د. دندشلي - حديث صحفي للمركز الثقافي للبحوث والتوثيق
حديث صحفي
للمركز الثقافي للبحوث والتوثيق بتاريخ 18 كانون الأول 1984
أيها الأخوة ،
ارحب بكم باسم زملائي أعضاء الهيئة الإدارية وباسمي الشخصي . ويسرّنا جميعاً أن نلتقي معكم في أول لقاء صحفي يعقده المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا منذ تأسيسه عام 1978 . في الحقيقة لقد أردنا أن يكون هذا اللقاء مناسبة طيبة لنا لكي نقدم للرأي العام من خلالكم وعبر صحافتنا الكريمة " حساباً " عمّا قمنا به . وتقريراً عاماً عن إنجازاتنا وطموحاتنا المستقبلية . ويصادف توقيت هذا اللقاء مرور سبع سنوات على تأسيس مركزنا الثقافي من مطلع عام 1978 حتى نهاية هذا العام الحالي 1984 ، عدا طبعاً أشهر التحضير والإعداد والاجتماعات والمناقشات الطوال حتى تبلورت أخيراً الأهداف والمبادئ والخطوط التنظيمية للمركز الثقافي . وقد غطى ذلك النصف الثاني من عام 1977 ، أي أن مرحلة التأسيس قد شاءت الظروف أن تكون إثر الانتهاء النسبي والمؤقت لما جرى الاصطلاح على تسميته بالحرب الأهلية في لبنان . وقد حاولنا جهدنا منذ ذلك التاريخ رغم الظروف القاسية وضعف الإمكانيات ، أن نقوم ببعض الإنجازات وأن نسعى إلى ترجمة عملياً أهداف المركز الثقافي وتحقيق مبادئه الأساسية .
ويحق لنا أن نعتبر في وقتنا الحاضر أنّ مركزنا الثقافي بعد أن اتخذت الهيئة الإدارية الجديدة قرار تعميق مشروعنا الثقافي ، قد خطى خطوات واسعة إلى الأمام . وهو يمرّ الآن بانعطاف بل بنقطة انطلاق نأمل أن تكون جديدة نتابع فيها خطّنا الثقافي والتربوي والاجتماعي ، بأسلوب جديد وبخطوات ثابتة متقدمة ، تعتمد على خبرة وتجربة غنية . كما أننا نعمل الآن على دفع مركزنا الثقافي إلى الأمام وتطويره حتى يصبح ملتقى ثقافياً ومنطلقاً لكل عمل تربوي اجتماعي مثمر ومفيد لصيدا والجنوب .
ولكي نستطيع أن نعطي صورة واضحة عن الفترة الزمنية الماضية فإنه بالإمكان أن نتطرق في حديثنا إلى أربع نقاط أساسية هي :
ـ الأهداف الأولى لوجود المركز الثقافي .
ـ المبادئ الأساسية التي قام عليها .
ـ والإنجازات التي عمل على تحقيقها .
ـ وأخيراً التطلعات المستقبلية التي سيسعى إلى تنفيذها .
الأهداف الأولى :
يمكننا أن نشير إلى الأهداف التي دعت إلى تأسيس المركز الثقافي وهي :
أولاً : تحقيق هدف تربوي وإنساني وقد تحدّد في حينه بتقديم قروض مالية لطلاب وطالبات صيدا والجنوب ، وهو تعبير عن تحسس مشكلة اجتماعية تربوية ومحاولة متواضعة لإيجاد حلّ جزئي لها في غياب الدولة اللبنانية ، ذلك أن كثيراً من طاقات طلاب وطالبات صيدا وإمكانياتهم العلمية تذهب هباء بسبب الفقر أو عدم المقدرة المالية على متابعة تحصيلهم العلمي ، الثانوي أو الجامعي . وقد ورد في أول نشراتنا ما نصّه حرفياً في هذا المجال إذ نقول : " فليس من العدل أن يكون باب التخصص العالي في المجالات العلمية والتقنية مشرّعاً للطلاب الميسورين فقط ويقفل هذا الباب في وجه أولئك المبرزين والمبدعين من الطلبة الذين لا ذنب لهم سوى أنهم لا يملكون المقدرة المالية الضرورية لمتابعة التحصيل العالي ".
فالهدف الأول إذن لتأسيس المركز الثقافي هو البحث عن الطاقات والكفاءات العلمية ومساعدتها مادياً ومعنوياً .
أما الهدف الثاني لوجود جمعيتنا الثقافية فهو إقامة مركز ثقافي بالمعنى الحقيقي للكلمة في الشكل والمضمون ، مع ما يتطلبه ذلك من إنشاء قاعات حديثة للندوات والمحاضرات والشؤون الثقافية والفنية والمعارض ، وذلك مما تفتقر إليه البلدة ، وإقامة مكتبة عامة غنية ومتنوعة تسد حاجة ماسة لطالما شعر ويشعر بها الطالب والأستاذ والمثقف وأيّ باحث أو قارئ . يضاف إلى ذلك ويستلزمه أهمية تحريك الجو الثقافي العام وإثارة الاهتمام والتوجيه نحو الدراسات والبحوث في مختلف قضايا صيدا والجنوب .
المبادئ الفكرية الأولى :
يتضح لنا مما تقدم أنّ كلمة " ثقافي " التي اتخذها " المركز " كصفة له وكما أشرنا إلى ذلك في حينه ، لم تأتِ صدفة وإنما كان لها معانيها الحقيقية والبعيدة آنذاك . وإذا أردنا أن نشير بشيء من التحديد إلى الخلفية الفكرية الثقافية لتأسيس المركز الثقافي فيمكن اختصارها بالنقاط التالية :
1 ـ الانطلاق من ملاحظة استقرائية عامة تشير إلى أن الفكر العربي بمجمله ، والفكر هنا في لبنان الأخص ، هو فكر مجرد عام بعيد إلى حد صارخ أحياناً عن الواقع الذي نعيش فيه . فهناك فراق وبعد بين الفكر وبين الواقع المحسوس فتجربتنا هنا في صيدا ومن خلال المركز الثقافي تقوم على أساس إعادة المصالحة والوفاق بين مجال الفكر ونطاق الواقع . ذلك أنّ الأساس في كل تحرك اجتماعي إنما هو الواقع المادي المحسوس ومعالجة قضاياه الحقيقية .
2 ـ ينتج عن الملاحظة الأولى فكرة كانت ولا تزال محو أهداف المركز الثقافي ونشاطاته الاجتماعية والثقافية وهي أن أي عملية إصلاح حقيقية للمجتمع مهما كانت جزئية يجب أن يسبقه ويلازمه استيعاب ذلك الذي نحن بصدد إصلاحه ، فلا يمكن تغيير ولمصلحة الإنسن ما لا نفهمه وندركه ، فالإنسان كما يقال عدو ما يجهل .
3 ـ لذلك كله فإن عمليات التحولات الفكرية والثقافية هي الأصعب بالنظر إلى التحولات المادية للمجتمع ، من شق طرق وبناء مصانع وعمارات وشوارع . إنما بناء الإنسان بتحولاته الفكرية والثقافية والاجتماعية فهنا تكمن المعضلة الأساسية . فالتغيير المادي مع أهميته القصوى ينبغي أن يرافقه في الوقت ذاته أو أن يسبقه وعي فكري ومعرفة علمية وثقافية حتى تكون رؤية المستقبل لنا أوضح ومحور هذه الرؤية المستقبلية هو الإنسان .
4 ـ إذن الثقافة هنا بمعناها الحقيقي هي تلك التي تلتصق بظروف المجتمع في الماضي والحاضر وتعالج قضاياه المحسوسة وتتخذ من الإنسان غاية لها . فالبعد الثقافي بهذا المعنى يجب أن يدعم وبوجه التطور الاقتصادي والاجتماعي .
لهذا فإن الثقافة كما فهمناها هي في الأساس عملية التزام، إلتزام حقيقي وعميق بقضايا المجتمع. والهدف النهائي لهذا الالتزام هو الإنسان . لذلك كنا نرى ولا نزال ربما أكثر من أي وقت مضى ، أن للمثقفين عموماً وللفكر الاجتماعي الواقعي على الخصوص ، دوراً أساسياً ورئيسياً في مرحلة التغيير الاجتماعي وفي مرحلة التحرير : تحرير الوطن والأرض والإنسان .
الإنجازات :
يمكننا أن نشير في هذا النطاق وكترجمة عملية للأهداف والمبادئ الأساسية التي يقام عليها مركزنا الثقافي ، إلى أهم النقاط التالية :
1 ـ لقد قدّم المركز الثقافي منذ تأسيسه حتى العام 1981 / 1982 تسعة عشر قرضاً (19) موزعين على طلاب وطالبات صيدا والجنوب (ثلاثة قروض) وقد كان هذا المشروع في حينه أول مشروع من نوعه في مدينة صيدا والجنوب . وبالفعل فقد فسحنا المجال لطلابنا الصيداويين للتخصص العالي ، خاصة لأولئك الذين لم تتوافر لديهم الإمكانيات المادية الضرورية لمتابعة تخصصاتهم العالية في مختلف الجامعات . فكانت نقطة الانطلاق . ونقطة الانطلاق في مشروع كهذا عادة هي الأصعب . وإذا تعممت الفكرة تصبح ملك الجميع . أمّا المبالغ المالية التي صرفت في هذا الشأن ، فقد بلغت حوالي الأربعماية وخمسين ألف ليرة لبنانية (450) ألف ل.ل.
2 ـ ومن ناحية الدراسات التي عمل المركز على تحقيقها فيمكن إجمالها كالآتي :
ـ إصدار دراستين الأولى لها علاقة بقضايا التربية والتعليم في مدينة صيدا ، والثانية محاولة من كاتب صيداوي ناشئ ، نزيه حسنى ، لدراسة حقبة زمنية محدّدة من تاريخ صيدا السياسي وإبراز بعض جوانب زعامة معروف سعد الوطنية .
ـ وهناك دراسة توثيقية تحت الطبع بعنوان " يوميات الأحداث في صيدا ـ 1975 " ودراسة أخرى قيد التحضير والإعداد تتعلق بيوميات الغزو الإسرائيلي لمدينة صيدا في سنتين 1982/1984. وهاتان الدراستان هما في الحقيقة أول نتاج لمركز التوثيق والبحوث التابع لمركزنا الثقافي .
ـ وثمة دراسات أخرى قيد التحضير والإعداد أهمها : مسح اقتصادي ميداني للتجارة في مدينة صيدا ـ دراسة حول تطور البنوك في الجنوب اللبناني انطلاقاً من مدينة صيدا ، وهي دراسة إحصائية .
ـ دراسة حول المنشأ الاجتماعي للأطر العليا في صيدا : أطباء ، مهندسون ، محامون ، أساتذة جامعيون ، كادرات عليا إلخ ...
ـ وأخيراً وليس آخراً ، دراسة اجتماعية لتطور مفاهيم ومعتقدات شعب صيدا في الماضي والحاضر من خلال الأمثال الشعبية .
3 ـ غير أن الإنجاز الأهم والذي يعتبر ترجمة عملية وعلمية لأهداف المركز الثقافي ومبادئه الأساسية التي أتينا على ذكرها أعلاه ، إنما هو ، إرساء الأسس لمركز للتوثيق والبحوث متخصص بصيدا والجنوب بشكل خاص . وقد تجمع لدينا بالفعل كل ما كتب عن صيدا في الصحف والمجلات والدوريات منذ تأسيسه عام 1980 حتى الآن . فتجمع لدينا مُوثّقاً ومصنفاً حسب الأصول العلمية ، جميع التصريحات ومواقف الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية وكل ما له علاقة عموماً بصيدا والجنوب .
لهذا يحق لنا أن نقول دون مغالاة أننا نكتب تاريخ صيدا الاجتماعي ولأول مرة كتابة حيّة واقعية عملية محسوسة ، وذلك عن طريق رصد الأحداث والتقاطها في الحال . فستكون هذه الذخيرة العلمية الوثائقية ، لنا في ما بعد ولأجيالنا اللاحقة ، أهم وأكبر مصدر وثائقي لفهم واقعنا الاجتماعي العام فهماً متكاملاً .
5 ـ التغطية المالية
أما التغطية المالية لكل ذلك : مصاريف المركز الثقافي وقروض الطلاب وتكاليف قيام مركز للتوثيق والبحوث ، فإن ذلك إنما يأتي من التبرعات والهبات التي يقدمها لنا الصيداويون سنوياً ، ومن كل الفئات مؤسسات وأفراداً . لذلك يمكننا أن نعتبر المركز الثقافي دون مجافاة للحقيقة هيئة مساهمة ثقافية واجتماعية لأهالي صيدا .
التطلعات المستقبلية
يهمنا أن نؤكد في هذا المجال على أنّ الإنجاز الأهم لمركزنا الثقافي هو الاستمرار ، الاستمرار في التحرك على الصعيد الثقافي والاجتماعي ، رغم الصعوبات الكبيرة والأوضاع المضطربة . كما أن الحاجة تبدو الآن أكثر إلحاحاً من السابق ، خاصة في ظل الاحتلال الإسرائيلي ، إلى ربط العمل الاجتماعي والثقافي بالعمل الوطني وعقد التفاعل الدائم والصادق بينهما .
هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، فإنه من الأهمية ، في انطلاقة المركز الثقافي الجديدة وانتخاب هيئة إدارية وقيام لجانه المتخصصة ، أن يتركز برنامجه المستقبلي على الأمور التالية :
1 ـ تطوير مركز التوثيق والبحوث الاجتماعية ، من حيث المكان والتجهيزات الحديثة والتقنية والخبرات الفنية والكادرات البشرية المتخصصة ، كل ذلك بتأمين المساهمة المالية الضرورية من مصادرها الثابتة .
2 ـ تحقيق مختلف الدراسات والبحوث الاجتماعية والتربوية والاقتصادية التي تهم المجتمع الصيداوي ونشرها وتعميمها على نطاق واسع .
3 ـ تنفيذ مختلف البرامج الثقافية والتربوية والاجتماعية التي وضعتها اللجان المتخصصة وكذلك العمل الجدي الدؤوب على تنشيط الجوّ الثقافي وتحريكه في النطاق الاجتماعي العام وذلك عن طريق :
ـ تنظيم الندوات والمحاضرات واللقاءات الثقافية والاجتماعية .
ـ العمل الجدي على قيام تكتل يوحد نشاطات الجمعيات والمؤسسات الثقافية والتربوية والاجتماعية في مدينة صيدا ويحركها وينسق في ما بينها .
ـ وضع مخطط تربوي توجيهي من ناحية التخصص العلمي والمهني والتقني وتعميمه بين الطلاب .
4 ـ ومهما يكن ، فإن أيّ تطلعات مستقبلية طموحه أو أيّ ترجمة علمية لأهدافنا الثقافية والاجتماعية ، يجب أن تعتمد على تأمين المصادر المالية ورسم سياسة مالية نامية ومتطورة .
وهذا ما سيأخذ منّا مستقبلاً الجهد الكبير .