بلديَّـة صيـدا والمشاريع العمرانية والبيئية والتُّراثيَّـة: الواقع والتوجُّهات المستقبلية حديث مطوَّل مع الدكتور عبد الرحمن البزري(1) - الدكتور مصطفى الدندشلي
بلديَّـة صيـدا
والمشاريع العمرانية والبيئية والتُّراثيَّـة:
الواقع والتوجُّهات المستقبلية
حديث مطوَّل مع الدكتور عبد الرحمن البزري(1)
الدكتور مصطفى دندشلي: … أودّ في هذه المقابلـة أن يشمل حديثنا، إن أمكن وإذا سمح لنا الوقت الآن أو في جلسات مقبلة، مجمل مشاريع مدينة صيدا القائمة حالياً والتي جرى تنفيذها في الفترة الزمنية السابقة أو تلك التي هي ملحوظة ضمن توجُّهاتكم في المستقبل المنظور وهي التي تشغل بال الرأي العام الصيداوي بصورة عامة.
ولنبتدئ بطرح السؤال الأوَّل وهو: أين أصبح الآن تنفيذ مشروع إزالة مكبّ النِّفايات في "خليج اسكندر"، وذلك بعد أن عقدتم الاتفاقيّة منذ أكثر من سنتيْن (2) بين بلدية صيدا ومؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية عَبر شركة الجنوب للإعمار، وذلك في تشرين الأول سنة 2004، هل واجهتكم في تنفيذ هذا المشروع عقبات أو صعوبات إدارية أو سياسية أو خلافه، في عملية التنفيذ؟…. فإذا كان الأمر كذلك، فما هي، وكيف يمكن تجاوزها؟…
الدكتور عبد الرحمن البزري: في الحقيقة، وكما تعلمون، فإن من أولويات أيّ إدارة محلية في مدينة صيدا هي معالجة مشكلة مزمنة تزعج المدينة وتشوِّهها وتُشوِّه ليس فقط مياهها وشواطئها وتربتها، وإنما أيضاً تشوِّه حتى سمعتها، إضافة إلى التأثيرات السيِّئة، البصريّة والتنفسيَّة والصدريّة وغيرها، لهذا المكب العشوائي من النِّفايات والذي أُطلق عليه "جبل النِّفايات"، نظراً لتراكمه لسنوات طويلة، فبات جبلاً بحق وحقيقة، بمقاسات جبل لا بأس به من حيث الحجم والعلوّ. فضلاً عن كونه موجوداً على مساحة بحريَّة دون أيِّ حماية، مع تماس مباشر مع البحر بما يزيد عن ثلاثماية وخمسين (350) متراً وتماس مباشر أيضاً بينه وبين الطريق السَّريع العام نحو ثلاثماية وخمسة عشر (315) متراً دون أيِّ حماية أيضاً، بالإضافة بالطبع إلى تشقُّقات موجودة فيه تعرِّضه إلى خطر الانهيارات بين الحين والآخر، نتيجة لمرور الزَّمن عليه وتآكل المواد العضوية واحتراقها. أضف إلى ذلك بطبيعة الحال خطر اشتعال هذه المواد وغيرها.
لذلك، فقد كان من أولويات المجلس البلدي، عندما جاء إلى سُدَّة المسؤولية (أيار 2004)، إنما هو معالجة مكبّ النِّفايات. ولقد فوجئنا بأن ليس هناك أيُّ دراسة جديّة لمعالجة هذا المكبّ، باستثناء مشروع مبدئي أوَّلي قام بدراسته مجلس الإنماء والإعمار حيث كانت الفكرة بناء حائط أو سور كبير في البحر حوله ووضع مكوِّنات المكبّ داخل هذا الحائط أي في البحر ومعالجته في موقعه وبالتالي عدم إزالته…
هذه الدراسة كانت مبدئيَّة وأسعارها تُعتبر غالية جداً وغير ممكن تطبيقها دون دعم أساسي من الحكومة المركزية. ونتيجة لغياب الإمكانات ولعدم وجود دراسة عن كيفية التمويل، وإنما وجود دراسة عن كيفية المعالجة في موقع المكبّ، فكان لدى المجلس البلدي، عندما جاء واستلم مَهماته (عام 2004)، مشكلة أوليَّة وهي عدم توافر السيولة المالية، لأنه لا يملك الإمكانات التي تخوِّله معالجة مشكلة كبيرة ومزمنة بحجم مكبّ النِّفايات. أما المشكلة الثانية فهي عدم توافر الدراسات. ومن الناحية الثالثة، عدم توافر ما يُسمّى الرُّخص والقوانين الضرورية لمعالجة المكبّ. أما النقطة الرابعة، وهي الأهم من كل ذلك، فهي عدم توافر خيار آخر سوى المكبِّ ذاته لاستعماله لحين الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة لمشروع إنشاء معمل معالجة النِّفايات المنزلية الصلبة، وهو مشروع شركة I.B.C. بإدارة السيد حمزة المغربي.
لذلك فإن الاتِّفاق المبدئي مع مؤسسة الأمير الوليد بن طلال الإنسانية هو اتِّفاق قد حلَّ جزءاً أساسياً من المشكلة الأولى وهي مشكلة التمويل. فقد تعهَّدت بتقديم خمسة (5) ملايين دولار أميركي في حال تمكّنت البلدية من إيجاد الدراسات ومن إيجاد التَّراخيص اللاّزمة لتنفيذ المشروع. إذن، فإن موافقة مؤسسة الأمير الوليد بن طلال الإنسانية، إنما هي مشروطة بالحصول على التَّراخيص الضرورية، وذلك لأنها مؤسسة رسمية، وبالتالي تريد أن تكون على يقين بأن ما تقوم به هو تحت إشراف وزارة البيئة ومرخَّص من قِبَل وزارة البيئة ويتمّ بشكله القانوني الصحيح. فهذا الاتِّفاق كان قد حلَّ الناحية المالية. وبقيت مشكلة الدراسات.
فبعد الاتّفاق، عُقدت جلسات عمل عديدة مع وزارة البيئة، ومن ثمَّ مع المتعهد المقترح وهو: شركة الجنوب للإعمار، وبعد ذلك مع شركة تُدعى "مورْس"، وهي شركة اختصاصيّة لدراسة كيفيّة معالجة المكبّ ولدراسة الأثر البيئي الناجم عن هذه المعالجة. وعليه، فقد أخذت هذه الدراسة أخذاً ورداً بين وزارة البيئة وملاحظاتها وبين المنشآت الأخرى المختصّة، مدة من الزمن طالبت أكثر مما كنا نأمله، بسبب تعقيدات عديدة أهمها: علاقة المكبّ بالمياه البحريَّة، وعلاقة المكبّ بالمحيط البرّي حوله، وعلاقة المكبّ أيضاً بمكوِّناته وكيف يمكن أن يُنقل جزء من هذه المكوِّنات إلى جهات أخرى.
وبعد تقديم اقتراحات وتعديلها واقتراحات أخرى وتبديلها ودراسة الأعماق البحريَّة بمحاذاة المكبّ وغيرها، فقد توصَّلنا إلى ما يُسمّى دراسة الأثر البيئي، التي اُعتبرت مقبولة من قِبَل وزارة البيئة وتمَّت الموافقة عليها. وتقضي هذه الدراسة أن المكبّ سوف يُعالج في موقعه وتُعالج مكوِّناته بعد أن تُفصل عن بعضها، فالمكوِّنات القابلة للتدوير (وهي المكوِّنات غير العضوية: حديد، بلاستيك، كرتون، قماش، إلخ..) يجري إعادة تدويرها لكي تُباع للمؤسسات التي تُعنى بالمواد الصالحة لإعادة التدوير. والمواد غير الصالحة للاستغلال، تُغلَّف وتُرسل إلى أماكن تُعيِّنها وزارة البيئة وهي مخصَّصة في أماكن معيَّنة في لبنان.
وهنا يبقى مكوِّنان هامّان: المكوِّن الأول وهو المواد التي لا يمكن التخلُّص منها وهي غنيَّة عضوياً ومعدنياً. هذه المواد سوف تُطمر تحت المكبّ بعمق نصف متر بعد وضع ما يُسمى: نوع من العازل بين المكبّ وبين قاعدته، لكي تتحوَّل في المستقبل إلى حديقة عامة أو مساحة مزروعة، يُغيَّر عندئذ شكلُ البحر ومظهرُه وعلاقةُ المدينة بالبحر. فبدل من أن يكون هناك جبل من النِّفايات، يغدو نوع من الحقل المزروع.
تبقى هناك المشكلة الرابعة والأخيرة وهي المواد من الأتربة الغنيّة بالمواد العضوية، لأن في المكبّ، قد كانت طريقة معالجة المواد العضوية فيه والنِّفايات الصُّلبة، بما يُسمى: الفلش والطَّمَر، أي كنّا نفلش المكوِّنات (النِّفايات) ومن ثمَّ يتمّ طمرها بالأتربة. وعندها تقوم الجرّافات الثقيلة بردم هذه الأتربة بطريقة ما لضغطها. في هذه الحالة، هناك كمية كبيرة من الأتربة يقدَّر حجمها بين 60 و70% من حجم المكبّ ككل، في الوقت الذي نتكلم فيه عن مئات الألوف من الأمتار المكعَّبة. هذه المواد من الأتربة هي غنيّة عضويّاً. فكيف نعالجها؟… نعالجها بنخلها أولاً من خلال مناخيل ذات مقاسات متعدِّدة، لكي نصل إلى أتربة ناعمة، ثم غسل هذه الأتربة، وبعد غسلها يتمّ فلشها لمساعدتها على عملية التَّخمير الهوائي، بعد أن كانت قد خُمِّرت وبنسبة كبيرة بشكل لاهوائيّ. ومن ثمَّ، وبعد أن يتمَّ جمعها في أماكن مخصَّصة لها، نقوم بنحو كل ثلاثة إلى ستة أشهر بفحص عيِّنات عشوائية من هذه الأتربة المجموعة للمعالجة، وتُرسل هذه الأتربة إلى المختبر في الجامعة الأميركية في بيروت، ليعطينا نسبة المكوِّنات وتحديداً العضوية فيها. فإذا كانت مطابقة للمواصفات العامة، يتمّ التخلُّص منها ونقلها إلى أماكن محدَّدة ورميها فيها….
وهنا، واجهتنا مشكلة وهي التالية: أين هي هذه الأماكن التي يمكن أن تُنقل إليها هذه الأتربة؟… كان هناك خيار أن تُرسل إلى أعماق البحار بواسطة "شالونات" خاصة. وهذا خيار بيئي سليم جداً، ولكنه لأسباب سياسية تتعلق بالرأي العام، كان قد واجه صعوبات وضغوطات عديدة ومعارضة شديدة، دون أن يكون هناك خلفية أو أسباب علمية حقيقية لهذه المعارضة، مما جعلنا نغيِّر هذا الخيار ونحيد عنه باتجاه خيار استصلاح كسّارات، سواءٌ صخريّة أو رمليّة موجودة في أماكن معيَّنة ضمن قطر يوازي حوالي خمسة وعشرين (25) كلم من مدينة صيدا. ولقد كان الخيار الأفضل هو كسّارة زغدرايا. ويبدو أنه أيضاً لأسباب تتعلَّق بما يمكن تسميته بالعلاقات العامة والضجيج الذي أثير حول هذا المكان واستغلال البعض لهذه الناحية، فقد تعذَّر قيام مشروع معالجة مكبّ النِّفايات. ويبدو أيضاً أن خيار زغدرايا قد أصبح صعباً جداً. وبالتالي، نحن نحتفظ بخيارات بديلة أخرى، يمكن استخدامها كحلول بديلة عن خيار زغدرايا بموافقة الدولة اللبنانية ومجلس الإنماء والإعمار.
إن المشكلة تكمن في أننا نحن الآن مضطرون أن نعمل على معالجة المكبّ ونحن في الوقت نفسه نستعمله، ذلك أن خيارنا الأوَّل قد كان إقفال المكبّ ومن ثَمَّ معالجته. ولقد اكتشفنا أن هناك استحالة تتعلَّق بإقفال المكبّ، لأنه لا يوجد أيُّ مكان آخر لرمي النِّفايات الصلبة في مدينة صيدا، سوى المكبّ الحالي في الوقت الحاضر. ولا أحد هنا أو هناك أو هنالك يريد أن يستقبل نفايات صيدا، على الرُّغم من أن صيدا كانت قد استقبلت نفايات المنطقة لفترات طويلة، وهي حتى الآن لا تزال تستقبل نفايات لا علاقة لها بها إدارياً، مثلاً نفايات مخيَّم عين الحلوة ومحلة الفيلاّت، وتعمير حارة صيدا، وجزء من عَبرا والهلالية وغيرها من القرى والبلدات المحيطة بمدينة صيدا الإدارية.
لذلك، وبما أننا مضطرون لاستخدام مكبّ النِّفايات الحالي، أعدنا ترتيب المنافع المتعلِّقة بتقنيّات معالجة المكبّ من الناحية الهندسية بطريقة تسمح لنا باستخدام مرفقيْن: مرفق للمعالجة ومرفق آخر للاستخدام موقَّتاً، بانتظار أن ينتهي العمل في مشروع معمل معالجة النِّفايات الصَّلبة، وهو مشروع شركة I.B.C. بإدارة وإشراف حمزة المغربي.
ومن ناحية أخرى، فقد واجهتنا مشكلة ثانية وهي أننا منذ إعلان النَّوايا الذي تمّ بالاتِّفاق مع مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية وحتى يومنا هذا (2007) ـ أي أننا سنبدأ العمل خلال أيام (بعد ثلاثة أعوام من توقيع العقد) بوضع الآلات والتجهيزات للمعالجة ـ فقد كَبُر حجم المكبّ بنسبة 10 إلى 15%، مما يُرتِّب أعباءً إضافيَّة ومشاكل أيضاً هندسيَّة ولوجستيَّة، وقد تمَّ أخذها بالحسبان، وبالتالي تغيير مكان الدخول إلى المكبّ من الشمال إلى الجنوب، وتغيير كذلك ما يسمى "الأدوات المستخدمة".
فالمشكلة الأساسية تكمن في ناحيتَيْن: الناحية الأولى هي أن الدولة اللبنانية لم تتحرَّك حتى الآن لتؤازر بلدية صيدا. والمساعدة الوحيدة هي أن وزارة البيئة وافقت لنا على أسلوب العمل. وهي مشكورة، لأنها وافقت على الرُّغم من كلّ الظروف التي أُحيطت بالمكبّ. إنما المشكلة الأساسيَّة هي أن الدولة تعتبر نفسها غير معنيَّة بهذا الموضوع. وأنا أعتبر أن مكبّ النَّفايات أو بالأحرى المطامر الصحيَّة، ليست مسؤوليَّة البلدية لوحدها، ولكنها أيضاً مسؤوليَّة السلطة المركزية، لأنه بغياب أيّ مخطط توجيهي في هذا الشأن وبغياب سياسة واضحة في لبنان، فقد تُرك معالجة أمر هذا الموضوع المركّب والمعقَّد ـ مشكلة النَّفايات والمطامر الصحيَّة ـ للبلديات التي هي تملك إمكانات ضعيفة ومساحات ضيِّقة.
ومشكلة مدينة صيدا هي أنها مدينة مكتظَّة بالسكان، في حين أن مساحتها ضيّقة. وبالتالي لا يوجد حيِّز من الأرض يمكن استخدامه لعمليَّات الطِّمر الصِّحّي أو حتى وجود الجبال الصحيِّة. وهكذا، فقد تُركنا الآن، وما زلنا متروكين من قِبَل الدولة اللبنانية دون أيّ مؤازرة حتى لا نقول: محاولة تشويش أو تعطيل لأعمالنا، وذلك لاعتقاد الدولة ربما بأن هذا المشروع يجب أن لا يتمَّ الآن ويجب إفشاله، لأنه إذا نجح يُظهر عجز الدولة في الحاضر وفي الماضي عن القيام بواجباتها، لأن الدولة اللبنانية كانت قادرة في الماضي، على إيجاد الحلول المناسبة للمشكلة، عندما كانت الظروف أقلَّ استفحالاً والمشكلة أصغر. ونحن هنا نتكلم عن سنوات خلت، فقد كان بالإمكان معالجة مكبّ النِّفايات وهذه المشاكل بطريقة أخرى.
على كلِّ حال، فنحن مصرّون على المضيّ بهذا المشروع، على الرُّغْم من كلّ العوائق والعقبات، مصرّون على تجاوزها ومصرّون على الحفاظ على حسن الجوار مع المناطق المحيطة بمدينة صيدا. وبالتالي عدم فرض أيّ شىء على المحيط بنا لا يريده. ونحن مصرّون أيضاً على تحميل الدولة كالم المسؤولية، عندما يأتي الأوان، وخصوصاً بعد أن تنتج لدينا كميات كبيرة من الرمول التي هي صالحة للاستخدام، ولكن لا مكان محدّداً ربما لنقلها إليه.
س: … يعني، بكلام آخر أكثر وضوحاً ودقّة، لم يحصل أيّ شىء جديد منذ عقد الاتِّفاق مع مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية عام 2004 وحتى الآن عام 2007!!…
ج: … لا بل حصلت أمور عديدة، مثلاً: التراخيص، فقد تمّ الحصول عليها كلّها، وموافقة الوزارات المعنيَّة، ووُضعت الدراسة التقنيَّة وجرت التعديلات والموافقة عليها ووُضعت أيضاً الدراسة البدنيَّة والأثر البيئي والتأثير البيئي للمكبّ، فكل هذه الأمور كانت قد تمَّت وتمّ الموافقة عليها من الجهات الرسميّة المعنيَّة.
س: … إذن، في هذا المجال العام، كيف يمكن تحديد العقبة..؟…
ج: … (مقاطعاً)، تُحدَّد العقبة الآن في وجود المكان الذي يمكن أن تُنقل إليه هذه الرمول. أما العقبة الثانية، فهي الإجابة عن طرح السؤال: ماذا نفعل بنفايات مدينة صيدا والمنطقة التي تخدمها صيدا، بانتظار مباشرة عمل وتشغيل معمل معالجة النِّفايات الصَّلبة، والذي تعهدته شركة I.B.C. بإدارة حمزة المغربي.
س: … والقرض وقيمته خمسة (5) ملايين دولار أميركي المقدَّم من مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية، هل لا يزال حتى الآن قائماً؟.…
ج: … طبعاً، القرض لا يزال قائماً، والوعد بالقرض لا يزال قائماً أيضاً. والمبلغ الأوَّل من القرض، قد تمّ تحويله إلى المتعهِّد لأنه كان قد قام بشراء الآلات اللاّزمة. ونحن الآن في صدد تركيب هذه الآلات خلال أيام أو أسابيع قادمة. وإننا نأمل عند صدور هذا الكتاب (مشاريع صيدا العمرانية)، أن يكون العمل قد بدأ فعلياً في إزالة هذا المكبّ المزمن للنِّفايات في صيدا(؟؟)، وأن ينتهي العمل كلياً خلال مدة زمنيَّة تتراوح بين سنتيْن (2) وأربع (4) سنوات. وإذا كنا سوف ننتظر هذه المدّة الزمنية أيضاً، لأن مدينة صيدا كان قد تمّ إهمالها في الماضي كثيراً دون وجه حقٌ وبالتالي فقد تمّ تجاوز العديد من مصالحها والتغاضي عنها….
وهنا السؤال الذي أطرحه: أين هو الدعم الذي وعدت به الحكومة بلدية صيدا، نتيجة لاستقبالها نفايات عشرات البلديّات الأخرى؟!… هناك مرسوم واضح الدلالة والتوجّه العام، كان قد صدر منذ حوالي سنتَيْن (2) يقول: إن كل بلدية تقيم مطمراً أو تستقبل نفايات لأكثر من خمس (5) بلديات، فإنها تحصل على الأقل على خمسة (5) أضعاف مردودها من الصندوق البلدي المستقل. وكل بلدية تستقبل نفايات عشرة بلديات أو ما يزيد، فإنها تحصل على الأقل على عشرة (10) أضعاف حصّتها من الصندوق البلدي المستقل. في حين إنني أُعلن إلى الرأي العام الصيداوي، بكل صراحة ووضوح، بأن حصّة بلدية صيدا من الصندوق البلدي المستقل تتناقص وبشكل صريح وفاضح، وكأن الغرض إنما هو عرقلة مشاريع بلدية صيدا، ولربما لأهداف أخرى لا علاقة لها بمشكلة النِّفايات وقضايا البيئة والتلوّث.
س: … وكما أفهم من حديثك، كأن هناك قد وُضعت عراقيل وصعوبات في وجه بلية صيدا أو ربما ثمّة معارضة، لها طابع سياسي….
ج: … أنا أقول: إن أيَّ موضوع، سياسي أو غير سياسي، ومهما كان، يبقى أن الموضوع الأهم، بالنسبة إلينا هو مصلحة المدينة وأن هناك حقوقاً لمدينة صيدا كانت غائبة عن مطالب أهل السياسة والمسؤولين السياسيين. وهناك حقوق لمدينة صيدا لم تأخذها ولم تحصل عليها، في حين أنّها كانت قد تحمَّلت كثيراً من أجل المنطقة المحيطة ومن أجل ما يسمّى السلامة البيئيّة لقرى وبلدات الجوار ككل. وهذا يعني أن أحداً لم يلحظ قدرة المدينة على القيام بما يُسمّى: معالجة مشاكلها. لنأخذ مثلاً: عندما ينهار جزء من مكبّ النِّفايات في البحر، أضف إلى السمعة السيئة التي تنالها المدينة، فإن كلفة تنظيف البحر وكلفة تنظيف الشواطىء البحرية ومعالجة هذا التلوّث البيئي، فإنها تبلغ عشرات الملايين من الليرات اللبنانية. وإذا اعتبرنا أن الانهيارات تحدث بشكل مستمرّ ولسنوات طويلة، علينا أن نقدِّر الكلفة والأعباء التي ستتحمّلها بلدية صيدا، إضافة إلى الكلفة غير المباشرة الناجمة عن انخفاض السياحة، عن انخفاض الثروة السمكية، عن تلوُّث المياه وغير ذلك…
فالسؤال الذي نطرحه الآن هو التالي: حتى استقبال ـ في أبسط الأمور ـ نفايات القرى المجاورة الأخرى، هو بحاجة إلى شاحنات لنقل هذه النِّفايات، فمن يتحمَّل في هذه الحالة، كلفة صيانة الطرقات؟… فبدل من أن نستقبل خمس نقلات في اليوم الواحد، أي ما يعادل تقريباً مائة وأربعين (140) طناَ يومياً، فهناك على الأقل بين إثنتي عشرة إلى خمس عشرة نقلة "كنتينر" كبير، إضافة إلى عشرات غيره أقل حجماً. فكل ذلك يستهلك أيضاً الطرقات. فلا أحد يلحظ، في هذا الشأن، كلفة بلدية صيدا وما هي الأعباء المباشرة وغير المباشرة التي تتحمّلها. وهكذا، ففي الأشهر المقبلة، سوف ألحظ مزيداً من الكلفات التي هي مفروضة على صيدا، دون أن يُلفت إلى حقوق صيدا في هذه الناحية.
س: … هنا، فيما يبدو للجميع في صيدا أنه قد ظهرت معارضة شديدة اللَّهجة وعنيفة، أخذت طابعاً سياسياً، وذلك على أثر زيارة الأمير الوليد بن طلال إلى صيدا وتقديمه خمسة (5) ملايين دولار أميركي هبة إلى بلدية صيدا، من أجل إزالة مكبّ النِّفايات، وبخاصة حينما وُزِّع بيان اتِّهامي بأن "صيدا ليست للبيع" تحت توقيع "شرفاء صيدا"، وسأنشر هذا البيان بنصِّه للدلالة على أن هناك معارضة عنيفة لها طابع سياسي لأيِّ مساعدة من أيِّ جهة أتت، للإسهام في حلِّ بعض المشاكل الصيداوية، حتى ولو كانت بيئيَّة… فما هو رأيك في هذا الموضوع؟…
ج: … إن زيارة الأمير الوليد بن طلال إلى مدينة صيدا، إنما هي في مضمونها وفي معناها مشكورة، لأنها حملت معها الكثير من الفائدة والخير للمدينة. فهو يرى في مدينة صيدا مدينة جدِّه، رياض الصلح، رجل الاستقلال اللبناني، ويرى فيها مدينة أهله. إضافة إلى أن الأمير الوليد بن طلال لا يريد أي شىء من صيدا، وإنما يريد أن يكرِّم جدَّه وأهله ويكرِّم أهل هذه المدينة التي رعت جدَّه في فترة صباه وحتى في فترة بروزه السياسي. (إعلان في صيدا حكومة رياض الصلح عام 1920)، ولكن المشكلة تكمن في أن البعض في صيدا يعتبر أن بإمكانه احتكار كل خدمات المدينة، وبالتالي برمجتها على مقاسه. الأمير الوليد بن طلال، حينما قَبِل مشكوراً الدخول في مشروع بيئي بهذا الحجم، وعلى الرُّغم من كلِّ الصعوبات والعوائق والعقبات التي وُضعت في وجه هذا المشروع، فإنما فعل ذلك إظهاراً لحبِّه لمدينة صيدا.
ونحن نقول بأن نجاحنا في هذه التجربة مع مؤسسة الأمير الوليد بن طلال الإنسانية، سوف يفتح آفاقاً واسعة لهذه المدينة ولمزيد من التقديمات على مستوى هذه المؤسسة الإنسانية، وليس فقط بالنسبة إلى المؤسسات الأهلية في المدينة، وإنما أيضاً وبشكل خاص إلى إدارتها المحلية. وبالتالي، فإن الإفادة لا تكون فقط للمؤسسات الأهليَّة خاصة، وإنما الإفادة أيضاً ستكون في الحقل العام.
لذلك، فإن نجاح هذه التجربة هو أساس لاستمرار العلاقة مع مؤسسة الأمير الوليد بن طلال الإنسانية. كما أن فشل هذه التجربة، قد يعيق هذه العلاقة ويعطِّلها في المستقبل. وأقول، هنا، في هذه المناسبة، على الجميع أن يتحلّى بقدرٍ عالٍ من المسؤولية، لأن هذا الموضوع هو محيَّد وهو خارج الإطار السياسي وخارج التنافس السياسي. ذلك أن تلوُّث الهواء، إنما يصيب جميع أبناء المدينة، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. وكذلك تلوُّث المياه له الأثر السيِّىء نفسه. أضف إلى ذلك أن السُّمعة السيئة للمدينة تنال الجميع دون استثناء، وليس فقط بلديتها، لأن مَن يتحمَّل مسؤولية مكبّ النِّفايات على مرّ السنين هي البلديات المتعاقبة. وإن مَن يتحمَّل المسؤولية كاملة فوق ذلك كله هي القوى السياسية التي أدارت شؤون المدينة على مدى فترة زمنية طويلة.
فإذن، وبكلمة واحدة، فإن مشكلة مكبّ النِّفايات تعني الجميع، ويتحمَّل مسؤوليتها الجميع، بما فيها البلدية الحالية. وبالتالي، علينا كلنا أن تتضافر جهودنا لإيجاد الحلول لمشاكلنا، لا أن نُعطِّلها ونُعطِّل جهود بعضنا البعض الآخر، فقط للعرقلة… وأنا أعتقد بأن هذه المشكلة يمكن حلها، لأن صيدا قادرة على حلِّ مشاكلها وقادرة على تجاوز العقبات. وعندما وضع الصيداويون ثقتهم في هذا المجلس البلدي الجديد، فقد فعلوا ذلك لأنهم اعتقدوا أنه قادر على تجاوز القضايا والأمور الصَّعبة، حتى ولو كانت استثنائية أحياناً…
س: … في الحقيقة، لقد استعملت تعابير قاسية جداً في هذا البيان الذي وُزِّع على أثر زيارة الأمير الوليد بن طلال إلى صيدا، والذي يحمل توقيع "شرفاء صيدا"، وكأنه يعني ضمناً أن مَن استقبل الوليد بن طلال من الصيداويين هم "غير شرفاء"، وفيه: "أن صيدا ليست للبيع"، مما يعني وكأن الوليد بن طلال قد جاء إلى صيدا لشرائها.
ج: … أنا لا أريد ولا أودّ أن أدخل في مناقشة بيانات غير واضحة الهُويّة. شرفاء صيدا!!… مَن يحدِّد مَن هم شرفاء صيدا وغير الشرفاء؟!… هذا الموضوع معقَّد جداً، ولكننا نحن نأمل أن يكون كل مَن هم في مدينة صيدا شرفاء. وبالتالي عندما يقولون "شرفاء صيدا"، فلربما يعني كل أبناء صيدا، الذين هم شرفاء. ففي هذه الحالة، فإن هذا البيان لا يمثل أبناء صيدا. وإذا كانوا يعتقدون بأنهم حقيقة شرفاء، فلتكن لديهم الجرأة والشجاعة وليبرزوا هُويتهم حتى يرى الناس جميعاً إذا كانوا فعلاً شرفاء أم لا… لأن من هو شريف بحق وحقيقة، فليس عليه أن يتخفّى.
س: … لننتقل الآن إلى طرح موضوع آخر ومناقشته، وهو أيضاً موضوع معقَّد ويدور حوله حتى الآن شىء من الغموض والالتباس: أعنى به مشروع تجميع مصبّات مياه الصَّرف الصِّحي وإنشاء محطّة تكرير للمعالجة. وهنا أشير إلى محضر اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 13/8/1995، فالسؤال: أين أصبح تنفيذ هذا المشروع والمراحل التي أنجزها حتى الآن؟!… هذا مع العلم أن مجلس الإنماء والإعمار كان قد لزَّم في نيسان عام 2001 بناء محطة تكرير مياه المجارير المبتذلة من القرض الياباني، جنوبي مدينة صيدا في مساحة أرض تقدَّر بحوالي 22 ألف م2 أي 2,2 هكتار في سينيق. وقد بوشر في التنفيذ آنذاك. فكانت المرحلة الأولى لمدة سنتَيْن (2)، وذلك من أجل تكرير المياه المبتذلة من رواسب المواد الصَّلبة فقط، على أن تكون المرحلة الثانية دفع الرواسب المبتذلة إلى عمق البحر عَبْر قسطل يبلغ طوله 2100متر يعمل وفق نظام معيَّن. ولكن ـ هذا هو السؤال ـ إلى الآن (أي إلى عام 2004)، لم يلزَّم القسطل بعد، وذلك لأنه لم يكن من ضمن المشروع في البداية ويبدو أن تلزيمه وتنفيذه قد يحتاج إلى مدة سنة أو أكثر. ما هي المعلومات الجديدة والحديثة حول هذا المشروع المهمّ أيضاً بالنسبة إلى مدينة صيدا؟!…
ج: … حقيقة، إنني مسرور جداً من طرح هذا السؤال الثاني الذي أتى مكمِّلاً للسؤال الأول، لأن المشكلة البيئيَّة، نتيجة النِّفايات عادة، تكون إما سائلة وإما صلبة. فإذا كانت مشكلة النِّفايات الصَّلبة ظاهرة للعيان وبشكل واضح في مكبّ النِّفايات، فإن مشكلة النِّفايات السائلة أو مشكلة الصَّرف الصحّي هي مشكلة أكثر تعقيداً وأكثر خطورة، وإن لم تكن ظاهرة للعيان بشكل جليّ وواضح.
كما أننا نعلم أن هناك نوعاً من التَّواصل العشوائيّ بين مجارير مدينة صيدا وبين بحرها. وهنالك على الأقل أربعة أو خمسة مصبّات رئيسية في المدينة: أبو غيّاث، القملة، البرغوت، عين زيتون… هذه هي المصبّات الرئيسية تضخّ بشكل عشوائيّ وواضح للعيان على البحر، وتلوِّث الشواطىء والبحر على حدِّ سواء، وتقدِّم سمعة سيئة للسياحة البحرية في مدينة صيدا. أضف إلى ذلك إمكانية انتقال بعض الأمرض بواسطة مياه المجارير…
إن المشكلة تكمن أساساً في خيار موقع المعمل ووجوده في المكان المعيَّن الذي هو خطر جداً وخطأ كبير. فهناك موضوع مستغرب جداً: لماذا تمّ استغلال بحر صيدا في مشاريع هي أساساً تؤدّي إلى تدمير البيئة البحرية حولها؟:!… نحن نتكلم الآن عن إثنين وعشرين (22) دونماً مربعاً أي 2,2 هكتاراً مربعاً في البحر، وحينما نتكلم عن معمل معالجة النِّفايات الصلبة، فنحن في صدد مساحة تبلغ حواليّ أربعة وخمسين (54) دونماً مربعاً أي 5.4 هكتاراً مربعاً. وعندنا جبل من النِّفايات الذي تبلغ مساحته عدَّة دونمات مربعة. ولا ندري ماذا سيحدث غداً… فالسؤال الأساسي الذي يطرح نفسه في هذا السياق: لماذا تمّ اختيار مدينة صيدا؟!… لماذا اختيرت مدينة فيها كثافة سكانيَّة عالية، لوضع نظام الصَّرف الصحّي فيها بالأساس؟!… فقد كان بالأحرى أن يتمّ موقع بعيداً عن الكثافة السكانيَّة ويتمّ وصل جميع هذه المجارير إليه…
والآن، دعني أتكلم بصراحة: نحن نعلم أن هذا المشروع المزمع عقده، وإن كان يُقام في صيدا، ولكنه في الواقع ليس لصيدا فقط. فهو يبدأ من نهر الأوَّلي وينتهي عند نهر الزهراني، ومن حيث العمق، فهو يبتعد من شاطىء صيدا باتجاه الشرق مسافة سبعة عشر (17) كلم (أو بالأحرى 25 كلم). فإذن، لدينا 17 كلم فـي العمـق من الشاطىء البحري في صيدا إلى الشرق ـ وهذا هو العرض ـ وطولاً من نهر الأولَّي إلى نهر الزهراني. وإننا نحن الآن نتكلم عن مساحة فيها كثافة سكانيَّة تقدَّر بنحو 400 إلى 500 ألف نسمة، وعشرات القرى والبلدات المحيطة بصيدا. وكل هذه القرى وحتى القرى الجبلية منها، سوف يتجمَّع كل نظامها الصَّرف الصِّحي ومجاريرها في مدينة صيدا، وفي محطة تكرير المياه المبتذلة، التي أقيمت في سينيق على شواطىء صيدا.
وللأسف، عندما أتيْنا إلى المجلس البلدي (أيار 2004)، كانت المرحلة الأولى من هذا المشروع قيد التنفيذ وهي على وشك الانتهاء. وهذه المرحلة شملت بعض قرى شرقي صيدا وجنوبها، ولم تشمل القرى الأخرى شرق وشمالي شرق والجزء الأكبر من مدينة صيدا، لم تكن جميعها داخله في هذا النِّظام من الصَّرف الصِّحّي. فإذن، كنا قد ورثنا مشروعاً هو في الأساس مشكلة. ولكن المشكلة هي في بقائه في وضعه الحالي، وعدم إلحاق بقيَّة المناطق الأخرى به. وأنا هنا، أشكر الأستاذ فضل شلق رئيس مجلس الإنماء والإعمار في ذلك الحين لإسراعه في التعاون معنا لإدراج المرحلة الثانية من نظام الصَّرف الصِّحّي وهي مرحلة ما يسمى: إدخال كل مجارير صيدا ومجارير المناطق المأهولة أساساً من الصيداويين في: حارة صيدا وعبرا والهلالية وشرحبيل ومجدليون والصالحية، وكل هذه المناطق، إدراجها في هذا المشروع.
وفي الوقت الحاضر، فقد بدأت المرحلة الثانية في تنفيذ هذا المشروع، وهي أيضاً عن طريق قرض يابانيّ، وتُقدَّر بحواليّ أربعة وعشرين (24) مليون دولار أميركي. وهذه المرحلة تشمل وصل كل هذه الشبكة بهذه المحطَّة التي تُعالج معالجة أوَّليَّة. والمعالجة الأوَّليَّة إنما هي عبارة عن وجود نوع من "الفلتر"، نوع من المصفاة التي تشبه "السيفر" وتؤدّي إلى تصفية المجارير الموجودة في مياه الصَّرف الصِّحّي، فتعلق فيها الأوساخ، في حين تمرّ المياه دون معالجة لكي تضخّ على بعد 2100م في عمق البحر. ولقد قامت شركة تركية في تنفيذه. وقد أشرف هذا المشروع على نهايته واستمر إنجازه ما يقرب من سنتَيْن، وكانت بدايته قبل مجيئنا إلى المجلس البلدي .
وإذا كانت المرحلة الأولى قد انتهت منذ سنة تقريباً، وفي أيامنا الأولى، فما هو طموحنا في الوقت الحاضر؟!.. إننا نطمح الآن للإسراع في إنجاز المرحلة الثانية من هذا المشروع، وهي التي تُسمّى المعالجة الثانوية أي معالجة المياه المبتذلة ليس فقط تصفيتها، وإنما معالجتها قبل ضخِّها إلى البحر. وهي تُضخّ على أساس أنها مياه نظيفة بانتظار في المستقبل ـ وإن كان هذا المستقبل غير قريب ـ المعالجة الثالثة وهي إعادة استغلالها في الريِّ بعد أن يتمَّ معالجتها معالجة إضافية.
ولكن، هنا، يُطرح السؤال: ما هي المشكلة التي لا يدري أحد بها؟!… هي أن هناك أعباءً هائلة باتت الآن على مدينة صيدا وعلى بلديتها، لأنه أيّ عُطل في أيٍّ من محطات الضَّخّ وأيِّ عطل في نظام الصَّرف الصِّحّي، قد يُغرق جزءاً من صيدا بمياه آسنة وسخة. وبالتالي، فإن بلدية صيدا تقوم الآن بصيانةٍ تُعتبر من أفضل الصيانات لنظام الصَّرف الصِّحّي في لبنان، وهي نظام مياه الشتاء، لذلك فإننا لا نشهد أن شوارع صيدا تُغرق بالمياه في الشتاء، على الرُّغم من كثافة الأمطار. لكن هذه الصِّيانة تكلِّف بلدية صيدا مئات الملايين من الليرات اللبنانية سنوياً، وسوف تتضاعف الكلفة على الأقل بين خمسة (5) إلى عشرة (10) أضعاف، وذلك لمنع غرق المدينة بالمياه الآسنة المبتذلة، لأن حدوث عطل في محطّة واحدة من المحطّاط آنفة الذكر، قد يؤدّي إلى وجود الملايين من الأمتار المكعبة من المياه المبتذلة الوسخة التي تُضخّ على المدينة بشأن الجاذبيَّة أو بفعل المحطّاط الموجودة فيها. وهذا يعني أن الصِّيانة لم تكن ملحوظة.
وللأسف، فإنها أُعطيت (الصيانة) لمصلحة مياه لبنان. ونحن نعلم أن مصلحة مياه لبنان ـ مع احترامنا لهذه المصلحة التي نأمل أن تتطوَّر ـ هي غير قادرة حتى على صيانة مياهها، فكيف بها القيام بصيانة شبكة محطّاط الصَّرف الصِّحي في مدينة صيدا؟… وهذا يعني، بكلام آخر، عندما تغرق المدينة بالمياه الآسنة، فإن ذلك سيكون من مسؤولية البلدية، لأن البلدية هي التي تمثِّل أبناء المدينة وليست مصلحة مياه الجنوب أو لبنان. والمواطن يعلم أنه لا يستطيع أن يتصل إلاّ مع البلدية وهو الطريق الأسلم للتواصل مع البلدية، لأنها هي الإدارة المحليَّة المنتخبة في المدينة.
وعليه، فإننا الآن نعمل على أن يكون هناك تعويض جدّيّ وحقيقي لمدينة صيدا ولبلديتها، سواء الحالية أو المستقبليَّة، وذلك عن طريق مضاعفة قدراتها المالية لكي تتحمَّل الأعباء الناجمة عن صيانة البِنية التحتيَّة البيئيَّة التي تقوم بها مدينة صيدا بالنيابة عن نصف مليون مواطن دون أن يلحظ أحد أيَّ شكر لهذه المدينة أو أن يلحظ أحد أيَّ دعم حقيقي مالي لإمكانات بلدية صيدا التي يناقص دخلها من الصندوق البلدي المستقل بما لا يقل عن أكثر من 35% بالمقارنة مع السنوات الماضية.
إن المشكلة التي نعانيها الآن هي أن هناك بعض الأماكن التي انتهى فيها نظام الصَّرف الصِّحّي ولم يتمّ بعد وصلها بمحطّة المركز الرئيسي، ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا بعد تشغيل المحطّة. وبما أننا لم نُشغِّل بعد المحطّة الرئيسية، فلا نستطيع أن نقوم بعملية الوصل هذه . لذلك، فإننا نحن الآن نعاني بعض المشاكل التي لم تكن موجودة أساساً في مدينة صيدا، ولا سيما من ناحية العلاقة بين المدينة القديمة والجهة البحرية منها، لأن المدينة القديمة من الجهة البحرية أقل انخفاضاً من مستوى ارتفاع المجارير الكبرى للصَّرف الصِّحّي ـ أي المجرور أو "الريغار" أو الأنبوب الرئيسي. لذا، فإن تدفُّق مياه الأمطار يؤدّي إلى عودة هذه المياه ونقلها…. المشكلة هي أننا نحن نقوم بصيانة متكرِّرة، ولكنها لا يمكن أن تُحل إلاّ بعد تشغيل المحطة الرئيسية. حتى الآن لا يمكن تحديد الموعد النهائي ونحن نتابع هذا الموضوع مع مجلس الإنماء والإعمار وهو المنفِّذ الأساسي في هذه الحالة.
س: … هذه المعلومات التي تطرحها وتتحدَّث عنها بهذا التفصيل، إنما تحتاج إلى مناقشتها في ندوات ومحاضرات متعدِّدة ومتخصّصة حتى يكون الرأي العام الصيداوي بصورة عامة والاختصاصيون على وجه الخصوص على معرفة بما يجري في هذا الشأن في مدينتهم. وما كانت قد نشرته الصحف وأشارت إليه بات في هذه الحالة المستجدة معلومات قديمة تجاوزتها تطوّرات المشروع وتعقيداته وما طرأ عليه من أمور جديدة… وكخاتمة لهذا الحديث، ما هو تقديرك للخروج بحلِّ لهذه المعضلة الشائكة في المدى المنظور؟!…
ج: … إننا نأمل أن يكون باستطاعتنا أن نتوصّل إلى حلول لهذه المشاكل على الأقل خلال سنة من الآن…
س: … يعني، ستبقى جميع المجارير تصبّ في البحر…
ج: … (مقاطعاً)… بانتظـار إيصال الوصلة وتشغيـل محطّة المركز الرئيسي. ونأمل أن نتمكن من تشغيل المحطّة خلال عام 2007…
س: … لننتقل الآن إلى طرح ومناقشة قضية أخرى لا تقلُّ أهميَّة وإلحاحاً عن المشكلة التي أتيْنا على ذكرها فيما سبق، وهي: مشروع بناء معمل معالجـة النِّفايات الصَّلبة في صيدا، الذي يُقام فـي سينيق على مساحة 38 ألف م2، أي 3.8 هكتار، أي ما يزيد قليلاً عن ثمانية وثلاثين (38) دونماً، تقوم الشركة العامة للبناء والمقاولات (جينيكو) بردم البحر واستصلاح الأرض. ما هو مضمون هذه الإتّفاقيَّة التي تمَّت بين بلدية صيدا وشركة I.B.C. ومديرها المهندس حمزة المغربي؟. وما هي شروط هذه الاتِّفاقيَّة ونظامها الأساسي وعناصرها ومدة التَّنفيذ؟… والمساحة المردومة، لمن تعود: لبلدية صيدا كأملاك عامة أم للشركة صاحبة المشروع؟!… وما هي الصعوبات التي واجهت هذا المشروع، هل هي إدارية، مالية، سياسية، إلخ…؟!…
ج: … إنني أشكر لك طرح هذا السؤال، لأنه يأتي مباشرة في إطار معالجة مشكلة محطّة تكرير مياه الصَّرف الصِّحّي في صيدا…. وكما تعلمون، فإن مدينة صيدا تعاني غياب أيّ مساحة لقيام مطْمَر صحّي فيها، وغياب أيّ سياسة وطنية على مستوى المخطَّط التوجيهي للتخلص من النِّفايات الصَّلبة على صعيد لبنان ككل، فإن على كل بلدية واتحاد البلديات أن يتحملوا مسؤولياتهم فرادى أو جماعة. ومشكلة صيدا هي أنها المدينة الأكثر كثافة في محيطها، وبلديتها من هذه الناحية عليها أن تتحمَّل لوحدها مسؤوليتها. وبالتالي، فإن مشكلة مدينة صيدا تكمن في أن أهلها قاموا بالتمدُّد إلى بلديات أخرى أقل كثافة سكانية. فأضحت المدينة ليس فقط مسؤولة معنوياً عن نفسها، وإنما أيضاً مسؤولة عن محيطها.
وفي غياب أيّ مساحة لوجود مطمر صحّي، كان لا بدَّ من إيجاد طريقة حديثة لا تستهلك مساحات كبيرة ولا تؤدّي بالتالي إلى مزيد من التلوُّث البيئي. من هنا، جاء اقتراح وهو البحث عن أسلوب معالجة حديثة وهو التَّخمير اللاّهوائي. وهذا التَّخمير اللاّهوائي، ما زال هناك الكثير من البحث حوله، بسبب أنه جيِّد في بعض مناطق العالم وتحديداً في الدول المتطوِّرة كألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية. ونحن في صيدا نفخر بأن يكون لدينا مشروع لإقامة ربما أحدث أسلوب لمعالجة النِّفايات الصَّلبة وهو التحليل اللاّهوائي بتقنيَّة متطوِّرة، عالية جداً، تقنيَّة ألمانية، هذه التِّقنيـة التي تصلح أيضاً لتكون قريبـة من الأماكن السكنيَّـة، نظراً لسلامتها البيئيَّة إلى حدٍّ كبير.
إذن، تكمن المشكلة الأساسية في أنه لا توجد في صيدا مساحة لإقامة مثل هذا المشروع. فكان لا بدّ من السَّماح بردم البحر بمساحة ثمانية وثلاثين (38) دونماً أي 3.8 هكتار لعقار المشروع وحوالي 15 أو 16 دونماً أي حوالي 1.5 أو 1.6 هكتار، لما يُسمى حماية بحرية. فنتج لدينا عقارٌ بحريُّ ما يقارب الأربعة وخمسين (54) دونماً، أي حوالي 5.4 هكتار، وذلك مع مساحة الحماية البحرية. ونحن الآن في صدد تسجيل هذا العقار لكي يُعطى مشروع معالجة النِّفايات رقماً عقارياً. ولكن هذا التسجيل العقاري مشروط من أجل قيام إنشاءات عليه وتقييد الإنشاءات المقامة عليه، لأنه لا يمكن لك أن تُرخِّص إنشاءات على عقار غير موجود.
لذلك، فقد حصل اتِّفاق مبدئي بين بلدية صيدا وشركة I.B.C. وممثلها حمزة المغربي لإقامة مثل هذا المعمل. وجرى اتّفاق أيضاً للرَّدم بين وزارة الأشغال العامة وشركة I.B.C.، وذلك لصالح بلدية صيدا لإقامة مثل هذا العقار الذي قامت شركة (جينيكو) بردمه مقابل كلفة معيَّنة. ولقد بدأت فعلاً الإنشاءات على هذا العقار وبدأت أيضاً تصل اللآلات التي سوف تُستعمل في هذا المشروع. وتدخَّلت بلدية صيدا لصالح الشركة المتعهِّدة من أجل تمرير هذه الآليات دون رسوم جمركية، لأنها تُستخدم للمصلحة العامة… وهناك اتِّفاق مبدئيّ موقَّع بين بلدية صيدا وبين المهندس حمزة المغربي ممثلاً مجلس إدارة شركة I.B.C. على أن يبدأ الاستلام للنَّفايات الصَّلبة بتاريخ 1/ تموز/ 2007، أي بعد نحو ستة أشهر من الآن (؟؟؟)… وبالتالي، فيكون قد تأخر بعض الوقت عن موعده السابق، ولكن هذا التأخير مقبول، إذا نظرنا إلى الظروف التي مرَّت بها البلاد والشركة ذاتها…
أما الآن، فلا توجد أيّ عقبة أساسية في هذه المرحلة. إن العقبة التي سوف تنشأ هي نتيجة العقبات المستقبليَّة. لماذا؟.. لأن الدولة اللبنانية وبعد طول سُبات، قرَّرت أن تستيقظ وتهتمّ بالشأن البيئي. وفجأة، ظهر مخطّط توجيهي عام، وكأنه قد كان يُراد به عدم لحظ معمل مدينة صيدا من ضمنه. ولربما كانت صيدا ستُترك لإنشاء معمل خاص بها دون أن تعلم ماذا ستفعل به. وبالتالي، سوف تكون النتيجة كارثة بيئية على المدينة من ناحية، وهناك كارثة مالية على مَن قام بهذا المشروع من ناحية أخرى. ولذلك، فقـد جرى التَّدخل من قِبَل مجلس الإنماء والإعمار للَحْظ معمل معالجة النِّفايات في صيدا داخل في ما يُسمّى "المخطَّط التوجيهي". ونحن نأمل أن تكون كلّ ظروف اللَّحظ قد تمَّ تجاوزها.
ولقد كان لنا هنا لقاء مع السيد نبيل الجسر الرئيس الجديد لمجلس الإنماء والإعمار، الذي تفهَّم مشكوراً ظروف المعمل. وإننا نعتقد أن معمل معالجة النَّفايات سيبدأ قريباً باستقبال هذه المواد. ولن تكون بطبيعة الحال المرحلة الأولى مرحلة سهلة، لأنها بحاجة أيضاً إلى ما يُسمّى: إعادة تقييم أسلوبنا بجمع النِّفايات وإعادة تقييم أسلوبنا أيضاً بكيفيَّة التخلُّص من النِّفايات. ذلك أن المعمل لن يعمل بالطاقات الأولى في الفترات الأولى…
س: … في تصريح لمتعهد معمل النِّفايات لنا أن المعمل سيستقبل النِّفايات في أوائل تموز المقبل (أي عام 2007).
ج: … لنأمل أن يكون هذا التاريخ هو التاريخ الحقيقي والصحيح. لنأمل ذلك. ولكن نحن نعلم أن أيَّ شىء جديد، عليك أن تبدأ بما يُسمى: "الدوران التجريبي"، أي أن تقوم بـ "عمليَّة التجريب"، بمعنى أن تأخذ كميّات معيَّنة كعيِّنة وتدرسها وترى ما هو الناتج النهائي وغير ذلك من الأمور التجريبيَّة المعروفة علمياً. ولكن المهمّ في الأمر هو أننا على الطريق الصحيح، وأننا تجاوزنا مرحلة صعبة جداً ومعقِّدة، وإن ما يهمّ المواطن الصيداوي والمواطن في المناطق المحيطة بمدينة صيدا هو أننا قد نصل من الآن حتى نهاية السنة الحالية (2007) إلى طاقة استعابيَّة لهذا المعمل للنِّفايات قد تحلّ جزءاً كبيراً من مشكلة النِّفايات في هذه المنطقة.
أما مساحة الأرض العائدة من ردم الشاطىء البحري، فإن ملكيَّتها تعود إلى شركة I.B.C. طالما معمل النِّفايات يعمل لصالح بلدية صيدا ولغيرها من البلديات في المنطقة المحيطة. وهذا يعني أنه لا يمكن تغيير وجهة استخدام هذه الأرض المردومة. فالأرض وبعد أن تُلحق وتُصبح جزءاً من المعمل نفسه، ما دامت هي تُستخدم لمعالجة النِّفايات بالطريقة المتَّفق والمنصوص عليها في الإتّفاقيّة، وذلك إلى أبد الآبدين. وبالتالي، لا يمكن الدخول على مِلكية الأرض خارج إطار استخدامها لمعالجة النِّفايات. وهذا، كما نرى، هو نوع من الاتِّفـاق المعقَّد بعض الشىء، ولكنـه في ذلك الوقت قد بدا منطقياً…
س: … هنا، يبدو للمواطن أن ثمة مخالفة من الناحية القانونية الصِّرف، ذلك أن الأرض المردومة ـ وهذا ما يؤكده في كتابنا: مشاريع صيدا العمرانية، الاقتصادي اللبناني المعروف الدكتور إيلي يشوعي ـ إنما تعود مِلكيتها للدولة ضمن الأملاك العامة ـ هنا لبلدية صيدا ـ
ج: … لا، لا تعود مِلكية الأرض المردومة للشركة المعنيَّة، في الوقت الذي تتوقَّف فيه عن استخدام هذه الأرض لما هو منصوص عليه في الاتِّفاقية. هذا من جهة ومن جهة أخرى، يجب أن لا ننسى أن الشركة تتعهد في الاتِّفاقية المعقودة مع بلدية صيدا أن تقوم مجاناً ولمدة عشرين سنة بمعالجة نفايات مدينة صيدا والبلديات الأخرى… وبعد عشرين سنة، تكون بلدية صيدا قد استوفت ثمن الأرض المردومة…
س: … وبعد العشرين سنة؟!… تنصّ الاتِّفاقية التي أُبرمت مع بلدية صيدا، أن معمل معالجة النِّفايات يقوم لمدة عشرين سنة دون أيّ أعباء ودون تكلفة بلدية صيدا أيّ شىء. ولكن السؤال الذي يطرحه ـ وأنا سمعته بنفسي ـ كثيرٌ من الاختصاصيين في هذا الشأن: وبعد مضيّ العشرين سنة، هل ملحوظ كيف ستكون العلاقة بين الشركة وبلدية صيدا؟!..
ج: … هذا الموضوع غير واضح في العقد ولم يؤت على ذكره… ولكن، يمكننا أن نتصوَّر أن من الآن وحتى عشرين سنة، يجب أن تكون معالجة النِّفايات المنزلية الصَّلبة هي من مسؤولية السلطة السياسية المركزية ولن تعود حصراً من مسؤولية البلدية. ويبدو أن المخطّط التَّوجيهي الجديد في صدد الآن أن يلحظ استدراج عروض لمعالجة النِّفايات في لبنان. ونحن في بلدية صيدا، نحاول في الوقت الحاضر أن نعيد النّظر والتفكير في "حساباتنا"، ونقول ما هي الفائدة من إنشاء معمل معالجة النِّفايات في مدينة صيدا والحصول على هذه المعالجة مجاناً، طالما أن الدولة في المستقبل ستتحمَّل الكلفة عن كل البلديات دون استثناء.
س: … يذكر لنا المتعهد أنه سيستقبل بعد الانتهاء كلياً من التجهيزات والمباشرة في العمل أربعماية وخمسين (450) طناً يومياً، ولا يقتصر على نفايات مدينة صيدا والقرى والبلدات المحيطة بها، بل سيمتدّ ذلك إلى المناطق الجنوبية الأخرى.وهذا يعني أن مدينة صيدا سوف تتحمَّل أيضاً عبء المنطقة كلها. بالإضافة إلى ذلك، لا يجوز أن نتصوَّر أن شركة I.B.C. هي جمعية خيرية ولا جمعية بيئيّة تسعى وتعمل من أجل المحافظة على البيئة.
ج: … ولكن، ما أريد أن أقوله في هذا السياق وأكرِّر ما كنت قد قلته في حديثنا عن محطّة تكرير مياه الصَّرف الصِّحّي: لماذا مدينة صيدا؟!… إننا في صيدا مستقبلاً سوف ننتج أكثر من مائتي (200) طن من النِّفايات في اليوم الواحد. صحيح أن معمل معالجة النِّفايات سوف يستوعب هذه الكميَّة، ولكنني أنا هنا أسأل: دخول الشاحنات المحمَّلة بالنِّفايات إلى المعمل وخروجها منه، وهي تقدَّر بمائتي (200) شاحنة يومياً، مَن الذي سيتحمّل كلفة صيانة الطرقات التي سوف تمرّ عليها؟ ومَن الذي سيتحمَّل كلفة الأثر البيئي في المنطقة؟ ومَن الذي سيتحمَّل زحمة السير الخانقة التي ستنتج من جرّاء ذلك؟!..
إننا نطرح كل هذه الأشياء والمسائل الأخرى غير المنظورة الآن، حتى نقول: إن بلدية صيدا بحاجة إلى الدعم والمساعدة، وذلك خارج إطار الصندوق البلدي المستقل العادي، حتى تتمكّن بلدية صيدا من إنشاء طرقات مستحدثة لخدمة المعمل ولتتمكّن من صيانة الطرقات الحالية لكي تتحمَّل ضغط الشاحنات المحمَّلة بالنِّفايات التي ستزداد أكثر فأكثر مع الأيام….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1) لقد أجرينا ثلاث مقابلات متتالية، بفارق زمني بين الواحدة والأخرى، مع الدكتور عبد الرحمن البزري رئيس بلدية صيدا. وهنا نصّ الحديث الذي جرى في المقابلة الأولى مساء يوم الإثنين الواقع فيه 8 كانون الثاني (يناير) 2007، حول موضوع "البلدية والمشاريع العمرانيَّة والبيئيَّة والتُّراثيَّة، الواقع و