تميز حزب البعث العربي الاشتراكي
تميز حزب البعث العربي الاشتراكي
تميز حزب البعث العربي الاشتراكي بقدرته على الاستمرار والتطور. فبينما تراجع دور الأحزاب والتنظيمات الأخرى التي ظهرت على ساحة الوطن العربي منذ مطلع القرن العشرين، استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي مواجهة التحديات التي تطرحها المراحل وتخطي العوائق والصعاب وتطوير ذاته باستمرار..
ومع ذلك ، لابد من الاعتراف أن عطاء الحزب لم يكن دائماً في أفضل أحواله ، ففي بعض المراحل كانت حركة الحزب على أشدها ، ووعيه في أفضل مستوياته ، بينما كان معرضاً للجمود في مراحل أخرى . لكن الحزب سرعان ما كان يتغلب على حالات الجمود ليعود وينطلق مرة أخرى مؤكداً السمة العامة لنهجه ، سمة التطور المتصاعد والمستمر ..
ويعود السبب في بقاء الحزب واستمراره لما يلي:
1 ـ أهدافه الرئيسية عبرت عن طموحات الجماهير العربية وعن تطلعاتها . كما أن الترابط بين هذه الأهداف يستجيب لمتطلبات نهج التعامل الصائب مع الواقع ..
2 ـ ممارسته النضالية المستمرة التي تمثل طليعة النضال الجماهيري منذ نشوئه وعلى مدى مسيرة تطوره . وقد تجلت هذه الممارسة في عقدي الأربعينات والخمسينات حيث قاد الحزب حركة التحرر العربي ، ليس فقط في سورية وإنما في أقطار عربية أخرى وخاصة في الأردن وفلسطين والعراق. كما تجلت في جميع مراحل نضاله الأخرى عبر صيغ متنوعة.
3 ـ اعتماد الحزب نهج تحديد الأولويات، وتركيز نضاله استناداً إلى هذا النهج مما مكنه من أن يلعب الدور الأساسي والأكثر تأثيراً وفعالية في مجمل نضال حركة التحرر العربي. وقد حدث ذلك في ثلاث مراحل :
الأولى : في عقدي الأربعينات والخمسينات ، عندما ركز الحزب على محاربة الديكتاتورية والأنظمة المتعاونة مع الاستعمار، وأسهم في مقاومة الوجود الصهيوني في فلسطين ، وعندما تصدى للمشاريع والأحلاف الأجنبية ، واعتبر ذلك مهمة ذات أولوية هدفها حماية استقلال سورية ودعم مسار حركة التحرر العربي وتعزيز هذا المسار في ظروف معقدة وصعبة . ومن أجل تحقيق هذه المهام المرحلية تحالف الحزب مع اطراف سورية وعربية لا تشاركه طروحاته الفكرية ، لكنها تلتقي معه على قاعدة تحقيق تلك المهام ، فحقق بذلك إنجازات كبرى ، من أبرزها تعطيل المشاريع الأجنبية وإسقاط الأحلاف ، وحماية استقلال سورية ، وتحقيق مكاسب للفلاحين والعمال وسائر جماهير الشعب ، ودعم ثورة الجزائر ، ومساندة مصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956 ، وتحقيق الوحدة السورية ـ المصرية عام 1958 .
الثانية : إسهامه في ثورة تموز في العراق عام 1958 ، وفي ثورة اليمن عام 1962 ، وفي مقاومة الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن . وقد تطور نضاله في هذه المرحلة تطوراً نوعياً إذ قام بثورة الثامن من شباط عام 1963 في العراق ، وقام بثورة الثامن من آذار في سورية في العام نفسه ، وهي الثورة التي قضت على الانفصال . وجاء ذلك تتويجاً لمراحل نضالية طويلة وتعزيزاً لتقدم الحزب على طريق تحقيق أهدافه .
الثالثة : قيام الحركة التصحيحية في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 عندما حدد الحزب أولوياته وفي مقدمتها التحرير والتركيز على القضية المركزية للأمة العربية ، قضية الصراع العربي ـ الصهيوني ، وعمل على تجنب الخلافات الهامشية ، والإرتقاء بالوضع العربي بهدف تركيز جهود الأمة باتجاه المحور الأساسي . وكان ثمرة ذلك حرب تشرين التحريرية عام 1973 . وعلى مستوى البناء الداخلي في القطر الذي يقود فيه الدولة والمجتمع ركز على أولوية دفع عجلة النهوض الشامل ، وتوطيد الاستقرار والوحدة الوطنية ، وتعزيز القدرة الدفاعية .
ومن الواضح أن معيار تصاعد دور الحزب وتقدمه هو في قدرته على تحديد الأولويات ، ففي المراحل التي كانت قيادة الحزب تقرأ فيها الواقع قراءة خاطئة ويغيب عن ذهنها تحديد الأولويات ، كان دور الحزب يتراجع وينشغل بمشاكله الداخلية مما كان يضعفه ويشكل حواجز بينه وبين أهدافه ، وبينه وبين الجماهير .
إن غياب تحديد الأولويات يعني غياب معرفة الواقع وقراءة أحداث المستقبل مما يؤدي إلى الجمود الفكري والتفكك التنظيمي. وتحديد الأولويات ، أي تحديد نهج التعامل مع المرحلة ومفاهيمها، لا يعني التخلي عن المبادىء الأساسية وإنما السير باتجاهها في ضوء معطيات الواقع والإمكانات المتاحة إضافة إلى الإمكانات التي يمكن توفيرها.
إن الأهداف الكبرى للحزب ، الوحدة والحرية والاشتراكية ، تشكل المبادىء الأساسية للحزب ، أما النهج فهو قاعدة السياسة التي يجب على الحزب اتباعها في سيره نحو الأهداف الكبرى ..
ومن الطبيعي القول أن لكل مرحلة خصائصها وطبيعتها ، رغم إمكانية وجود أبعاد متعددة في المرحلة الواحدة ، فمرحلة التحرير الوطني تتطلب أن ترافقها مرحلة التنمية الشاملة بجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وبعبارة أخرى إن جميع الاتجاهات يجب أن تصب في دعم الهدف المرحلي من اجل إنجازه.
وإذا درسنا واقع الحزب القومي بكل تنظيماته ، مع التركيز على وضع الحزب في القطر العربي السوري منذ الثمانينات ، نجد أن هذا الوضع بحاجة إلى مراجعة إذ انه لا يرضي طموحنا على الرغم مما تحقق من إنجازات كبيرة وهامة . وهناك أسباب عديدة خلف هذا القصور منها ما هو ذاتي ، مرتبط بنا ، ومنها ما هو موضوعي ، خارج عن إرادتنا ، وخاصة بعد ظهور تطورات كبرى بعيدة الأثر في حياة العرب وواقعهم منها المعاهدة المصرية الإسرائيلية ، والحرب العراقية ـ الإيرانية ، واجتياح العراق للكويت وما تلاه في حرب الخليج الثانية ، والحرب الأهلية في لبنان ، وانهيار الاتحاد السوفيتي وما رافقه من تطورات على الساحة الدولية ، والتطورات الهائلة في مجالات العلم والتقانة والاقتصاد.
مجمل هذه الوقائع شكل مجموعة من الانعطافات سواءً في الحياة السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية في الوطن العربي ، مما يتطلب من حزبنا ، بعد مرور هذا الزمن ، البدء بمراجعة شاملة هدفها تحديد تصوراتنا المستقبلية على أفضل وجه ، مع كل ما يحمله ذلك من تطوير ضروري .
ومن يقرأ مسيرة الحزب منذ تأسيسه قراءةً موضوعية يلاحظ هذه القدرة الكبيرة على التطوير الذاتي عند كل مرحلة ، فحزبنا متمسك أشد التمسك بالرغبة في التطوير الذاتي باستمرار .
إن الحاجة باتت ملحة لتطوير الحزب فكرياً وتنظيمياً في إطار الحفاظ على مبادئه الأساسية وفي ضوء معطيات الواقع ومتطلباته، وتحصين نهج الحركة التصحيحية ، وتعزيز دور الحزب عبر المراجعة والتجديد والتطوير، وربط المبادىء بحركة الحياة ومتطلبات العصر واستحقاقات التنمية، والتعاطي مع الواقع ومطامح الجماهير، وترسيخ مفاهيم التجدد والحيوية والنشاط والحوار والمشاركة، وقراءة الواقع قراءة المناضلين وفق روح العصر ومعطيات العلم استناداً إلى مصالح الشعب.
إن المطلوب تعزيز التوجه التجديدي فكرياً وتنظيمياً ..
فكرياً : تحديد كيفية التعامل مع المبادئ الأساسية في المرحلة الراهنة ، مما يعزز قدرتنا على خدمة هذه المبادئ والتقدم باتجاه تحقيق أهدافنا الأساسية في مسيرة نضالية مراحلية وتطورية ..
وتنظيمياً : لابد من مراعاة ظروف الأقطار وخصوصية كل منها ، وإعطاء المرونة في التعامل مع هذه الظروف ضمن التوجه الأساسي القائم على مبدأ الحفاظ على الوحدة التنظيمية للحزب ..
إن التطوير الفكري لا يعني التخلي عن المبادئ الأساسية وإنما اختيار النهج الأفضل لضمان ترسيخ هذه المبادئ وتحقيقها ، والابتعاد عن الجمود في فهمها ، والتحلي بالقدرة على ترسيخ الوعي المتجدد ، إذ أن الجمود الفكري يعني موت الحزب وتراجع دوره .
إن تطوير الحزب يطلق قدراته النضالية ويعيد حيويته ويعزز دوره النضالي في الساحة العربية . وهذا التطوير يتطلب التركيز على القضايا الهامة التالية ، بغية تحديد مضامينها ومفاهيمها ..
1 ـ المسـألة التنظيميـة
تكتسب المسألة التنظيمية في الحزب أهمية لا تقل عن أهمية المسألة الفكرية . بل إن المسألتين مترابطتان، لأن الحزب ليس خلطاً بين تراكيب مستقلة، يقع الواحد منها جانب الآخر، وإنما هو إطار تتفاعل فيه هذه التراكيب تفاعلاً حياً تطورياً يمكنه من تأدية وظيفته النضالية الشاملة في المجتمع وعلى ساحة الأمة بكاملها.
والمسألة التنظيمية في حزبنا تتسم بالمرونة بما يسمح للحزب اختيار أفضل الأنماط وفقاً لمرحلة التطور ولظروف كل تنظيم حزبي وخاصة في الأقطار العربية المختلفة.
وتطرح المرحلة الحالية ضرورة تعزيز الاهتمام بالمسألة التنظيمية، بما يسهم في تحقيق دور الحزب على مستوى القطر العربي السوري وعلى مستوى منظماته القومية، بحيث يضع النظام الداخلي للحزب الأسس والضوابط التنظيمية المركزية التي تعمل استناداً لها الهيئات و المؤسسات الحزبية على مختلف المستويات. واستناداً إلى ذلك يتم تطبيق أنماط تنظيمية متنوعة تقرها القيادة القومية مسبقاً. وتوضع هذه الأنماط وفقاً لظروف كل قطر عربي ودور تنظيمنا الحزبي في ذاك القطر، والمهام التي يجب أن يحققها، وبرنامجه السياسي وغير ذلك من المعايير التي تمكن منظمة الحزب في أي قطر من التعامل تعاملاً خلاقاً مع الظروف والمتغيرات في كل مرحلة من المراحل، وبما يخدم مبادئ الحزب الأساسية واستراتيجيته النضالية.
ويجب أن تتسم هذه الأنماط بالمرونة التامة وإمكانية التعديل والتغيير المستمر حسب التطورات وبما يسهم في تحقيق المهام النضالية. لكن المعيار الأساسي للمسألة التنظيمية هو الوحدة التنظيمية للحزب التي هي الوعاء الجامع للحزب بكل هيئاته ومؤسساته، وبما يجعله قادراً على المضي في مسيرته النضالية في كل مراحلها المتتابعة لبلوغ مبادئه وأهدافه الأساسية. كما تؤكد هذه المسألة علاقة هيئاته ببعضها، والحفاظ على المحور الأساسي الجامع للتنظيم بعيداً عن المزاجية والفوضى والتسيب.
2 ـ المسألة الفكريــة
تشكل البنية الفكرية دائرة متكاملة من المفاهيم والتصورات ومن المبادئ القيمية والأهداف المحددة التي يعتقد الانسان أن تحقيقها ينقذ الأمة ويصون الوطن ويحقق الأمن القومي والوطني والتقدم والرفاه للمجتمع وللفرد .. وبهذا المعنى تجسد مباديء الحزب طموح الأفراد والأمة ، وتعطي الحافز للعمل والتضحية ، وتحدد سلوكية الفرد والمجتمع . والجماعة التي تفتقد المبادئ تفتقد الحوافز وتتحول إلى مجموعة من الناس تربطهم المصالح النفعية . المبادئ تضبط سلوك الفرد والمجتمع .
والفرد عندما يتخلى عن المبادئ يفقد القدرة على ضبط سلوكه وعلى الاختيار بين ما هو صحيح وما هو خطأ، وبين ما يفيد الوطن وما يؤذيه. للمبادئ ثلاث وظائف، الأولى تعبوية إذ تخلق الحافز على اعتبار العمل مسؤولية ورسالة. والثانية فكرية لأن الوعي بالمسؤولية يحرك الفكر للبحث عما يفيد الرسالة التي يحملها المناضل . أما الوظيفة الثالثة فتتعلق بضبط سلوك الفرد والجماعة، لأن الشعور بالمسؤولية والإيمان بالرسالة يفرضان معياراً معيناً للسلوك الفردي والجماعي . ولابد من الإشارة إلى أن الإنسان بطبعه يميل إلى التفكير وهو دائماً يتساءل ويبحث ، وعندما يكون الحزب غائباً فإن قوى أخرى في المجتمع سوف تملأ هذا الفراغ. وبالقدر ذاته الذي يكون فيه النهج واضحاً يمكن شد الفرد إلى فكر الحزب ومبادئه. والمسألة الفكرية تتطلب مراجعة مستمرة للوضع التنظيمي في الحزب ووضع المعايير التي تحكم سلوك الحزبي وسلوك المؤسسة، وأسوأ ما يبعد الناس عن الحزب ومبادئه أولئك الذين يدعون تمسكهم بفكر الحزب بينما يتعارض سلوكهم مع مبادئه وأخلاقياته . وأهم ما يجب التركيز عليه في المراجعة الفكرية أن يعزز البعثيون نضالهم لتحقيق مشروع قومي عربي ، تمثل مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي حاضنته وقاعدته الأساسية .
3 ـ الموقف من قضية الوحــدة
الوحدة هي الهدف الأول بين أهداف البعث والأمة العربية . ويحتل النضال الوحدوي مكانة الأولوية بين المهام الأخرى . فالوحدة تعيد للأمة العربية قوتها ودورها الحضاري وعطاءها المتجدد، وتضع الأساس للمشروع القومي النهضوي العربي ، وتفتح أمام الأمة آفاقاً واسعة كي تستعيد دورها في مسيرة الحضارة البشرية وتحقق رسالتها الإنسانية الخالدة . ولكن ما هو فهمنا لقضية الوحدة العربية ..؟ هل هي الدولة المركبة ..؟ هل يمكن أن تتحقق بين قطرين ..؟ هل يمكن أن تتحقق بين نظامين مختلفين في بنيتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية …؟
كان مفهوم الوحدة يرتكز على تحقيق وحدة الدولة ومؤسساتها وانصهار مؤسسات الدولة القطرية بالدولة الموحدة دون الأخذ بالاعتبار الوقائع والظروف التي نشأت خلال عقود التجزئة والحكم الأجنبي . وفي ظل نمو الوعي القومي حول أهمية الوحدة وضرورتها قامت الجمهورية العربية المتحدة بين سورية ومصر في شباط عام 1958 . غير أن هذه الدولة تفككت بعد ثلاث سنوات ونصف نتيجة لمؤامرة الانفصال.
وفي نيسان عام 1971 أعلنت سورية ومصر وليبيا إقامة دولة إتحاد الجمهوريات العربية وتشكلت مؤسسات الدولة : رئاسة الاتحاد ، مجلس وزراء اتحادي ، ومجلس أمة اتحادي ، ثم ما لبثت مؤسسات هذه الدولة أن تجمدت نتيجة الخلافات في المواقف السياسية بعد حرب تشرين عام 1973 والاستنتاج الذي يمكن التوصل إليه هو أن القفز فوق الوقائع أو سياسة حرق المراحل مسألة غير صحية , وأنه لابد من إزالة العقبات، عقبة عقبة، عبر سلسلة من الأعمال ، عملاً بعد عمل .
والسؤال كيف يجب أن ننظر إلى قضية الوحدة العربية وآليات تحقيقها .. ؟
أ ـ يجب التركيز على قضية تعزيز الانتماء القومي ، وتقوية الهويـــة القومية ، والتأكيد على الوحدة باعتبارها هدفاً مصيرياً للعرب ، والتركيز على أن مصير العرب ومستقبلهم وأمنهم مرتبط بالوحدة العربية.
إن التركيز على الانتماء القومي وتنمية الثقافة والتعريف بالتراث ضرورات قومية ووطنية أمام الغزو الثقافي الأجنبي ، كما أن غياب الوعي بالانتماء القومي سيؤدي إلـى فراغ يملؤه الانتماء الطائفي أو الديني أو العرقي أو الاقليمي ، وهــذا ما يزيد في تمزق العرب ومعاناتهم ، وهو أحد الأهداف الرئيسية لأعدائهم وفـــي مقدمتهم إسرائيل والصهيونية العالمية .
ب ـ وفي إطار تنمية الشعور القومي يجب المبادرة بالعمل على تحقيق مناخ عربـي يسوده الوئام لوقف الصراعات الهامشية والانتقال إلى مرحلة القبول ، قبول البعض بالبعض الآخر .
ج ـ إن طرح مبادرة لإقامة شراكة عربية اقتصادية وثقافية وعملية وأمنية هـي خطوة أولية لإزالة حواجز التفرقة ، وتدفع التوجه إلى شراكة سياسية بين العرب في مختلف أقطارهم ، وبكلمة أخرى المبادرة لطرح نظام عربي جديد يتحقـق عبر خطوات متتالية في إطار قومي وبصورة متدرجة تأخذ بالاعتبار الواقع القائم .
د ـ يبادر الحزب والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية لتوسيع دائرة الاتصال والعلاقات مع مثيلاتها في الوطن العربي بهدف خلق مناخ عربي وتقوية الشعور بالانتماء والإحساس بالأخطار التي تهدد مصير الجميع .
وفي مثل هذه التوجهات يكون أي عمـــل بيـن دولتين أو اكثر ، بغض النظر عن الاختلاف في الأنظمة السياسية ، خطوة على طريق الوحدة شرط ألا يأخذ الطابع الإقليمي الذي يرسخ التجزئة والفرقة .
ولاشك في أن تركيز الجهود على التعاون الاقتصادي وإقامة اقتصاد متكامل فـي مرحلة ما من العوامل الرئيسية لتعزيز مسيرة الوحدة . فالوعي بأهمية الوحدة وضرورتها يجب أن يتكامل مع الارتباط الذي يجسد هذا الوعي على أرض الواقع عبر خطوات ملموسة ، وعندما يكون الارتباط المادي والثقافي والعلمي والأمني قوياً فإن الارتباط العاطفي الذي يعبر عن الوعي يصبح محصنا ويصبح الطريق لتحقيق الوحدة أكثر سهولة .
4 ـ قضية الحريــة
الحرية جزء من الطبيعة البشرية وابلغ وصف للحرية ماقاله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) . وحرية الأمة شرط لنموها وتقدمها ونهوضها ، وغياب الحرية يولد الخوف والقلق والتخلف والشعور بالظلم والقهر، وكل ذلك عوامل تضر بمسيرة الحزب والمجتمع .
والحرية مبدأ رئيسي من مبادئ الحزب ، حرية الأمة وحرية الفرد . وحرية الأمة لا يحدها قيد إلا حق أمة أخرى بممارسة حريتها ، ولا يقيد حرية الفرد قيد ، إلا عدم تجاوز حرية الآخر وحقوقه ، وحرية المجتمع ومصلحته . ومن هنا ناضل الحزب ضد الاستعمار وساند حركات التحرر الوطني في العالم . والحرية ليست قضية مطلقة بل هي نسبية ، لأن الإطلاق يؤدي إلى الفوضى والصراعات بين الأمم ، ويؤدي إلى الفوضى والخراب في المجتمع ، ومن هنا قُيدت الحرية بعدم إضرار أمة بأمة ، ولا فرد بفرد أو بالمجتمع .
إن حرية الرأي والتعبير والتفكير يجب صيانتها لأن تقييدها وزرع الخوف منها وبها يؤدي إلى شلل في الفكر والإبداع ويعطل طاقات كبرى في المجتمع ويؤدي إلى الجمود والتخلف عن مواكبة العصر في التقدم والنهوض .
ويجب ألا يخشى الحزب من الرأي الآخر لأن ذلك يظهره بمظهر العجز والخوف والانغلاق . كما يجب ألا يحد من الحريات العامة والفردية ، إلا لمقتضيات الأمن القومي والوطني لأن ما يمسهما هو خروج عن دائرة الحرية إلى دائرة الأضرار بالمجتمع.
يجب أن نصل إلى مرحلة إطلاق الحريات العامة والفردية ونحن نعمل على ترسيخ مبادئ الحزب ، وتطوير بنيانه الفكري والتنظيمي ، وضبط معايير السلوك الفردي والجماعي سواء بالنسبة لأعضاء الحزب أو بالنسبة للعاملين في الدولة ، وسائر المواطنين وتعزيز الحرية في الحزب ، حرية الرأي والتفكير والنقد والحوار. وإذا لم نفعل ذلك في الحزب لن نستطيع فعله في المجتمع . وإذا لم نفعله يجب أن ندرك أن ذلك يعني الابتعاد عن متطلبات عقيدة الحزب من جهة ، والاستمرار في حالة الجمود وخسارة طاقات كبرى من جهة أخرى ، بالإضافة إلى ما يمكن أن يولده ذلك من توترات في المجتمع .
يجب الاعتراف بأن الطريقة التي نمارس بها الحرية أحياناً أدت إلى جمود فكري وإلى ضعف في الإنتاج والإبداع ، وأن الخوف والقلق لم يساعدا في تنمية الفرد ولا فيئ تطوير المجتمع . فالحرية لا تقتصر على الرأي وإنما تتعلق بمجمل الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ..
إن ممارسة حرية التعبير والرأي في المؤسسات الحزبية ومشاركة الرفاق الحزبيين بانتخاب ممثليهم في مختلف المنظمات والهيئات الحزبية وفق نهج الديمقراطية المركزية ، وكذلك الأمر في المنظمات وفي المجتمع بوجه عام من شأنها الإسهام في تحصين الحزب والمجتمع وتجاوز السلبيات التي برزت سواء مسألة غياب الشعور بالمسؤولية أو الإساءة والانحراف. فمناخ الحرية يحد من ظهور حدوث مثل هذه السلبيات وإذا ظهرت تعالج قبل أن تتوسع وتتفاقم .
مع الحرية والشعور بالأمن تنمو الطاقات والإمكانات ومع حجبها تتحجر العقول وتغيب المبادرة ويخسر الوطن .
الديموقراطيــة :
الديمقراطية هي الإطار الذي يتيح للشعب أن يمارس دوره في تقرير اموره واختيار ممثليه في المؤسسات الديمقراطية ومشاركته بفعالية في بناء وطنه وتطوره ، وفي رقابة السلطة ومحاسبتها .
وهذا المفهوم للديموقراطية له تطبيقات مختلفة ترتبط بالظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لكل بلد . وتوجد في الغرب وحدة في مفهوم الديموقراطية ولكن مع أشكال مختلفة في التطبيق .
وفي أي بلد يغيب دور الشعب وتغيب الرقابة عن أداء أجهزة الدولة يزداد التخلف ويضيع العدل . أخذ الحزب بعد ثورة الثامن من آذار بمفهوم الديموقراطية الشعبية ، ثم تطور هذا المفهوم ليصبح أكثر اتساعا بعد الحركة التصحيحية عام 1970 ، لاسيما بعد تأسيس الجبهة الوطنية التقدمية . ولكن يجب الاقرار أن العملية الديموقراطية لم تكن كاملة . فعلى الرغم من وجود قانون انتخابات يعطي الناخب حق الاختيار ، فإن القيادات حلت محل الناخب في اختيار المرشحين ، عندما جعلت النتائج تقرر سلفا بعد إقرار قوائم الترشيح من قيادة الحزب ، مما أبقى الشكل ديموقراطيا ، لكن المضمون غير ديموقراطي .
وقد ظهر تطور ملحوظ بعد قرار القيادة القطرية بفتح قوائم الترشيح بالنسبة للمستقلين ، فجرت الانتخابات بين هؤلاء .. إن الإبقاء على الإطار الحالي للديموقراطية يفقد المؤسسات المنتخبة في المجالس والمنظمات الحيوية والقدرة على الفعل ، ومن هنا لابد من إعادة النظر بالصيغ التي يتم بموجبها تشكيل هذه المؤسسات .
ومن أهم ما يتوجب عمله في القطر الذي يقود فيه الحزب الدولة والمجتمع : تطوير عمل الجبهة الوطنية وأحزابها بما يعزز فعاليتها بين المواطنين ، ويقوي دورها في تعميق الوحدة الوطنية . كما لابد أيضاً من تعزيز المضامين الديموقراطية في عملية انتخابات مجلس الشعب ، وتطوير نظام الإة المحلية واللامركزية والمشاركة الشعبية وتعزيز احترام القانون واستقلالية القضاء .
المنظمات الشعبية:
كما لابد من تطوير بنية المنظمات الشعبية ، وتعزيز المضامين الديموقراطية في انتخاب القيادات ، والتأكيد على ارتباط هذه القيادات بخلفياتها النقابية بشكل فعلى ومستمر ، وكل هذا يرمي إلى تعزيز دور المنظمات في الدولة والمجتمع
5 ـ الاشتراكيــة
الاشتراكية هي أحد أهداف الحزب الذي يتضمن مجموعة القيم والحلول التي يؤدي تحقيقها إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، ويزيل أسباب القهر والظلم والاستغلال، ويوفر حياة أفضل لكل مواطن في ظل تكافؤ الفرص، ويحقق التكافل الاجتماعي، كما يضمن اسهام كل مواطن في بناء الوطن وتحقيق ازدهاره وأمنه ورقيه، لأن بناء الوطن وحمايته مسؤولية وطنية في ظل التكامل بين الدولة والمجتمع وبين المجتمع والفرد .. وتجسيد هذه القيم بمجملها بالهوية القومية الاشتراكية للحزب .
ويجب التركيز في الحزب على مسألتين هامتين في هذه المرحلة:
1 ـ التوجه الاشتراكي للحزب
2 ـ إنجاز التحولات المطلوبة في إطار هذا التوجه الاشتراكي يتم عبر مراحل متوالية ، وكل مرحلة مرتبطة بالعوامل والظروف الاقتصادية والثقافية والسياسية والأمنية والاجتماعية ، وتهدف إلى توفير مستلزمات بناء الشخصية الإنسانية للجميع . ومن أهم هذه المستلزمات خدمات التعليم والصحة والماء والكهرباء والسكن وفرص العمل وغير ذلك ..
إن الحلول الاشتراكية تستند إلى خصائص البلد وظروفه ودرجة تطوره ولا تستورد من الخارج ، مع التأكيد على أهمية التعرف على التجارب الأخرى والاستفادة منها . كما أن التنمية شرط جوهري للاشتراكية . لذلك فإن حشد الطاقات كلها ، الخاصة والعامة ، الفردية والجماعية ، من أجل التنمية يعتبر عملاً يعزز التوجه نحو الاشتراكية. مع الإشارة إلى أنه لا يمكن تحقيق الشكل الأمثل للمجتمع الاشتراكي الذي يناسب خصائصنا وتراثنا إلا في الدولة العربية الواحدة. كما لابد من التأكيد على أن الحلول ذات الطابع الاشتراكي لا يقتصر اهتمامها على القضايا المذكورة فحسب بل هي تركز تركيزاً أساسياً على قضايا تطوير الإنتاج وتوسيعه وتحديثه ، وتعزيز عملية التنمية الشاملة ، وإزالة العوائق أمام تطور المجتمع والاقتصاد ، وتفعيل محرضات النمو ، وجعل العمل المنتج قيمة أساسية من قيم المجتمع يتطلب الاحترام والتقدير والتشجيع . إن تطور الإنتاج يشكل القاعدة الأساسية لتعزيز العدالة الاجتماعية ويوفر الإمكانات اللازمة للارتفاع بمستوى الإنسان والمجتمع وتوفير فرص عمل للأجيال الناشئة وتأمين الخدمات اللازمة، ورفع مستوى هذه الخدمات باستمرار.
ومن أجل تحقيق هذه الحالة الناهضة لا بد من توجيه عملية التنمية وفق خطط محددة تضعها الدولة ، وتعمل في إطارها وعلى قاعدتها العامة جميع القطاعات العام والخاص والمشترك والتعاوني بما يكفل حشد جميع الطاقات الفردية والجماعية والعامة وتأمين مستلزمات مشاركتها الكاملة في عملية النهضة الشاملة وتكتسب هذه القضايا أهمية خاصة وعناية فكرية وتطبيقية مستمرة وإيجاد المعالجات الناجعة لمجمل وسائل التطور ، وخاصة أنها تتلازم مع قضية تأمين مستلزمات الدفاع ، وتعزيز الاستقلال الوطني في مفاهيمه السياسية والاقتصادية ، وتطوير آليات التعاون وتوجهات التكامل على المستوى العربي إضافة إلى التعامل مع العالم ومع السوق الدولية ومع قضايا التطور التكنولوجي وتحديات العولمة .
ومنذ قيام الحركة التصحيحية أكد الحزب في جميع مؤتمراته على هذه المفاهيم واستندت إليها الدولة في القطر العربي السوري في خطواتها التطبيقية . وأدى ذلك كله إلى ظهور نتائج جيدة وإنجازات بنيوية هامة في القطر تتمثل في تأمين مستلزمات بناء الإنسان وتطوير شخصيته الواعية ، وفي إيجاد شبكة واسعة من البنى التحتية التي شملت جميع مجالات الحياة المعاصرة وامتدت إلى جميع مناطق القطر. وجاء هذا البناء الشامل على أساس الاعتماد على الذات، وسط ظروف دولية صعبة وإمكانات محدودة ومتطلبات الدفاع المتصاعدة، وضغوطات اقتصادية وصلت في بعض المراحل مستوى الحصار .
ولكن البناء ينهار ويتلاشى إن لم يتكامل ويتطور ليلبي حاجات المجتمع وأجياله المستقبلية ، ويتماشى مع التطورات . وفي المرحلة الراهنة والمستقبلية بات أمر المحافظة على المنجزات التي تحققت وصيانتها وتوسيعها استكمالاً للبناء وتعزيزاً له يتطلب التجديد والتحديث آخذين بالاعتبار تخفيض كلفة المنتج وتحسين جودته بما يعزز القدرة على المنافسة الداخلية والخارجية ، ولاسيما بعد أن تجاوز الإنتاج مستوى سد الاحتياجات الداخلية وتخطاه إلى الوفرة التي تتطلب تسويقاً خارجياً .
والمهم في هذا كله تعزيز قدرة الحزب وقدرة الدولة التي يقودها الحزب في القطر العربي السوري على تجديد الأساليب والآليات اللازمة لتطوير عملية التنمية وإزالة العوائق القانونية والإجرائية من أمامها وحشد طاقات الأفراد والمجتمع بكامله من أجل هذا الهدف .
إن هذا التوجه يتطلب ما يلي :
1 ـ تعزيز دور الدولة الاقتصادي وفق أساليب وآليات متطورة ومناسبة بما يضمن تحقيق التوازن في الاقتصاد والمجتمع ودفع عملية التنمية والتطور .
2 ـ تعزيز دور القطاع العام ، وخاصة القطاع الانتاجي منه ، وتطويره إياً واقتصادياً بما يضمن ممارسته لهذا الدور وأسلوب الاة الاقتصادية ، وتصحيح أوضاع شركات ومؤسسات القطاع العام الصناعية والمصرفية والخدمية وتحديثها لتصبح مؤسسات اقتصادية قادرة على المنافسة من جهة وتحفظ التوازن في الاقتصاد الوطني من جهة أخرى .
3 ـ تفعيل عمل القطاعات الثلاثة العام والخاص والمشترك وتطوير إسهامها في عملية التنمية ، وتشجيع الاستثمار للأفراد والمجموعات والقطاعات ، وما يتطلب ذلك من عمل على إزالة العقبات وخلق المناخات الملائمة.
4 ـ تطوير وتحديث السياسات الاقتصادية والنقدية و القوانين بما يوفر المناخ الملائم للاستثمار ولتعزيز ثقافة الانتاج وقيم العمل المثمر .
6 ـ الموقف من الدين
لا شك في أن مسألة الدين والتدين تحتل حيزاً خاصاً في مجمل الشخصية الثقافية العربية . بل إن هذه المسألة بالذات تعتبر واحدة من أهم ما يميز الثقافة العربية عن غيرها من الثقافات ويؤكد جوهرها الإنساني وعمق مضامينها الفكرية ..
فالأرض العربية تتميز عن غيرها بأنها مهد الرسالات السماوية والديانات ، والأمة العربية تتميز في أنها كانت حاضنة هذه الديانات وحاملة لوائها وناشرة قيمها بين بني البشر .
ويظهر التمازج الحقيقي بين العرب والأديان في أبهى صوره عبر الدين الإسلامي الذي أكد بوضوح على القيم التي آمن بها العرب عبر تطورهم التاريخي ، وهي قيم التسامح والمحبة والدعوة للخير والعمل وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع ومناهضة الظلم والطغيان ومقاومة العدوان والاحتلال والدفاع عن الكرامة ، وهو ثورة على التخلف والتعصب والفرقة والتشرذم ودعوة للوحدة والتضامن.
هذه القيم حملتها كل الديانات ، إلا أن الاسلام حولها إلى قوة حركت الأمة العربية ووحدتها وحرضت طاقاتها الحضارية وجعلتها واحدة من أهم الأمم وأكثرها شاناً عبر عصور متوالية . ثم وصل دور الامة إلى مرحلة الجمود عندما تفككت الدولة الواحدة وسادت التناقضات بين الكيانات . وجاء الغزو الصليبي والاستعمار الغربي الذي عمل على تمزيق العرب وإضعافهم عبر استهداف هويتهم الثقافية والحضارية ، خدمة لمشاريعه في السيطرة والهيمنة. وبما أن مشروع النهضة العربية يؤكد على التواصل بين الأصالة والتحديث ، بين التراث ومتطلبات العصر ، فإن هذا يشمل أيضاً الموقف من الدين باعتبار الدين مكوناً أساسياً من مكونات الشخصية العربية .
وعلى هذا الأساس يميل الإنسان العربي نحو التدين ، وتظهر محاولات لاستغلال هذا الميل ودفع الناس إلى مواقف ليست من الدين في شيء ، وفي المقابل نرى بين بعض التقدميين والقوميين من يقفون موقف المتحامل على الدين نتيجة انتقاداتهم لتحجر عقول بعض مستغلي الدين والمتاجرين به.
إن هذين الموقفين: استغلال ميل الناس للتدين، وما يقابل ذلك من تحامل على الدين، هما موقفان يسيئان إلى الدين وإلى القومية والتقدمية في الوقت نفسه، ولابد من معالجة هذه المظاهر والإشارة إلى خطر تصاعدها وتفاقمها وتهديدها للوحدة الوطنية. وهذه المعالجة ضرورية وممكنة وخاصة أننا نشهد تعزيزاً مستمراً للفكر القومي الذي يؤكد على الترابط بين العروبة والاسلام في أذهان عامة الناس والذي يعمل على ترسيخ هذا الترابط بشكل منظم عبر التربية والإرشاد والإعلام وغير ذلك من مكونات بناء الإنسان ..
وتحقيقاً لهذه المهمة يجب إعادة التأكيد على العلاقة التكاملية بين العروبة والإسلام ، ومواجهة كل المحاولات الرامية إلى وضع حواجز بينهما وإظهارهما في مظهر متناقض وفي حالة عداء . وتتطلب هذه القضية التأكيد على مايلي :
1 ـ احترام الأديان وحرية التدين لكل المواطنين .
2 ـ إن الاسلام ، بوصفه تعبيراً عن جوهر الثقافة العربية الانسانية ، كان العامل الرئيسي في نهوض العرب وانتقالهم إلى عصر الفعل والوحدة حيث أسس العرب ، استناداً إلى قيم الإسلام ، حضارة إنسانية راقية لايزال العالم مديناً لها في تقدمه وتطوره المبني على الأسس التي وضعتها . وقيم الإسلام التي تم ذكرها تمثل قاسماً مشتركاً بين كل العرب من مسلمين ومسيحيين ..
3 ـ وبما أن قيم الإسلام تعبير عن جوهر الثقافة العربية الواسع، فإن محاولات استغلال الإسلام لخدمة أغراض سياسية لبعض الجماعات تسيء إليه وتضيق من أطره الواسعة وقيمه الشاملة. وهذا يؤدي إلى تفتيت الوحدة الوطنية للشعب والأمة..
كما أن التطرف والتعصب والدعوات الطائفية والمذهبية والقبلية والإقليمية تتنافى مع الأديان وقيمها ، وعلى وجه الخصوص مع جوهر الإسلام وقيمه التي تدعو الى الوحدة والتسامح والنضال ضد الظلم والعبودية والاستغلال والتفاهم والتشارك..
4 ـ إن حزب البعث العربي الاشتراكي إذ يؤكد نهجه العلمي يشير الى أن هذا النهج لا يتعارض مع القيم الحقيقية للأديان، كما يؤكد أهمية تعزيز هذه القيم وخاصة تلك التي تدعو الى النضال ضد الظلم والاحتلال والاستغلال وتحض على العمل والكرامة وتحرير الانسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين والتسامح والدعوة للخير والوحدة الوطنية، وتدعو الى الدفاع عن الوطن وتحرير أرضه المحتلة وتكاتف الجميع في مواجهة الطامعين بأرضنا وأمتنا وفي التعامل مع تحديات العصر ومتطلباته..
5 ـ وحزب البعث العربي الاشتراكي يواجه ويعارض الاتجاهات التي تنادي باستخدام الدين وسيلة لتحقيق المصالح الخاصة وإظهاره بمظهر العائق في طريق تطور الأمة وتقدمها، وتحويله الى أحزاب تجعل منه أداة للتفريق بين الناس.
كما يؤكد على خطورة كل محاولة للعزل بين الإسلام من جهة والعروبة والقومية والتقدم من جهة أخرى، بغض النظر هل جاء ذلك من الذين يدعون بأنهم في جانب الإسلام أو أولئك الذين يدعون بأنهم في جانب العروبة أو التقدم أو الاشتراكية. إن الادعاء بوجود تناقض بين العروبة والإسلام يتنافى مع المنطق والوعي الصائب ومعرفة التاريخ وفهم الجوهر التكاملي للوجود العربي..
إن هذه القضايا تتطلب معالجة مستمرة على أساس وعي حقيقي متفهم يسهم في الاستفادة من توجه الناس نحو الدين عبر تأكيد قيم الدين الحقيقية وخاصة النضال والكفاح ضد العدوان والظلم والاستغلال بكل أنواعه. ولقد أثبتت هذه القيم فعاليتها في جنوب لبنان وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ برزت القيم الحقيقية للدين كواحد من أهم محرضات النضال والكفاح والشهادة من أجل عزة الوطن واستعادة حقوق الأمة.
7 ـ موضوع الحداثـة
إن نهجنا الفكري الذي يصوغ مواقفنا من الحياة وقضاياها ينطلق من القيم الكبرى التي حملتها الثقافة العربية ، كما ينطلق أيضاً من منطق العصر وحاجاته ومفاهيمه وفق منهج الربط بين الأصالة والحداثة، والعمل على وضع الفكر في صالح الحياة استناداً الى مناهج عقلية وواقعية في التفكير، تحليلاً واستنتاجاً.
وعبر التاريخ لم تستطع أمة أن تبني حضارتها وتؤسس مدنيتها بمعزل عن التعامل مع محيطها ومع العالم، فالتفاعل بين الحضارات أخذاً وعطاءً قائم منذ بداية التاريخ. والحضارة العربية مثال واضح فهي منتج لعوامل عديدة منها مساهمة الحضارات والثقافات الأخرى في نموها وإغنائها، كما أسهمت هي بدورها في إغناء الحضارات التي أتت بعدها. ولا تستطيع أمة مهما امتلكت من وسائل أن تبني نفسها بصورة منعزلة عن العالم وحتى إذا امتلكت الامكانات فإنها تجد نفسها مسوقة بحكم قوانين الحياة الى العمل على نشر مفاهيمها. وخلال عملية الانتشار يجري التفاعل ويتحقق التطور.
وإذا كانت هذه الحقيقة ماثلة منذ آلاف السنين فكيف بعالم اليوم حيث بات انتقال الأفكار والعلوم وأنماط الحياة مسألة بغاية السهولة والبساطة، وأصبح من الاستحالة البحث عن حواجز تحد من هذا الانتقال؟..
وفي عالم اليوم الذي يشهد تغييرات مثيرة في أنماط الحياة والتفكير والممارسة وفي تحديد معالم الحاضر واحتمالات المستقبل يجب أن نبحث عن السبل الكفيلة بتعزيز التطوير والتحديث بما يمكننا من توفير عوامل النهوض والتقدم..
لكن التحديث والتطوير لا يعنيان النقل واستخدام منتجات العلم، وإنما تنمية القدرة على الاسهام في تطوير العلم ومنتجاته من خلال ذهنية جديدة واعية لخطورة استمرار حالة الجمود أو حالة التطور البطيء.
والحداثة، بوجه عام، هي نهج التفكير المبني على المنهج العقلي في المعرفة، أما التحديث فهو عملية تطبيق الحداثة على أمور الحياة ومجالاتها كافة. ففي الحداثة والتحديث يتكامل الفكر مع الممارسة. وتطرح الحداثة كقاعدة أساسية للتطور، إذ أنها منطلق منهجي للإبداع والتجديد والتخلص من الجمود الذي يؤدي الى التراجع والتخلف. ومن العبث الحديث عن تحديث الدولة والمجتمع عبر استخدام آخر منتجات العلم في الوقت الذي يبقى فيه العقل حبيس الماضي وأسير الجمود.
وقد بنى الغرب حضارته المعاصرة على أساس الحداثة، لكنه في تركيزه على المنهج العقلي أهمل الجوانب الثقافية والأخلاقية والقيمية وغيرها من الجوانب الإنسانية، مما أدى إلى توجيه أفضل ما في العلم نحو إنتاج وسائل الدمار وتلوث البيئة، وبناء مجتمعات يسيطر فيها القوي على الضعيف والغني على الفقير مع امتداد ذلك الى المستوى العالمي.
وبسبب ابتعاد الحداثة الغربية عن القيم والمعايير الأخلاقية، ظهرت في الغرب تيارات (ما بعد الحداثة) التي تنتقد الاستخدام التعسفي النفعي للمنهج العقلي واستلاب إنسانية الإنسان في إطار مفاهيم السوق والنفعية المادية والمصالح الفئوية الضيقة..
إن تطلعنا نحو الحداثة يجب أن يكون مقروناً بربطها بالأصالة. فقد كانت ثقافتنا العربية، في أوج نهوضها، تعمل على التوفيق والتلازم بين المنهج العقلي ومنهج تعزيز القيم الإنسانية والأخلاق التي توجه العقل والعلم والمعرفة..
إن الربط بين الحداثة والأصالة في مشروعنا القومي معناه تفعيل البحث في كنوز الثقافة العربية في مختلف مراحل تطورها عن معالم المنهج العقلي والكيفية التي تم بها ربطه بالقيم الإنسانية والأخلاق، وتطوير منطلقات المنهج العقلي العربي وفق معطيات العصر الحديث ونتائج التقدم الذي تحقق في القرون الماضية.
وانطلاقاً من مضامين هذا الكنز الكبير يمكن التفاعل مع ما تقدمه الحضارة المعاصرة، وانتقاء ما هو إنساني في تطور العلوم والتكنولوجيا، والاشارة إلى كل ما هو خطر على البشر، سواء في تطبيقات العلم أو في تلوث البيئة، أو في النظريات الاجتماعية والسياسية كالصهيونية وجميع أشكال العنصرية، كالهيمنة والاستغلال والتسلط.
إن رسالة العرب تتلخص في إعادة الحداثة الى نسقها الطبيعي والابتعاد عن العقل النفعي، وإعادة ربط المنهج العقلي بالمعايير القيمية وبإنسانية الانسان على اعتبارها هي القيمة العليا وليس قيم السوق وأخلاقية البضاعة. وهذا يعتبر واحداً من أهم المضامين والمنطلقات الفلسفية لمشروعنا القومي العربي المعاصر.
8 ـ موضوع العولمة
العولمة تعني، بوجه عام، ترابط العالم وتواصل أجزائه والتفاعل بين هذه الأجزاء، حيث تأخذ الأفكار والممارسات والتوجهات والتطورات بعداً عالمياً، وتنتهي شيئاً فشيئاً كل انعزالية أو انغلاق..
والعولمة ظاهرة قديمة، تمثل نزوع الانسان والظواهر نحو الساحة الأوسع التي تتخطى الحدود الاقليمية أو الجغرافية أو الثقافية. أما العولمة المعاصرة فقد ظهرت بداياتها في كنف النظام الاستعماري. وبعد الحرب العالمية الأولى ظهر هذا المصطلح مفهوماً مركزياً في النظريات الجيوسياسية للقوى الكبرى، وأشار الى تخطي مشاريعها الجيوسياسية والاستراتيجية الحدود الاقليمية الى مساحات العالم بكامله، مؤكدة على ترابط أجزاء هذا العالم واعتباره مادة متكاملة لمصالحها وأهدافها في السيطرة و استغلال ثروات العالم.
بعد الحرب العالمية الثانية توسع مفهوم العولمة ليشمل مضامين اقتصادية وثقافية وتكنولوجية وإعلامية. وقد انتشرت الحدود الجغرافية للعولمة لتشمل العالم بكامله، بالمفهوم الجغرافي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
وقد ظهرت مضامين هذه العولمة الأساسية في عالم غير متوازن وغير متكافىء، يسيطر عليه منطق التطور الرأسمالي الذي يقوم على قواعد التطور غير المتوازن على المستوى العالمي، وتسيطر فيه القوى الرأسمالية الكبرى التي تعمل على تعزيز هيمنتها وسيطرتها على العالم بكامله.
وقد أسهم في تعزيز ظاهرة العولمة التطور التكنولوجي الحاد، وخاصة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والإعلام، مما سهل الانتقال السريع للأفكار والمعلومات حتى أصبح العالم وكأنه قرية صغيرة. ومن أهم سلبيات ظاهرة العولمة الراهنة تعزيزها لسيطرة قوى الهيمنة على مقدرات العالم مستغلة الفوارق بين الأغنياء والفقراء وبين الدول المتطورة والدول النامية. وتقوم هذه القوى بالتأثير على الاقتصاد العالمي عبر آليات متعددة من أهمها آليات النظام النقدي العالمي والنظام المالي العالمي وعمليات الشركات متعددة الجنسيات ومنظمة التجارة العالمية وسياسات الاستثمار والتجارة والمضاربات وتفعيلات رأس المال المالي، إضافة الى ما يقدمه الوضع الاحتكاري للعلم والمعرفة والتكنولوجيا من أولويات وقدرة على التحكم تمتلكها قوى الهيمنة.
ومن السلبيات أيضاً مسألة الغزو الثقافي، إذ إن العولمة تعزز هذه الظاهرة وتقوي من محاولات الهيمنة الثقافية وفرض نمط من التفكير والقيم والتقاليد وطريقة الحياة، وكل مضامين الثقافة الأخرى، وعدم الاعتراف بما تمتلكه الأمم الأخرى، وخاصة العريقة منها وفي مقدمتها الأمة العربية، من إرث ثقافي غني وطريقة حياة وتفكير متميزة. وتحاول قوى الهيمنة، عبر الغزو الثقافي، إحلال ثقافة جديدة بديلاً عن الثقافة والهوية الخاصة لكل أمة.
لكن العولمة تقوي من حدة التناقض العالمي العام، وهو التناقض بين الأوضاع الاحتكارية (اقتصاداً وعلماً وثقافة) لقوى الهيمنة والقطب الواحد، وبين الطبيعة العالمية، الانسانية، للانتاج والعلم والمعرفة وتقوية هذا التناقض يعتبر أمراً إيجابياً على المستوى التاريخي إذ أنه يقرب العالم من الحل الأكثر تطوراً.
وللعولمة إيجابيات معينة، فهي تفرض الانتقال السلس والسريع للمعلومات والعلم والمعرفة والتكنولوجيا والتفاعل الثقافي، مما يؤدي للتفاعل بين الثقافات وإغناء بعضها البعض فيما لو توفر مناخ للحوار والأخذ والعطاء وبما يساعد على شمول عملية التطور لتشكل هي الأخرى ظاهرة عالمية يستفيد منها الجميع.
لكن المشكلة في أن السلبيات تفرض فرضاً، أما الايجابيات فلا تستطيع الدول النامية الاستفادة منها تلقائياً، ففي كثير من الحالات تحتكرها القوى التي تمتلكها وتحاول حجبها عمن هم بحاجة إليها في الدول النامية. وعلى البلدان التي تعاني من محاولات اختراق ثقافتها أن تعزز انتماءها الثقافي والقومي وتشكل كتلاً اقتصادية كبرى قادرة على التعامل مع أهم مضامين العولمة (العلم والمعرفة والاتصالات والتكنولوجيا) بما يعزز إيجابيات هذه الظاهرة.
إن تحقيق المشروع القومي العربي، بكل مضامينه، هو العامل الوحيد الذي يمكننا من الاستفادة مما تقدمه العولمة من إيجابيات وإتقـاء سلبياتها.
خـاتمـــة
إن الصيغ الواردة التي تم إقرارها تشكل منطلقاً لتطوير الحزب وتطوير مسيرته النضالية في مختلف جوانبها الفكرية والتنظيمية والسياسية والاقتصادية بما يسهم في تعزيز هذه المسيرة وتعميق مضامينها.
وتشكل هذه الصيغ نهجاً متكاملاً ومتطوراً يتم على أساسه التعامل مع الواقع في مرحلة جديدة تختلف سماتها ومضامينها عن مراحل سبقتها. إن فهم هذه الصيغ المتكاملة واستيعابها وجعلها منطلقاً لممارساتنا يسهم في تعزيز دور حزبنا وإنجاز برامجه المرحلية والتقدم المستمر على طريق تحقيق أهدافه الأساسية، كما يمكننا ذلك من تجاوز الصعاب والعقبات والسلبيات.
إن حزبنا القائد للدولة والمجتمع في القطر العربي السوري، وكذلك منظمات حزبنا القومية تقف اليوم أمام مهام نضالية كبيرة، مما يتطلب وضع برامج للتحديث والتطوير استناداً الى هذه الصيغ العامة، وبما يتلاءم مع ظروف كل قطر ومرحلة تطوره ، ويعزز دور منظماتنا الحزبية في مجمل النضال الشعبي في أقطارها العربية.