كلمة الأستاذ معين الشريف - حفل إفطار جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية
كلمة الأستاذ معين الشريف
الحفلَ الكريم، الإخوةَ الأعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم، أبناءَ صيدا البَرَرة، في شهر رمضان المبارك، أعاده الله عليكم باليُمن والبركات. سِماتُ العروبةُ والإيمان تشعّ من وجوهكم النّضرة، ولا غرو فإنكم متشوّقون لسماع نبذة من تاريخ صَرح، كان ومازال المجلّى في حقل التربية والتعليم، ناهيك عن خطِّهِ العربي الصَّميم، الموجّهِ إلى نفوسِ روّادِه، وتلامذتِه، أبناءِ صيدا خاصة، ولبنان والدّول العربية عامة، هذا الصَّرح عنَيْت به: جمعيةَ المقاصدِ الخيريةِ الإسلاميةِ في صيدا(1).
1ـ المقدمة: تأسيس الجمعية
شُعاعٌ من نورٍ وهّاج، أضاءَ سماءَ مدينة صيدا، ودخل تاريخَها الاجتماعيَّ الثقافيَّ، يوم أصدرت الدولةُ العثمانية، بشخصِ واليها على سوريا، مِدحت باشا، أمراً بتأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، وكان ذلك بتاريخ 26 ربيع الثاني عام 1296هـ. الموافق 6 نيسان 1879م. وانتُخب يومئذٍ الشيخ كامل المغربي أولُ رئيس لها(2). وتضاربت الروايات بشأن تأسيسِ المقاصد، منها أن السيد محمود منح الصلح، حثَّ أصدقاءَه على إقامة الجمعية، مُتّصلاً ببعض الشباب المثقّف في بيروت، ومنها أن جمعية المقاصد في بيروت، والتي سبقت سمّيتها مقاصدَ صيدا، بما يقرب من عام، حثّت على إقامة فَرْع في صيدا، ومنها أيضاً، أن بعض الشباب الصيداوي المثقّف، أخذ على عاتقه زِمام المبادرة لفتح فَرْع في صيدا، وصادف مجيئ مِدحت باشا، الوالي العثماني على سوريا، بزيارة إلى صيدا، فساهم في إخراج المشروع إلى حيّز التنفيذ. ومما يثبت ذلك أنه في حفل التخرّج السنوي لمدارس المقاصد عام 1909م. أشار خطيب الحفلة الشيخ محمد البابا، صراحة، إلى فضل الوالي مِدحت باشا في تأسيس الجمعية، ومما قاله في قصيدته:
أَيغـرُبُ عنكُمُ أن مِدحتَ مُنْشي مكاتـبَ صيـدا، وهو فضلٌ يُقَـدَّرُ
أيُخفـى عليكـم فضلُه، وبلوغُها إلى حدّها المطلوب، تزهو وتُزْهِـرُ
فمِدحتَ باشا، منشئُ الخيرِ عندنا لـه أثـرٌ فـي لوحةِ الدهـرِ يُذكرُ
2ـ نتحدّث الآن عن أعمال الجمعية، التي تعرّضت لحالات نَكَساتٍ ثمّ انفراج.
بعد تأسيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا بسنتَيْن، خطت خلالهما خُطُواتٍ واسعةً، وتقدّمت بسرعة فائقة، وأعطت نتائجَ باهرة، كسمّيتها مقاصد بيروت، هذا النجاحُ الباهرُ لهما، كان مردّهُ توجيهاتِ المسؤولين، إداريّين ومربّين، لتلامذتهم، توجيهاً عربيّاً صميماً، أوقدَ في نفوس التلامِذة، الجُذْوةَ العربية، إضافة إلى تلقينهم، ترتيلَ الأناشيدِ العربية التي تَشيدُ بالعروبة، وتَهُزُّ وجود التلامذة بالعزّة والكرامة والكبرياء، هذا التّوجيهُ الوطني العربي الرائع، لفت نظرَ الدولة العثمانية وأقلقها، مما حدا بها إلى إلغاء التّرخيص باسم مقاصد بيروت وصيدا، وذلك سنة 1882م. وأصدرت قراراً بإنشاءِ مجلسِ المعارف، وضمِّ هاتين المؤسّستَيْن إليه، وتحت إدارته وإشرافه. غير أنهما بقيتا مُثابرتَيْن على عملهما بهِمّة ونشاط في حقلَي التربية والتعليم.
وفي سنة 1903م. أي بعد واحد وعشرين عاماً من الإلغاء، تراجعت السلطات العثمانية عن قرارها، وأُعيدت المؤسسات والأملاك إلى جمعيّتي المقاصد في بيروت وصيدا، ويُقال إن الوالي مِدحت باشا، لعب دوراً مهماً في هذا الإلغاء. وفي عام 1904م. كانت مدارسُ المقاصد في صيدا، تضُمُّ حوالي 1400 تلميذٍ وتلميذة، وكان من أبرز معلِّميها ثلاثة: الأستاذ محمد القوّام برتبة معلِّم أول، والشيخ مصطفى الشريف والشيخ بدوي لوبية، برتبة معلّم ثانٍ، وسِجِلُّ هؤلاء التلامذة، الـ 1400 ذكوراً وإناثاً، مع تاريخ ولادتهم، ونتائج الامتحانات السنوية، وتواقيع اللِّجان الفاحصة، وأختامِها المدوّرة، ومصادقةِ رئيس جمعية المقاصد آنذاك، هذا السّجل، بقيَ بحوزة الشيخ مصطفى الشريف حتى وفاته عام 1968م. ثمّ انتقل إلى حوزتي. و لكن أثناء حوادث شرقي صيدا (آذار 1985) وكان منزلي عند خط التماس، أُصيب المنزل بقذائف حارقة، ودُمّر بكامله، وذهب هذا السّجل الثمين القيّم طعماً للنيران، والذي كان يضمّ نتائج التلميذات والتلامذة من سنة 1904م إلى نهاية السنة 1912م.
3ـ المعلمون المؤسسون
أقدمُ المعلمين المؤسسين، والذين نعتبرهم من الرعيل الأول، أي ما قبل الحرب العالمية الأولى ابتداءً من العام 1896م.
ـ الأستاذ محمد القوّام / الشيخ مصطفى الشريف/ الشيخ بدوي لوبية.
ومن الرعيل الثاني بعد الحرب العالمية الأولى ابتداءً من العام 1918م.
ـ الأساتذة: بدوي العُر/ وتوفيق القوّام / وخليل سكاكيني.
ومن الرعيل الثالث أي في العشرينات، ذكوراً، هم:
ـ الأستاذ الأمير حسيب شهاب، وكان مديراً لمدرسة المقاصد الخيرية الإسلامية ولم يدم طويلاً بالإدارة، فقد أبعده الفرنسيون لمواقفه الوطنية العربية. أما شقيقه الأمير نسيب شهاب الذي قاوم الفرنسيين أثناء دخولهم إلى مدينة صيدا، إثر انتهاء الحرب العالمية الأولى، فقد هوى عليه أحد الجنود الفرنسيين بسيفه، فجدع أنفه، ثمّ الأستاذ خليل الهنداوي، تلميذُ المقاصد وخرّيجُها، عَلَمٌ من أعلام الأدب والفكر، فعطاؤه وآثاره وفضلُه على الأجيال التي ثقّفها، أشياءُ لا تموت، لأنها باقيةٌ مِنّا، حيَّةً دوماً في قلوبنا، لقد أبعده الفرنسيون إلى سوريا، إثر إلقائه قصيدة وطنية، في حفلة لاستقبال المرحوم رياض الصلح، العائد من منفاه، لأول مرة، إلى وطنه لبنان.
ونعود إلى متابعة الرعيل الثالث وهم:
الأساتذة: داود الديماسي/ مصطفى لطفي/ عبدالرحمن البزري/ عبدالله الخليلي/ منيف لطفى/ فضل الشماع/ شريف البزري/ شفيق لطفي/ أحمد الأنصاري/ محمد علي لطفي/ ومن المعلمات المديرات/ نعمت قره شلي/ خديجة مرقي/ رئيفة يماني/ منتهى دمشقية/ كماله سنجر/ ملكه مكاوي.
ومن الرعيل الرابع أي في الثلاثينات وما بعدها، العديد من الأساتذة، وهم:
ـ الشيخ محمد سليم جلال الدين (أطال الله عمره)/ الشيخ أبو الهدى القواس/ معروف سعد/ عبدالمجيد لطفي/ سعدالدين عوكل /عفيف الشريف/ عزالدين جرادي/ سليم المجذوب/ ضياء فحص/ بشير الشريف/ عبدالرحمن وهبي/ بدرالدين الشماع/ محمد عارف شهاب/ محمد بربر/ سعدالدين اليعفوري/ أحمد البزري/ سميح لطفي/ نصرالدين القواس/ سليم الشماع/ هلال شهاب/ خيرالدين سنجر/ سعدالدين الزين/ أحمد المجذوب/ وغيرهم.
4ـ لنتحدّث عن توجيهات المعلمين المؤسّسين لتلامذتهم.
وشهد شاهدٌ من أهله، لقد تتلمذتُ على أيديهم، ولا يزال في الذاكرة التسعينيّة، البعضُ من نصائحهم وإرشاداتهم وتوجيهاتهم، مصقولةً بقالَب من الحِكَم والأمثال التي تؤمّن للتلميذ مستقبلاً زاهراً حافلاً بالثقافةِ العامّة، والمعرفةِ التّامة، والاحترامِ المتبادَل، في شتّى المجالس الأدبية منها والثقافية، ناهيك عن إيقاد الجُذْوَة العربية في نفوس التلامذة، وتوجيههم توجيهاً وطنياً عربياً صحيحاً، تجعلهم أسسَ مقاومة المستعمر والمعتدي. وهكذا حصل، فخرّيجو المقاصد جعلوا من مدينة صيدا بوابة المقاومة الأولى في لبنان، وقدّموا الكثير من الشهداء الأبرار، رحمهم الله.
لا تزال كلمات المعلمين ترنّ في أذنيّ عندما كانوا يوجّهون التلاميذ، فيقولون بما معناه:
ـ تعلّم يا بُنَيّ، فبالعلمِ تُبنى الأوطان، وترقى الأمم بثقافة أبنائها.
ـ تعلّم، فالعلمُ في الصّغرِ، كالنقشِ في الحجر، وما تُحصّلْ في الصغر، ينفعْك في الكبر.
ـ تعلّم، فالعلم حياةُ البشر، ومصدرُ السعادة.
ـ تعلّم، فالعلمُ نورٌ وهّاج، ومصدرُ كل كمال.
ـ تعلّم، فالعلم زينة الإنسان أمام الأصدقاء، وسلاحٌ أمام الأعداء.
ـ تعلّم، فالعلم إشراقةُ أملٍ، ونورُ المستقبل، ونبراسُ المعرفة لمحو الجهل.
ـ تعلّم، فالعلم أفضل الكنوز وأجملُها، في الملأ جمال، وفي الوَحْدة أنْس.
ـ تعلّم، فإن العلمَ لَخَيرُ ما طلعت عليه الشمس، وأنارته بشعاعها الوهّاج.
ـ تعلّم، فالعلم جناحٌ يطير به الإنسان إلى الخالق، فيَسْعَد في الحياة.
ـ تعلّم، فلا شرف كالعلم، ولا ظلام كالجهل.
ـ تعلّم، فالمتعلّم رفيع القدْر، والجاهل وضيع المنزلة.
ـ تعلّم، فخير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل.
وأخيراً رأس المتعلم، خزّان الحكمة والإيمان، ورأس الجاهل دكّان الشّيطان.
هذا هو المعلم المثالي القديم لمدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، وبفضل هؤلاء، ارتقت مدارسُ المقاصد في صيدا، وعاشت عصرها الذهبي، وأصبحت محط أنظار الدول العربية، التي أرسلت أولادها إلى مدارس المقاصد في صيدا. وبعد التخرّج، لعبوا أدوارهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلادهم، فأوصلوها إلى مصاف الدول النامية والراقية. وعلى ما أعتقد فإن البعض وصلوا إلى مرتبة رئاسة الجمهورية في جيبوتي ورئاسة مجلس الوزراء في الصومال وفي اليمن والمملكة الأردنية الهاشمية.
نتحدّث الآن عن:
5- المرحوم الشيخ مصطفى الشريف
كلمة ذكرى ووفاء لمعلم كاد أن يكون رسولاً
خدماته في مدرسة فيصل الأول خاصة وبقية مدارس المقاصد عامة
ولد عام 1873م. وتوفي في 8 شباط 1968م. عن عُمُر يناهز ستاً وتسعين سنة، قضى منها ثمانيةً وستين عاماً في مجال التربية والتعليم، في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، والتي انتهت خدماته فيها عام 1964م. وهبه الله عمراً طويلاً، وصحة قويّة، وعقلاً راجحاً، فأحبّ مهنته، وتلامذته ومجتمعه، وزملاءه الأساتذة. علّم الجَدّ والأب والابن والحفيد، ومن أقواله المأثورة لبعض التلامذة: "أنت يا بنيّ عاقل كأبيك، ولست شيطاناً كجدّك".
كان يبث روح التضحية، ومحبة التربية والتعليم، بين زملائه الأساتذة، ويحثّهم على القيام بإعطاء دروسٍ إضافية مجانية مسائية، للتلامذة المقصِّرين، وخاصة في أشهر الامتحانات، للتمكّن من النّجاح. كان يتمتّع بين التلامذة والأهل والمعلمين، بالثقة والمحبة والاحترام والرّهبة، فيوبّخ والد التلميذ، الذي يطالب بإخراج ابنه من المدرسة لأسباب مادية، قائلاً له: "العمل للرّجال والمدرسة للأطفال، وسنعفيك من دفع الرسوم المدرسية وثمن الكتب". ويستحدث صندوقاً مالياً للمساعدات الاجتماعية، فيجمع المال مقتطعاً القروش، من راتب كل معلّم شهرياً، ومن الأهالي الميسورين في صيدا، الذين محضوه ملء ثقتهم، كي يتيسّرَ المبلغُ المقرّرُ للمساعدة.
سُئل بعض الأساتذة الذين عايشوه ودرّسوا بإشرافه، في مدرسة فيصل الأول، عن المواصفات التي تميّز بها الشيخ مصطفى الشريف، فأجابوا: تتلمَذْنا على يديه، قبل أن نتحوّلَ إلى زملاءَ له. لم ترَ مدارسُ المقاصد مديراً على شاكلته في اهتمامه بالمدرسة، وقسوته على الطلاب، كان يحيا للمدرسة وحدها، فكانت همَّهُ وشغلَه، من كل شواغل الحياة. وقد أوتيَ الفطنة والهمة والدأب، كأنّ الكَلَلَ عنده شيء مستحيل. قد بسط الرهبة والهيبة على جوّ المدرسة، داخلَها وخارجَها، كان يهتمّ بالصغير والكبير، ويُحصي على الطلاّب كلَّ شيء حتى أنفاسَهم، يلاحقُهم من مكان إلى مكان، في المدرسة وخارِجها، يساعده في ذلك نشاط وقوة وسرعة في المشي ونقل الخطوات. كانت ثقافته متشعّبة، يُحسن الكثير من كل شيء، وإذا فاته شيء أكبّ عليه وخرج منه بكل شيء، فهو يتعلّم قبل أن يعلّم، وهو تلميذ قبل أن يكون معلّماً.
ولعلّ هذه المزايا التي اكتسَبْتُها منه، ورافقتني في الحياة، كانت سبب نجاحي، بعد ذلك، في مهنة التعليم. أما العقوبات فكانت كالآتي:1ـ التوبيخ، 2ـ التوجيه، 3ـ العُبوس، 4ـ الصوت العالي، 5ـ الجدّية المفرَطة، 6ـ العقوبات الجسديّة، كل هذه المواصفات، كانت مألوفة ومطلوبة لهَيْبَة المعلّم، ونجاح التلامذة في التحصيل العلمي. وكان أغلبية الأهل آنذاك، تجهل القراءة والكتابة، ولا تعرف شيئاً من الواجبات المطلوبة منهم تجاه أولادهم. لذا أخذ الشيخ مصطفى الشريف على عاتقه ملاحقة التلامذة في المدرسة والبيت والشارع، محرِّماً على التلميذ: 1ـ دخول السينما أيام الدّراسة، فكان يتجول أمام باب السينما الوحيدة آنذاك، للمراقبة، 2ـ ممنوع اللَّعِب بالكِلل والبلبل، في الأحياء والزواريب بعد الانصراف، فواجبُ التلميذ الدرسُ في البيت، 3ـ على التلميذ أن يَلْقيَ التّحية على معلِّمه، بأدب واحترام، حين مصادفته في الشارع، 4ـ الجريمة الكبرى التي يكمن بين طيّاتها الخطرُ الداهم، ولا مجال للعفو عنها، أو التخفيفِ من عقوبتها، هو ارتياد شاطئ البحر للسباحة، 5ـ كان يستدعي الشيخ مصطفى الشريف والدَ التلميذ الكسول، فيوبّخُه لعدم اهتمامه وغيرته على ولده، ويوليه النصائحَ اللازمة.
أما التلميذ الفقير، فكان يسعى لتأمين كُتبه ودفاتره وإعفائه من الرسوم المدرسية، وأحياناً يُؤمِّنُ له الثياب الداخلية والخارجية والحذاء، 6ـ كان يحجز التلميذ الكسول مساءً، ويلازمه بنفسه كي يحفظَ دروسه، وعند اللزوم يشرحُها له، ويعاونُه أحد المعلمين في بعض الأحيان، 7ـ كان يُؤمّنُ الجوائز المختلفة من أهالي صيدا الميسورين، ويقدمُها للطّلاب المجلّين في مختلف المواد، وخاصة في اللغة العربية، وحفظ القرآن الكريم.
إنه شخصية قوية، صحة وقوة وحبٌّ للنظام، مخلص لمهنته، يهابه ويحبّه ويحترمه التلميذ والمعلّم والأهل، لأنه أستاذ الجميع، إنه إنسانيّ وإيجابيّ في تعامله مع المعلّم، يرشده ويُوجّههُ، وأحياناً يُوبّخه عند اللزوم، لكنه يشدُّ أزر المعلم، حتى يشتدَّ عودُه، ويُتْقِنَ مِهنتَه، فيُحسنَ العطاء.
تعقيباً لما ورد في تَعداد الممنوعات، أودّ أن أوَضّح، أن الشيخ مصطفى الشريف، لم يكن دائماً في طور المراقبة خارج المدرسة، ولكنه كان يستعينُ بعض الأحيان، بالكَذْبة البيضاء، لتمرير عملية المراقبة وملاحقة التلامذة المخالفين. مثلاً أذكر أنه يوم جمعة، وهو يوم عطلة، كان منزلُنا يعجّ بالضّيوف القادمين من خارج صيدا، ولم يتمكّن والدي، من الخروج للمراقبة، لا نهاراً ولا ليلاً، وإذا به في صباح اليوم التالي، وأثناء وقوف التلامذة في الصف، استعداداً للدخول، يقف أمامهم، وينقّل نظرهُ بينهم، ثمّ يرفع صوتَه قائلاً بحدّة: الولاد يلّلي كانوا مبارح عالبحر، أو راحوا عالسينما، أو لعبوا بالكِلَل، أو بقيوا برّات البيت بعد المغرب، ينزلوا، فلم ينزِل أحد، فأعاد الشيخ مصطفى النداء الكرّةَ تلو الكرّةَ: أنا بعرف الجميع، وشفت الكل، انزلوا، فلم ينزِل أحد، وهنا بدّل لهجته وقال بصوت حنون: يلّلي بينزل بِعفيه من القصاص، وابتسم في وجوه التلامذة، ثمّ صرخ بحدة: يا ويلو يلّلي ما بينزل، بدّي ضاعفله القصاص وإهري نعمته، عندئذ برز من بين الصفوف أحد التلامذة الجبناء، وتقدّم إلى الأمام، وما أن رآه الباقون المخالفون، حتى هرعوا وراءه مهرولين، خوفاً من مضاعفة القصاص. وحصل الشيخ مصطفى على ما يريد، ولكنه في الوقت نفسه، عفا عن التلامذة هذه المرّة، لأنه لم يكن في طور المراقبة الفعلية، وهذا ممّا يدل على أنه بإدارته الحكيمة، كبح جماحَ الطلاب، وبسط الرهبة والهيبة في أجواء المدرسة.
6- حبّه لمهنة التعليم، حادثته مع جمال باشا وزير الحربية العثمانية في الحرب العالمية الأولى
تلقّى الشيخ مصطفى الشريف علومه الابتدائية، في مسقط رأسه صور، وفي عام 1886م. انتقل إلى صيدا لمتابعة تحصيله العلمي في المدرسة الإنجيلية الوطنية (الأميركان سابقاً) وبعد إنهاء دراسته المتوسطة وتفوّقه فيها، أرسلته نظارة المعارف العثمانية على نفقتها إلى استانبول، لمتابعة تحصيله الثانوي في (المكتب العثماني العالي)، وتخرّج عام 1895م. بدرجة ممتاز، متقناً اللّغات الثلاث: العربية والتركية والإنكليزية.
عاد بعد ذلك إلى صيدا، والتحق فوراً عام 1896م. بمدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، التي لم يمض على إنشائها سوى فترةٍ وجيزة، لذا يمكننا أن نَعُدَّه من أوائل المؤسسين والعاملين فيها بشكل دائم، حتى عام 1964م. أي ما يناهز الثمانية والستين عاماً خدمة فعليّة.
لماذا سُمّي بالشيخ مصطفى الشريف؟ هل هو خِرّيج الأزهر الشريف؟ كلا!...
كلنا نعلم أن الدولة العثمانية، فرضت الخدمةَ العسكرية الإجبارية أثناء الحرب العالمية الأولى على جميع السكان من سن 18 وحتى الـ 55 عاماً، وأعُفي المعلمون ورجالُ الدين أي المشايخُ منها فقط، ولكن بعد قليل، عاد العثمانيون إلى تجنيد المعلّمين، وأعفت المشايخ، فعمد المرحوم إلى ارتداء الجبّة والعمامة، كي ينجوَ من التجنيد، وتحوّل بزيّه الجديد إلى الشيخ مصطفى الشريف. ولكن تجري الرياحُ بما لا تشتهي السُّفن، فبعد فترة وجيزة، عمدت الدولة العثمانية إلى تجنيد المشايخ أيضاً لحاجتها إلى العسكر، فماذا فعل المرحوم؟ لقد حدثت مفاجأةٌ غير مرتقبة، أنقذته من هذه الورطة، سنأتي على ذكرها لاحقاً.
كان خلال حياته التربوية، طوال الحِقبة المذكورة آنفاً، مخلصاً وفياً لمهنته، والحادثة التاريخية التالية، غير المرتقبة، لهي أكبر دليل وشاهد على ذلك. ففي أثناء الحرب العالمية الأولى، خاضت الدولةُ العثمانية غمارَ الحرب إلى جانب ألمانيا، وعزم جمالُ باشا، ناظرُ الحربية العثمانية، وقائدُ الفيلق العثماني الرابع، القيام بزيارة إلى صيدا، فاستنفر الولاةُ العثمانيون، الدوائرَ الحكومية والبلديةَ والمدارسَ وأهالي صيدا، إلى استقباله استقبالاً يليق بمقامه، خوفاً من بطشه، بعد أن لُقّب بالسفّاح، وأعدم خيرة الرجال اللبنانيين الوطنيين الأحرار، وكان الشيخ مصطفى الشريف من جملة المستقبلين.
ورد معنا أن الشيخ مصطفى الشريف، جعل من نفسه شيخاً للتّخلّص من التجنيد، وتعقيباً على ذلك فإنني أُفسّر، كان المرحوم يتقنُ اللّغة العربية، ويقرأُ القرآن الكريم بصوت عَذب مع أصول التجويد، وكان متعمّقاً بالأمور الدينية لدرجة أنه كان يتعاطى حلَّ قضايا الزواج والطّلاق، ليس هذا فقط، بل كان يتعاطى أيضاً حلَّ النزاعات الصلحية، والفصلَ في القضايا الجزائية بين أهالي صيدا، ويردعُهم من اللّجوء إلى المحاكم، حيث كان يبتّ شخصياً بحلّ هذه الأمور، دون مقابل، وكلُّ مرادِه إحلالُ الوفاق والوئام بين الأهالي. وهذا مما دعا القاضي الجزائي نامق كمال، رئيس المحكمة الجزائية وقتئذ إلى التّذمّر والامتناع عن الحضور إلى السراي مركز عمله، ولما سأله محافظ صيدا عن سبب تغيّبه، كان جوابه: ما في لزوم للحضور، لإنّو في قاضي جوّال في صيدا عمبِحلّ جميع القضايا والشكاوى بين الأهالي.
باسم جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، على رأس وفد من أعيان صيدا، يرافقه عدد كبير من تلامذة مدارس المقاصد، يحملون الأعلام العثمانية، وعند وصول جمال باشا إلى باحة الاستقبال، انبرى على التوالي، ثلاثةٌ من طلاب المقاصد إلى إلقاء الخُطب، باللّغات الثلاث: التركية والعربية والإنكليزية، فسُرّ جمال باشا من جرأتهم وتعبيرهم والاحتفاء به، وتقدّم من المرحوم الشيخ مصطفى الشريف، فصافحه وهنّأه على الجهد الذي بذله لاستقباله، ثمّ مدّ يده إلى جيب صدّارتيه، وتناول من كيس فضيٍّ ثلاث ليرات ذهبية، قدّمها للمرحوم الذي تناولها وتقبّلها شاكراً، ثمّ أعادها لجمال باشا معتذراً قائلاً: مقبولةٌ مردودة، متمنياً على سعادتكم، استبدالها بوثيقةِ إعفاءٍ من الخدمة العسكرية، فأنا لم أخلق للحرب ومشق السّلاح، فسلاحي هو القلم والكتاب، لتعليم هذا النشء. فوجئ جمال باشا، برفضه وجرأته، وبدت ملامح الغضب على وجهه، وأطرق ملياً مفكراً صامتاً، ولكنه ما لبث أن رفع رأسه، ونادى ياورانَه، وأملى عليه نصَّ وثيقة الإعفاء، ثمّ وقّعها وختَمها وسلّمها بنفسه إلى الشيخ مصطفى الشريف. هذه الوثيقة التاريخية، كانت تُعرض نهاية كل سنة مع أوسمته، في المهرجان الذي كان يُقام في باحة مدرسة المقاصد الخيرية الإسلامية (ضهر المير)، هذه الوثيقة إن دلّت، فهي تدل على محبة الشيخ مصطفى الشريف لمهنة التربية والتعليم، وتعشّقه لها وتعريض حياته للخطر في سبيلها.
7-أبرز الطلاب / رياض الصلح والوسام.
تتلمذ على يدي المرحوم الشيخ مصطفى الشريف، معظم رجالات وأهالي صيدا، الذين برزوا في شتى الميادين السّياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية: منهم الشيوخُ والعُلماء والفُقهاء، والقُضاة، والعسكريون، والأطباء، والمهندسون، والمحامون، ورجالُ الأعمال، ومنهم رؤساءُ حكومات ووزراءُ ونوابٌ ورؤساءُ بلديات ومؤسساتٌ تربوية، لن أتمكّنَ من سرد جميع الشخصيات، التي برزت خلال فترة مزاولته التعليم، فهذا صعب للغاية، لكثرتهم وتوافرهم، وسأختصر ما أمكن:
ـ الشيخ محمد سليم جلال الدين، مفتي صيدا حالياً، (أطال الله عمره).
ـ الشيخ رفيق الحريري، رئيس مجلس الوزراء حالياً، (أطال الله عمره).
ـ المرحوم الدكتور نزيه البزري، النائب والوزير ووزير دولة.
ـ المرحوم سامي بك الصلح، رئيس مجلس الوزراء في لبنان سابقاً.
ـ المرحوم الشيخ توفيق أبو الهدى، رئيس مجلس الوزراء في المملكة الأردنية الهاشمية سابقاً.
ـ المرحوم رياض بك الصلح، رئيس مجلس الوزراء في لبنان سابقاً، وفي عهده منح أستاذه المرحوم الشيخ مصطفى الشريف، وسام المعارف، وقلّده إياه بنفسه، في احتفال أُقيم في باحة مدرسة المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا (ضهر المير)، وغيرهم المئات من الأطباء والصيادلة والمهندسين، والعاملين في جميع الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية.
أما الوسام الذي منحه رياض الصلح لأستاذه، فله قصةٌ طريفة نوجزها بما يلي: أثناء تقليده الوسام، التفت المرحوم رياض الصلح نحو جماهير المدعوين، ورفع يده اليمنى، وأشار بإصبعه إلى نَدْبة في كَفّه، ثمّ خاطب الجماهير قائلاً: "إني أقلّد أستاذي هذا الوسام، الذي أعتبره ثمناً للعصيّ التي نالتني منه، فجَعَلتْ منّي رجلاً". ما هي قصة هذه النَّدبة؟ هل تودّون سماعها؟ كان المرحوم رياض الصلح، منذ صغره، يتعشّق العرب والعروبة، ويكره العثمانيين، محباً للحرية والاستقلال. لذا كان أثناء فترات الاستراحة في المدرسة، يشكّل مع رفاقه التلامذة فريقين عسكريين، أحدهما عربي، وهو على رأسهم قائداً، والآخر عثماني، وعلى رأسه تلميذ آخر، ويدور رَحى القتال بين الفريقين، وتكون النتيجة دائماً فوز الفريق العربي، واندحار الفريق العثماني. وصدف مرة أن الفريق العثماني كاد يتغلّب على الفريق العربي، فما كان من التلميذ رياض الصلح، إلا أن هاجم بشراسة، زميله القائد العثماني، وأمعن فيه ضرباً ولكماً، حتى سالت الدماء من أنفه وفمه ووجهه، وبذلك انهزم الفريق العثمانيّ. لكن رياض الصلح، لم ينعم كثيراً بالنصر، فالشيخ مصطفى الشريف، كان له بالمرصاد، بعد أن شاهد الجريح، وأرسله بسرعة إلى عيادة الدكتور أفتيموس، القريبة جداً من مدرسة المقاصد (ضهر المير) لمعالجته وتضميد جروحه، دخل رياض الصلح إلى الإدارة، وواجهه الشيخ مصطفى الشريف بالتأنيب والتهديد، وأصر على معاقبته، وكان منفعلاً، فتناول الطبشة وهي (عصاة توصية من إنتاج أحد النجّارين المعتمدين، ممسوحة وناعمة، مُصنَّعة من خشب السنديان القاسي، قبضتها رفيعة، وأعلاها مفلطح، كانت تُصْدر صوتاً مُدَوّياً، عندما تَهْوي على يد المذنب المعاقَب)، مدّ رياض الصلح يده، وفتح كفّه، وهوى الشيخ مصطفى الشريف بطبشته على يده، فأحدثت صوتاً مُدَوِّياً، وتناثرت الطبشة قطعاً قطعاً، وسال الدم بغزارة من يد رياض الصلح، وسارع الشيخ مصطفى بنقله إلى عيادة الدكتور أفتيموس الذي عالجها بثلاث قُطب، والتي تركت نَدْبة في كفّ المرحوم رياض الصلح، مع العلم أن والدَه رضا بك الصلح، كان يومئذٍ رئيساً لجمعية المقاصد والصديق الحميم للشيخ مصطفى.
في 21 حزيران 1930م. أصدر رئيسُ جمعية المقاصد في صيدا، المرحوم الشيخ سعدالدين الصلح، قراراً بتعيين الشيخ مصطفى الشريف، مديراً لمدرسة المقاصد الخيرية الإسلامية، (ضهر المير) بعد أن كان مديراً لمدرسة الشمعون، التي شُيّد مكانها اليوم، كليةُ المقاصد للتعليم العالي، وهذا هو نص القرار بحرفيته كما هو مخطوط، وموجود بحوزتنا:
حضرة معلم أول مدرسة الخيري مصطفى أفندي الشريف المحترم،
قد تقرّر نقلُ حضرتكم لمدرسة البلدة لوظيفة معلم أول، وأسند إليكم قيد وقبول التلامذة في البلد ذكوراً وإناثاً، لذلك اقتضى تبليغكم والسلام عليكم.
في 21 حزيران 1930 رئيس سعدالدين الصلح
مكث الشيخ مصطفى الشريف، مديراً لمدرسة المقاصد، حتى سنة 1941م. وكانت قد أُسّست مدرسة فيصل الأول عام 1940م. وعُيّن أولُ مدير لها الشيخ محمد سليم جلال الدين، وقد مكث فيها سنة واحدة، صدر بعدها قرارٌ من جمعية المقاصد، بتعيين الشيخ مصطفى الشريف مديراً لمدرسة فيصل الأول، وهي مدرسةٌ مجانيّة بكل معنى الكلمة، تضمّ أبناءَ الطبقة العاملة في صيدا الذين يزاولون المهن المختلفة، هؤلاء الأبناء الذين تخرّجوا من مدرسة فيصل الأول، وتابعوا دراستهم، كانوا قدوة في النجاح، فمنهم الأطباء والصيادلة والمهندسون والأساتذة، ومنهم من زاول المهن الحرّة، وكانوا موفّقين في أعمالهم.
لماذا سُمّيت هذه المدرسة التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، مدرسةُ فيصل الأول؟ كلنا نعلم أنه أثناء الحرب العالمية الأولى عام 1914م. ودخول تركيا الحرب إلى جانب ألمانيا، أعلن ملك الحجاز الحسين بن علي، الثورة العربية على العثمانيين، وهذا مما أدخل الفرح والسرور، وأثلج قلوب جميع العرب والمسلمين في العالم، فساروا إلى جانب الثورة، وساعدوها بكل إمكانياتهم، حتى انهزام العثمانيين، وانتصار الجيش العربي، بقيادة الأمير فيصل بن الملك حسين، قائِد الثورة العربية، ونوديَ بالأمير فيصل، ملكاً على سوريا، تحت اسم فيصل الأول، وبما أن مدينة صيدا، من أوائل المدن المتعطّشة للاستقلال، والحكم الذاتي العربي، وتيمّناً بالأمير فيصل، قائِد الجيوش العربية، وقاهر العثمانيين، لهذه الأسباب كلِّها، أصدرت جمعية المقاصد، قراراً بتسمية المدرسة المستحدثة: (مدرسة فيصل الأول).
8- نهاية خدماته ومنحه الوسام
في 30 حزيران 1964م. انتهت خدمات المرحوم الشيخ مصطفى الشريف، في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وقُدّمت أوراقُه لصندوق تعويضات المدارس الخاصة، ثمّ رُفعت المعاملة إلى وزير التربية للتوقيع، وما أن تصفّحها حتى فوجئ بمضمونها، معلمٌ أنهى خدماتِه بعد سبعة وستين عاماً، من الخدمة الفعلية، فقدّم فوراً اقتراحَ مَنْحِهِ وسام المعارف من الدرجة الثالثة، وقدّم مشروعَ مرسومٍ لرئيس الجمهورية آنذاك المرحوم كميل شمعون، للتوقيع عليه، تصفّح الرئيسُ المشروعَ ودهش من المدة التي خدمها الشيخ مصطفى، فأوعز إلى وزير التربية، بإرسال لجنة للتّحقّق من سنوات الخدمة الفعلية، في سجّلات مقاصد صيدا، وبعد انتهاء اللجنة من عملها، تبيّن أن خدمات المرحوم ارتفعت إلى ثمانية وستين عاماً، وأُبلغ الرئيس كميل شمعون بنتيجة التحقيق، فمَنَح الشيخ مصطفى الشريف، وسام المعارف المذهب من الدرجة الأولى، وأوعز إلى المسؤولين بإبلاغه، وواجبِ حضوره شخصياً إلى ديوان رئاسة الجمهورية، لتقليده الوسام، بحضور مجلس الوزراء، وهكذا كان، وقلّده الرئيس شمعون الوسامَ بنفسه، ليس هذا فقط، بل قدّم الرئيسُ أيضاً أوّلَ مشروعِ قرارٍ في تاريخ لبنان لمجلس النواب، بمنح الشيخ مصطفى الشريف جائزة مالية بقيمة خمسةٍ وعشرين ألف ليرة، كانت تُقَدّر آنذاك بثمن منزلَيْن، وهذه بادرة لن ننساها للمرحوم كميل شمعون، غَفِل عنها من خدمهم المرحوم طيلةَ ثمانيةٍ وستين عاماً، دون تكريم أو إحياء ذكرى، وهذا هو نص مرسوم منحه الوسام بحرفيّته، مضروب على الآلة الكاتبة، وموجود بحوزتنا.
رقم 1443 وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة:
حضرة السيّد مصطفى رشيد الشريف
يُسرّني إبلاغكم أنكم مُنحتم بموجب المرسوم I.P. /295 الصادر في 25 شباط 1957 وسام المعارف المذهّب من الدرجة الأولى %
بيروت في آذار 1957
المدير العام لوزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة
الإمضاء
9ــ المؤسسة البريطانية لإحصاء سنوات الخدمة الوطنية
وفي عام 1994 م. نُميَ إلينا، أن هناك مؤسسةً بريطانية في لندن، مهمتُها إحصاءُ سنوات الخدمات الوظيفية التي يقدمها الموظف لشعبه ووطنه في جميع دول العالم، فعمدنا إلى تحضير المستندات لإرسالها إلى المؤسسة المذكورة، التي تبيّن من نشرتها الأخيرة، أن على قمة لائحة المؤسسة، موظف من الأرجنتين، خدم شعبه ووطنه مدة أربع وستين سنة، وفي هذه الحالة، سيُدرج اسمُ المرحوم الشيخ مصطفى الشريف، على لائحة المؤسسة البريطانية الإحصائية في لندن، الأول بين دول العالم، في تقديم الخدمات الوظيفية لشعبه ووطنه.
لم تعطهِ القوانين السائدة آنذاك، حقّه المادي لتأمين شيخوخته، فكانت نهايته كشمعة احترقت مجاناً لتنير الطريق للأجيال الصاعدة، وهذا ما حصل فعلاً، فالشيخ مصطفى الشريف، مرحلة هامة وفريدة في تاريخ مهنة التربية والتعليم في صيدا.
رحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي، حين قال منصفاً المعلم:
قُمْ للمُعلِّمِ وفِّه التّبجيلا كادَ المُعلِّمُ أن يكون رسولا
فهل وفّت أجيال الشيخ مصطفى الشريف القديمة والحالية ذكراه حقّها؟
أحبائي: نشكر إصغائكم ونتمنى للجميع نهاية رمضان مباركة وفطراً سعيداً وعيداً ميموناً.
صيدا في 15 رمضان 1424 هـ.
الموافق 9 تشرين الثاني 2003م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) – هذه المحاضرة أُلقيت مساء يوم الإربعاء في 19/ 11/ 2003 في قاعة المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا.
(2) – وقد ورد ذلك في كتاب " تاريخ صيدا الاجتماعي" للدكتور طلال المجذوب، نقلاً عن مصادر متعددة.