أكرم الحوراني
أكرم الحوراني
أكرم رشيد محيي الدين الحوراني، شخصية سياسية سورية بارزة. ولد أكرم الحوراني في مدينة حماة السورية عام 1911 وتوفي في عمّان عام 1996.
نشأته ومراحل تعليمه
تعلم أكرم الحوراني في مدرسة دار العلم والتربية مع أبناء الأسر الإقطاعية، وقد أسس هذه المدرسة الملك فيصل الأول بن الحسين قرب قصر العظم في حماة. وقد تأثر أكرم الحوراني بأستاذه عثمان الحوراني الذي كان يدرسه مادة التاريخ، إذ كان يغذي في طلابه روح الحرية والاستقلال والمقاومة المسلحة والفخر بالإرث العربي، وكان هذا الأستاذ من المشاركين في ثورة 1925، لذا بدأ وعي أكرم الحوراني السياسي يتكون على وقع أحداث ثورة سورية الكبرى (1925ـ 1927).
بعد تخرج الحوراني من معهد العلم والتربية في حماه، ذهب إلى دمشق وانتسب إلى مدرسة النخبة الثانوية التابع للدولة (مكتب عنبر) والتي خرجت عدداً من القادة الوطنيين، ومنها تخرج الحوراني وكان من الأوائل، ثم انتسب إلى الجامعة اليسوعية في بيروت لدراسة الطب، لكنه عاد بعد سنة إلى دمشق (1931) حيث التحق بجامعتها لدراسة الحقوق، وكان سبب تركه لبيروت هو اشتراكه في التخطيط لاغتيال النائب صبحي بركات. وبعد تخرجه من كلية الحقوق عمل الحوراني في المحاماة إلى أن انتخب عام 1943 نائباً في البرلمان.
انخراطه في العمل السياسي
كان أول اشتراك للحوراني في العمل السياسي المنظم في عام 1936 بعد تخرجه من كلية الحقوق، عندما انتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي منجذباً إلى المبادئ العلمانية لهذا الحزب (فصل الدين عن الدولة، القضاء على الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس مصلحة الأمة والدولة، تكوين جيش قوي...) وبقي في هذا الحزب كعضو ناشط إلى أن فصل منه سنة 1939.
في عام 1941، سافر الحوراني وبعض ضباط الجيش السوري ومتطوعون آخرون من بقية الطيف السياسي الوطني إلى بغداد لمؤازرة ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد البريطانيين، وبعد أن تمكن البريطانيون من قمع الثورة، عاد الوطنيون (الحوراني ومن معه) من العراق إلى سورية حيث تم احتجازهم لفترة من قبل حكومة الانتداب الفرنسي في دير الزور على الحدود السورية العراقية. ويُذكر أن اتصالات الحوراني بالجيش السوري وبعفلق والبيطار بدأت على إثر هذه الواقعة.
قاد الحوراني انتفاضة الفلاحين في ريف حماة ضد الإقطاعيين، فانتخب نائباً عن حماة سنة 1943، 1947، 1949، كما ساهم في التحريض على الوجود الفرنسي في مدينة حماة عام 1945.
وبعد انتخابه عام 1943، عزز الحوراني صلاته ببعض الضباط الشباب الذي تخرجوا من الكلية العسكرية في حمص أمثال عدنان المالكي وأديب الشيشكلي. وكان الحوراني ورفاقه عفلق والبيطار ينظرون إلى الجيش دائماً كأداة للوصول إلى الحكم، وليس كمؤسسة لحماية البلاد. وقد جنوا مغبة سياستهم الرعناء هذه (استخدام الجيش كذراع سلطوي) حين ظنوا أنهم نجحوا في الوصول إلى السلطة؛ إذ سرعان ما انقلبت العصا التي حاربوا بها إلى سوط يلسع ظهورهم، بل يحطم جماجمهم وجماجم سائر المواطنين.
ولقد بقيت صلة الحوراني بالجيش الركيزة الأساسية في سياسته والتي أكسبته نفوذاً كبيراً فقد كان الحوراني ورفاقه من رواد البعث أكثر السياسيين تحملاً لمسؤولية تسييس الجيش بعد الاستقلال، حتى قيل إنه كان لضباط الأربعينات وبداية الخمسينات واحد من ثلاثة التزامات: تأييد أحد الحزبين السوري القومي أو البعث، أو الولاء لقائد واحد هو أكرم الحوراني الذي كان يتظاهر بالوقوف إلى جانب حقوق الضباط والأفراد، في فترة تزايد فيها انتقاد السياسيين لهذا الجيش. كما كان الحوراني يلعب اللعبة نفسها مع الفلاحين والعمال.
في أول أمره تولى الحوراني وزارة الزراعة وأحدث فيها بعض ما كان يظنه إصلاحاً. وفي شهر كانون أول 1949 تولى أكرم الحوراني وزارة الدفاع في حكومة خالد العظم، ثم ما لبث أن استقال منها في شهر نيسان. وكانت سياسته في وزارة الدفاع السيطرة على الجيش، وربط العلاقات الشخصية، لتوظيفها في مشروعه السياسي، وقد استفاد من البعثات التي وزعها على أصدقائه في توكيد هذه العلاقات. وكان له دور بارز في بناء جهاز مخابرات الجيش لإحكام السيطرة عليه.
وقف الحوراني عندما كان وزيراً للدفاع إلى جانب الشيوعيين في المجلس البرلماني ضد الأحلاف وضد الإخوان المسلمين باسم العلمانية والتحرر متهماً إياهم بالعمالة للاستعمار.
حصل أكرم الحوراني في تشرين الأول 1950 على ترخيص لتأسيس الحزب العربي الاشتراكي وجعل مدينة حماة مقره الرئيسي.
نظم الحوراني أتباعه من الفلاحين في الحزب العربي الاشتراكي، واستخدمهم ضد الملاكين الكبار. وبلغت حملة التحريض أوجها في مؤتمر في حلب (أيلول 1951) الذي حضره ألوف من الفلاحين، فكان أول مؤتمر من هذا النوع الثوري في الوطن العربي، واشتدت الحملة وتحول التحريض إلى أعمال عنيفة، فأُحرقت المحاصيل وأُطلقت النيران على بيوت الملاكين.
وعندما سيطر الشيشكلي حليف الحوراني على الحكم وأخذ يكمم الأفواه ويُلقي القبض على معارضيه هرب الحوراني على عادته عبر الجبال إلى لبنان، وهناك انضم إليه ميشيل عفلق وصلاح البيطار اللذان هربا هما أيضاً من اضطهاد الرئيس أديب الشيشكلي. وفي منفاهم عام 1952 قرر الثلاثة دمج حزبي (البعث العربي) و(العربي الاشتراكي) ليصبح حزب البعث العربي الاشتراكي. وذلك لتصليب الجبهة المعارضة للشيشكلي، وكان هذا الحزب بمثابة تجمع موظفي المدينة والمعلمين وأشباههم مع الفلاحين.
موقفه من الوحدة بين سورية ومصر
عندما تحققت الوحدة بين مصر وسوريا في شهر شباط عام 1958، وقف الحوراني موقفين مزدوجين وبالغي التناقض: مرة كمدافع متحمس إلى الوحدة مع مصر، وهي التي ما إن تحققت حتى سمي فيها نائباً لرئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر، ومرة حين انقلب على الوحدة واستقال من مسؤولياتها في 1959، فهرب الحوراني منذ ذلك التاريخ إلى لبنان وشرع يشن الهجوم تلو الهجوم على (الاستعمار المصري !!) وعلى (التواطؤ بين القاهرة وتل أبيب !!)، وما كاد انقلاب 28 أيلول عام 1961 ينهي حكم الوحدة حتى انتقل الحوراني إلى دمشق وبات من أركان (العهد الانفصالي) هو ورفاقه.
وبقيام انقلاب 8 آذار عام 1963 الذي حمل البعث إلى السلطة كان الحوراني أحد المغضوب عليهم الذين بالغوا في الخروج من بيت الحزب الواحد، وإذا بالضباط الذين أدخلهم الحوراني إلى الحزب والسياسة يخرجونه من السياسة ويجردونه من حقوقه المدنية فضلاً عن اعتقال دام فترة وجيزة. ثم لم يلبث أن لحق به صاحباه عفلق والبيطار في شباط 1966.
ومنذ ذلك الوقت وأكرم الحوراني يتجول في بلاد الله الواسعة، من بيروت إلى بغداد، ومن بغداد إلى باريس، ومنها إلى عمّان، خائب الأمل. مرة يحاول التعويل على قدامى الرفاق العراقيين، ومرة يحاول تجميع المعارضين السوريين فينتبه إلى أن الأمر قد تغير وأن الذي كان يقود في الخمسينات لا يستطيع أن يقود في التسعينات، لاسيما أن عقله لم يتغير كثيراً.
وفاته
توفي أكرم الحوراني في عماّن في شباط عام 1996 ودفن فيها. شارك في جنازته بضعة أشخاص ربما لا يتجاوز عددهم أصابع اليد كان من بينهم بعض أعدائه من الإخوان المسلمين الذين طلب منهم ذلك بحجة انه مات غريب وحيد وانهم أبناء بلده.