العراق : عودة أميركيّة لحزب البعث
الإثنين 6/12/2010م
العراق : عودة أميركيّة لحزب البعث
تكوّن حزب البعث العراقي في عام 1954 من جانب مجموعة من العناصر القومية العراقية من الشيعة والسنة المناهضين للشيوعية. مند البداية كان الحزب مناهضاً للديموقراطية، وبعد وقت قصير من تكوينه تحوّل إلى منظمة تحمل الفكر القومي العربي المتطرف الذي يرى في الوصول إلى قمة السلطة السياسية هدفه الأسمى من خلال استعمال جميع الوسائل غير الديموقراطية، فضلاً عن سعيه لسحق جميع الأطراف العراقية الديموقراطية الأخرى عن طريق الاستخدام المفرط للقوة، حيث شمل اغتيال المعارضين السياسيين والتعاون مع أي قوة عظمى خارجية التي من شأنها تمكينه من السيطرة على الدولة.
منذ عام 1979 أصبح حزب البعث بصورة رئيسية بقيادة سنية، ولكن هذا لم يكن دائماً كذلك. فخلال السنوات الأولى من تكوينه كانت قيادة البعث تضم خليطاً من السنة والشيعة من صناع القرار السياسي. فخلال الخمسينيات وحتى انقلاب عام 1963 عندما جاء الحزب إلى السلطة لأول مرة، كان معظم القادة السياسيين في الحزب من الشيعة، ومنهم مؤسس الحزب فؤاد الركابي وقائد تنظيم انقلاب 1963 الذي نظمته وكالة الاستخبارات المركزية على صالح السعدي، والرجل الثاني في القيادة هاني الفكيكي وكثير من الزعماء الآخرين. ولقد بحثت هذه الموضوعة بمزيد من التفصيل في مقالاتي السابقة.
ولكن بحلول مؤتمر الحزب عام 1979 نجح جناح صدام في إطاحة جميع معارضيه داخل القيادة القطرية «العراقية» للحزب، وكانت هذه هي النقطة التي تحوّل الحزب فيها إلى منظمة طائفية من خلال استغلال سيطرته على الدولة باعتبارها الأداة الرئيسية الطائفية في القمع ضد الشيعة والأكراد. ومن المهم التأكيد هنا أن المجتمع السني في العراق لا تقع عليه أي مسؤولية عن هذه الجرائم.
انقسم حزب البعث العراقي إلى عدة فصائل منذ نيسان/ أبريل 2003 بعد نجاح الولايات المتحدة وبريطانيا في احتلال العراق واعتقال صدام حسين في كانون الأول/ ديسمبر عام 2003.
من دراسة التاريخ في السنوات الخمسين الماضية، نرى أن حزب البعث العراقي كثيراً ما كان يستخدم كأداة لتحقيق السياسات الاستراتيجية للولايات المتحدة وبريطانيا في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وهنالك الكثير من الأدلة الدامغة بأن وكالة الاستخبارات المركزية وMI6 البريطانية كانت وراء انقلابي 1963 و1968.
كان حزب البعث هو الأداة الرئيسية المستخدمة في الانقلاب الدموي عام 1963 ضد نظام قاسم والحركات التقدمية في العراق. إن علي صالح السعدي الذي كان القائد السياسي للانقلاب والذي أصبح رئيس الوزراء، اعترف بأن الحزب جاء إلى السلطة في انقلاب نظمه وموّلته وكالة الاستخبارات المركزية والبريطانية من أجل تجميد قانون 80، وهو القانون الذي أصدره الجنرال عبد الكريم قاسم في 1961 لاسترداد أكثر من 99.5٪ من الأراضي العراقية من سيطرة شركات النفط العالمية الكبرى وإعادتها إلى السيادة العراقية.
"حزب البعث العراقي خدم السياسة الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط أفضل من أية قوه أخرى"إن معلومات مفصلة كُشف عنها في كتاب «الصداقة الوحشية: الغرب والنخبة العربية» (1997) للمؤرخ سعيد أبو ريش، الذي يحدد في العمق كيف أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خطّطت عن كثب لجميع مراحل الانقلاب، وكيف لعبت دوراً مركزياً في عملية التطهير اللاحقة للديموقراطيين والشيوعيين المشتبه فيهم بعد الانقلاب، وقد اعترف هاني الفكيكي، وهو من قيادات حزب البعث، بأن المسؤول الذي دبر الانقلاب وخطط له كان وليام ليكلاند مساعد الملحق العسكري الأميركي في بغداد.
هناك أيضاً العديد من الادعاءات الموثقة أن صدام حسين بدأ العمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية منذ 1957، أي في ذلك الوقت الذي انضم فيه إلى حزب البعث.
وفي 17 تموز/ يوليو 1968، عاد حزب البعث إلى السلطة للمرة الثانية. وفي 1980، بدأ نظام البعث الحرب ضد إيران التي استمرت ثماني سنوات لوضع حد لتأثير الثورة الإيرانية، وتماشياً مع أهداف الاستراتيجية الأميركية في الخليج. وكان البعث مدعوماً عسكرياً وسياسياً ومالياً من الولايات المتحدة وبريطانيا وجميع الأنظمة العربية الرجعية في المنطقة. لقد نجحت الولايات المتحدة ليس فقط في مواجهة نفوذ الثورة الإيرانية، بل أيضاً في إعادة مئات المليارات من الدولارات إلى الولايات المتحدة، التي كانت قد تراكمت عند دول المنطقة من بيع النفط في خلال فترات السبعينيات والثمانينيات.
غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989، لم تعد الولايات المتحدة مهتمة في أي شراكة مع حزب البعث العراقي (وعلى نحو مماثل كانت قد انسحبت من دعم الديكتاتور البنمي مانويل نورييغا في 1989). وبدلاً من ذلك، تحولت سياساتها إلى السيطرة الكاملة والمباشرة على منطقة الخليج. وعندما هاجم العراق واحتل الكويت في آب/ أغسطس 1990 سمحت الفرصة للولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة الباقية في العالم، بتنفيذ خطتها للسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية الكاملة على الشرق الأوسط.
لذا، ينبغي ألا تكون مفاجأة لأحد إذا كان صناع السياسة الأميركية اليوم يعملون على استخدام حزب البعث مرة أخرى، كما فعلوا في 1963 و1980.
إن بعض المحللين العراقيين والدوليين يصرون على أن كل الجرائم الوحشية التي حدثت خلال فترتي تولي الحزب السلطة، لم تكن مرتبطة بفكر حزب البعث، وأن المسؤولية تقع فقط على القادة الرئيسيين أمثال صدام حسين.
ولكن دراسة تاريخ الحركات الفاشية تؤكد أنها جميعها أوجدت الضرورة لخلق «الزعيم» لكي تنجح في السيطرة على شعوبها. فالنازية الألمانية خلقت هتلر والفاشية الإيطالية قدمت موسوليني، فيما البعثيون العراقيون أنتجوا صدام حسين. ليس «الزعيم» من يخلق الحركات الفاشية، كما يحاول البعض أن يحملنا على الاعتقاد من أجل وضع كل اللوم على فرد واحد، وهذا ما يسمح للأفكار الفاشية بالظهور من جديد عندما يختفي الزعيم بعد هزيمته العسكرية. واليوم، يحاولون إنشاء زعماء ليحلوا محل صدام حسين مثل إياد علاوي (شيعي بعثي)، صالح المطلك، محمد يونس، وحتى عزة إبراهيم الدوري.
هناك من يختلفون مع هذا التحليل لنظام البعث في العراق في كونه نظام حكم موالياً للغرب بسبب قرارات تأميم النفط العراقي بين عامي 1972 و1975. ومع ذلك، إذا ألقينا نظرة معمقة على ما حدث في السبعينيات، نرى أن البلد الأول الذي بدأ عملية التأميم كان الجزائر في 1970 عندما أممت مصالح «توتال» الفرنسية العملاقة للنفط، ثم تلتها ليبيا في 1971 عندما أمّم العقيد معمر القذافي حصص شركة بريتيش بتروليوم في أسهم النفط الليبي.
بين عامي 1972 و1979، أمّمت جميع دول الخليج، بما في ذلك الدول التي كانت قد تخلصت أخيراً من الاحتلال البريطاني، النفط ولو جزئياً. وشملت عمليات التأميم هذه شاه إيران (الذي كان قد أعيد تنصيبه في إيران بعد انقلاب وكالتَي الاستخبارات الأميركية والبريطانية CIA/MI6 عام1953)، والملك السعودي الجديد الذي وصل إلى السلطة بعد اغتيال الملك فيصل في عام 1974 (الاغتيال الذي يعتقد على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط أن وكالة الاستخبارات المركزية قد نظمته بعدما أمر الملك فيصل بوقف تصدير النفط السعودي خلال حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973)، ونظام البعث العراقي وسائر دول الخليج الأخرى كالكويت والإمارات وقطر وسلطنة عمان، الذين كانوا لا يزالون إلى حد كبير تحت تأثير قوي للسيطرة البريطانية طوال أعوام السبعينيات.
لا ينبغي لنا هنا أن نقلل من الأهمية الكبرى لعمليات تأميم النفط في السبعينيات، ولكن هذه التأميمات وقعت لعوامل مختلفة، ليست مشمولة في هذا التحليل. كما أنها لا تشير إلى أن هذه الحكومات كانت معادية للغرب حيث إن الغالبية العظمى من البلدان التي تم تأميم مواردها النفطية كانت إلى حد كبير تقع في إطار نفود الولايات المتحدة وبريطانيا.
ينبغي أن نلاحظ هنا أن جميع دول المنطقة تقريباً حافظت على تأميمها للنفط بالكامل، بما في ذلك كل من النظامين السعودي والكويتي، ولكن باستثناء نظام البعث العراقي الذي بدأ ببرنامج الخصخصة للنفط مع أول اتفاق عقده لتقاسم الإنتاج (PSA) مع شركة النفط الروسية لوك أويل في 1997 والذي تلاه اتفاق ثان لتقاسم الإنتاج في عام 2000 مع الشركة الصينية الوطنية للنفط ثم تلته عقود عدة لتخصيص النفط مع شركات أجنبية أخرى.
السياسات الأميركية الجديدة في العراق
إن الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 لم يتمكن من تحقيق الجزء الأكبر من سياسات المحافظين الجدد بهدف الخصخصة والسيطرة على ثروة النفط والغاز وتحويل العراق إلى قاعدة عسكرية أميركية رئيسية في منطقة الشرق الأوسط، ولكنه لم يفشل تماماً.
فمن الواضح الآن أن العملية السياسية القائمة في العراق مع كل سلبياتها، بما في ذلك الفساد المنتشر وتركيبتها الطائفية، لن تضمن للولايات المتحدة النجاح بتحقيق أهدافها، ولهذا فإن سياسات الولايات المتحدة في العراق أصبحت بحاجة إلى تغيير التكتيك، مما دفع المسؤولين الأميركيين للعمل لإعادة البعثيين «الأصدقاء القدامى» الذين هم أكثر ضماناً لنجاح مخططات الولايات المتحدة في العراق ومنطقة الشرق الأوسط.
إن الخطوة الأولى بدأت في منتصف 2004 عندما عينت إدارة الاحتلال الأميركي إياد علاوي رجل الاستخبارات المركزية الأميركية والشيعي البعثي القديم رئيس وزراء، وبعد أيام من تعيينه بدأ حياته بالمجزرة، بالتعاون مع القوات الأميركية، لآلاف من المدنيين في النجف ومدينة الصدر والفلوجة. ثم أعاد الآلاف من الضباط البعثيين إلى الجيش العراقي المكوّن حديثاً، ولأن «جهاز الاستخبارات العراقي» تحت قيادة الجنرال البعثي القديم محمد عبد الله الشهواني، وهو التنظيم الذي أصبح يعمل مباشرة بتمويل وسيطرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في بغداد.
ولكن التغيير الكبير في السياسات الأميركية التكتيكية وقع في وقت تقرير بيكر هاملتون (مجموعة دراسة العراق)، في 2006 حين بدأت مفاوضات سرية مع العديد من عناصر المتمردين، وكان النجاح الأكبر لها إنشاء منظمات «الصحوات». فقد نجحت في تحويل أكثر من 120،000 من الأعداء القدامى إلى جيوش خاصة محلية تابعة لها عن طريق منحهم حصة من السلطة السياسية وتسليحهم وتمويلهم. غير أن هذا لم يكن كافياً لضمان النجاح الكامل لخطط الإدارة الأميركية.
وبدأت إدارة جورج بوش رسمياً فرض سياساتها الجديدة لإعادة البعث على الأطراف العراقية في العملية السياسية في 2006 تحت شعار «إعادة التوافق الوطني». وبدأت هذه المخططات بعد اللقاء بين بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في عمان، الذي أعقبته اجتماعات بين بوش والحكيم من المجلس الأعلى الشيعي والهاشمي من الحزب الإسلامي السني. ثم تلى ذلك مباشرة ما يسمى «مؤتمر إعادة التوافق الوطني» في بغداد، الذي حضره عدد من المسؤولين في حزب البعث.
إن سياسة التعاون مع البعث تمثل تحولاً رئيسياً في سياسات المجلس الأعلى الشيعي الذي كان سابقاً ضد مثل هذا التعاون، مما يدل على ضعفه وعدم قدرته على مقاومة الضغوط الأميركية.
إن الخطاب الأخير للزعيم الجديد للمجلس الأعلى السيد عمار الحكيم يوم 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009 يدعو بوضوح إلى أن حزب البعث يجب أن يكون مقبولاً مرة أخرى في الساحة السياسية العراقية. يجب علينا ألا نفاجأ من هذا التغيير في سياسات قيادة المجلس الأعلى، فمصالحه المالية الجديدة ترتبط بالمحافظة على النفوذ الأميركي في العراق. بالإضافة إلى ذلك، وبعد انهيار نظام البعث في نيسان 2003، فإن الآلاف من البعثيين الشيعة، والكثير منهم كانوا جزءاً من الأجهزة الأمنية في حزب البعث والمسؤولين عن التعذيب والقتل الجماعي لعشرات الآلاف من الشيعة المدنيين خلال نظام البعث، انضموا إلى المجلس الأعلى من أجل الهروب من الانتقام من السكان الشيعة المدنيين، والعودة إلى مراكز جديدة للسلطة من خلال قيادتهم الجديدة.
إن الإدارة الأميركية الجديدة تعمل الآن بجد لضم كل أجنحة حزب البعث إلى العملية السياسية من خلال قيامها بكل أنواع المفاوضات، ولكن شرط أن تضمن واشنطن دعم هذه المجموعات البعثية لها.
في أوائل 2008، وتحت ضغط أميركي شديد، دفع المالكي عن طريق البرلمان نحو إقرار مشروع قانون لتخفيف القيود على عودة قادة حزب البعث إلى الحياة العامة. ومع ذلك وبعد ثمانية عشر شهراً، فإن الولايات المتحدة لا تزال غير قادرة على تحقيق هدفها. وقد أصبح ذلك عقبة رئيسية تعترض طريق الخطة الأميركية لإعادة حزب البعث إلى الساحة السياسية.
لقد وزعت ملصقات في أجزاء عديدة من بغداد والمحافظات الغربية في الأسابيع القليلة الماضية موقعة باسم عزة إبراهيم الدوري، تدعو جميع البعثيين وأصدقاءهم لدعم «القائمة العراقية» التي يترأسها إياد علاوي (شيعي بعثي) وصالح المطلك (بعثي سني) في انتخابات آذار/ مارس 2010. وفي نهاية تموز/ يوليو، ظهر أيضاً بيان من عزة إبراهيم الدوري على مواقع حزب البعث ومؤيديهم على شبكة الإنترنت، يشير إلى أهمية المصالحة السياسية.
في الأشهر الأخيرة من ٢٠٠٩، حدثت هجمات إرهابية بالقنابل في بغداد أسفرت عن قتل المئات وإصابة الآلاف من المدنيين الأبرياء. إن هذه التفجيرات كانت تهدف إلى المزيد من الضغط على المدنيين العراقيين العاديين لكي يقبلوا بالأمر الواقع، وهو أنه ما دام حزب البعث لم يُقبَل في العملية السياسية، فإن المجازر ستستمر في الحدوث.
وتجدر الإشارة إلى أنه فيما البعثيون كانوا ينفذون مجازرهم ضد المدنيين، كانوا دائما ينحون باللائمة في جرائم القتل على الإيرانيين، وهو ما تسعى له السياسة الأميركية.
إن في مصلحة جميع الأجنحة في حزب البعث مواصلة العمل على استمرار الانقسامات الطائفية في العراق من أجل الحفاظ على تأثيرهم على السياسة العراقية، حيث إنهم فقدوا كل الدعم والمنظمات في المناطق الكردية والشيعية، ويدركون أنه ليس لديهم هناك أي مستقبل، وأن السبيل الوحيد لهم للحفاظ على أي دور في مستقبل العراق السياسي هو المحافظة على هذه الانقسامات الطائفية التي بدونها سوف يتلاشون من الخريطة السياسية في العراق كما كانت الحال بالنسبة لكثير من الحركات الفاشية في الكثير من أنحاء العالم.
" إذا لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيق مشروعها بعد انتخابات 2010، قد تعمل على تنظيم انقلاب عسكري"ومن المهم التأكيد أن المقصود بجرائم البعث هم كبار قادة الحزب الذين كانوا مسؤولين عن تخطيط جميع الجرائم وتنفيذها، وهذا يشمل أفراد الأجهزة الأمنية وكبار ضباط الجيش البعثيين الذين نفذوا بحماسة كبيرة جرائم الحزب. إن هؤلاء ليسوا من الأعضاء العاديين في الحزب، الذين انضموا إليه لأسباب شخصية مختلفة ولم يكونوا متورطين في هذه الجرائم. إن الخطط الأميركية تعمل على إعادة معظم المجرمين البعثيين الكبار والقادة الرئيسيين للحزب وأعضاء الأجهزة الأمنية وضباط الجيش الذين كانوا وما زالوا من المشاركين في المجازر الدموية، إلى السلطة.
وما زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في بداية تموز/ يوليو 2009 إلى العراق إلا لممارسة ضغوط على الحكومة العراقية للامتثال لمطالب الولايات المتحدة لعودة البعث قبيل الانسحاب العسكري الأميركي «المفترض» بحلول عام 2011.
استنتاجات
1. إن سياسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة لم تنجح في إبقاء العراق في ظل الاحتلال الأميركي المباشر أو في شكل دولة تابعة كلياً. ولكن هذا لا ينبغي أن يفسر على أنه يعني الفشل التام للسياسات القديمة.
2. إن الإدارة الأميركية السابقة للمحافظين الجدد كانت قد حددت عدداً من الأهداف منذ انتصارها العسكري في نيسان/ ابريل 2003. وأحد الأهداف الرئيسية للاحتلال هو خصخصة النفط والغاز العراقي مع السيطرة الكاملة على هذه الثروات. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين لم يتمكنوا من تحقيق النجاح السريع في سياسات الخصخصة، فقد تمكنوا من تحقيق بعض النجاحات في السيطرة الجزئية على هذه الثروات، وهم يتوقعون أن يمنحهم عام 2010 قانونَ النفط والغاز ويمكنهم من خصخصة قطاع النفط العراقي.والهدف الثاني للاحتلال هو جعل العراق قاعدة عسكرية أساسية للسيطرة على منطقة الخليج للهجوم على إيران وحصر نفوذها في المنطقة، واستبدال النظام في سوريا بنظام موال لهم يقبل بالسيطرة الكاملة للولايات المتحدة وإسرائيل على منطقة الشرق الأوسط. إن الولايات المتحدة لا تزال تعمل جاهدة لتحقيق هذه الأهداف من خلال اتفاق الإطار الاستراتيجي بين أميركا والعراق، ومن خلال الادعاء بأن أعداء الشعب العراقي هم الإيرانيون وليس 130,000 جندي أميركا مع 120,000 من المرتزقة الأجانب.
3.إن التاريخ العراقي الحديث قد دلل بوضوح على أن حزب البعث العراقي قد خدم السياسة الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط أفضل من أية قوه أخرى في المنطقة.
4. إن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة في العراق مصممة على إعادة الاعتبار لمعظم أجنحة حزب البعث إن لم يكن كلها لتلعب دوراً رئيسياً في العملية السياسية العراقية. وهم يسعون لتقديم حزب البعث بوصفه واحداً من «القوى الديموقراطية» في المجتمع العراقي. وينفّذون خططهم على مراحل تبدأ بتقديم التحالف البعثي الجديد المسمى «القائمة العراقية» لإياد علاوي وصالح المطلك، وجعله واحدة من الكتل السياسية السنية الرئيسية في البرلمان الاتحادي في انتخابات آذار/ مارس 2010.
5. إن الإدارة الأميركية تسعى للتخلص من حكومة المالكي بعد انتخابات عام 2010، وتعمل لاستبدالها بمجموعة من التحالفات السياسية التي هي أكثر ولاءً لواشنطن، والتي تشمل الحزبين الكرديين، الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني كممثلين للأكراد، والمجلس الإسلامي الأعلى كممثل للغالبية من الشيعة و«القائمة العراقية» كممثل لأهل السنة. إن قوى التحالفات الثلاث حريصة جداً للتخلص من حكومة المالكي.
6. فإذا أدت انتخابات 2010 إلى حصول «القائمة العراقية» على دعم واسع من أهل السنة، فإن محاولة جادة ستبذل لتأليف حكومة عراقية جديدة أكثر ولاءً للولايات المتحدة، ومن المرجح أن تستبعد من السلطة ليس فقط الحركة الصدرية كما هي الحال اليوم، بل أيضاً جناحي حزب الدعوة.
7. إذا لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيق مشروعها هذا بعد انتخابات 2010، فمن المحتمل أن تقوم بالعمل على وضع «خطة احتياطية» لتنظيم انقلاب عسكري، وخاصة أن معظم كبار الضباط والرتب المتوسطة في الجيش والأجهزة الأمنية، وعلى وجه الخصوص جهاز الاستخبارات العراقية، ترتبط بشكل أو بآخر بأحد أجنحة حزب البعث.
8. إن جميع أجنحة حزب البعث ما زالت تواصل معاداتها للحياة الديموقراطية، وتعمل لتحقيق الأهداف الفاشية السابقة نفسها، من أجل السيطرة الكاملة على العملية السياسية في العراق وجعل جميع الأحزاب السياسية الأخرى توابع سياسية لها، كما كانت الحال خلال 40 عاماً تقريباً من حكم البعث السابق.
9. في هذا الوقت، فإن جناحي حزب البعث هما القوى الوحيدة السياسية / العسكرية في العراق التي يمكن لها أن تنهي بالقوة وبدعم من الولايات المتحدة العملية السياسية القائمة حالياً.
*محلل سياسي ونفطي عراقي يعيش في المملكة المتحدة نشرت هذه المقالة باللغة الإنكليزية في 2/1/2010 على عدد من المواقع العالمية.