المشاريع البيئيَّة والصحيَّة في مدينة صيدا(1)- د. مصطفى دندشلي
المشاريع البيئيَّة والصحيَّة في مدينة صيدا(1)
* * *
جرى الحديث في هذه المقابلة الثالثة والأخيرة حول أربع قضايا أساسية أو مشاريع تحديداً، وهي قيد التنفيذ في مدينة صيدا: 1 ـ مشروع إزالة مكبّ النِّفايات. 2 ـ معمل فرز ومعالجة النِّفايات الصلبة. 3 ـ محطّة تكرير مياه الصَّرف الصِّحّي. 4 ـ مسار الإرث الثقافي المعماري والتنمية المدينيَّة.
حول الموضوع الأول، قال الدكتور عبد الرحمن البزري:
بداية، في ما يتعلق بمشروع إزالة مكب النِّفايات، فإن الهِبة المالية التي قدّمها الأمير الوليد بن طلال، وقدرها خمسة ملايين (5.000.000) دولار أميركي، ما زالت قائمة وموجودة. ومؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية أكدت مراراً وتكراراً التزامها المالي بهذا الموضوع. ولكن الصعوبة الكبرى والمستعصية على الحل، ما زالت هي في تنفيذ الأعمال، ذلك أنه لا أحداً من المنطقة المجاورة يريد أن يستقبل الأتربة المعالَجَة من مدينة صيدا. لذا، فإن عدم استقبال الأتربة المعالَجَة من مدينة صيدا هي العقبة الكأداء الأولى والأساس، وحتى في المطامر الصحية التي خصَّصتها وزارة البيئة بعد الموافقة عليها، رغم العروض المغرية التي قُدِّمت إلى بعض البلديات في الجوار، فقد تمَّ رفضها جميعاً لأسباب عديدة منها: الجهل بالموضوع، وأيضاً عدم المعرفة بآلية المعالَجة، على الرُّغم من شرحها وتوضيحها لهذه البلديات. ولكن، في اعتقادي، أن السبب الرئيسي هو المحاربة الضمنيَّة والمعارضة السياسية لهذا المشروع من قِبَل قوى ذات نفوذ في السلطة وداخل الحكومة اللبنانية، لأنني أعتقد أن مكبّ النِّفايات يمثِّل رمزاً سياسياً أكثر منه رمزاً بيئياً.
وفي كل الأحوال، فإن بلدية صيدا مصرَّة على الاستمرار لإيجاد الصيغة المناسبة للحلِّ. لقد استنفَدنا العديد من الحلـول، ولكن لم نستنفِد بعـد حتى الآن جميع الحلول لهذه المشكلة. وهناك الآن مشروع قيد الدرس وخيار آخر وهو بناء جدار عازل وكاسِر للأمواج في البحر ومعالَجة النِّفايات وطمر الأتربة المعالَجَة الجيِّدة ـ أي بعد معالَجتها ـ داخل هذه المنطقة العازلة، أي ردم هذا الحوض، أو هذه المنطقة من البحر التي يمكن استثمارها في المستقبل، سياحياً أو تجارياً.
هذا المشروع بحاجة إلى دراسات معمّقة وإلى بعض المراسيم. ونحن الآن، في صدد البحث مع مجلس الإنماء والإعمار تصوراً أوَّلياً، وكذلك دراسة المشروع مع بعض الشركات. وسوف تقوم البلدية في الأسابيع المقبلة بعد إتمام الدراسة بصيغتها النهائية، بالإعلان عنها و"حشر" السلطة السياسية على المستويات كافة، من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء، للموافقة على هذا المشروع، ولكي تغدو الكرة في ملعبها، فلا تعود هذه الكرة مرة أخرى في ملعب مدينة صيدا وبلديَّتها.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فقد سُمِّيَ هذا المكبّ للنِّفايات خطأ مكباً لمدينة صيدا، إنما هو مكبّ في الحقيقة مسؤول عنه كل لبنان، ومسؤول عنه مناطق واسعة محيطة بصيدا من كل الجهات، في حين أن مَن يعاني منه أكثر مَن يعاني هو مدينة صيدا وسكانها. فعلى هذا الأساس، فقد قبلنا التحدّي. ولكن علينا منذ الآن أن نُحمِّل الآخرين مسؤولية التأخير. وبالتالي، بعد أن استنفَدنا العديد من الحلول، نحن الآن في صدد اتخاذ هذا الإجراء، مع التأكيد أن مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية، خلال لقاء عُقد بيني وبين المسؤولين عن هذه المؤسسة، بحضور النائب الدكتور أسامة سعد، قد أعلنوا الموافقة المبدئية على أن الأموال ما زالت مرصودة وأن بالإمكان حتى زيادتها، وزيادة حجم التدخل المالي لهذه المؤسسة في حال وَجَدت أن الأعمال تسير بشكل جيِّد وقانوني ولا تضرُّ بالبيئة الطبيعية.
س: … بالعودة إلى حجم الحوض والجدار العازل ومساحته، المزمع دراسته وذلك من أجل طمر الأتربة المعالَجَة المستخرجة من مكبِّ النِّفايات، ما هو التصوّر العام لهذا المشروع؟!…
ج: … إن هذا المشروع بحاجة إلى دراسة مستفيضة. وإنما مبدئياً، سوف تتم أعمال الردم ـ في التصوُّر الأوُلي وليس النهائي ـ داخل البحر بعمق أربعة أمتار ونصف المتر. وهنا يمكننا أن نستفيد من عمليات الرَّدم التي جرت في السابق من أجل إقامة معمل معالجة فرز النفايات الصلبة في سينيق ـ والذي سوف يأتي الحديث عنه فيما يلي ـ … هذا، وفي ما يتعلق بمشروع الردم المنوي القيام به، فقد أظهر بعض الدراسات أن عمق أربعة أمتار ونصف المتر داخل البحر هي كافية وغير مكلفة لمدينة صيدا، بمعنى أننا قد نردم مسافة داخل البحر تقدَّر بحوالي مائتي (200) متر. ولكن هذه ما زالت تصوُّرات مبدئية، فهي بحاجة إلى تصوِّر ودراسة نهائية.
أما كلفة هذا المشروع ـ مشروع ردم البحر بمحاذاة مكبّ النِّفايات من الجهة الغربية ـ فإنها تتراوح ما بين الخمسة ملايين ونصف المليون (5.500.000) وستة ملايين ونصف المليون (6.500.000) دولار أميركي، وذلك بحسب أعماق البحر ونوعية الرَّدم وطبيعة الأشغال التي سوف تقوم وتُنفَّذ. كذلك، هذا الجانب لا يمكن أن يكون إلاّ تصوُّراً مبدئياً وأوَّلياً. والدراسة، فسوف تقوم بها بلدية صيدا على نفقتها بطبيعة الحال، وذلك عن طريق تأمين تغطية هذه الكلفة من مؤسسة الوليد بن طلال، لأنها هي تكفَّلت وما زالت بإزالة مكبّ النِّفايات، وتعهَّدت إذا زادت كلفة هذا المشروع، فهي مستعدَّة أن تتحملها كاملة…
وعلى كل حال، عندما تُباشَر الأعمال وتظهر أنها تسير بشكل جيِّد، لا أعتقد أن موضوع التمويل سوف يصبح عقبة. لأن الأزْمة الحقيقية الآن هي البَدْء بالأعمال.
س: … إننا نعلم أن المتعهِّد الذي قام بالأعمال في السابق هو شركة الجنوب للإعمار وصاحبها المهندس رياض الأسعد، وكما نعلم ولأسباب عديدة لا مجال للدخول فيها، كان قد فُسخ عقد التلزيم مع هذه الشركة، فمن هو أو مَن سيكون المتعهِّد الجديد لهذا المشروع؟!.. فهل هناك تصوُّر ما في هذا الموضوع…
ج: … في الحقيقة، ليس هناك حالياً من تصوُّر مَن هو سيكون المتعهِّد الجديد لهذا المشروع. وإنني أعتقد أن هذه الأعمال وطبيعة الأشغال تتطلب متعهِّداً جديراً وقادراً على القيام بعمليات التَّنفيذ على خير وجه وبالسرعة الضرورية واللاّزمة وبشكل جِديّ. وإننا سنستعين باستشارة وتصنيف ومساعدة مجلس الإنماء والإعمار في هذا الشأن، وهو قد ساعدنا في وضع التصوُّر الأوّلي منذ البداية.
س: … وما هو تصوّركم لإيجاد حل لمشكلة النِّفايات الحالية، أو الحلول المناسبة، ريثما يبتدئ ويباشِر معمل معالجة النِّفايات الصلبة عمله؟!…
ج: … في الحقيقة، هناك مشكلة أساسية أو بالأحرى إحدى المشاكل الأساسية التي تؤخِّر بَدء العمل في تنفيذ إزالة مكبِّ النفِّايات، هي أن مدينة صيدا لا تملك مكاناً كي تتخلَّص من نفاياتها. وكما يعلم الجميع أن مدينة صيدا مكتظَّة بالسكان وأن مساحتها الإدارية ضيِّقة جداً، مما يجعل أن تقوم صيدا ومن ضمن إمكاناتها الذاتية، من أجل إيجاد مكان فيها للتخلُّص من النّفايات، فذلك من الصعوبة الكبرى. كل ذلك، مع العلم أن مدينة صيدا تتحمَّل مسؤولية نفايات " مخيّم عين الحلوة"، ومسؤولية نفايات " منطقة التعمير"، رغم أنها تقع في منطقة إدارية أخرى، وجزء من مسؤولية نفايات "حارة صيدا" وجزء من مسؤولية نفايات "الهلالية" وجزء من مسؤولية "عبرا" وجزء من مسؤولية "البرامية" ومنطقة "الشرحبيل" التي تقع في منطقة "بقسطا" الإدارية.
والسؤال المطروح: هل تستطيع مدينة صيدا أن تستمر على هذا الشكل؟… في رأيي، إن هذا الموضوع بحاجة إلى قرار جرئ قد تتخذه البلدية وهو أن تنفصل عن البلديات الأخرى، وأن تهتم بنفاياتها. ولكن، للأسف، فإن معظم هذه البلديات تعتبر أن هذه النِّفايات صيداوية، فهي لا تريدها…
[تعليق: هذه الحجَّة مردودة، على اعتبار أن سكان هذه المناطق يسكنون في عقارات تابعة إدارياً لهذه البلديات ويؤدون الرسوم والضرائب المتوجبة عليهم إليها…]….
وهذا، في الواقع، يخلق بعض الإشكالات الإدارية. والقول بأن هذه النِّفايات صيداوية، بمعنى أن مدينة صيدا هي التي يجب أن تتحمَّل مسؤوليتها، ذلك أن سكان هذه المناطق بأغلبيَّتهم هم من الصيداويين. وهذا يُظهر من ناحية أخرى وبوضوح تأخُّر نظام البلديات في لبنان في هذا المجال.
س: … هنا، نصل إلى طرح السؤال الثاني المتعلق بمعمل معالجة النِّفايات المنزلية الصلبة والواقع الحالي لهذا المشروع…
ج: … في هذا الموضوع، لا بدَّ من الإشارة إلى أن معمل معالجة النِّفايات المنزلية الصلبة، في شقٍّ منه يحمل جزءاً أو مفتاحاً لحل معالَجة مشكلة "مكبّ أو جبل النِّفايات". لأننا في هذه الحالة عند بَدء العمل في إزالة مكب النِّفايات، نحن بحاجة إلى التوقُّف عن استخدام الجبل لرمي النِّفايات فيه نهائياً وتحويلها إلى معمل معالجة النِّفايات الصلبة.
ولكن، في ما يتعلق بمعمل معالجة النِّفايات المنزلية الصلبة، هناك بعض الأمور غير واضحة تماماً حتى الآن وعدم مباشرة المعمل بالعمل.. في حين أن البناء والآلات والتحضيرات قد تقدمَّت بشكل جيد، وأن هناك ملايين الدولارات قد تمّ دفعها وصرفها. أقول إن هذا المعمل قد دُفع فيه ملايين الدولارات، ولكن يبدو أنه تأخر كثيراً عن المواعيد المحدَّدة له لبدء ومباشرة العمل فيه. وهذا ما وضعنا جميعاً أمام مشكلة رئيسة وهي: ماذا سنفعل تجاه هذا المعمل؟… هناك قوانين تسمح لنا بمعاقبة المسؤولين عن هذا المعمل أو مقاضاتهم. غير أن السؤال المطروح: هل نحن نريد مقاضاة المعمل (أو بالأخرى الشركة صاحبة هذا المشروع) أم نحن نريد تسريع إنجاز العمل؟!…
هنا، نقطة حسّاسة، نحن نريد تسريع إنجاز العمل والمباشرة فيه (ضمن الشروط والبنود والعَقْد الموقَّع بيننا). وبالتالي، نحن نعمل جاهدين، رغم تخلُّف شركة I.B.C. في كثير من مواعيدها، تسهيل الأمور وتسريع مباشرة العمل في المعمل. وسنعمل في الأيام القليلة المقبلة على عقد لقاء مع مسؤولين من مجلس إدارة شركة I.B.C. قادمين من المملكة العربية السعودية، لوضع جدول زمني نهائي ـ على الأقل مبدئي ـ لتاريخ بَدء العمل في المعمل، ولدينا بعض الأمل في أن يكون الجزء الأول من العمل في العام 2009.
س: … هنا أيضاً سؤال استفساري يطرحه الرأي العام الصيداوي حول الخلافات السابقة التي وقعت بين مدير شركة I.B.C. السابق وبلدية صيدا، لها علاقة ببعض الأمور الإدارية أو المالية أوالتنفيذية وبسبب عدم إيفائه بتعهداته ومواعيده والتي لا تزال عالقة حتى الآن، ما هي وكيف ستجدون الحلول لها؟!…
ج: … بداية، لا بد من التوضيح أن الخلاف بيننا لم يكن خلافاً شخصياً قطّ. وإنما المشكلة هي أن البلدية الحالية استلمت عقداً من البلدية السابقة يقول بوجوب بَدء الأعمال في معمل معالجة النِّفايات الصلبة في منتصف عام 2005. وتلقَّت البلدية الحالية إنذاراً من وزارة النقل والأشغال العامة من أجل إلغاء ترخيص المعمل (أي عمل شركة I.B.C.) لأنه تأخّر عن تنفيذ جدول مواعيده. فوجدت البلدية الحالية نفسها أمام وضع محرج: المعمل لم يبتدئ بالعمل، والأشغال (لإتمام التجهيزات) بطيئة. وبما أننا لم نكن نملك خيارات أخرى، وبما أن الحكومة اللبنانية لم تقدِّم لنا خيارات البتَّة من أجل معالجة مشكلة النِّفايات في مدينة صيدا، فكان لا بدّ في هذه الحالة من اللّجوء إلى محاولة تصفية الوضع مع شركة I.B.C. نفسها. ونحن من جهتنا حاولنا أن نساعد الشركة في مشاكلها التي وقعت فيها سواءٌ من الناحية المالية أو الإدارية أو في علاقاتها مع بعض المتعهدين. وطلبنا من الشركة ومن مديرها المسؤول السابق جدولاً جديداً لبَدء الأعمال. وللأسف، أقول، فقد تلقينا عدداً من الجداول الزمنية والبرامج، ولكن لم يتم التقيُّد بها. فكان لا بد إذن من حفظ حقوق مدينة صيدا، وذلك عن طريق المباشرة بإجراء بعض الأمور القضائية وإرسال خبير قضائي وغير ذلك، للتأكد من هذه الأعمال ومن أجل حفظ حقوق المدينة تحديداً.
ولكن، أعود وأقول بأن الخلاف ليس مع شركة I.B.C. أو مع مسؤولين في هذه الشركة حول متى تبدأ الأشغال في المعمل… وإنما المشكلة تكمن في أن هذه الشركة،I.B.C.، هل ستستطيع أن تباشر أعمالها كما هو منصوص في بنود الاتفاقية مع بلدية صيدا، أم لا؟!… هناك مؤشِّرات إيجابية عديدة، كما أن هنالك بعض المواضيع التي تثير قلقنا. ونحن نريد أن نكون أكثر إيضاحاً وتأكداً، قبل أن نتَّخذ الخطوة النهائية تجاه هذه الشركة. نحن نأمل أن تبدأ الأعمال، على الأقل إن لم تكن بالسرعة القصوى، ولكن بالسرعة المعقولة وذلك في بداية العام 2009.
س: … ننتقل الآن إلى الموضوع الثالث، إلى محطة تكرير مياه الصَّرف الصِّحّي…
ج: … أما في ما يخصُّ العمل في محطة تكرير مياه الصَّرف الصِّحّي، فقد قطع أشواطاً متقدمة جداً. إن المرحلة الثانية من المشروع والتي تمّ إنجازها في عهد البلدية الحالي، قد شارفت على الانتهاء. مما يعني أن سبعة أو ثمانية خطوط صرف صحي رئيسة سوف تصل إلى الخط الرئيسي الموجود على الكورنيش البحري. ومن هناك تُضخّ إلى مركز تكرير مياه الصرف الصحي وتصفيتها، لكي تضخّ فيما بعد في البحر مُصَفَّاة أو معالجة مبدئياً. المردود الإيجابي هو إنقاذ شاطئ صيدا من المياه المبتذلة وبالتالي من التلوُّث. وتقديرنا هو أنه خلال الأشهر القليلة المقبلة، سوف يكون كامل الأعمال منجزة. لقد بدأنا بوصل خطيْن رئيسَيْن: وهما خط سينيق وخط الغازية. ووصلنا المدينة القديمة مع الشبكة الرئيسة. فنحن نكون الآن قد أنجزنا وصل حوالي 30 أو 35% من الخطوط. وبقية الخطوط يمكن إنجازها خلال شهريْن. بقي خطٌّ وحيد وقد يأخذ بعض التأخير، وهو خطّ "شرحبيل". ولكننا من الناحية التقنية، فقد تجاوزنا هذا الوضع. وأعتقد أن خطَّ شرحبيل سوف يكون منفَّذاً خلال أشهر قليلة. كما أن كون الأعمال تجري في مدينة صيدا، فقد تمكنا كبلدية من توسيع شبكة الصّرف الصِّحّي في المدينة على نفقة المشروع، بحيث أُدخل حوالي أكثر من أربعة آلاف وخمسماية (4500) متر من المجارير. وتمّ وصل الكثير من المباني والمفاصل الرئيسة للشبكة الرئيسة على نفقة هذا المشروع. وإننا نلاحظ الآن أن لدينا نظام صرف صحّي جيد، مثلاً في منطقة "مكسر العبد" لم يكن موجوداً، فقد تمّ على نفقة المشروع. وسوف نقوم بإنشاء "عبّارة" (Calver) في منطقة "قيّاعة" على نفقة المشروع أيضاً. وإنني أعتقد أن هذا المشروع ـ مشروع الصَّرف الصحّي في صيدا ـ مشروع ناجح وقد قارب على النهاية. ونستطيع أن نبشِّر الصيداويين بذلك في الأشهر القليلة المقبلة، ولربما صيدا بالذات. ونحن لا نناقش هنا أهمية المشروع وإنما تطوُّرُه تطوّراً كبيراً نحو الأفضل، في حين أن المشاريع الأخرى كانت قد فشلت في صيدا.
س: … نأتي الآن إلى بحث النقطة الرابعة والأخيرة: مسار الإرث الثقافي والتنمية المدينيَّة…
ج: … بعد الاتفاق مع مجلس الإنماء والإعمار، نحن في صدد تلزيم المرحلة الجديدة من مشروع الإرث الثقافي والتنمية المدينيَّة، وستبلغ قيمة الأعمال مليون وثمانماية ألف (1.800000) دولار أميركي تقريباً وستشمل الواجهة البحرية لمدينة صيدا القديمة وشبكة الكهرباء فيها. ونحن الآن نتفاوض من أجل تلزيم أعمال ترميم بنايتيْن مهدَّدتيْن بالسقوط وهما بناية سلامة في حي الزويتيني وبناية جمعة في ساحة باب السراي. ونحن مع مجلس الإنماء والإعمار في صدد إعداد الخطَّة الضرورية اللاَّزمة للمباشرة بالأشغال. وقد ندعو الأهالي إلى إخلاء البنايتيْن، وبخاصة بناية سلامة في وقت قريب.
س: … هذا في ما يتعلق بالمشروع الجديد، أما مشروع الإرث الثقافي السابق، فهل انتهى إنجازه؟!…
ج: … مشروع مسار الإرث الثقافي في مدينة صيدا القديمة، فإن المرحلة الأولى التي هي بدورها على مرحلتيْن: أ و ب… مرحلة "(ب)" قد انتهت تقريباً بشكل نهائيّ. وهي تشمل: منطقة حمّام الجديد، سوق البازركان ومتفرِّعاتهما، ومرحلة (أ) تشمل منطقة باب السراي وجزءاً من مرحلة (أ). وقد تمَّ تصفية الحسابات مع المتعهَّد السابق. أما بعض الأشغال التي لم نوافق عليها أو التي لم تُنجز أو هي بحاجة إلى تغيير، قمنا بحسم قيمتها من حسابه وتحويل هذه القيمة إلى الالتزام الجديد الذي أشرت إليه أعلاه والذي سوف يشمل الواجهة البحرية لمدينة صيدا القديمة ويشمل أيضاً ترميم جزء من المرحلة (أ) من المرحلة الأولى. مثلاً، هناك في ساحة باب السراي محوِّل للكهرباء بحاجة إلى نقله إلى مكان آخر، وتمرير أشرطة الكهرباء والكابلات جميعها من تحت الأرض، وكل التمديدات جاهزة: الانترنت، الساتيلايت، التلفونات، شبكة المياه، كل هذه التمديدات أصبحت حديثة وأُنجزت بواسطة البلدية ومع المراجع المختصة. بقيت تمديدات كابلات الكهرباء لأننا نحن بحاجة إلى التمديد تحت الأرض، لأنه سيتم كل ذلك مع الأعمال التي سوف تجري في واجهة صيدا البحرية.
لأن تمديد الكهرباء تحت الأرض يكلف لوحده حوالي ثمانماية ألف (800.000) دولار أميركي. وهكذا تصبح ساحة باب السراي أكثر اتساعاً، وسوف يقام هناك مسرح صغير للأنشطة العامة في هذه الساحة في وسط المدينة القديمة. والتغطية المالية متوافرة عن طريق البنك الدولي. وهنالك الهيئة الإيطالية الدولية التي تعهدت بدفع مليونيْن ومائة ألف (2.100.000) دولار أميركي تقريباً مقسَّميْن لإنجاز مشروعَيْن: مشروع تبلغ قيمته مليون ومائة ألف (1.100.000) دولار أميركي أو أكثر بقليل لتأهيل "قشلة" صيدا التاريخية والأثرية وحوالي مليون (1.000.000) دولار أميركي تقريباً أو (980.000) دولار لتأهيل القلعة البريّة.
ولكن المباشرة بهذه المشاريع لن يبدأ قبل نهاية العام 2009. لأن المعاملات الرسمية والقانونية تتطلب بعض الوقت، إنما المهم أن الأموال قد رُصدت والقرارات اتخذت. ولدينا أيضاً في هذا المجال الوعود من مؤسسات خاصة للدعم: لقد سمعنا، على سبيل المثال، من قِبَل مجلس الإنماء والإعمار أن النائب سعد الدين الحريري يريد أن يتبرع أيضاً للقيام بمشاريع من هذا النوع. ونحن من جهتنا نرحِّب. وهناك مؤسسة محمد زيدان للإنماء قد أنجزت مشروعها الأول وهو ترميم سوق النجارين. ومشروعها الثاني، ونحن في البلدية قد أنجزنا الدراسة ووافقنا عليها وحصلنا على الموافقة والتراخيص الرسمية الأخرى من مديرية الآثار وأعتقد أن مرحلة التلزيم سوف تبدأ قريباً والأشغال تبدأ خلال أشهر في المرحلة الثانية وهي تشمل سوق الخضار القديم. سوق الكندرجية وصعوداً حتى نهاية سوق الحيّاكين…
وهناك كذلك من خلال "مؤسسة صرّاف"، وصديقنا جاك صرّاف بالذات الذي كان رئيس جمعية الصناعيين، فقد تمَّت الموافقة على ترميم كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس داخل صيدا القديمة، ومباشرة الأشغال في تنفيذ عمليات التأهيل والتَّرميم. وقد قمت بزيارة المكان برفقة السفير اليوناني في لبنان والسيد جاك صرّاف وزرنا جميعاً سيادة المطران إلياس كفوري. وتمّ التعهُّد بتأهيل هذه الكنيسة التاريخية بشكل جيد ودفع الأموال لبدء الأعمال فيها.
كما أننا الآن في صيدد القيام مع مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية ومطرانية الروم الكاثوليك بتأهيل أيضاً المطرانية الكائنة في شارع "الشاكرية". وقد جرى حديث أوليّ في هذا الموضوع. يضاف إلى ذلك بعض المشاريع الخاصة التي يقوم بها مواطنون الذين اشتروا مبانٍ قديمة وعملوا على ترميمها وتأهيلها من جديد. ولربما يكون أهم ترميم مبنى خاص والقيام بأشغال جيدة وجميلة وبشكل محترِف هو ترميم مبنى الزعتري الذي يقوم به الدكتور غازي الزعتري. وهو مبنى مقابل الزاوية الرفاعية. في ضهر المير،… هناك حركة ترميم لأبنية خاصة وكثيرون من الناس ينشطون في هذا الاتجاه، ومقاهٍ تقوم بعملية ترميم موقعها… وفي المرحلة الجديدة، بطبيعة الحال، سوف تشمل ترميم مقهى "الزجاج" (الإزاز) وإعادة بناء سقفه وتأهيل جدرانه، إلخ… وتأهيل واجهة مقهى باب السراي. كل ذلك وغيره يدخل في المرحلة الجديدة.
خلال هذه الأعمال، نفَّذت بلدية صيدا حوالي خمسة وعشرين (25) مشروعاً صغيراً تبلغ كلفة كل مشروع بين الخمسة (5) والعشرة (10) ملايين ليرة لبنانية، وهي عبارة عن ترميمات داخل الأحياء القديمة غير داخلة أو مشمولة في مشروع مسار الإرث الثقافي. يعني، على سبيل المثال، بالقرب من منطقة حمام الجديد، أحد متفرِّعات هذا الشارع غير مشمول بالمشروع الإرث الثقافي. البلدية تقوم بترميم بعض السِّباطات المهدَّدة بالانهيار وهي أيضاً غير مشمولة بالمشروع الإرث الثقافي، وكذلك بعض المنازل القديمة التي إذا انهارت تؤثِّر على الصحة العامة في المدينة…. والزراعة أو غرس الأشجار التي كانت مدرجة في هذا المشروع في ساحة باب السراي، لم تكن العملية ممكنة آنذاك، نتيجة تصرّف الأهالي غير الواعي في هذه المنطقة، ولكن، سوف تقوم البلدية بإعادة زرعها على نفقتها مرة أخرى… [هذه هي ملاحظة البعض أنه قد كان في السابق بعض الأشجار وبركة صغيرة ونافورة مياه في وسط ساحة باب السراي… فينبغي إعادتها…]. سوف نعمل على إعادة زرع هذه الأشجار وبخاصة شجرة الزنزلخت وشجر البوصفير وغيرها وسنعمل على حمايتها من أيدي الأطفال العابثة.
س: … أخيراً وليس آخراً، أين أصبح مشروع الحديثة العامة في مدينة صيدا، الذي طال الحديث عنه وكثر اللَّغط حوله؟…
ج: … لدينا الآن، على طاولة البحث والدراسة، مجموعة مشاريع لإقامة حدائق عامة في مدينة صيدا، إما هي موجودة وإما هي بحاجة إلى ترميم. نحن أعدنا إنشاء حديقة الزويتيني التي كانت مهملة ومتروكة، وهي عبارة عن "كموات" أو تركم من الأتربة. فأعدنا زرعها وترميمها وتأهيلها من جديد. وكذلك الحديقة في مدخل مخيم عين الحلوة، أعيد أيضاً تأهيلها. ولكن المشروع الأكبر والأهم إنما هو إقامة الحديقة العامة الموجودة (أو بالأحرى الملحوظة) في منطقة الوسطاني. ومساحتها الإجمالية حوالي 23.000 متر مربع، أي ما يعادل 23 دونماً. نحن حالياً وخلال فترة وجيزة جداً، في صدد الإعلان عن بَدء الأعمال فيها.
س: … لصالح مَن؟…
ج: … كل الأعمال التي تُقام في مدينة صيدا، هي لصالح بلدية صيدا. هناك، بطبيعة الحال، تمويل من طرف آخر. ولكن، هذا التمويل غير مشروط بأيِّ شرط، إلاّ بإقامة هذه الحديقة العامة في صيدا.
س: … مفهوم، ولكن السؤال المطروح، أو الرأي العام الصيداوي الذي يطرح هذا السؤال: هل هناك مؤسسة خاصة هي التي سوف تقوم بإنشاء هذه الحديقة العامة، عن طريق البلدية طبعاً، ضمن عقد أو اتفاق موقّع معها؟…
ج: … نحن لدينا الآن عروض عديدة. هناك عروض تتضمن إنشاء الحديثة وإدارتها، وعروض أخرى للإنشاء فقط وبلدية صيدا هي التي تتولى إدارتها. ونحن نفضل العروض التي تلحظ الإدارة لصالح بلدية صيدا، والتي تقول إن البلدية لها الحق العام ومن واجبها المحافظة على الصالح العام. وبما أن هذه الأرض هي لبلدية صيدا، فنحن نفضل أن تقوم البلدية بإدارة هذه الحديثة العامة حفظاً للصالح العام. ففي هذا التوجُّه، نحن نفضل أن نبحث المشاريع التي تقدم إلينا، وتكون إدارة الحديقة العامة من قِبَل البلدية، لا أن تُدار من قِبَل أطراف أو مؤسسات أخرى.
س: … إذن، ما هي مصلحة مَن سيقوم بتحمّل الأعباء المالية للإنشاء، دون أن يكون بالمقابل ثمَّة فائدة مادية أو مردود مادي؟…
ج: … ليس من الضروري لمن سيقوم بعملية الإنشاء، أن يكون له مصلحة مالية أو مادية في المقابل. فإنشاء هذه الحديقة العامة في صيدا، في رأيي، ليس مشروعاً مالياً في الأساس. وإنما هي مشروع اجتماعي عام وليست قيمة استثمارية…
س: … إلى هنا، إذا لم يعد لديك أشياء أخرى توضيحية تضيفها إلى ما تطرقَّت إليه فيما سبق ذكره حول هذه المشاريع البيئية والصحيّة الجاري تنفيذها حالياً، هناك أسئلة عديدة مطروحة أمام الرأي العام الصيداوي والاختصاصيين والمهتمين بالشأن الصيداوي بصورة خاصة مؤداها أنه خلال شهر رمضان من كل عام، عادت أخيرا وبشكل جديد "السَّهرات الرمضانية" الجماهيرية ـ إذا جاز لنا القول ـ انطلاقاً من داخل صيدا القديمة، ومن ثمَّ انتقالها إلى المقاهي الواقعة على الواجهة البحرية مقابل تحديداً القلعة البحرية والاستراحة السياحية في المدينة. فالسؤال الذي طُرح وما زال يُطرح على بلدية صيدا، سواءٌ في النَّدوات أو في الاجتماعات العامة أو الخاصة وبين الاختصاصيين على وجه الخصوص: هل هناك تخطيط طويل أو متوسط المدى لإنعاش الحياة الاجتماعية والحركة الاقتصادية والسياحية داخل مدينة صيدا القديمة، التاريخية والأثرية والتراثية الفريدة في طابعها الخاص؟
ج: … حول هذا الموضوع، أنا أريـد أن أكون صريحاً: لا تستطيع يد واحدة أن تصفِّق ـ كما يقول المثل الشائع… أنا أقول بكل فخر إن البلدية الوحيدة الكبرى في لبنان التي تقوم بتزيين الشوارع ـ في بيروت، مثلاً، البلدية ليست هي التي تقوم بتزيين الشوارع…. إن من يقوم بتزيين الشوارع هي جمعية التجار ـ نحن، بلدية صيدا الوحيدة التي تقوم بتزيين المقاهي وإنارة الحمّامات بشكل لائق، ونقدّم للمقاهي الشراشف وألبسة لعمالها وكراسي وطاولات وبدل "سرفيس" الشاي، إلخ…
س: … البلدية، تقدِّم كل ذلك؟
ج: … نقدِّم أو نساعد أو نمدُّهم عن طريق المساعدات الإنسانية. الهدف هو أن نتفاعل مع المجتمع، ويتفاعل المجتمع هو نفسه، من أجل أن يتطور بصورة أفضل. طبعاً، شهر رمضان في مدينة صيدا، موسم هام جداً. وكان لهذه البلدية الحالية الفضل في استنهاضه. لكن البلدية لا تستطيع وحدها أن تكمل السير في هذه الطريق.
فنحن، في هذا المجال، مثلاً، نسجل اعتراضنا الشديد على غرفة التجارة والصناعة في صيدا، ذلك أنها لم تقدِّم أيَّ مساعدة كانت من أجل المساهمة في تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية في المدينة والجوار، في حين أنها كانت قد قدَّمت مساعدات للمهرجانات والاحتفالات التي كانت تُقام هنا وهناك في القرى الجنوبية المحيطة بصيدا. كذلك جمعية تجار صيدا، لم تشارك أيضاً في تنشيط الحركة التجارية، لا من قريب أو من بعيد في هذه السَّهرات الرمضانية.. السؤال الذي نطرحه نحن: هل المطلوب من البلدية في صيدا أن تقوم مقام جميع المؤسسات الاقتصادية والتجارية في المدينة؟
س: … بمعنى آخر، إنك تطلب من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والأهلية أن تتحمَّل هي أيضاً جانباً من المسؤولية في هذا الشأن!!…
ج: … المؤسسات الأهلية، تساعد. ولكننا نسجل هنا تحفُّظنا الشديد واعتراضنا على أن غرفة التجارة والصناعة في صيدا تحديداً والتي تملك الأموال الطائلة في البنوك، وهي قد قدّمت مساعدات لبلديات ولمهرجانات أقيمت خارج مدينة صيدا في السنوات الأخيرة… ونحن سوف نقدِّم احتجاجنا واعتراضنا على موقف غرفة التجارة والصناعة في صيدا في كتاب رسمي واضح نعبِّر فيه عن رأي المجلس البلدي، لأننا نعتبر أن ما يحدث في صيدا هو معيب بحق الغرفة والقيِّمين على شؤونها. ذلك أن المستفيدين الأساسيين من وراء هذه الحركة الموسمية في شهر رمضان هم التجار بصورة عامة وأصحاب المقاهي والمطاعم. ونحن في هذا المجال، فإننا نشكر المجتمع الأهلي، والمؤسسات الأهلية التي شاركت مع بلدية صيدا وعلى مختلف الصُّعد……
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1) ـ المقابلة الثالثة والأخيرة مع الدكتور عبد الرحمن البزري رئيس بلدية صيدا، صباح يوم السبت الواقع فيه 27 أيلول 2008 حول موضوع: المشاريع البيئيَّة والصحيَّة قيد التنفيذ في مدينة صيدا، أجرى المقابلة الدكتور مصطفى دندشلي.