صيداويات - دور كبير لمدينة صيدا بفعالياتها ومؤسساتها وجمعياتها ومختلف القطاعات فيها خلال عدوان تموز
دور كبير لمدينة صيدا بفعالياتها ومؤسساتها وجمعياتها ومختلف القطاعات فيها خلال عدوان تموز
صيداويات - الثلاثاء 17 آب 2010-
سعدى علوه - السفير:
لم يكن لرائحة الملوخية التي انتشرت في أروقة مستشفى صور الحكومي يوم الثلاثين من تموز العام 2006 النكهة عينها. تحولت الملوخية التي أعدّها العشي أبو عصام - الذي لم يترك المدينة على امتداد أيام العدوان، على الرغم من سنين عمره وتعب الدوالي في قدميه - إلى مؤشر للحياة: نجح الصامدون في مدينة صور في تأمين نبض استمراريتها.
كان ذلك هو يوم الهدنة التي تلت مجزرة قانا الثانية، وكان القلق على أهل صور والنازحين إليها في أوجه... يومها قالوا ان لا رغيف خبز في المدينة، بينما كان «العم» حسن حاج علي، كما كان يناديه فريق عمل المستشفى والنازحون، يطهو قدرين من الملوخية و«يخنة» بطاطا مع دست من الأرز لمئات النازحين والجرحى وأهالي الضحايا الذين سكنوا روائح الموت والجثث. حتى أن أبا عصام أصرّ على إطعام الوافدين من المناطق الأخرى لتفقد صور في يوم الهدنة.
ملحمة مستشفى صور الحكومي وسمعتها التي وصلت إلى أقاصي الأرض لدورها الحاضن والجبار في خلال العدوان، هي ما دفعت بالسفير الكويتي في لبنان لما كان يتفقدها بعد العدوان، إلى التلفت من حوله في باحتها الخارجية والتوجّه إلى رئيس المستشفى المقدم سلمان زين الدين سائلا «وأين هي المستشفى؟».
استدار الدكتور زين الدين نحو المبنى المترهل والمتواضع للمستشفى، وقال «هذه هي». استغرب السفير وقال انه تخيل رؤية واحدا من أكبر مستشفيات لبنان «اعتقدنا أنها أكبر من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت».
بعد أربع سنوات على ذلك اليوم، ما زال مستشفى صور الحكومي على حاله.
يومها، وخلال اللقاء مع السفير الكويتي، يشهد ناشط في لجنة دعم المستشفى آنذاك، انه شاهد نواب المنطقة يحثون رئيس المستشفى على طلب الدعم من السفير، ويومها اكتفى زين الدين بتذكير ممثل دولة الكويت بأن مساعي دولته جعلت من مستشفى النبطية أهم مستشفى في المنطقة. هزّ السفير رأسه، وجاءت الأخبار في اليوم التالي لتبشر بتنبي الكويت بناء مستشفى حديث لصور وقضائها.
تبرعت الكويت بعشرين مليون دولار للمستشفى الجديد بعد انتهاء العدوان بأشهر قليلة، وتأمّنت قطعة أرض على عقار يعود إلى وزارة المالية، ومع ذلك لم يجر حتى اليوم، بعد أربع سنوات على انتهاء العدوان، وضع الحجر الأساس للمشروع، ولا الإعلان عن تلزيمه أو تحديد تاريخ رسمي للبدء في البناء.
ربما لا يكفي الدولة اللبنانية أن تكون المنطقة برمّتها على فوهة بركان النار وفي مواجهة خطر عدوان مستمر، لتتحرك وتسرع في استعمال المال الذي قدّمته الكويت. ربما يريد القيّمون على الدولة للمنطقة أن تخوض غمار الاعتداءات كما فعلت في 2006، عارية إلا من إرادة أبنائها والصامدين فيها.
يشبه التعاطي مع مستشفى صور الأداء الرسمي العام لناحية الاستعداد والتحضر لما يمكن لإسرائيل أن تنفذه من تهديداتها المستمرة. لم يفلح عدوان تموز 2006 على بشاعته، في فرض حتمية وضع خطة طوارئ نهائية تجنب المؤسسات الأهلية والدولية، ومعها الأجهزة الرسمية المعنية، كل تلك الفوضى التي نتجت من غياب ألف باء التحرك لمواجهة الأزمات.
فخطة الطوارئ المحوّلة الى المجلس النيابي منذ ما قبل عدوان تموز لدراستها لم تقر، كما أن معظم المرافق الصحية الرسمية في الجنوب تعاني من النواقص والأعطاب. فمستشفى تبنين الحكومي، مثلاً، ما زال مقفلاً منذ عشر سنوات (باستثناء قسم متواضع للطوارئ) بالرغم من أن المنطقة، وبحكم التجربة، تحولت إلى غرفة عمليات صحية، ومركز لنقل المصابين والنازحين من قرى قضاء بنت جبيل في خلال العدوان.
يقول متابع للملف الصحي والخدماتي جنوباً إن الدولة أسقطت أهل المنطقة من حساباتها، ويذهب إلى حدّ تأكيد أن نوابها لا يعرفون إلا منابرها وحسينياتها لإلقاء الخطب وتقديم التعازي، ومشغولن في إحصاء أرقام الناخبين في الصناديق، فقط لا غير.
ويسأل الطبيب المتابع عن السبب الذي يحول دون تجهيز مستشفى تبنين حتى اليوم، وعن عدم المباشرة ببناء مستشفى صور الجديد رغم توافر الأموال بينما كان الناس ما زالوا مشغولين في دفن شهدائهم، ولماذا يترك مستشفى صور الحكومي الحالي «ليدبر رأسه» بنفسه وبتجهيزات متواضعة نسبة للدور الملقى على عاتقه، وخصوصاً ما هو متوقع في حال وقوع اعتداء إسرائيلي.
ولمستشفى تبنين الذي شغّله ثمانية عسكريين بعدما خلا من فريقه الطبي، قصته التي تبدأ مع قيام أحد الجنود بـ«توليد» امرأة نازحة قبل أن يلتحق به طبيبان، أحدهما جراح من آل مهنا، والثاني مختص في الصحة العامة من آل حرقوص.
ومن تبنين، يروي احد العسكريين قصة الجندي حمادي الذي عاد من بنت جبيل حاملاً صندوقاً وكيساً من الذهب وزنه ثمانية كيلوغرامات وجدهما فيها. يومها، سأل رئيس المستشفى المقدم سلمان زين الدين (كان يتولى إدارة مستشفيي صور وتبنين) حمادي عما يملكه من المال فأجاب «مستورة والحمد الله». لم يكن في جيب حمادي أكثر من عشرة آلاف ليرة لبنانية، وكان وحده في اللحظة التي عثر فيها على الذهب، وسلّمه لمركزه العسكري الذي سلمه بدوره لمديرية المخابرات في الجيش لرده إلى أصحابه.
مع إقفال مستشفى تبنين، يستمر مستشفى صور الحكومي بالعمل بما يدفعه المواطنون من بدل أتعاب رمزية.
صحيح انه تم تجهيز ثلاث غرف عمليات جديدة بدل غرفتين قديمتين قبل الحرب، ولكن ما زال قسم العناية الفائقة الذي أمنته مؤسسة الوليد بن طلال للمستشفى من دون تشغيل، بسبب عدم توافر المال.
في المقابل، يقول مدير المستشفى اللبناني ـ الإيطالي سهاد زين الدين في صور (نجم سابقاً) إن المستشفى، وهو مرفق خاص، يعمل على ملف اسمه إدارة الكوارث. فبالإضافة إلى خطر العدوان الإسرائيلي، يشعر الجنوبيون بأنهم مهددون بخطر الهزات الأرضية التي تتابعت العام الماضي، وإن بوتيرة بدرجات خفيفة، وخصوصاً تلك التي ضربت بلدة صريفا.
وعليه، يحاول المستشفى تأمين مخزون من الأدوية الضرورية والأمصال ما يكفي لمدة أسبوعين في حال الطوارئ، كما يخزن المازوت لتأمين تشغيل المولدات الكهربائية لمدة شهرين.
ومن ضمن الخطة، يتوجب بقاء عشرين طبيباً في المستشفى في حال حدوث أي طارئ، كما تم البحث في كيفية توزيع المرضى إذا فاق عددهم قدرة المستشفى على الاستيعاب. ويخلص زين الدين إلى القول إن مؤسسات الجنوب باتت مسكونة بهاجس الحالات الطارئة وبثقافة الاستعداد لها.
وإلى جانب مستشفى صور الحكومي، أدّى مستشفى جبل عامل دوراً كبيراً خلال عدوان تموز 2006. يقول نائب رئيس مجلس إدارة المستشفى العميد علي يونس إن جبل عامل لم يتلق مساعدات لا من الخارج ولا من الدولة لتحسين أوضاعه «بل سعى كمؤسسة خاصة، لاستحداث أقسام جديدة لمرضى القلب والعلاج الكيميائي والأطفال حديثي الولادة وللتنظير، بالإضافة إلى استقدام آلات جديدة للمختبر والأشعة والطوارئ، وكل ما من شأنه تمكين المستشفى من استقبال معظم الحالات الطبية.
كما أن المستشفى يخزن حوالى ثلاثين ألف ليتر من المازوت لتأمين العمل في حال انقطاع التيار الكهربائي، كما يحدث دائماً في الحالات الطارئة».
مرجعيون
يعود مبنى مستشفى مرجعيون الحكومي إلى العام 1960، يوم دشنه رئيس الجهورية آنذاك فؤاد شهاب. لم يعرف مستشفى مرجعيون التوسع إلا خلال الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة، فيما ظل يعاني، خلال فترات «التحرر»، من نقص في التجهيزات والكادر الطبي اللازم كما المعدات.
وفي عدوان 2006، صمد المستشفى إلى حين إخلاء كادره الطبي مع النازحين الذين لجأوا إليه من المنطقة المحيطة، فاستوعب المصابين والجرحى والشهداء برغم إمكانياته المحدودة.
يتوقف رئيس مجلس إدارة المستشفى الدكتور مؤنس كلاكش عند أهمية تأمين مبنى لمستشفى مرجعيون «فالمبنى الحالي «ينش» في الشتاء وهو غير صالح ليؤدي دوره في منطقة بحجم مرجعيون ومحيطها، وكذلك كمرفق صحي في المنطقة الحدودية».
ويشير كلاكش إلى انه تم تحسين غرف العمليات وتجهيزها في المستشفى، كما دعمت دولة الإمارات صيانة المبنى بعد عدوان تموز، ولكن لا يمكن إجراء جراحات قلب مفتوح أو حتى قسطرة (الميل) فيها، وحديثاً أصبح بالإمكان إجراء جراحات في الرأس، كما تم استحداث قسم للعناية الفائقة ولغسيل الكلى، وتم تطوير المختبر ونقله من غرفة جانبية إلى داخل المستشفى.
وقدم مستشفى مرجعيون شهيداً في حرب تموز هو مهندس الآلات الطبية خالد عبد الله الذي لم يغادر المنطقة إلا مع القافلة التي سمح لها الإسرائيليون بالمغادرة، وعادوا وقصفوها بين مرجعيون والبقاع الغربي.
صيدا
لا يخفى على أحد الدور الكبير الذي أدّته مدينة صيدا بفعالياتها الشعبية والسياسية ومؤسساتها الأهلية وجمعياتها ومختلف القطاعات فيها، وخصوصاً مرافقها الصحية، خلال عدوان تموز. وإلى جانب مركز لبيب الطبي ومستشفى حمود، كان لمستشفى صيدا الحكومي دور حاضن للنازحين وللمصابين الذين وصلوا إلى عاصمة الجنوب.
إلى جانب مستشفى النبطية، الذي تم تطويره كبناء وتجهيزات بدعم من الكويتيين، ومستشفى بنت جبيل الذي تولاه القطريون وافتتحه أميرهم في زيارته الأخيرة إلى المنطقة، يبدو مستشفى صيدا الحكومي من المرافق الصحية الرسمية، وهو شهد نقلة نوعية مستعينا بمبناه الجديد الذي كانت قد انتهت عملية إعادة تأهيله قبل العدوان.
ويؤكد رئيس مجلس إدارة المستشفى الدكتور علي عبد الجواد أن عدد أسرة المستشفى قفز من 25 سريراً محصوراً في طابق واحد، إلى 150 سريراً قابلة للزيادة إذا جرى ترميم وتأهيل المبنى القديم والاستفادة منه.
ومع تطوير المستشفى، تم أيضا تحسين مؤهلات الكادر الطبي الذي كان متوسط أعمار أفراده يصل إلى 53 سنة، يقومون بعملهم ضمن موازنة من وزارة الصحة لا تتجاوز قيمتها الستة عشر مليون ليرة شهرياً.
كما أن المستشفى لم يكن متعاقداً مع جهات ضامنة أخرى بسبب الضعف الطبي والفندقي (أسرة ومطبخ) والتقني والتجهيزات.
وتحسنت خدمات المستشفى عندما اعتمده الهلال الأحمر القطري خلال الحرب كمستشفى ميداني، وتم تزويده بجهاز تخدير إضافي لتشغيل غرفة العمليات الثانية التي كانت معطلة.
ويستشهد د. عبد الجواد بعدد الجراحات التي يجريها المستشفى للدلالة على القفزة النوعية التي تحققت «فمن 75 عملية جراحية كانت تجرى في العام، ينجز المستشفى حالياً حوالى ثلاثمئة عملية جراحية متنوعة في الشهر الواحد، بعدما أصبحت هناك ثلاث غرف عمليات للجراحات المختلفة، وغرفتان للولادات والجراحة النسائية،. كما يتمتع المستشفى بغرفة مخصصة للعمليات الصغرى والطوارئ في قسم الطوارئ، وهي فريدة من نوعها، كما صنفتها مؤسسة ألمانية «أولى» على مستوى منطقة الجنوب.
ومع استحداث أقسام للعناية والخدج وغسيل الكلى والعلاج الفيزيائي، يشير د. عبد الجواد إلى أن النقص يكمن في التجهيزات التي تتمم عمل هذه الأقسام وليس في الكادر الطبي، مؤكداً انه يجري العمل لتأمين تمويل لإنشاء قسم خاص بمرضى القلب لعرضه على وزارة الوصاية (الصحة) للموافقة. ومن المفترض أن يبدأ المستشفى بالقسطرة (الميل) كبداية في قسم القلب قبل تجهيزه لعمليات القلب المفتوح.
وحصل التطوير في مستشفى صيدا بقرض منحته السعودية للدولة اللبنانية بالإضافة إلى هبة سعودية أيضا.
وإلى جانب الإيجابية التي طرأت على المستشفى، يبقى «فتح باب الحديث عن السيولة النقدية مؤلماً»، وفق عبد الجواد، الذي يشير إلى «أن مستحقات المستشفى المترتبة على الدولة تفوق بأضعاف ديون الموردين على المستشفى، وهو ما يجعلنا نقصّر في تأمين رواتب موظفينا وإجراء أعمال الصيانة اللازمة للحفاظ على مستوى تقني عالٍ للتجهيزات الطبية». ويرى د. عبد الجواد انه «في ظل هذا الوضع، لا يبقى مجــال لتنـفيذ خطة الطوارئ التي وضعها المستشفى، فمثلاً لدينا لوجستياً القدرة على تخزين المازوت مثلاً ولكن لا إمكانية مادية، والأمر نفسه ينطبق على الأدوية والأمصال الضرورية للطوارئ، فالسقف المالي لا يتناسب مع حجم العمل الفعلي للمؤسسة».