المحليّ . وهنا أودّ أن أشير وأؤكد على أنّ مركزنا الثقافيّ منذ تأسيسه وحتى الآن ، هو الوحيد الذي أعطى أهميّة كبرى إلى هذه الناحية ، إلى ناحية معالجة القضايا المتنوّعة ، الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة ، التي تهمّ المجتمع المحليّ في صيدا ولنا حول هذا الموضوع منشوراتنا الكثيرة والتي سمحت لنا ظروفنا الماليّة بنشرها ، وبهذه المناسبة أقول بأنّ في قسم التوثيق والمعلومات ، وثائق ومقابلات ودراسات غير منشورة تتعلق بالمجتمع الصيداويّ المحليّ ونأمل أن تتوفر التغطية الماليّة مستقبلاً حتى نقوم بنشرها .
ثانياً : الدائرة الجنوبيّة : فمجتمعنا المحليّ هو جزء لا يتجزأ من المجتمع الجنوبيّ وهناك تفاعل وتأثير وتأثّر وحياة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة مشتركة بيننا ، لذلك قد أعرنا انتباهنا في الماضي والحاضر والمستقبل إلى معالجة مختلف شؤون الجنوب اللبناني وقضاياه على المستويات المختلفة .
ثالثاً : الدائرة اللبنانيّة : حيث أنّ المواضيع السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة ، هي مواضيع تدخل في صلب نشاطنا واهتمامنا الثقافيّ والفكريّ والوطنيّ ، ولمركزنا الثقافيّ علاقات وثيقة مع مختلف المؤسّسات الثقافيّة في لبنان ، مع الحركة الثقافيّة ـ أنطلياس والرابطة الثقافيّة في طرابلس .
رابعاً : الدائرة العربيّة والإقليميّة . كذلك على قدم المساواة مع الدوائر الأخرى ، تحتل جانباً مهماً من نشاطاتنا الوطنيّة والفكريّة والسياسيّة . مثلاً على ذلك النّدوات التي يقدّمها لنا على حلقات متتالية الدكتور جورج ديب في ما يتعلق بتطور العلاقات الدوليّة وتأثيرها في المجتمع اللبنانيّ، هي ندوات أصبح لها في واقعنا ، جمهورها الواسع والمتتبع لهذه القضايا بصورة دائمة .
العيش المشترك
* ما هو الدور الذي قام به مركزكم من أجل ترسيخ حال السلم الأهليّ ؟... وما هو دور الثقافة على هذا المستوى . هذا إذا كان لـه من دور ولم تصادره البندقية ولا الشعارات الحزبيّة والسياسيّة والطائفيّة ؟...
ـ أولاً أستطيع أن أقول ، بأنّ مركزنا الثقافيّ كان ولا يزال على صعيد الفكر والثقافة ضدّ الحرب الأهليّة في لبنان ، وكان من دعاة ترسيخ العيش المشترك في الجنوب اللبنانيّ ، ورفض بكلّ الوسائل الممكنة ، ما يسيء إلى وحدة الحياة المشتركة بين المواطنين بغض النظر عن أي انتماء دينيّ أو مذهبيّ، وهنا أود أن أشير فقط إلى أنّ مركزنا الثقافيّ هو المركز الوحيد في الجنوب اللبنانيّ الذي عقد مؤتمراً عاماً في مرحلة الاحتلال الإسرائيليّ للبنان . وموضوعه : الحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ في الجنوب اللبنانيّ عام 1984 ، شاركت فيه ، قيادات دينيّة وسياسيّة وثقافيّة متنوّعة ، كما عقد مركزنا اجتماعاً عاماً ضمّ مختلف الهيئات الثقافيّة والاجتماعيّة والتربويّة في صيدا وأصدر على أثره بياناً رفض فيه الحروب بين الميليشيات ودعا فيه إلى تحقيق الوفاق الوطني الحقيقيّ في لبنان ، وجميع هذه البيانات ، قد نشرت في حينها وعمّمت إعلامياً ويمكن الاطلاع عليها من خلال منشورات مركزنا .
* بصفتك عضواً في اتحاد الكتّاب اللبنانيّين ، ما هي ملاحظاتك حول الانتخابات الأخيرة وحول دور الاتحاد وانطلاقا من موقعك كرئيس لمركز ثقافيّ توثيقيّ .
ـ تجربتي في اتحاد الكتّاب اللبنانيّين ، عمرها ما يقرب ثماني سنوات ويؤسفني أن أقول بأنّها كانت تجربة غير مشجعة لي ، من خلالها لمست لمس اليد وعن قرب ، العجز ، أكاد أقول العضويّ والفكريّ الذي يعاني منه مثقّفونا . ففي هذه الفترة الماضية ، لم أشعر إطلاقاً بوجود وفاعلية اتحاد الكتّاب اللبنانيّين وتأثيره الخلاّق والمبدع في لبنان ، في فترة كنّا بأمس الحاجة إلى هذا النوع من التحرك ، فاللقاءات والاجتماعات التي كانت تعقد ، كانت وكأنّها فورات، لا تلبث أن تزول لتعود الأمور إلى حالتها الراكدة. هناك مطالب واقتراحات ، وهناك طموحات وهناك حاجات ثقافيّة وفكريّة، كانت تطلق بين الحين والآخر ، ولكن كان يبدوان العجز الداخليّ البنيويّ في الاتحاد دون أن أدخل في التفصيلات ، كان قوياً ، من هنا كانت الحاجة ماسة ، إلى إحداث عمليّة إصلاح داخليّة ، وكانت تطلق منذ فترات طويلة سابقاً ، إلى أن حصلت الانتخابات الأخيرة وفازت قائمة ، غالبية عناصرها جديدة في الهيئة الإداريّة .
هل تستطيع هذه الهيئة الإداريّة الجديدة لاتحاد الكتّاب ، أن تنفّذ مختلف القرارات السابقة للهيئات العامة للاتحاد ولمؤتمره الثاني الأخير ، هل تستطيع أن تنفّذ هذه القرارات وتجعل من الاتحاد مؤسّسة حديثة على صعيد الفكر والثقافة وتضمّ مختلف الطاقات المبدعة والخلاّقة في لبنان وهي كثيرة ، وتعود وتجعل من الاتحاد نقطة انطلاق جديدة لتيار فكريّ جديد على صعيد لبنان ؟... هذا ما أتمناه كعضو في اتحاد الكتّاب ، وإذا كان لي أن ابديَ بعض الملاحظات حول الانتخابات الأخيرة ، فالملاحظ أنّه لم يصدر عن المرشحين للرئاسة أو لعضوّية الهيئة الإداريّة أيّ برنامج انتخابيّ ، حتى نستطيع كأعضاء على أساسه منح ثقتنا لهذا أو ذاك وهذه ناحية تقصير وغير ديمقراطيّة أسجلها وبهذه المناسبة أعلنها ، يضاف إلى ذلك ، بعض الاتّصالات التي كانت تتمّ وهي اتّصالات ، كانت تذكرني بأيّ انتخابات تقليديّة تجري في مجتمعنا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1) أنظر ، جريدة " نداء الوطن "، 20 كانون الأول 1993 ، حاوره : بيار شلهوب .