الاحتفال التكريميّ لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية (1) - د. مصطفى دندشلي
الاحتفال التكريميّ
الثلاثاء / 8 كانون الأول / 1998
المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق ـ صيدا
كلمة الافـتتاح والتـقديم
الدكتور مصطفى دندشلي
أيّها الحفل الكريم
يُسعدني في هذه المناسبةِ الكريمةِ ، أن أُرحّب بكم أجملَ ترحيبٍ وأطيبَه ، نيابهً عن زملائي أعضاءَ المركزِ الثقافيّ ولجنته الإداريّة ، وبالأصالةِ عن نفسي . كما يُشرّفُنا أن نفتتحَ هذا الاحتفال التكريميّ إحياءً لذاكرةِ جمعيّةِ المقاصدِ الخيريّةِ الإسلاميّةِ في صيدا ، كي لاتُنسى هذه الذاكرةُ المقاصديّةُ الجماعيّةُ ، أوحتى لاتُمحي من أذهانِ الأجيالِ المتعاقبةِ ، والأجيالِ الصاعدةِ ، والأجيالِ الشابةِ .
والواقع أنّ لدينا شعوراً ، وشعوراُ عميقـاً ، أنّنا كنّا قـد تأخرنا كثيراً ، وكثيراُ جداً ، في السّعْيِ والعملِ من أجلِ تخليدِ ذكرى رجالاتِ المقاصدِ وشخصياتِها المعطاءةِ ، من مؤسسين وإداريّين ومعلّمين وموظّفين ، ومعهـم أيضاً رجالاتِ صيدا الوطنيّين الأحرار ، وهـم في الحقيقة كُثُرٌ كثُرُ ، وبالمناسبةِ نفسهَا تقديمِ لهم جميعاً ما يستحقونه من وفاءٍ وعِرفانٍ وتقديرٍ واحتِرامٍ . ذلك أنّ أيّ مجتمعٍ، لا ذاكرةَ له ، فهو مجتمعٌ بدون تاريخٍ . كما أنّ أيّ مجتمعٍ بدون ذاكرةٍ تاريخيّةٍ حيّةٍ ، فلا ماضٍ حيّ له ولا حاضرَ واعٍ بالتالي ، ولا مستقبلَ واضحَ المعالم والآمال ...
ولكن ، أن يأتيَ احتفالُنا التكريميّ هذا متأخراً ، لهو خيرٌ من أن لا يأتيَ أبداً ... فإحياءُ هذه الذكرى إنما قد أردناها الآن متواضعةً ، ولها في أذهانِنا معنىً ، فهي تشيرُ إلى دلالةِ ورمزٍ ينطوي على وفاءٍ وتقديرٍ ، وتخليدِ ذكرى لعـددٍ من الشخصياتِ المقاصديّةِ ، كانت قد أعطت في زمانِها وفي ظرفِها ، أحسنَ ما عندها ، وأقصى إمكاناتِها ، لرِفعـةِ شأنِ جمعيةِ المقاصدِ وتقدّمها ، كلٌّ في مجالِ عملهِ وبحسبِ اجتهادِه ونشاطِه الحيوّي ، انطلاقاً من ظروفِ المراحلِ الاجتماعيّةِ والتاريخيّةِ والثقافيّةِ المتتاليةِ ...
وإذا كنّا في هذه اللفـتة الرمزيّة قد اقتصرنا في تكريمِنا لأربع من الشخصياتِ المقاصديّةِ، فهـذا لا يعني في أذهانِنا ، ولا يجوزُ أن يعنيَ أبداً ، أنْ ليس هـناك الكثيرون والكثيرون جداً ، منذ تأسيس جمعيّة المقاصد في أواخر القرن الماضي وحتى يومنا هـذا ، مّمن يستحقّون منّا كلّ تكريمِ ووفاءٍ وإحياءٍ لذكراهـم الطيّبةِ والحميدةِ ، لما قدّموا من خدماتٍ وتضحياتٍ كبرى وعطاءات جليلةٍ مشهودٍ لها ...
أو بتعبيرٍ آخرَ أكثرَ مباشرةً ووضوحاً ، فإنّنا نرجو من وراءِ هذا الحفل التكريميّ ، الإشارةَ الواضحةَ أيضاً ، والدلالةَ البيّنة ، ولـفتّ النظر إلى العشراتِ ، بل وإلى مئات الشخصيات المقاصديّة المرموقة من أساتذةٍ وإداريّين وموظفين ومؤسّسين الذين قدّموا هـم أيضاً خدماتٍ كبرى ، كلٌّ حسبَ طاقتِه وعملِه وإمكاناتِه ، لتأسيس جمعيّةِ المقاصدِ الخيريّةِ الإسلاميّةِ في صيـدا ، وتطويرِها وتقدّمها وازدهارهَا : بناءً وتربيةً وعلماً وثقافةً ووطنيّة . لذلَك يمكنَني هنا القول والإشارةِ إلى أنّ هناك الغائب الأكبرَ ، أعني به :
المؤسّسَ المقاصديّ المجهول
والمعلمَ المقاصديّ المجهول أيضاً،
فإليهم جميعاً ، ومن على هذا المنبر ، أرفعُ إلى روحِهم أطيبَ تحيةٍ ووفاءٍ وتقديرٍ ...
* * *
واسمحوا لي في هذه المناسبة أيضاً، قبل أن أُنْهيَ كلمتي، أن أشير إشارةً مقتضبةً وسريعةً، إلى أنّ اهـتمامي بالتـأريخ الاجتماعيّ والوطنيّ والثـقافيّ ، للأدوارِ الكبرى التي قامتْ بها جمعيّةُ المقاصـدِ ، على صعيدِ التربيةِ والتعليمِ والثـقافةِ الوطنيّةِ ، وتـفاعلها مع حاجات المجتمع وتطوّره وطموحاته ، إنّ اهـتمامي هـذا ، أقولُ ، قـد دفعني إلى أن أجمعَ وثـائقَ وشهاداتٍ حيّة ومقابلاتٍ ومعلوماتٍ عن جمعيّةِ المقاصدِ ودورِها ، آملاً أن تتوفرَ لي الظروف المناسبة ، كي أنشرَها في أقربَ فرصةٍ سانحةٍ ...
* * *
مَن منّا ، مِن أبناءِ جيلي ، أو ممّن سبقه أو مّمن لحقـه ، مَن لم يُشاهدُ الطّبيب الإنسانيّ ، الأخلاقيّ ، المتواضع ، الدكتور رياض شهاب ، وهـو يولي اهتماماً واضحاً بالطاقات العلميّة الشابة وتشجيعها ، واهـتماماً متواصلاً أيضاً ودؤوبـاً بأوضاعِ الصحّةِ العامةِ والوقايةِ الصحيّة ، ومعاينـة التلاميذ في مدارسِ جمعيّـة المقاصد ، إلى جانب رئاسته أو عضويته في مجالسها الإداريّةِ ، يرافقه دائماً في عمله وإشرافه الصحيّ الإنسانُ الطيبُ والممرضُ المخلصُ ، أبو مصطفى القوام ، في ثوبه الأبيض الدائم ؟!...
أما المحامي محمود الشّماع ، فهو في الحقيقة نموزجٌ ومثالٌ ، للمقاصديّ المتفاني في خدمةِ المقاصدِ ، والمضحّى بمصلحتِه الشخصيّة قي سبيل رفعة شأنِ المقاصدِ وتقدّمِها وثباتِها ... .كلّ ذلك في زمن ، وهـنا الأهميةُ والعبرةُ ، كانت فيه مدينةُ صيدا وأهلُها ومنطقُتها بأمسِّ الحاجةِ إليها ، علماً وحضارةً ووطنيّةً ... من هنا ، فقد استحقّ ، عن جـدارةٍ وتفوقٍ ، لقب : " المؤسّسُ الثاني لجمعيةِ المقاصد "، في أواسط الثلاثينات ، بعد المؤسّسين الأوائل ، كما كان قد أكد لي المرحوم الأستاذ منيف لطفي، في حديث طويل معه قبل وفاته بوقتٍ قليل ...
الحاج علي مصباح البزري ، ذلك الإنسان المقاصديّ، الذي كان يَشعرُ ويَعيشُ قيمَ المقاصد الأخلاقيّة والاستـقامةِ الصارمةِ المحقّةِ دون أن يخشى لومة لائمٍ في ما يراه حـقَّ المقاصدَ ومصلحة المقاصد على مستوى العلاقـات المقاصديّة ، لذلك كان ينظر إلى جمعيّـة المقاصد ويضعُها فوق أيّ اعتبارٍ سياسيّ أو عائليّ أو خلافه ... فقد كان دائماً يلجأُ إلى الاستعانةِ في عملهِ المقاصديّ وتوجّهات العامة فيها إلى أصحاب الاختصاص في مجال التربيةِ والتعليمِ والإدارة ، بغـض النظر عن أيّ شيء أو انتماء ، سوى الكفاءةِ والجديّةِ والاستقامةِ في العمل ... أما هو فكان عليه أن يتحملَ دائماً مسؤوليّةَ تغطيةَ عجز الموازنةِ السنويّةِ ، وتأمينِ رواتـب الأساتذة والموظّفين الشهريّةَ _ إذا كان ثمة ضرورةٌ لذلك ـ أو أيضاً شراءَ بعضِ العقارات لها إذا سنحت الفرصة لذلك .
وأخيراً وليس آخراً ، الأستاذ شفيق النقاش : ذلك الأديبُ الألمعيّ ، والمديرُ الحيويّ : إدارةً وتربيةً ونشاطاً : على مستوى الرياضيّ والكشفيّ والثـقافيّ والوطنيّ ... فهـو أولُ مَن فَتَحَ آفـاقَ المقاصدِ نحو الوطنِ العربيّ الواسع ، من مِصرَ إلى بلاد الشامِ ، ومن العراقِ إلى الجزيرةِ العربيّة... فعن طريق مساعيه الدؤوبةِ وعلاقاتِه وصداقاتِه ، كانت قـد قُبلت ، ولأولَ مرة ، شهادةُ كلية المقاصد الثانوية في الجامعات المصريّـة حيـث تخرّجت منها الأجيال تـلو الأجيال اللاحقة ، كما الاستعانةُ بالأساتذةِ من البعثات المصريّـة ، في مختلفِ الاختصاصاتِ التى كانت كليتهُ المقاصد بحاجة إليها ، من علوم طبيعيّة وتاريخيّة وفنيّة ورياضيّة ودينيّة إلى غير ما هنالك ... لذلك يمكننا أن تعتبرَ الأستاذ شفيق النقاش ، وبحق ، المؤسّس الثالث لكلية المقاصد في تطّورها العلميّ وتقدمها التربويّ اللاحق ، في ما بعـد الحرب العالميّة الثانية ... فإليهم جميعاً ، وبهـذه المناسبة الكريمة ، أرفع أسمى عباراتِ الوفاءِ والتقديرِ وأطيبها ...
* * *
وهنا أتوقف . ولن أستفيض أكثر ، لأدعَ الأصدقاءَ ، وهم المقاصديون العريقون : الدكتور نزار الزين ، والمهندس محمد راجي البساط ، والدكتور محمد المجذوب ، كي يحدّثـونا عن الجـوّ المقاصديّ العام ، عن ريـاض شهاب ومحمود الشّماع والحاج علي مصباح البزري وشقيق النقّاش ، وعن رجالاتِ المقاصدِ الآخرين ، من خـلالِ تجربتهم المقاصديّةِ الغنـيّةِ وما احتفظت بهـا ذاكرتُهم التاريخيّة والثقافيّة والوطنيّة، من ذكريات حميمة ومن عبَر ...
فالدكتور نزار الزين دَرَسَ في كلية المقاصد وتخرّج منها ، ثمّ دَرَّسَ فيها وكان مديراً لها ، قبل أن يكون بعد ذلك رئيسَ المجلس الإداريّ . يُضاف إلى ذلك أنّه صاحبُ أولِ محاولةٍ نهضويّـةٍ تربويّةٍ في المقاصد على صعيد التربية والتعليم والمناهج ، وواضع أول مشروعٍ تربويّ تحديثيّ فيها، حيث لا تزال آثارُه في كثيرٍ من مناهجِها ونشاطاتِها باقيةً فيها حتى يومنا ...
كذلك المهندس محمد راجي البساط دَرَس في كليّة المقاصد وتخـرج منها وكان عضواً في أحـد مجالسِها الإداريّة . فهو الذي يَعتبِرُ جذوره مقاصديّة ، وشخصيتَه مقاصديّة ، ويَعيشُ دائماً في ذكرياته المقاصديّة الحميمة ، بل والصيداويّة أيضاً ...
أما الدكتور محمد المجذوب ، فهو نَموذجُ الطالبِ ـ الأستاذِ أو الأستاذِ الطالبِ، المقاصديّ، العصاميّ بامتياز ، ومن ثمّ عضو في المجلس الإداريّ فيهـا . روحيتُه مقاصديّة ، أسلوبـه العربيّ مقاصديّ ، فكره الوطنيّ العروبيّ مقاصديّ . وقد بقي ذلك كلّهُ حيّا في شخصيّته الثقافيّة، حتى بعد أن أصبحَ عميداً لكلية الحقوق ورئيساً للجامعة اللبنانيّة ونائب رئيس المجلس الدستوريّ .. فهم جميعاً خيرُ مَن يحدّثُنا في هذه الأمسيةِ وفي هذا الحفلِ التكريميّ ، عن جمعيّة المقاصد وعن رجالاتها وشخصياتها من خلالِ تجربةِ كلِّ واحدٍ منهم فيها ...