الجريمة السياسية ـ اغتيال حسن البنا ج1
الأحد 6/1/1427 هـ - الموافق 5/2/2006 م (آخر تحديث) الساعة 15:42 (مكة المكرمة)، 12:42 (غرينتش)
الجريمة السياسية
اغتيال حسن البنا ج1
ضيوف الحلقة:
- حسن البنا/ مؤسس جماعة الإخوان المسلمين
- خالد محي الدين/عضو مجلس قيادة الثورة
- رفعت السعيد/ رئيس حزب التجمع اليساري المصري
- أحمد رائف/ كاتب إسلامي
- فؤاد علام/ نائب رئيس جهاز امن الدولة المصري السابق
- عصام العريان/ قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين
- وآخرون
تاريخ الحلقة: 27/1/2006
- البنا.. بداية النهاية
- الأفكار ومرحلة التنفيذ
- العد التنازلي
اغتيال حسن البنا
القاهرة
في أربعينيات القرن العشرين
[تعليق صوتي]
مساء السبت الثاني عشر من فبراير/شباط عام 1949 وفي هذا المكان من شارع الملكة نازلي قُتل حسن البنا، أطلق عليه مجهولان ستة أعيرة نارية قبل أن يفرا في سيارة سوداء، في صباح اليوم التالي صُودرت جريدة المصري التي كانت قد نشرت رقم سيارة الجناة، بعد أسابيع قليلة حُفِظ التحقيق وقُيدت القضية ضد مجهول لكن رقم السيارة السوداء ظل يتنقل بين الناس ومعه الكثير من علامات الاستفهام بشأن واحدة من اكثر الجرائم السياسية غموضاً في العالم العربي، جريمة اغتيال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.
أحمد رائف - كاتب إسلامي: حسن البنا كان يدرك تماماً انه رجل مقتول، تم اعتقال كل مَن حوله من جماعة الإخوان المسلمين وهو نفسه شخصياً طلب أن يُعتقل وألح عليهم في اعتقاله ورفضوا.
أحمد عادل كمال: وقالها إذاَ تريدون قتلي، قال إذاً ما هو معناه إيه إذا كنتم تقبضوا على الإخوان طيب ما أنا رئيس الإخوان يبقى أنا قبلهم يُقبض علي من اللحظة هذه زي ما يكون حس إن فيه نية للعملية هذه.
البنا.. بداية النهاية
[تعليق صوتي]
66 يوماً كانت تفصل بين ليلة اعتقال أعضاء الجماعة وليلة اغتيال حسن البنا، تلك كانت أيامه الأخيرة عاشها ينتظر أن يتم التخلص منه بين لحظة وأخرى، كل الشواهد كانت تؤكد له ذلك، كتب خطاباً إلى محافظ القاهرة يقول فيه أشعر أنني مهدد بالقتل وارجوا تعيين جندي مسلح لحراستي على نفقتي الخاصة لكنه لم يتلق رداً، أفضى إلى من بقي حوله رؤية تكررت في منامه وفسرها لهم مهمتي انتهت أنا غائب عنكم غيبة طويلة وبقدر ما كانت مهمة المجني عليه معقدة وحساسة كانت أيضاً مهمة الجاني.. لم يكن أمراً سهلاً اغتيال رجل مثل حسن البنا. كان البنا شخصية بالغة التفرد اتفق أعداؤه ومؤيدوه على انه كان رجلاً شديد الذكاء حاد الذاكرة ثقته بنفسه لا حد لها يحمل إيماناً عجيباً بفكرته ويسعى دائماً لاكتساب الأصدقاء، ينام في اليوم خمسة ساعات يأكل ما حضر من الطعام ويولي مظهره اهتماماً كبيراً، عُثر معه بعد اغتياله على مبلغ ستة جنيهات هي كل تركته ومسبحة رخيصة من 99 حبة، استطاع في خمسة عشرة عاماً أن يزور قرابة ألفي قرية مصرية كان حديثه ساحراً وأسلوبه بسيطاً يحمل دعوته إلى الناس في يسر ويشرحها بألفاظ سهلة ومن دون تكلف، له قدرة فذة على التأثير في مستمعيه، استطاع في سنوات قلائل أن يجمع أعداد هائلة من المخلصين لفكره ولشخصه، اعتاد على إلقاء محاضرة كل ثلاثاء يتجمع فيها مريدوه ليستمعوا إلى حديث المرشد كما أحب أن يُلَقب، هذا اللقاء الأسبوعي سُمي حديث الثلاثاء.
زكريا- عضو سابق في فرقة الجوالة لجماعة الإخوان المسلمين: الميدان حوالي سبع ثمان شوارع متقسمين في الشارع ده، تبص تلاقي يوم الثلاثاء يزدحم الشوارع يجي عشرة متر من كل شارع من الشوارع هذه أو عشرة خمسة عشر وعشرين متر والله العظيم، ناس اللي جاي من إسكندرية واللي جاي من هنا واللي جاي من بني سويف من الصف من..
فؤاد علام- نائب رئيس جهاز أمن الدولة المصري السابق: كان ذكي جداً، داهية، مؤثر جداً في الناس، خطيب ناجح ولاذع وجذاب، فطن إلى أمور كثيرة تجذب الناس إليه أهمها الجمع ما بين حركة التجديد اللي كانت حصلت من رشيد رضا ومجموعته مع حركة الاستنارة اللي قادها محمد عبده ودعمها ببعض الشعارات الوطنية التي كانت سائدة في هذه المرحلة.. الجلاء، دعمها ببعض الشعارات الاجتماعية التي كانت محل اهتمام المواطنين في هذه وهي مواجهة الجهل، المرض، الفقر.
[تعليق صوتي]
في الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1906 أي قبل ثلاثة وأربعين عاماً من حادث الاغتيال وُلِد حسن البنا في إحدى قرى الريف المصري التي تقع على فرع رشيد، والدته ابنة لأحد تجار المواشي ووالده أحمد عبد الرحمن البنا مأذون وإمام مسجد في قرية المحمودية ويعمل أيضاً مصلح ساعات، بدأ البنا مشروعه وهو لم يتم عامه الثاني عشر، اشترك في التشكيلات الإسلامية أثناء دراسته الابتدائية وأنشأ مع زملائه جمعية منع المحرمات ثم شارك في مظاهرات وإضرابات ثورة عام 1919، التحق في سن الرابعة عشر بمدرسة المعلمين الأولية في دمنهور فدرس الفقه الإسلامي وقرأ كتب الغزالي ثم شارك في الطريقة الحصافية الخيرية إحدى الجمعيات الصوفية وهناك تعلم أحوال الجمعيات ووسائل تنظيمها، في تلك الفترة من بداية العشرينيات وعندما كانت شخصية البنا آخذة في التكوين كانت الحرب العالمية الأولى قد انتهت مخلفة نشاط لحركة تنوير تنادي بالانفتاح على الحضارة الغربية والفلسفة المادية وإعلاء قيمة العلم وظهرت أصوات تنادي بحرية الفكر والتعبير والاعتقاد فكانت معركة شرسة في مواجهة القوى المحافظة التي ترى في ذلك تجرأ وقحاً من المفكرين الليبراليين والعقلانيين على الثوابت الدينية وتشهد مصر معركة إرهاب فكري عنيفة تناثرت فيها الاتهامات بالكفر والإلحاد ونشطت دعوات علمانية تنادي بالوطنية المصرية وفصل الدين عن الدولة فاشتبكت معها أصوات دعاة الخلافة الإسلامية وفي تلك الفترة كانت مظاهر وتقاليد دخيلة على الثقافة المصرية قد أخذت في الانتشار فضلاً عن الدعارة المرخصة وكثافة الإعلان عن منتجات الخمر والملاهي الليلية.
طارق البشري- مؤرخ ومفكر إسلامي: نشأ في هذه الفترة فترة العشرين سنة الأولى من القرن العشرين ما اسميه أنا علماني وطني بمعنى إنه وطني يريد استقلال بلده من خلال فكر تعلمه في المدارس الحديثة ذو مرجعية وافدة تفصل ما بين الدين والدولة وتفصل ما بين التراث الحضاري العقيدة الموجودة ما بين الأهداف السياسية والاجتماعية والاقتصادية القائمة وهذه كان يعبر عنها إلى حد ما النخب الوفدية في القيادات الوفدية مش جماهيره كمان، لما انفصلت القيادة والدعاوى السياسية عن المورد الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يظهر فكرة شمولية الإسلام وهذه أساس فكرة دعوة حسن البنا وأساس دعاوى يعني التكوينات الثقافية اللي بلورها حسن البنا واللي تبلورت بعد كده على يد مثقفين زي الشيخ محمد الغزالي والشيخ يوسف القرضاوي من تلامذته بعد كده على المدى اللي إحنا شايفينه دلوقتي اللي هي فكرة إنه يعني الحركة الإسلامية معناها شمولية الإسلام يعني باعتباره دين ودنيا في نفس الوقت يعني يبقى هو المرجعية الأساسية الحاكمة لعلاقة الإنسان بربه وهو المرجعية الأساسية الحاكمة لنظم المجتمع ولمعاملاته وفكرة الشريعة الإسلامية وإدخال الشريعة الإسلامية كانت قائمة في هذا الوقت.
[تعليق صوتي]
في هذا المناخ المتأجج بالصراعات والتناقضات تفاعلت شخصية حسن البنا، اختلطت عاطفته الدينية بعاطفته الوطنية، تأثر بفكر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده لكن تأثره الأكبر كان برشيد رضا الذي يمثل مدرسة المجددين المحافظين وأصبح رافضاً لكل ما له علاقة بالحضارة الغربية، في عام 1923 سافر إلى القاهرة حيث أتم دراسته في دار العلوم وعمره 21 عاماً وكان ترتيبه الأول على دفعته كما اعتاد دائماً، عُين مدرساً في مدرسة الإسماعيلية الابتدائية فسافر إلى هناك عام 1927 حاملاً معه حصاد الأحداث التي عاشها طفلاً وشاباً فاستقرت في عقله وشكلت تفكيره، كانت الإسماعيلية مدينة فرنسية على أرض مصرية يسكنها الأجانب وتحميها قوات الجيش البريطاني فتركت تلك المرحلة أثارها السياسي في حسن البنا وعمقت فيه مشاعر الكراهية للنفوذ الأجنبي، بدأ دعوته في ثلاثة مقاهي في الإسماعيلية يزورها مرتين أسبوعيا ليلقي المحاضرات على الجالسين، بعد عام واحد في الثالث والعشرين من شهر مارس/آذار سنة 1928 اجتمع البنا بستة أشخاص من العاملين في المعسكرات البريطانية وأعلنوا أنفسهم جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة حسن البنا الذي كان عمره آن ذاك 22 عاماً، قال وقتها نحتاج إلى أجيال ثلاثة لتنفيذ خططنا، الجيل الأول يستمع وهو جيل التكوين والطاعة ليست شرطاً في هذه المرحلة، الجيل الثاني يحارب وهو جيل التنفيذ وهنا تكون الطاعة التامة ملزمة وواجبة أما الجيل الثالث فهو جيل الانتصار وبحماس لا يهدأ بدأ البنا إعداد الجيل الأول وتأهيله للدعوة، لم يدخر جهداً لكسب الأنظار للجماعة الوليدة، خلال عامين تعددت شعب الجماعة حول الإسماعيلية وبور سعيد والعريش، بعد أربعة أعوام أصبح هناك عشر شعب، عام 1932 يكتشف البنا أن الوقت حان لخطوة أوسع.. يطلب الانتقال إلى القاهرة، في العام التالي تصدر أول مجلة أسبوعية باسم الإخوان المسلمين تتسع الجماعة إلى خمسين شعبة وتتأسس فروع لها خارج مصر في السودان وسوريا ولبنان وفلسطين تنادي بنداء الإخوان بإعادة مجد الخلافة الإسلامية والحكم بمنهاج قرآني، في عام 1936 تُوج فاروق ملكاً لمصر فاستقبله الإخوان في محطات السكة الحديدية على طول الطريق بين القاهرة والإسكندرية بالهتافات المؤيدة والمبايعة فقد رغبوا في الحصول من صاحب الجلالة الشاب على تأييده لدعوتهم، في عام 1938 كان عدد شعب الإخوان أكثر من ثلاثة مائة شعبة.
أحمد رائف: حسن البنا لم يلتقي بشخص إلا وترك فيه الأثر الإيجابي العظيم، استطاع أن يجمع إليه المصريين في زمن يسير وكان يتقدم كسكين حامية في قالب من الزبد إن جاز هذا التعبير في المجتمع المصري واستطاع أن يجسد للجماهير الإسلامية حلم الخلافة الذي ضاع فوصلت جماعته إلى درجة كبيرة من العدد ومن التكوين حتى إن الدكتور كمال زكي عامل دراسة عن الإخوان المسلمين والمجتمع المصري فذكر إن كان في نصف مليون نقيب أسرة في وقت كان تعداد سكان مصر 18 مليون.
الأفكار ومرحلة التنفيذ
[تعليق صوتي]
بعد عشر سنوات من تأسيس الجماعة ومع نجاح الحركة وانتشارها قرر حسن البنا الانتقال إلى مرحلة التنفيذ مرحلة الجهاد، تلك الخطوة التي كان لها أكبر الأثر في تصعيد حالة التوتر التي سبقت عملية اغتياله ولأن البنا لم يكن ليؤمن بالطفرات فقد شرع بتحويل القطاع من الجماعة من العمل المدني إلى العمل شبه العسكري عن طريق التطور والتدرج فكون فرق الرحلات ثم فرق الجوالة بمظهرها العسكري وأعدادها الضخمة والتي كانت تقدم عروضا تظهر قوة الجماعة، أنشأ نظام الكتائب ثم طوره إلى نظام الأسر وكانت هذه الأنظمة أداة تفريخ لنظام جديد أشد حساسية وخطورة، تنظيم مسلح يستهدف استخدام القوة والعنف لتنفيذ الأهداف بقوة السلاح قائم على السرية التامة والطاعة المطلقة يتم انتقاء عناصره بدقة شديدة أُطلق عليه اسم الجهاز الخاص أو التنظيم السري ووُضِع له قانون سمي بقانون التكوين.
التنظيم السري
محمود الصباغ- أحد قادة النظام الخاص: قانون التكوين اعتمده الإمام الشهيد وكانت العقد بالنسبة ليه يعني كان قيادة النظام الخاص اللي عملت قانون التكوين واللي بتنظمه وتبقى مسؤولة عن ضم الأفراد إليه تحت المسؤولية المباشرة للإمام الشهيد، كنا خمسة.. عبد الرحمن السعدي يرحمه الله كان هو المسؤول الأول في التنظيم وأربعة معه الأستاذ مصطفى مشهور وأنا والأستاذ أحمد حسين والأستاذ أحمد زكي أول الخمسة، المجموعة الخمسة لا تتلقى تعليماتها إلا من الإمام الشهيد شخصيا وتعليمات حلقة الاتصال مع المجموعة الخامسة عبد الرحمن السعدي العضو رقم واحد وعند اللزوم يلتقي الإمام الشهيد بالخمسة لمناقشة أي موضوع على مستوى الخمسة وهذه السياسة كان يربى عليها أعضاء النظام الخاص بشكل إنه ما فيش مجموعة تزيد عن خمسة.. الخمسة لها أمير وكل واحد من الخمسة ممكن يبقى أمير لخمسة بعده وهكذا يمكن أن يكبر جيش النظام الخاص إلى عدد لا نهائي وكل واحد ما يعرفش غير الخمسة اللي معه والخمسة اللي هو نازل منهم بس والخمسة اللي هو هيشكلهم إن لم يكن رجل عنده قدرة قوية على الكتمان وعنده يعني رغبة وإيمان صادق بأن يضحي بنفسه هينهار أمام أي موقف ويكشف كل أعضاء النظام فلم يكن اختيار أو ضم أي واحد للنظام الخاص حاجة عبث، كان يتطلب أن يُختَبر الشخص ده دون أن يشعر ما مدى إيمانه بضرورة الموت في سبيل الله وضرورة التضحية بكل ما يملك من نفيس وغالي وضرورة الكتمان.. هل هو كتوم ولا هو بتاع بيدردش بيقعد يحكي ويفتخر بالكلام وقوة أعصابه وقدرته على عمل عمليات عسكرية قوية .
[تعليق صوتي]
بدأ التنظيم السري للإخوان نشاطه بإلقاء القنابل داخل الحانات التي يتجمع فيها جنود الاحتلال ثم قاموا بتفجير قطار مخصص لنقلهم وفي عام 1945 اغتيل أحمد ماهر باشا رئيس الوزارة على يد محمود العيسوي أحد المنتمين للحزب الوطني، لكن بعض رجال الإخوان أمثال الشيخ سيد سابق وحسن الباقوري أكدوا في مذكراتهم أن العيسوي كان من صميم الإخوان، عام 1946 قام التنظيم السري بتفجير عدد من أقسام البوليس في العاصمة رداً على قمع المظاهرات التي ترفض معاهدة صدقي بيفين، كان عدد المنتمين للجماعة في تزايد مستمر أصبح المركز العام للإخوان يتنقل من دار إلى أخرى أوسع حتى جاء عام 1944 فقرر حسن البنا شراء دار جديدة استطاع أن يجمع ثمنها عن طريق التبرعات في أيام قليلة، ظلت تلك الدار محتفظة بحالتها حتى الآن إلا أنها تحولت إلى قسم للشرطة، في تلك الفترة من منتصف الأربعينات وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قرر البنا النزول بقوة إلى المعترك السياسي، لقد أصبحت حركة الإخوان المسلمين ثانية أكبر الكيانات شعبية وتأثيرا في الشارع المصري مما جعل جميع القوى السياسية تسعى إلى التحالف معها وكسب تأييدها فأصبح هناك صراع عنيف بين الإخوان وحزب الوفد على السيادة في ساحة العمل السياسي الوطني،، كان البنا يتحرك بخطوات واثقة نحو تحقيق مشروعه حتى شك البعض في أن طموح هذا الرجل يقوده إلى إعلان نفسه خليفة للمسلمين، في عام 1945 أجرت مجلة المصور استفتاء بين القراء عن رجل العام ففاز الشيخ حسن البنا باللقب ولكن مع حلول عام 1948 كان الموقف قد تحول إلى النقيض تماما فأصبح البنا عدوا للجميع، في هذا العام وقعت حوادث متتابعة وخطيرة هزت مصر وكان دور الإخوان هو الأخطر فيها من وجهت نظر الحكومة آنذاك ورأى البعض أن حركة الإصلاح الديني قد تحولت إلى جماعة تمارس الإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية بعلم وتخطيط من حسن البنا، في السابع عشر من فبراير/شباط عام 1948 حدث أول انقلاب في العالم الإسلامي، اُغتيل الإمام يحيى حميد الدين حاكم اليمن على يد المعارضين لحكمة بزعامة عبد الله الوزيري، كان لحسن البنا دور كبير في دعم وتنشيط هذا الانقلاب وتردد أن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة نبتت في المركز العام للجماعة وبالتعاون مع البدر حفيد الإمام يحيى.
رفعت السعيد- رئيس حزب التجمع اليساري المصري: وفجأة يكتشف الملك فاروق إن هذا الانقلاب موعز به من حسن البنا بل وقد أرسل وفدا ليؤيد أظن كان يرأسه عبد الحكيم عابدين ليؤيد ويهدي ويرشد الانقلابيين الجدد ولكن الانقلاب فشل ولكن هذا ترك مخاوف كثيرة عند النظام.
[تعليق صوتي]
كان الهدف المعلن هو أن تصبح اليمن نواة لدولة الإسلام ومنطلقاً للدعوة في الوطن العربي، لم يستمر الانقلاب أكثر من 26 يوما ولكنه ألقى الضوء على قدرة حسن البنا وجماعته على فرض إرادتهم السياسية بكل الوسائل والتي من بينها قلب أنظمة الحكم.
عصام العريان- قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين: لم يكن في مخطط حسن البنا إنه ينتقل هذه النقلة إلى خارج مصر إلى اليمن أو غيرها بطريفة انقلابية ولكن ظروف اليمن نفسها والأوضاع التي كانت فيها كانت تدفع كل مسلم ومخلص إلى مد يد العون لأي إنسان يريد إحداث تغيير حقيقي.
[تعليق صوتي]
في التاسع والعشرين من شهر أبريل/نيسان عام 1948 قررت الدول العربية إعلان الحرب ضد اليهود فتوجهت كتائب الفدائيين من جماعة الإخوان للمشاركة في تحرير فلسطين، كانت صلة حسن البنا بالقضية الفلسطينية قد بدأت عام 1936 عندما اشتعلت الثورة العربية الكبرى فاشترك متطوعون من الإخوان مع الثوار الفلسطينيين وجمعت التبرعات والأسلحة لدعم الثورة وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947 بدأت جريدة الإخوان تدعو الجيوش العربية إلى دخول الحرب وشارك حسن البنا في تشكيل لجنة وادي النيل لجمع الأموال والسلاح للمتطوعين وفي عام 1948 قامت كتيبة من فدائي الإخوان بالرد على مذبحة دير ياسين فقاموا بتفجير مستعمرة كفار دروم ثم حاولوا مهاجمة مستعمرة دير البلح.
خالد محي الدين- عضو مجلس قيادة الثورة: يعني كحرب اللي تسمعوا بقى من الضباط إن جماعات الإخوان المسلمين في المتطوعين كانوا يعملوا أعمال بطولية وده طبعا شيء طبيعي لأن هو حاطت قضية الدين عنده زي ما بيعملوا دلوقتي إنه يستشهد هيروح الجنة.
[تعليق صوتي]
في تلك الأثناء وقع حادث خطير، في صباح يوم الثاني والعشرين من شهر مارس/آذار وعندما كان القاضي أحمد بك الخازندار متجها من منزله في ضاحية حلوان إلى محطة السكة الحديدية سائرا على قدميه أفرغت في صدره رصاصات طبنجة من عيار 9 ملي ماركة برت، كان الهدف هو الانتقام من الخازندار وإرهاب رجال القضاء إذا تقدم إليهم متهمون في قضايا مشابهة وبذلك أصبحت أهداف الجهاز غير محصورة في مقاومة الاستعمار والصهيونية.
فؤاد علام: قتل قاضي ومسلم ومدني ليس له علاقة لمجرد إن هو حكم في قضية كانت منظورة أمامه كان أحد أطرافها أو بعض أطرافها من الإخوان المسلمين.
[تعليق صوتي]
اتجه القاتلان صوب الجبل فحاصرتهما الشرطة وقبضت عليهما، بعد خمسة شهور حُكِم على المتهمين حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
محمود الصباغ: وعملنا مجلس محاكمة لعبد الرحمن، هل أنت تلقيت أمر والي الإمام الشهيد؟ هل تلقيت أمر من الإمام الشهيد بقتل الخازندار؟
أحمد رائف: ودافع السندي عن نفسه في لجنة التحقيق التي رأسها الدكتور عبد العزيز كامل بتكليف من حسن البنا بهذه المقولة قال لو رئيس الجماعة بيقول لو ربنا يريحنا من الراجل ده ما هو ربنا ريحه منه عن طريق الجهاز.
محمود الصباغ: الإمام الشهيد برقته وإحنا نحاكمه بكى بنهيج عالي يعني شحيب عالي متأثر الإمام بموقف إزي عبد الرحمن يفهم كلامي بهذا الشكل.
أحمد عادل كمال: قال إنه بعد كده ما تعملش أي عملية إلا بأمر كتابي مني أنا وأكون ماضيه، إخوان النظام المسؤولين في النظام الخاص رفضوا هذه الفكرة واعترضوا عليها لأنه فضيلة الأستاذ خلاص مش معقول تكتب حاجة زي هذه وتمضي عليها إنما يبقى إحنا بس ما يعملش أي عملية إلا بموافقة المسؤولين الخمسة.
[موجز الأنباء]
رفعت السعيد: سؤل عبد الرحمن السندي عن لماذا أمر بقتل الخازندار فقال المتهم إنه تصور أن عملية القتل سوف ترضي فضيلة المرشد بس يعني ولأن المرشد يعلم عن السندي الصدق فقد أجهش فضيلته بالبكاء، طيب وبعد المسرحية هذه بقى القرار كان بتاع المحكمة إيه، تحقق الإخوان من أن الأخ عبد الرحمن السندي قد وقع في فهم خاطئ في ممارسة غير مسبوقة من أعمال الإخوان ورأوا أن يُعتَبر الحادث قتل خطأ حيث لم يقصد عبد الرحمن ولا أحدا من إخوانه سفك نفس ََبغير نفس وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار، يعني هم قرروا تحقيق هدف سياسي قتل روح التبلد في فئة معينة من المجتمع زي أحمد الخازندار قرروا أن يقتلوا روح التبلد بقتل أحد المتبلدين.
محمود الصباغ: وتنبه عليه أنه ممنوع أنه يغلط في النقطة هذه مرة ثانية وعلى هذا استمر النظام ولم يُمس عبد الرحمن في التنظيم على أنه أنت هدف آخر والإمام الشهيد قال إحنا علينا الدية والحكومة تولت دفع عدية للخازندار وهي أموال الشعب وأسرته من دية فيبقى الموضوع بعني منتهي بس غلط لا يصح أن يقع فيه حد من الإخوان مرة ثانية بعد كده.
رفعت السعيد: هذا هو المنطق الإخواني الذي كرسه الأستاذ حسن البنا في معالجة قضايا الإرهاب والقتل، هذه نموذج نموذجي يظهر إزاي أن هذه الجماعة كانت تمارس الإرهاب بقلب بارد.
محمد فريد عبد الخالق- عضو سابق في مكتب الإرشاد: أنا لم أره يوما من الأيام مكروبا كربا شديدا مثل ما رأيته في اليوم هذا، يعني بدا لي وكأنما فقد صوابه لأنه شد شعره أمامي وقال كلمة لا أنساها.. أنا أبني وهم يهدمون.
فؤاد علام: أقول لك ليه هو طلع ونفى حتة الخازندار، هو طلع لأنه ده كان أول حادث يوجه ضد شخص مدني وقاضي ولم يكن هناك أي مبرر فكان رد الفعل في الشارع المصري في هذا الوقت رافض تماما لهذه الجريمة.
[تعليق صوتي]
في الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1948 وفي سقطة خطيرة انكشف النظام الخاص لرجال الأمن العام، عُثر في أحد شوارع العباسية على سيارة جيب من دون أرقام تحتوي على قنابل وأسلحة وذخيرة ومتفجرات ومعها خططا لعمليات نسف السفارتين البريطانية والأميركية ووثائق تحتوي على أسماء أعضاء التنظيم والشفرة السرية للاتصال بينهم ودراسات حول أهداف مزمع تدميرها، اتضح من الوثائق والمضبوطات أن الإخوان هم المسؤولون عن حوادث التفجير التي وقعت في الشهور الأخيرة، كل هذا تم عن طريق المصادفة لكنها مصادفة أهدت البوليس المصري دليلا قاطعا لإدانة الجماعة وعقلها المدبر.
محمود الصباغ: كنت شاري سيارتين جيب من واحد اسمه الطبولي في مصر الجديدة بائع سيارات نستخدمهم في أعمالنا العسكرية والإخوان استعملوهم في نقل أوراق النظام الخاص من مكان شعروا أنه هو مش آمن إلى مكان يتهيأ لهم أن هو آمن، المكان ده كان صادف أنه الأخ اللي منقولة عنده الأوراق متخانق مع مخبر ساكن في نفس البيت فالمخبر رايح لقي السيارة الجيب أما البيت كشف كده لقى فيها أسلحة وأوراق عسكرية وبتاع.. امسك فقائدي السيارة هربوا.. جروا وراءهم واثنين اتمسكوا وواحد هرب لم يمسك.
أحمد عادل كمال: أنا والآخر مسكنا والثالث هرب في هذا الوقت خرج الحاج مشهور يحمل شنطة فيها خطط العمليات قادمة فقبض على الحاج مشهور باعتباره أنه كان من ركاب السيارة الجيب ومعه هذه الشنطة ومن هنا يعني تكشفت بعض العمليات التي كانت في الحسبان.
[تعليق صوتي]
بعد أيام من انكشاف النظام الخاص وفي صباح اليوم الرابع من ديسمبر/كانون الأول اغتيل اللواء سليم زكي حكمدار شرطة القاهرة على يد طالب في جامعة فؤاد الأول أذاعت الحكومة أنه ينتمي إلى تنظيم الإخوان وبذلك وصل التوتر بين الجماعة والحكومة السعدية إلى ذروته ففي اليوم نفسه طلب حسن البنا من حامد جودة رئيس مجلس النواب التوسط لدى النقراشي باشا رئيس الوزراء لبدء صفحة جديدة بين الحكومة والجماعة لكن طلبه قوبل بالرفض فأدرك المرشد خطورة الموقف.
أحمد رائف: هو تم قتله كان عن طريق الصدفة، ليس عن عمد وليس عن تخطيط لأن كان فيه مظاهرة في كلية الطب وهو تقدم بقواته إلى كلية الطب وكان يجلس على عربة مصفحة ويمسك في يده بمدفع رشاش وكان ينوي قمع المظاهرة بالقسوة وبالقوة وعلى العموم اللي حصل أن طالب ألقى بقنبلة من الدور الرابع فسقطت بين رجليه وانفجرت هذه القنبلة فمات في لحظتها.
رفعت السعيد: فكاتب الأخ محمود الصباغ بيقول إيه؟ كان إلقاء القنابل في المظاهرات من جانب المتظاهرين في هذه الأيام أمرا عاديا، أنا أول مرة أعرف، ما أنا كنت بأشترك في المظاهرات، مين اللي قال أنه كان إلقاء.. لم يكن يلق القنابل إلا الإخوان المسلمين إحنا كنا بنرمي الطوب، ده الفرق بينا وبين الإخوان المسلمين وهكذا ببساطة قتل سليم زكي.
العد التنازلي
[
تعليق صوتي]
بذل البنا جهودا مستميتة لإنقاذ الموقف حتى أنه حاول الاتصال بالملك وبإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي لكنه لم يتلق أي رد.. كان العد التنازلي قد بدأ، في السادس من ديسمبر/كانون الأول صدر أمر بإغلاق صحيفة الجماعة وجاء العنوان الرئيس لجريدة الأساس لسان الحزب السعدي الحاكم أن أنباء سارة ستذاع قريبا، بعد يومين صدرت أوامر لقوات الإخوان في فلسطين بالعودة إلى المعسكرات وفي العاشرة مساء اتصل عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية بحسن البنا ليبشره بأن هناك أوامر جديدة ستُعلن في المساء من شأنها إنقاذ الموقف، تجمع عدد كبير من أعضاء الجماعة في المركز العام حول الراديو انتظارا للقرارات، في الحادية عشرة مساء أذاع الراديو نبأ الأمر الصادر من الحاكم العسكري العام رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد ومصادرة أموالها وممتلكاتها، بعد دقائق كان المبنى قد حوصر من كل ناحية بقوات الشرطة التي قبضت على كل من فيه، انتظر البنا دوره لكن أحد لم يتعرض له فتشبث بسيارة البوليس لكنهم أبعدوه كانت الأوامر القبض على كل أعضاء الجماعة عدا حسن البنا.
محمد فريد عبد الخالق: لدرجة أنه هو طلب من الحكومة رسمي قال أنا أحد الإخوان اللي أنتم تتهمونهم بكذا وكذا وأنا أحدهم بل بالعكس أنا مسؤول.. اعتقلوني لأنه هو أحس أنه فيه خطر من تركه وبدا يشعر بشواهد.
محمود الصباغ: صدر في الأزمة هذه تعليمات إلى النقراشي باشا أن يبيد الإخوان المسلمين بأي ثمن انتقاما من الدور العمليات اللي هما عملوها ضد اليهود.
أحمد عادل كمال: المسألة حزبية فالحزب السعدي الذي كان يرأسه محمود فهمي النقراشي باشا حزب ضعيف وهزيل ومن أحزاب الأقلية وكان يحب أنه يدخل الانتخابات ويكسبها فكان يخشى منافسة الإخوان له في هذه الانتخابات.
جمال البنا- الشقيق الأصغر لحسن البنا: الذنب الكبير للإخوان المسلمين بالنسبة للبرجوازية المصرية إنها أرادت أن تحل مجموعات شعبية حقيقية خالصة في مراكز السلطة والنفوذ محل الباشوات.
[تعليق صوتي]
كان من المتوقع أن يكون هناك رد فعل على قرار الحل بل أن النقراشي باشا كان يتوقع أن يتم اغتياله فشدد الحراسة على نفسه لكن كل تحركاته كانت مرصودة بدقة، كان محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزارة ورئيس الحزب السعدي والحاكم العسكري العام فضلا عن كونه وزيرا للداخلية والمالية في وزارته وكانت عناصر من الجهاز الخاص بقيادة عبد الرحمن السندي قررت اغتياله عقب قرار حل الجماعة وبدأت في التخطيط.
محمود الصباغ: قرار النقراشي باشا بحل الإخوان المسلمين وصياغته التي لا تصدر عن مؤمن أثارت مجموعة من شباب الإخوان المسلمين أعضاء النظام الخاص أنهم يخططوا لقتله.
جمال البنا: يعني إيه حل هيئة، حل هيئة يعني قتلها، اغتيالها لأنه الهيئة شخصية اعتبارية فإذا حُلت فاغتيلت في حقيقة الحال، كان يعني إجراء إرهابي من الدرجة الأولى وليس من الكثير أن يكون الرد عليه الاغتيال.
رفعت السعيد: لا أعتقد أن هذا صحيح لأنه رفض للآخر طبعا، نعم فيه فرق بين حركة التحرر الوطني أي القتال المشروع ضد قوات الاحتلال وبين أنك أنت تقرر أن فلان ضد الجماعة فتقرر اغتياله وبالتالي هذه الفكرة تكون خاطئة في الماضي وتصبح خاطئة في الحاضر وإلا نفتح أبواب جهنم أنه يعني كل واحد يختلف مع واحد يروح يقتله بحجة أن مرة يقول أن ده خائن ومرة يقول أنه ده ضد الدعوة ومرة يقول لكن هم شَرَّعوا لفكرة الاغتيال.
عبد الله رشوان- ممثل الادعاء في قضية الاغتيال: الجزئية هذه الشيخ حسن البنا أُسقط في يده ولم يكن موافقا على هذا التصرف ولا هذا التصرف بإرادته ولا رسمي إنما هؤلاء الشباب اعتبروا أنه حل هذه الجماعة ده اعتداء على شرع الله واعتداء على الدين وأن الذي فعل هذا لابد أن يُعَاقب حسب مفهومهم.
جمال البنا: أعتقد رجلا بمثل هذا الطيش العناد عدم ملاحظة الاعتبارات كان لابد أن يزاح عن الطريق بأي ثمن.
[تعليق صوتي]
في هذه المرة تم الاغتيال داخل بهو وزارة الداخلية نفسها وأمام أعين ضباط الشرطة.
محمود الصباغ: ولد لبس ضابط ودخل عليه في المصعد وإداله الرصاصتين اللي قتلوه.
[تعليق صوتي]
كان ذلك في العاشرة من صباح يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ديسمبر/كانون الأول عام 1948.
عبد الله رشوان: وفي الجنازة كان هناك من ينادي الثأر الثأر، لا مش من البنا عشان أكون أمين، هو كان الكلمة الوحيدة التي كان يقولها الضماتي في الجنازة الثأر الثأر.
[تعليق صوتي]
وفي هذه الأجواء المحتقنة وبالرغم من حصار المرشد العام في بيته والقبض على عبد الرحمن السندي في قضية السيارة الجيب إلا أن ذلك لم يمنع عناصر من التنظيم أن تنفذ عملية جديدة، ففي صباح يوم الثالث عشر من يناير/كانون الثاني دوى انفجار أمام مبنى محكمة الاستئناف في باب الخلق وباعتراف شفيق أنس منفذ العملية فإن التخطيط والأمر بالتنفيذ هذه المرة كان من سيد فايز المسؤول الجديد للتنظيم وبهدف التخلص من ملفات القضية وجميع إحرازها.
أحمد عادل كمال: شنطة حارقة تتحط في الحجرة التي بها هذه الملفات، ملف القضية قضية السيارة الجيب على وجه الخصوص وأخذها الأخ شفيق أنس وذهب بها إلى النيابة باعتباره أحد القادمين من الأرياف بقضايا للعرض على النائب العام وتركها وانصرف قال لهم هأفطر وأجيء فخرج اشتبهوا هم في الشنطة فأُخذت إلى ميدان باب الخلق أمام باب المحكمة وانفجرت بالفعل.
رفعت السعيد: وطبعا هذه كانت كارثة لو تحققت لأن كان ستقتل مئات من البشر، قُبض عليه فحسن البنا أصدر البيان الشهير بتاعه ليسوا إخواننا وليسو مسلمين وقال أنا ماليش دعوة بالناس دي وإن هؤلاء الناس أنا أتمنى أن تتاح لي الفرصة إن أنا أحل هذه الجماعة عشان أخلص من هذه المصيبة وكتب وفي هذه البيان امتدح جلالة الملك وحكومة جلالة الملك وبتاع وحاجات زي كده وقال أنا ماليش دعوة.
أحمد عادل كمال: أيضا هذه لم يأخذ رأي الأستاذ البنا فيها لأن هذه كانت بعد حل الإخوان وكانت في مرحلة حرجة جدا كان هناك اتصالات بين الأستاذ البنا والحكومة لإلغاء قرار الحل وكان الوسيط فيها المحامي المعروف اسمه مصطفى مرعي فلما حدث هذا الانفجار طبعا عكرت الجو ومصطفى مرعي قال أنا بتفاوض لهم وهم يعملوا كده إنما حقيقة الأستاذ البنا أُحرِج جدا.
[تعليق صوتي]
في هذا المكان كان يقع منزل حسن البنا مبنى بسيط من طابقين تم هدمه منذ أكثر من ربع قرن وهنا عاش البنا أيامه الأخيرة محاصر تماما.
محمد فريد عبد الخالق: لم يؤذن له بحمل السلاح ليدافع عن نفسه، البيت مراقب مراقبة كاملة، الحاجة الثالثة إن هو محروم من الاتصال بالإخوان.. كان عايز يروح للشيخ النبراوي في بنها يعني زي ما تقول يختبأ عنده اعتقلوا النبراوي لما عرفوا إنه هيروح عنده كان واضح قوي إن هم عاوزين ينفردوا به.
رفعت السعيد: بعتوا له عبد العزيز باشا علي ومصطفى بك مرعي وأنا ما أحبش طبعا أرجم بالغيب يعني لكن فيما يبدو إنه الأستاذ مصطفى مرعي كان قد بنى خطة لاعتصار البرتقالة فبدأ لما حصلت بعض الأحداث قال له أكتب بيان بس قول إنك أنت ضد الأحداث هذه وضد الإرهاب علشان نقدر نرجع الجماعة.
محمد فريد عبد الخالق: البيان وضح موقف الإخوان إنهم أبرياء وإنهم حريصين على السلم والأمن وإن هم المواطن اللي لا يحافظ على أمن بلده ليس مسلم وإن إحنا كلنا ما عندناش أي تفرقة يعني تكلم كلام يؤثر في الرأي العام ويخليه لا يقبل إنه يُدَبر له الاغتيال فأجلوه بعد ما تم اغتياله نشره وقال هذا بيان نزل هو فيه ليسو إخوان وليسو مسلمين.
رفعت السعيد: وهنا يعني الخطأ الحقيقي اللي وقع فيه الأستاذ حسن البنا أنه صدق هذا الوهم إنه الحكومة بعد أن تمكنت من الجماعة بإمكانها أن تأمن لها مرة أخرى، اُعتصرت البرتقالة حتى أخر قطرة وبهذا فضيلة المرشد لم يعودوا بحاجة إليه.
[تعليق صوتي]
في صباح اليوم الثاني عشر من فبراير/شباط كان هناك مَن يعتقد أن حسن البنا قد حانت ساعته وحُدد المكان أمام جمعية الشبان المسلمين التي تقع في شارع الملكة نازلي المسمى حالية بشارع رمسيس المكان نفسه الذي كان حسن البنا شارك بتأسيسه واعتاد أن يتردد عليه في الفترة الأخيرة لإجراء المفاوضات مع ممثلي الحكومة بشأن الإفراج عن جماعته، في الثانية عشر ظهر يذهب محمد الناغي أحد أقرباء رئيس الوزراء إلى مقر عمله في جمعية الشبان المسلمين ويطلب من محمد الليثي سكرتير قسم الشباب في الجمعية أن يذهب إلى الشيخ حسن البنا ويدعوه إلى جلسة مفاوضات جديدة، يقبل الليثي رغم خوفه لأنه كان يعلم أن كل مَن يقترب من بيت الشيخ حسن البنا يُقبض عليه في الساعة الثانية بعد الظهر يصل محمد الليثي إلى منزل حسن البنا.
أحمد رائف: كان رافض يروح هذا اللقاء فأصر محمد الليثي اللي ركب دراجة وراح بها البيت وكان يأكل ساعتها قال له لا ده في اتفاق نهائي وأخير مع الحكومة على تسوية جميع أوضاع الإخوان وبشوية تنازلات من جانبك والنهاردة في لقاء وربما يأتي وزير الداخلية شخصيا هذا الاجتماع.
[تعليق صوتي]
يطلب البنا من صهره عبد الكريم منصور المحامي أن يصحبه إلى الاجتماع فيوافق على مضض إذ أن الأسرة كلها كانت تشعر بالقلق من هذه المقابلة، في الساعة الخامسة يستقل الرجلان سيارة تاكسي من ميدان الحلمية الجديدة إلى مقر الجمعية لاحظا على الفور أن سيارة أخرى كانت تراقبهما لكنهما اعتادا على ذلك في الفترة الأخيرة، يصل البنا في الموعد المحدد فيلتقي بالناغي في مكتبه في الدور الأول المطل على شارع الملكة نازلي، عبد الكريم منصور مع محمد الليثي ينتظرانه في البهو، استمرت المفاوضات ثلاثة ساعات.
أحمد عادل كمال: لقى الكلام كلام فارغ ما هواش مباحثات جدية للوصول إلى شيء.
[تعليق صوتي]
لكنه كرر طلبه بالإفراج عن المعتقلين حتى يتاح له تقديم معلومات عن الأسلحة والإذاعة السرية، في الثامنة مساء يستأذن محمد الناغي متعلل باعتياده النوم مبكر فيتأهب البنا وصهره للانصراف ويطلبان من عوض ساعي الجمعية استدعاء سيارة أجرة، في الثامنة واثنتي عشرة دقيقة يعود الساعي ليخبرهما أن سيارة تنتظرهما أمام المبنى، يخرج حسن البنا ومعه عبد الكريم منصور يرافقهما محمد الليثي ليودع الشيخ، كان المشهد في شارع الملكة نازلي مختلف بعض الشيء، أعمدة الإنارة مطفأة، لا أثر لعربات الترام، هدوء غير معتاد في هذا الشارع الحيوي، لاحظ عبد الكريم منصور وحاول أن يلفت انتباه الأستاذ البنا إلى ذلك فابتسم له غير مبال بتوجسه، لم ينتبه أحد إلى السيارة السوداء التي كانت تقف إلى الجانب الآخر من الطريق، بعد لحظة جاء ساعي يدعى إبراهيم ليخبر الليثي بأن تليفون يطلبه فاستأذن من الضيوف وعاد إلى الداخل، جلس البنا في المقعد الأيمن من السيارة وصهره في المقعد الأيسر لم يتحرك التاكسي على الفور لكنه انتظر قليل من دون سبب محدد ثم تحرك ببطء لمسافة خمسة أمتار تقريبا وفجأة ظهر رجلان يعبران الطريق جريا، اتجه أحدهما صوب حسن البنا يحمل مسدسا وأطلق النار عليه واتجه الآخر صوب عبد الكريم منصور وحطم زجاج السيارة حاول البنا الإمساك بالرجل لكنه عاجله بضربة قوية أعادته إلى مكانه وأطلق عليه رصاصة أخرى من مسافة تقل عن متر.
أحمد رائف: استطاع حسن البنا أن ينزل من السيارة التاكسي ويمسك بتلابيب المخبر الذي أطلق عليه الرصاص وملابسه ملوثة بالدماء ولكن نظرا لأن النزف كان شديد فلم يستطع أن يحتفظ به كثيرا فقد ضربه المخبر ضرب موجع في وجهه فاضطر إلى تركه.
عبد الله رشوان: ركبوا سيارة سوداء كانت تنتظرهم في ذات شارع عبد الخالق ثروت في المنعطف على طول أمام النقابة لكن في الجهة المقابلة لنقابة المحاميين.
[تعليق صوتي]
عندما سمع الليثي صوت طلقات الرصاص هرع عائد فرأي الجانيين فصرخ في وجهيهما فأطلق عليه أحد الرجلين طلقة لم تصبه واستقرت في حائط الجمعية، بعد أقل من دقيقة وقبل أن يتجمع المارة على صوت إطلاق الرصاص انطلق الرجلان إلى السيارة السوداء التي اختفت في الظلام لكن شاب مجهول استطاع أن يلتقط رقم السيارة ويمليه على الليثي الذي لم يجد حوله إلا علبة سجائر فارغة ملقاة بالعرض ليدون عليها الرقم، تحامل الإمام البنا على نفسه وحاول دخول مقر الجمعية ليطلب الإسعاف.
محمد فريد عبد الخالق: وهو حط أيده على الجرح ليعني يوقف النزيف ما استطاع وطلع برجليه السلالم بتاعة جمعية الشبان المسلمين كلها وهي ليست قليلة.
[تعليق صوتي]
كان سائق التاكسي غائب عن الوعي أو إنه ادعى ذلك وعندما أفاق انطلق بسيارته إلى جمعية الإسعاف التي لا تبعد كثيرا عن مسرح الجريمة.
زكريا: أنا بالمصادفة كنت واقف أمام الإسعاف محطة ترام هناك كانت الترام بتمشي من شارع فؤاد اللي هو 26 يوليو دلوقتي فأنا واقف على محطة الترام بصينا لقينا الإسعاف داخلة.. عربية إسعاف داخلة على مدخل الإسعاف على طول واقفين عسكريين أو ثلاثة واقفين على الباب من وراء فوقت ما دخلت العربية قفلوا الباب الحديد بتاع الإسعاف وكاردون عسكر أتخلق أوام كده وبصينا لقناه أترص إيه في إيه؟ فطبيعي ناس زي حلاتي جريت على مقر الإسعاف ده، إيه الحكاية واحد قال ده الظاهر واحد من الكبراء أضرب بالنار ولا في حاجة واحد ثاني قال ده الشيخ حسن البنا.. قلت له إيه؟ بتقول إيه؟ حسن البنا؟
[تعليق صوتي]
ولأن حالة الأستاذ عبد الكريم منصور كانت خطرة كان من الضروري نقله إلى مستشفى القصر العيني وأصر البنا على أن يصاحبه للاطمئنان عليه، لم تكن إصابة البنا قاتله ولكنه كان ينزف.
لم يكن هناك سوى رقم السيارة
وأصابع تشير بالاتهام في اتجاهات متباينة
تحاول أن تعرف..
من قتل حسن البنا؟
نهاية الجزء الأول
________________________________________
المصدر: الجزيرة
جميع حقوق النشر محفوظة
2000 - 2010 م