النداء - اللقاء الثقافي الأول في صيدا بمشاركة 53 هيئة ثقافية واجتماعية
اللقاء الثقافي الأول في صيدا بمشاركة 53 هيئة ثقافية واجتماعية
الهيئات الثـقافية تبادلت خبراتها ودعت إلى قيام جبهة ثـقافيـة
دفـاعـاً عن حقـوق الإنسان ووحـدة الوطـن والديمقراطيـة *
أقام " المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا " لقاءه الثقافي الأول في ندوتين حاشدتين ، صباحية وبعد الظهر ، وذلك يوم الجمعة في 3 شباط 1989 تحت عنوان "الثقافة والمؤسسات الثقافية بين الواقع والمستقبل : تجربة ذاتية". في قاعة محاضرات جمعية "دار رعاية اليتيم" في صيدا وبحضور حشد كبير من فاعليات المدينة والمنطقة من هيئات سياسية وثقافية وتربوية واجتماعية ، وفي مقدمتهم نائب صيدا الدكتور نزيه البزري ، ومحافظ الجنوب الأستاذ حليم فياض ، ونائب رئيس التنظيم الشعبي الناصري الدكتور أسامة سعد ، وقاضي المحكمة الجعفرية في صيدا السيد محمد حسن الأمين ، والعميد عدنان الخطيب ، وقائد جيش التحرير الشعبي خضر سكيني ، وممثلين عن ثلاث وخمسين مؤسسة ثقافية اجتماعية من مختلف المناطق اللبنانية من الشمال والبقاع والجنوب وبيروت .
في إفتتاح هذا اللقاء الأول من نوعه الذي يعقد عاصمة الجنوب ألقى رئيس المركز الثقافي الدكتور مصطفى دندشلي كلمة ترحيب بالوفود والهيئات المشاركة فوجه إليهم تحية " من صيدا جبل عامل ، من صيدا المقاومة الوطنية ، والمقاومة من أجل تحرير الأرض والوطن والإنسان ، من صيدا العروبة التي أعطت الريادة والثقافة المميزة إلى لبنان الحضاري النهضوي المتقدم ، من صيدا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية الرأي والمعتقد والإيمان ، من صيدا الوحدة الوطنية والعيش المشترك التاريخي بين الإسلام والمسيحية ، انطلاقاً من المساواة بين الحقوق والواجبات والقيمة الإنسانية ".
ثم وجه كل من الدكتور نزيه البزري والدكتور أسامة سعد والقاضي السيد محمد حسن الأمين تحيات إلى المشاركين في هذا اللقاء الثقافي العام ، ممثلاً وحدة وطنية لبنانية قلّ نظيرها . كما أشاد المتحدثون بجهود المركز الثقافي الحثيثة والفاعلة على صعيد الثقافة والتربية في منطقة الجنوب مؤكدين دور صيدا وريادتها في هذا النطاق .
الندوة الصباحية
الكلمة الأولى كانت لرئيس الندوة الصباحية القاضي حسن القواص مشيراً فيها إلى الفوارق في الأوضاع بين الماضي والحاضر وإلى بعض مفاهيم الثقافة والحضارة عند الأقدمين والمحدثين .
تحدث بعد ذلك مدير الندوة الدكتور عبد الله كنعان ممثلاً المركز الثقافي عن الغاية من اللقاء فحددها في الإسهام في تحريك الجو الثقافي العام وتوثيق عرى التعاون بين الجمعيات الثقافية في لبنان وتوضيح بعض المفاهيم الأساسية لعمل ثقافي حقيقي ، طرحت بصيغة تساؤلات : ماذا نريد من الثقافة ؟
وما هو مفهومنا للعمل الثقافي ؟ وهل تلعب الثقافة دورها الحقيقي في حياتنا العامة ؟ وما هي علاقة الثقافة بالسلطة السياسية ؟ وعلاقة النظام السياسي بالثقافة وفروعها ؟ وهل تطيّفت الثقافة كما النظام السياسي ؟ حتى أصبحت لكل طائفة ثقافتها الخاصة ومفاهيمها الثقافية المناهضة للثقافة الطائفية الأخرى ؟
مداخلة " اتحاد الكتاب اللبنانيين " قدَّمها أمين السر سمير سعد استعرض ، فيها أبرز ما قام به الاتحاد من إنجازات وأعمال منذ تأسيسه والتضحيات الكبرى في أرواح عديد من أعضائه التي قدمها طوال الحرب الأهلية في لبنان .
وفي كلمة ممثل الحركة الثقافية في أنطلياس المهندس ميشال عقل تحدث عن ظروف تأسيس الحركة (1978) وعن أهدافها ، قال : " إن الثقافة بنظرنا مرادفة للإنسان وحقوقه الأساسية : حقه في الحرية والوعي والتقدم ، وهي بالتالي في مواجهة مع الحرب وثقافتها بكل أشكالها وأساليبها وأفكارها ورموزها وأدواتها . من هنا تصدي الحركة للحرب اللبنانية وللحالة التي أفرزتها والعمل على إرساء قواعد لنموذج ثقافي اجتماعي بديل عن النموذج التي قادنا إلى الحرب والدماء .
رئيس " الرابطة الثقافية " في طرابلس المهندس رشيد الجمالي أكد في مداخلته على الدور المرجو للمؤسسة الثقافية في لبنان ، مؤكداً على أن الثقافة هي فعل تغيير ، وأن التحولات التي تنجم عن الفعل الثقافي هي تحولات من النوع الذي يغدو راسخاً رسوخاً شديداً .
ثم انتقل الجمالي إلى الحديث عن تجربة " الرابطة الثقافية " منذ تأسيسها عام 1943 وأهم ما قامت به من إنجازات ... وأضاف " الرابطة الثقافية تشترك مع الهيئات الثقافية اللبنانية في المعاناة الناشئة عن غياب السلطة والأمن والطمأنينة والأوضاع الاقتصادية المتفاقمة وانعكاساتها الاجتماعية ، والضغوط التي تتعرض لها الحريات العامة ... إلى جانب المشكلات الذاتية المتمثلة أساساً بضعف البنى الداخلية البشرية نتيجة هجرة الكفاءات وحال الإحباط العام .
وفي ختام الجلسة الأولى تحدث الأستاذ حسين شرف الدين رئيس "أمسيات عاملية" في صور . فاشار إلى أن هناك نوعين من العمل الثقافي : "العمل المتحرك ، الذي يتنامى في حركته المستمرة في أوساط المجتمع "، و"العمل الاحترافي الذي يقبع صاحبه في مكان ما ، ليحلل ويناقش ويحاكم". الأول ينطلق من أفكار محددة تتنامى مع المتغيرات والأحداث . والثاني تتحرك مواقعه مع تغير الأحداث باعتبارها مستجدات تفرض التحول في النظرة ...
ثم ختم مداخلته قائلاً إن " علينا أن ننظر بإحكام لمفهوم الثقافة والعمل الثقافي ، نستخرجه من واقعنا الاجتماعي ونعرضه على أخلاقياتنا الموروثة واستبعاد ما تداخل فيها تبريراً لوقائع ...".
الندوة المسائية
زفي الساعة الرابعة بعد الظهر افتتحت الندوة الثانية في نفس المكان برئاسة "النادي الثقافي العربي" ممثلاً برئيسه المهندس محمد قباني . الذي أشار في مداخلته إلى ما يواجه العمل الثقافي في لبنان من " أزمة هي جزء من الأزمة التي تواجهها مختلف القطاعات والتي هي أوجه المحنة التي يعيشها البلد بعد حرب دمرت معظم المرافق الاقتصادية والاجتماعية وقسمت البلاد وهجرت العباد ...".
وبعد أن استعرض أهم أعمال " النادي الثقافي العربي " طوال سنوات الحرب واستمرارية نشاطاته التي لم تتوقف أبداً ...
كان المتحدث الأول في جلسة بعد الظهر الدكتور حسن صعب الأمين العام لـ"ندوة الدراسات الإنمائية" فوجه تحية إلى " يوم صيدا الثقافي هذا " بوصفه " من أيام صحوة العقل في لبنان ". وقال :" إن الإنسان هو إمكان لم يتحقق بعد ، وإن لبنان هو إمكان لم يتحقق بعد ، والعروبة هي أيضاً إمكان لم يتحقق بعد "، معتبراً " الإمكانات الإنسانية لا حدَّ لها والمستقبل هو احتمالات وليس احتمالاً واحداً ".
المداخلة الثانية قدمها الدكتور إبراهيم بيضون نائب الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، وجاء فيها :" إن هاجس المجلس الثقافي منذ بدء مسيرته قبل ربع قرن بأن لا يكون مجرد صالون أدبي أو حلقة صغيرة ينتظم فيها الشعراء والمنشدون لإلقاء الشعر وغيرهما من نماذج كانت منتشرة في كل قرية من الجبل العاملي ، ولكنه نشأ في أحضان قضيته التي اتخذت مكانها في كل بيت جنوبي . والتقى مع الحركات الوطنية في المشرق العربي . وإذ تحل نكبة فلسطين ، التي كانت كذلك نكبة للجنوب اللبناني لما كان بين الإثنين من تشابك اجتماعي واقتصادي وسياسي ، يترسخ هذا الدور العربي وتتعمق جذوره في الأرض ، متراكماً فوق نضالات العاملين في إطار الحركة العربية".
المتحدثة الثالثة السيدة فائقة السباعي عويضة مديرة " المنتدى " استعرضت مجمل نشاطات المنتدى التي توزعت بين الندوات العلمية وحفلات التكريم والمعارض الفنية والحرفية والعلاقات الدولية والخيرية وأنهت مداخلتها بالتأكيد على أهمية التعاون بين مختلف المراكز الثقافية والتنسيق فيما بينها وتبادل المعلومات والنشاطات وعقد المزيد من المؤتمرات واللقاءات للتخطيط والدراسات لرصد الاتجاهات الثقافية ومعرفة الحاجات والعمل على تلبيتها .
وختم رئيس " المركز الثقافي للبحوث والتوثيق " هذا اللقاء الثقافي بكلمة مسهبة شكر فيها جميع المشاركين في هذا اللقاء من مؤسسات وهيئات وشخصيات صحافية وثقافية . ونوّه كذلك بأعمال المركز وإنجازاته منذ عشر سنوات من تأسيسه حتى الآن، ثم ركّز في مداخلته على مفهوم الثقافة والعمل الثقافي ودور المثقف وقال إن تجربة "المركز الثقافي" تقوم على أساس "العمل على إعادة المصالحة والوفاق بين مجال الفكر ونطاق الواقع . ويؤكد د. دندشلي على أن أي عملية إصلاح حقيقية للمجتمع " يجب أن تبدأ من فهم واقع هذا المجتمع . وختم مؤكداً على أن المثقف هو " ذلك الإنسان الذي يلتزم بقضايا مجتمعه ويدركها إدراكاً واعياً حتى يستطيع ، أقله نظرياً ، أن يتحكم بمختلف جوانبه ".
برقية إلى الهيئات الثقافية العربية
في ختام اللقاء وجه المجتمعون هذه البرقية إلى الهيئات الثقافية العربية حول ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في مناطق الجنوب وذلك إلى كل من : الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب ـ الأمين العام لاتحاد المحامين العرب ـ الأمين العام لاتحاد كتاب آسيا وأفريقيا ـ الأمين العام للمجلس القومي للثقافة العربية ـ الأمين العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسوا)، وفيما يلي نص البرقية .
" إن ما تقوم به إسرائيل من حرب تهدد المجتمع والدولة والاقتصاد والثقافة في لبنان ، وخاصة خطر اقتلاع المواطنين من الجنوب وما يرافق ذلك من اعتقالات وقهر وإبعاد ، يتطلب موقفاً داعماً منكم يحقق وحدة واستقلال وتحرير لبنان الذي له فضل لا شك في أنكم تقدرونه في الثقافة العربية المعاصرة .
ننتظر مواقف عملية سريعة وداعمة ".
بيـان " لقـاء صيـدا الثقـافي "
" إن الهيئات الثقافية والاجتماعية والإنمائية الملتقية في صيدا بدعوة من المركز الثقافي للبحوث والتوثيق بتاريخ 3 شباط 1989 تؤكد على الأمور التالية :
1 ـ تقديم الشكر والتقدير للمركز الثقافي في صيدا على تنظيمه لهذا اللقاء .
2 ـ اعتبار هذا اللقاء حلقة في سلسلة اللقاءات التي تربط مختلف الهيئات الثقافية والإنمائية والاجتماعية دفاعاً عن استقلال لبنان ووحدته وتحريره وإصلاح نظامه . واعتبار النشاطات المشتركة جزءاً من بلورة لإرادة وطنية تجمع كل هذه الهيئات في جبهة ثقافية موحدة .
3 ـ اعتبار الثقافة أحد أبرز الأدوات التي تساعد على تقدم الإنسان وتوحيد المجتمع .
4 ـ إجماع الهيئات المشاركة على تأييد الثوابت التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر " الثقافة والتغيير " الذي عقد في أنطلياس 6ـ7ـ8 أيار 1988 .
5 ـ عقد لقاءات دورية بين ممثلي جميع الهيئات الثقافية للتداول في السبل العملية التي تحقق أمل المواطنين في إيقاف الحرب ، والخفاظ على حقوق الإنسان ورفض كل أشكال الاحتلال والفرز السكاني وتأكيد سيادة الدولة على كامل إقليمها الجغرافي .
6 ـ عزم جميع المشاركين على استمرار التعاون والتنسيق في مختلف النشاطات والمؤتمرات التي تقيمها الهيئات منفردة ومجتمعة وذلك بهدف ترسيخ ثقافة ديمقراطية تؤمن الحرية والعدالة والمساواة لكل أبناء الشعب .
7 ـ المشاركة الجماعية في إحياء " يوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي" في 19 أيار المقبل في جميع المناطق اللبنانية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ* ) جريدة النداء بتاريخ 7 شباط 1989