السفير- جميل السيد «ينذر» الحريري ... و«ينبّه» بيلمار
13/09/2010 العدد: 11690
تمويل المحكمة مادة خلافية جديدة نيابياً وحكومياً
جميل السيد «ينذر» الحريري ... و«ينبّه» بيلمار
مع انتهاء عطلة عيد الفطر وبدء عودة المسؤولين والسياسيين من إجازاتهم، يستأنف البلد دورانه في دوامة الازمات المتعددة التي يختلط فيها السياسي بالمعيشي، والامني بالاقتصادي، من دون ان تلوح في الأفق أي حلول قريبة لها.
وفي نهاية الاسبوع، خطف اللواء جميل السيد الاضواء ومهد لمرحلة ما بعد عطلة العيد بكلام من العيار الثقيل، أعاد ترتيب النقاط على حروف قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فيما يترقب حزب الله الخطوة التالية التي سيقدم عليها الرئيس سعد الحريري بعد مواقفه الاخيرة وما تضمنته من اعتراف بوجد شهود الزور وبالضرر الذي الحقوه بلبنان وسوريا، وسط إصرار الحزب على ترجمة هذا الكلام الى أفعال تصب في خانة محاسبة مفبركي هؤلاء الشهود.
وبالعودة الى ما أدلى به السيد في مؤتمره الصحافي، من البديهي القول انه يستدعي متابعة من المعنيين في الدولة اللبنانية والمحكمة الدولية، إما لإنكاره بالوقائع والادلة الثابتة وعندها يجب ان يُحاسب السيد على اقواله، وإما للتدقيق في كلامه وتأكيد صحته، وعندها يجب ان يتوسع التحقيق ليطال كل من طالته اتهامات اللواء بالمشاركة في التضليل والتزوير.
ولو كنا في دولة تحترم كرامتها وتحترم عقول أبنائها، فإن كلاما خطيرا من الوزن الذي أطلقه السيد ينبغي ألا يمر مرور الكرام، وإذا حصل ذلك ولم يحرك أحد من المعنيين ساكنا، فهذا سيكون في حد ذاته إعترافا ضمنيا بصحة أقوال السيد الذي شن هجوما شرسا على سلوك الحريري حيال ملف شهود الزور، وعلى القاضيين سعيد ميرزا وصقر صقر ورعاة شهود الزور، متوعدا بصدور مذكرات توقيف غيايية بحقهم قريبا عن القضاء السوري، وداعيا المدعي العام الدولي دانيال بيلمار الى الاستقالة.
وكعادته، بدا السيد منهجيا في طروحاته، متمكنا من ملفه، متسلحا بالمعطيات والتواريخ والوثائق والشهود الفعليين عند كل واقعة أثارها او توقف عندها، من دون ان ينفي ذلك لجوءه أحيانا الى نبرة مرتفعة وانفعالية، لامست حدود التحدي الشخصي مع الرئيس سعد الحريري.
وفي انتظار انعكاسات المؤتمر الصحافي للسيد على مسار قضية الاغتيال، برزت بعض ردود الفعل من المقربين الى الرئيس الحريري، ومن بينهم النائب عقاب صقر الذي شن هجوما عنيفا على السيد واتهمه بالسعي الى الحصول على رشوة مالية من الحريري في مقابل التنازل عن قضيته.
وفي حين غادر اللواء السيد ليلا الى باريس، أصدر مكتبه الاعلامي بيانا نفى فيه «المزاعم الكاذبة لنائب المستقبل عقاب صقر عن وجود سمسار بينه وبين الحريري»، مستغربا عدم ذكر اسم هذا السمسار حتى الآن، وواعدا النائب صقر «بعمولة كبيرة إذا قام بهذا الدور الذي يتقنه جيدا».
مؤتمر السيد
فقد عقد اللواء جميل السيد مؤتمرا صحافيا في فندق «غاليريا» أكد خلاله انه ما لم يحاسَب شهود الزور فعبثا التفتيش عن الحقيقة.
وأشار الى ان المحكمة الدولية تعرف ان وراء شهود الزور فريق رئيس الحكومة سعد الحريري السياسي والامني والقضائي، وبيلمار وبراميرتز يعرفان ان وراءهم دولة فيها سعد الحريري وفؤاد السنيورة وأشرف ريفي، وقد رأت المحكمة انه في حال حاسبت شهود الزور فستصل الى هؤلاء وهي ليست بمعزل عن التأثير السياسي، لذلك تراجعت، وقررت من اجل حماية فريق سعد الحريري ان تصيب نفسها فألغت صلاحيتها عن محاسبة شهود الزور، سائلا كيف يكون طاقم المحكمة الدولية نزيها وفيه القاضي رالف رياشي.
واستغرب احتفاظ الحريري بفريق «يخرّب لبنان ومخردق من كلّ أنواع المخابرات العربية والدولية ولا يهمّه سوى إرضائك والقبض منك». وشدد على ان كل من كذب في تحقيق رسمي سواء اقسم اليمين او لا، يعتبر شاهد زور عند الجميع الا عند تيار المستقبل وفرعه الشرقي، اي القوات اللبنانية.
ودعا الحريري الى الخضوع لآلة كشف الكذب للتأكيد انه لم يدعم ولم يمول شهود الزور، والى ان يعترف بأنه باع دم والده لمدة 4 سنوات من اجل تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد. واضاف: «اقسم بشرفي يا سعد الحريري إن لم تعطني حقي فسآخذه بيدي في يوم ما».
كما دعا الحريري الى محاسبة القضاة سعيد ميرزا وصقر وصقر والياس عيد وديتلف ميليس لأنهم تواطأوا على التحقيق، مضيفا: «كل هذه التركيبة تحتاج الى إعدام». وقال ان ميرزا ما زال حتى اليوم يأخذ قسائم البنزين من الامن العام.
اضاف إن سعد الحريري سيفاجَأ بمذكّرات توقيف غيابية تصدر عن القضاء السوري بحقّ شهود الزور وشركائهم «إذا لم ترسلهم إلى القضاء السوري للإدلاء بشهاداتهم».
وإذ أكد ان وسط بيروت مغتصب من قبل سوليدير، توجه للحريري بالقول: لا يجب ان تقبل بدفن والدك في أرض مغتصبة.
وحث الشعب اللبناني على ان يتوحد ضد هذه التركيبة ويسقطها، حتى ولو بالقوة، في الشارع.
وكشف أنّ من يقف وراء مقال «دير شبيغل» باتهام «حزب الله» باغتيال رفيق الحريري، امرأة كانت تعمل في المحكمة وليست قاضية، من دون أن يسمّيها.
وطالب المدعي العام الدولي القاضي الكندي دانيال بيلمار بالاستقالة من منصبه بسبب خضوعه للإرادة السياسية.
وأعاد تسليط الضوء على كيفية قيام رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن بتجنيد الشاهد أحمد مرعي في مقابل تقديمات قضائية بإخلاء سبيل أقاربه وتخفيض الأحكام بحقّه وتنظيف سجّله.
ورأى ان الحسن اراد من وراء اكتشاف العملاء القول انه يقاوم اسرائيل عندما يقال له انك تضرب المقاومة، لافتا الانتباه الى ان الحسن اعتقل عملاء من الدرجة العاشرة والتاسعة. اما عملاء الدرجتين الاولى والثانية فلم يعتقلوا، كاشفا عن ان الحسن اتصل ببعض الصحافيين وقال لهم انه منذ 2006 التهمة «لابسة» حزب الله باغتيال الحريري.
وطلب من الحريري ان اراد ان يكون ملكا على لبنان، ان يتمتع بشهامة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز.
واعتبر ان سوريا، السعــودية وفرنسا لا تريــد الفتنة، لكن مــصر والاردن واســرائيل وبعض الادارة الاميركية يريدونهــا، داعيا الادارة المصرية الــى ان تسحب الدبلوماسي احــمد حلــمي من لبنان «لانه يحــرض على الفـتنة ويقـول ان مصـر ستقاتـل السوريـين».
لجنة المال
الى ذلك، من المقرر ان يطلب عدد من النواب في الاجتماع المقبل للجنة المال والموازنة إيضاحات من وزيرة المال ريا الحسن حول ما تردد عن انها سددت حصة لبنان المالية في المحكمة الدولية، وسيسأل النواب في حال صح الامر عن المرتكز الدستوري والقانوني الذي ارتكزت عليه الحسن في عملية الصرف وكيفية تهريبها، علما بأن شراء قرطاسية لأي وزارة لا يمكن ان يحصل من دون إقراره في الموازنة.
وفيما كان مقررا ان تعقد اللجنة جلسة اليوم، علمت «السفير» ان رئيسها النائب ابراهيم كنعان قرر إرجاءها الى يوم غد الثلاثاء، استجابة لطلب عدد من النواب الذين ما زالوا منهمكين بواجبات عيد الفطر.
وكان بعض النواب قد استفسر في جلسة سابقة للجنة من الحسن حول مسوّغ الصرف من موازنة 2010 بشكل مخالف للدستور من دون ان تكون قد أقرت في مجلس النواب. وواجهت الحسن اعتراضات شديدة من نواب متعددي الانتماءات السياسية، اعتبروا ان لا جدوى لمناقشة الموازنة والتدقيق في تفاصيلها إذا كان الإنفاق يتم بهذه الطريقة المخالفة للدستور والمتجاوزة لمجلس النواب، محملين الحكومة مسؤولية ما يجري.
وإزاء هذه العاصفة النيابية، أوضحت الحسن ان الوزارات تنفق الآن بحسب ارقام موازنة 2010 انطلاقا من الاعتمادات التشغيلية لتسيير شؤون الدولة، مشددة على ان هذا الإنفاق لا يشمل الصرف من قوانين البرامج (تشمل على سبيل المثال مشاريع مجلس الانماء والاعمار، مشاريع الطرقات..).
وبينما أُدرجت مساهمة لبنان في تمويل المحكمة، والبالغة 49%، في قانون برنامج ضمن موازنة 2010، علمت « السفير» ان بعض النواب سيثير في الاجتماع المقبل للجنة كيفية تسديد حصة لبنان في المحكمة من زاوية السؤال عن الغطاء الشرعي لهذه الخطوة، ما دامت لجنة المال لم تنته من مناقشة الموازنة وما دامت الحسن تؤكد انه لم يتم اللجوء الى الصرف من قوانين البرامج. اما إذا كان الدفع قد تم استنادا الى سلفة من مجلس الوزراء فان هذا الإجراء هو ايضا غير قانوني لان السلفة يجب ان تعطى استنادا الى ابواب الإنفاق في آخر موازنة قانونية مقرة، أي موازنة 2005 التي لا تتضمن بطبيعة الحال بند المحكمة.
وأكدت اوساط نيابية لـ«السفير» ان التدقيق في موضوع تمويل المحكمة ليس نابعا من حسابات سياسية ولا يرتبط بالموقف من المحكمة، بل هو ينطلق من مبدأ وجوب احترام الدستور.
وقال عضو اللجنة النائب حسن فضل الله لـ«السفير»: ان كل إنفاق يجري زيادة على الموازنة المقرة رسميا عام 2005 هو غير دستوري وغير قانوني، ما دامت موازنة 2010 لم تقر بعد، محملا الحكومة مسؤولية هذا الخرق الدستوري الكبير، ومطالبا إياها بان توضح صيغة الانفاق الذي يتم لأن هناك معطيات نشرت عن تهريب تمويل مساهمة لبنان في المحكمة، قبل ان تقر الموازنة في مجلس النواب، في وقت تبلغت لجنة المال رسميا من الحكومة أن لا إنفاق من قوانين البرامج، فأين هي الحقيقة في الامر.
ونبه الى ان السياسة المعتمدة في الإنفاق خلافا للاصول، بما فيها من تسيب وتفلت من القوانين، إنما تعكس نموذج دولة اللاقانون واللادستور التي يريدونها في لبنان، ما يناقض كل الشعارات التي تتردد على ألسنة البعض، كأن هناك محاولة لتيئيس اللبنانيين من إمكان قيام دولة حقيقية.
2010© جريدة السفير