الحياة - خدام وخيول الفراعنة - ميسر الشمري
خدام وخيول الفراعنة
ميسر الشمري الحياة - 09/04/07//
بالأمس تلقّيت بياناً منسوباً إلى نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام، بمناسبة الذكرى الـ60 لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي أُسس في السابع من نيسان (ابريل) 1947، يحث فيه البعثيين على استعادة الهوية القومية للحزب، والإطاحة بالأسر التي استولت على مقاليد السلطة باسم الحزب.
من المؤكد أن صحافيين كثيرين تلقوا البيان الذي تلقيته عبر الفاكس نفسه، ومن المؤكد أيضاً أن كثيراً من الصحف التي تلقت البيان ستتجاهله كما كنت سأفعل، لولا أنني وجدت في البيان ما يجافي الحقيقة التي يعرفها خدام قبل غيره، لكونه خدم الحزب أكثر من 36 عاماً.
يقول خدام في بيانه مخاطباً البعثيين: "أعلم جيداً أن القليل منكم من عاصر مرحلة التأسيس ومراحل الصراع على السلطة، والكثير منكم عاصر مرحلة الانفراد بها من قبل رئيس الدولة ومرحلة تأسيس حكم الأسرة، وما أنتجه ذلك في البلاد من شعور بالظلم والقهر وانهيار في القيم والمبادئ والمؤسسات الدستورية... الخ"، ويضيف في فقرة تالية مخاطباً البعثيين أيضاً: "كيف يمكن حماية الوحدة الوطنية ونظام الأسرة الحاكمة يعمل على تفكيكها، عبر نشر إشاعات بأن التغيير سيلحق الأذى بالأقليات... ومنها الطائفة العلوية، محاولاً إثارة الخوف لدى مواطنينا... الخ"، لكن خدام تجاهل أن البعثيين الذين يخاطبهم للإطاحة بحكم الأسرة واستعادة الهوية القومية للحزب، هم أحفاد وأبناء أولئك الذين سجلوا أول شرخ في الوحدة الوطنية في سورية، وأن الحزب الذي خدمه خدام لأكثر من 36 عاماً، هو أول من أيقظ النعرات الطائفية في سورية، خصوصاً بين الدروز والعلوية والنصيرية، أما قبل ذلك فكلنا نعرف أن سورية بكل طوائفها ونسيجها الوطني كانت موحدة ضد الاستعمار، ففي الشمال الشرقي دحر أبناء البادية (عرب سنة) الاستعمار الفرنسي وسيطروا على معسكراته، وفي الجبل هناك الشيخ صالح العلي (علوي)، وفي الجنوب سلطان باشا الأطرش (درزي)، وفي حلب قاد إبراهيم هنانو (كردي) معركة ميسلون ضد الفرنسيين، وقال جملته الشهيرة وهو يعلن بدء الثورة عندما أحرق أثاث منزله: "لا أريد أثاثاً في بلد مستعمر". هذه هي سورية التي قرأناها في كتب التاريخ قبل وصول البعث إلى السلطة، حيث كانت لحمتها متجانسة لا فرق بين عربي وكردي، ولا بين بدوي سني وحضري علوي، إلا بما يقدمه كل منهم للوطن.
تطرّق خدام في بيانه إلى بدايات تأسيس حزب البعث في السابع من نيسان 1947، لكنه لم يذكر أن حزب البعث كان نتاج دمج بين "حزب البعث العربي" و "الحزب العربي الاشتراكي" الذي أسسه أكرم الحوراني سنة 1938، بعد اتفاق بين ميشيل عفلق وصلاح البيطار من جهة والحوراني من جهة أخرى، ليصبح الحزب الجديد باسم "حزب البعث العربي الاشتراكي"، كما لم يذكر أن عفلق الذي ابتلع شركاءه أمثال زكي الارسوزي وصلاح البيطار وغيرهم، تمكّن من ابتلاع رفيقه في المنفى اللبناني أكرم الحوراني، والأغرب أن السيد خدام لم يأت على ذكر الارسوزي والحوراني وصلاح البيطار ممن وضعوا الخريطة القومية للحزب، كما لم يذكر أين انتهى بهم المطاف، لكنه قفز من مرحلة البدايات سنة 1947 إلى مرحلة العمل السري سنة 1958، عندما قامت الوحدة بين سورية ومصر، ومنها قفز إلى الثامن من آذار (مارس) 1963 عندما شارك حزب البعث في الإطاحة بالوحدة بين دمشق والقاهرة.
لست هنا بصدد تفنيد ادعاءات خدام حول سبب انشقاق البعث إلى بعث سوري وآخر عراقي، كما أنني لست بصدد الحديث عن تغييب الحوراني والبيطار والارسوزي عن أدبيات البعث، لكنني أود أن أذكّر خدام بأن شعار البعث الذي يردده الطلاب حتى يومنا هذا كل صباح "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، وبودي أن اعرف أين ركن هذا الشعار عندما أسهم الحزب في الانفصال عن القاهرة؟
السؤال يا أبا جمال: لماذا علمتمونا أننا أمة واحدة لها رسالة خالدة، وفي الوقت ذاته أسهمتم (أعني البعثيين) في حركة الانفصال عن مصر؟ وهل جاءت مشاركة البعث في الانفصال تلبية لقصيدة الشاعر أدونيس التي وصف فيها خيول الفراعنة وهي تعيث فساداً في حلب؟!