د. دندشلي - جولة في دور النشر اللبنانيّة - دار الشروق والمكتبة العصرية
جولة في دور النشر اللبنانيّة (1)… تحقيق : د. مصطفى دندشلي
4 ـ دار الشروق : العودة إلى التّراث العربيّ والإسلاميّ الأصيل والنظرة إليه بمنظار جديد
وعبر الواقع المعاصر .
ـ المكتبة العصرية : الكتب المترجمة لا تلاقي رواجاً وكتب التّراث العربيّ الحديث لا تزال
تحتل المكان الأوّل ...
تأسّست " دار الشروق " للطباعة والنشر في عام 1961 ، في القاهرة ، ومن ثمّ أسّست لها فرعاً آخر في بيروت في العام التالي ، وهي تهتمّ ، أول ما تهتمّ ، بنشر كتب التّراث العربيّ والإسلاميّ . ومع أنّه لم تمض فترة طويلة على وجودها إلاّ أنّها استطاعت أن تطبع وتنشر كتباً عديدة ومتنوعة ، منها ما يختص بالإسلاميات : الإسلام عقيدة وشريعة ، من توجيهات الإسلام ، الفتاوى للأستاذ الشيخ محمود شلتوت ، الرسالة الخالدة ، للأستاذ عبد الرحمن عزام . القرآن ... محاولة لفهم عصري للدكتور مصطفى محمود . خلفاء الرسول للأستاذ خالد محمد خالد ، إلخ ... ومنها ما يدخل في باب " أدب وفكر " : ألوان من الحب للأستاذ أنيس منصور ، وطني عكا (مسرحيّة شعريّة ) للأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي ، تجديد الفكر العربيّ للدكتور زكي نجيب محمود، إلخ ... وهناك ، إلى جانب ذلك ، سلسلة من الكتب للأطفال والناشئين ، تمتاز بجمال صورها وألوانها وأسلوبها ، والمواضيع التي تعالجها مستقاة من التّراث العربيّ والعلميّ المعاصر .
ألاّ أنّ أهمّ ما أصدرته " دار الشروق " حتى الآن ، هو " في سبيل موسوعة علميّة " للدكتور أحمد زكي .
وهذه الموسوعة تعالج مواضيع وأبحاثاً علميّة ، نشرت في " مجلة العربيّ " الكويتيّة ، حيث أشرف على تأسيسها ورأس تحريرها الدكتور زكي منذ أواخر سنة 1958 . فهي تنقل القارئ من : قصة الخلق والحياة في أعماق البحار ، إلى : الطاقة والكون وغزو الفضاء ، مروراً بالزواحف والحشرات والطيور والحيوان وجسم الإنسان والنسل ، إلخ ... وذلك بأسلوب علميّ وأدبيّ جذّاب وسلس في آن واحد ، بالإضافة إلى الصور العديدة التي توضّح كلّ فصل من فصول هذه الموسوعة.
وقد طرحت على السيّد إبراهيم المعلم ، مدير دار الشروق ، بعض الأسئلة وهذه أجوبته عليها :
* سؤال : ما هو اتجاه الدار ونشاطاتها في الوقت الحاضر ؟...
جواب : نتجه الآن إلى تأسيس شركة عربيّة مساهمة للنشر والطباعة والتوزيع ، تضمّ مصريين ولبنانيين وسعوديين وغيرهم ، كما أنّنا نسعى إلى بناء فروع لها في مختلف البلاد العربيّة .
هذا من جهة ومن جهة ثانية ، فإنّ اهتمامنا فيما يتعلق بالنشر والطباعة ، ينصبّ كلياً على إحياء التّراث الإسلاميّ والعربيّ الأصيل ولكن إحياء هذا التّراث يجب أن يتلاءم ، مضموناً وشكلاً ، مع حضارة العصر الذي نعيش فيه .
* سؤال : ماذا تقصد بذلك ؟...
جواب : أقصد باختصار ، أن نبتعد عن اللفظيّة الأدبيّة أو البلاغيّة أو العاطفيّة وأن نعطي اهتمامنا الكلّي بالأصول وبما هو أصيل في تراثنا الفكريّ العربيّ . أيّ ، بمعنى آخر ، أن نغيّر الأسلوب المتّبع حتى الآن في نقل ونشر الفكر العربيّ والتّراث الإسلاميّ ، اللذان يبعدان عن المنهج العلميّ والعمق ، وأن نعود إلى هذا التّراث من خلال الواقع المعاصر وبمنظار جديد ...
* سؤال : كيف يمكن أن يتمّ ذلك ؟...
جواب : أن نولي عناية كبرى بمختلف أنواع الثقافة والنّواحي العلميّة في حضارتنا وأن نخرجها إخراجاً جميلاً يتناسب مع مستوى العصر الذي نحن فيه . إنّنا دائماً نقارن أنفسنا بالناشر أو الكتاب الأجنبيّ من حيث الدقّة والجهد والجمال والأناقة في الإخراج ، كلّ ذلك مع مراعاة الذوق والأصالة العربيّة ...
* سؤال : هل يمكنك أن تعطينا مثلاً على ذلك ؟..
جواب : لنأخذ كتب الأطفال ، هنا في لبنان . إنّ كتب الأطفال المقرّرة في المدارس اللبنانيّة تعالج في أغلب الأحيان مواضيع بعيدة وعن حياة الطفل او تاريخه الثقافيّ . وهي وإن كانت قد كتبت باللغة العربيّة إلاّ أنّ مضمونها والمواضيع التي تعالجها ، أجنبيّة .
لهذا ، ومن الأهميّة بمكان أن نضع بمتناول يد الطفل العربيّ كتباً لا يقلّ مستواها عن مستوى الكتاب الأجنبيّ ، على أن تنمي فيه الروح الإسلاميّة والعربيّة ، بأسلوب جذّاب وسلس ، وأن يكون الكتاب مليئاً بالصور الجميلة الملوّثة التي تشدّ الطفل وتسعده وتعوده على حبّ القراءة .
مثلاً : " الرحلة إلى القمر "، وهو كتاب وضع خصيصاً للأطفال لينمّي فيهم المعلومات الجغرافيّة والتاريخيّة والعلميّة ، وبالدرجة الأولى ، فيما يتعلق ببلادهم العربيّة : المصريون القدماء كانوا يسمّون أرضهم : " كيمياء "، ثمّ استعملت هذه الكلمة لتدل على الصناعة التي اشتهروا بها ، انتقال هذا العلم إلى أوروبا عندما عبر الجيش العربيّ بقيادة " طارق بن زياد "، مضيق جبل طارق وفتح الأندلس ، اكتشافات " جابر بن حيان " العلميّة ، إلخ ...
* سؤال : يقال بأنّ قسماً كبيراً من القراء يتجه حالياً إلى قراءة الكتب الدينيّة أو الكتب الجنسيّة ، هل هذا صحيح وما هو تفسيرك لهذه الظاهرة ؟...
جواب : نعم ، الكتب الدينيّة والجنسيّة تلاقي في الظروف الحالية ، رواجاً أكثر من غيرها في الأسواق العربيّة ، والسبب في ذلك يعود قبل كلّ شيء إلى الهزيمة التي هزّت أعماق كلّ فرد عربيّ ، وخصوصاً في دول المشرق العربيّ .
إنّ هذه الهزيمة سببت وتسبب تمزقاً داخلياً وحيرة فكريّة ورفضاً لكلّ الشعارات التي كانت تطلق سابقاً .
مقابل ذلك ، لا يجد الناس شيئاً ... لهذا فقد هربوا من الواقع عن طريق الإغراق في الدين ومن ثمّ في التصوّف ، أو اتجه البعض الآخر إلى الإغراق في قراءة كتب الجنس .
* سؤال : ما هي المشاكل التي تواجه الكتاب العربيّ ؟...
جواب : هناك مشاكل كثيرة ، تأتي في المقام الأوّل مشكلة التأليف : بمعنى أنّه ليس هناك من مؤلفين أو مفكرين ، حتى الرعيل الأوّل منهم ، الكتاب الكبار ، قد نضبت قريحتهم ...
القارئ العربيّ متعطش للكتاب ولكن للكتاب الجديد من ناحية الموضوع والأسلوب والإخراج والسعر ... والمكتبة العربيّة " فارغة " وتحتاج إلى المزيد وإلى المزيد .
وهناك مشكلة أخرى أشدّ خطورة وهي مشكلة التزوير والتهريب ، ومركزها بيروت ، ومنها تصدر الكتب المزورة إلى مختلف أنحاء البلاد العربيّة والإسلاميّة ، وحتى أنّ بعض الحكومات العربيّة كانت ولا تزال تشتري الكتب المزورة . والمثل الذي يمكن أن يساق في هذا الصدد ، قصص: نجيب محفوظ ، توفيق الحكيم ، عبد الحليم عبد الله ، طه حسين ( في الأدب الجاهليّ ، والأيام )، أحمد أمين ( ضحى الإسلام )، إلخ ...
* * *
المكتبة العصريّة
وقد طرحت على السيّد شريف الأنصاري ، صاحب المكتبة العصريّة للطباعة والنشر ، عدّة أسئلة حول مشاكل الكتاب العربيّ في لبنان . وهذا ملخص أجوبته عليها :
لا يمكننا أن نتحدّث عن سوق للكتاب العربيّ في لبنان ، فهو معدوم ، إلا فيما يتعلق منه بكتب الجامعة والمدارس الثانويّة والابتدائيّة . فهذه هي التي تروج في لبنان ، إلى جانب كتب الأطفال التي ، للأسف ، أكثرها مترجم عن اللغات الأجنبيّة ، والقلّة القليلة جداً هي من تأليف كاتب لبنانيّ أو عربيّ ن أي بمعدل 5 بالمئة في أحسن الحالات .
والحديث عن عمليات التأليف والطباعة والنشر بشأن كتب الجامعة أو الكتب المدرسيّة على مختلف أنواعها ، حديث طويل يدخل فيه الشيء الكثير عن أساليب الاحتكار والرشوة وغيرها .
والمثل البسيط والسريع الذي أسوقه في هذا الصدد ـ وهناك أمثلة كثيرة لا مجال لذكرها الآن ـ هو : " المفيد في الأدب العربيّ ـ جزءان لصفوف البكالوريا يتراوح ثمن الجزء بين 10 و12 ليرة لبنانيّة .
إنّ هذا الكتاب يعاد طبعه سنوياً ، ولكن بين كلّ طبعة وطبعة ، هناك زيادات واختلافات بسيطة جداً وغير مهمّة ، ممّا يضطر الطالب إلى شرائه سنوياً .
أمّا من ناحية الكتب المترجمة عن اللغات الأجنبيّة فهي أيضاً لا نجد لها سوقاً في لبنان ، وإنّما سوقها " الطبيعيّ " هو العراق وسوريا . وهي لا تلاقي رواجاً كثيراً ـ كما يشاع ـ والدليل على عدم نجاح الكتب المترجمة هو أنّه لم يعمل على إعادة طبعها إلاّ نادراً وقليلاً جداً .
بالمقابل ، لا تزال كتب " التّراث الأدبيّ الحديث "، أي كتب ، عباس محمود العقاد وطه حسين وأحمد أمين ، إلخ ... رائجة في السوق المحلي أو العربيّ ، وذلك لقيمتها الأدبيّة والعلميّة ولأنّه لم يظهر حتى الآن الجيل الأدبيّ الجديد الذي يمكنه أن يحتل مكانتهم .
لهذه الأسباب جميعها ، نجد ميلاً عند القراء في البلاد العربيّة ، خصوصاً بعد نكسة حزيران سنة 1967 ، للعودة إلى كتب الدين وإلى الإيمان . وهذا أمر طبيعيّ في الإنسان : عندما يوجد الإنسان ، أيّ إنسان ، في مأزق أو أزمة خطيرة ، فأوّل كلمة ينطق بها هي اسم الله .
ولكن إلى جانب ذلك ، يجب علينا أن لا ننسى دور الإخوان المسلمين في هذا المجال . فهناك أكثر من عشر دور نشر في لبنان قام بتأسيسها ، مباشرة أو بصورة غير مباشرة الإخوان المسلمين الذين يفدون إلى لبنان سواء من مصر أو من سوريا . فقد طبعت عدّة طبعات جميع كتب السيّد قطب وخاصة : " في ظلال القرآن " ( 8 مجلدات ) وكتب محمد قطب والشيخ حسن البنا وغيرهم كثيرون .
أمّا فيما يتعلق بكتب الجنس ، أخيراً ، فهناك مكتبات مشهورة ، تطبع وتنشر كتب ومجلات رخيصة : ممّا دعا تدخل المسؤولين لدى هذه المؤسّسات لوقف نشر مثل هذه الكتب .
إنّ هذه الكتب والمجلات الجنسيّة قد منعت في معظم البلاد العربيّة إلاّ في لبنان . ومن لبنان فهي تصدر إلى السودان والأردن وبعض دول الخليج العربيّ والبعض الآخر تدخل إليه بطريقة سريّة .
ثمّ ، لا بدّ من الإشارة في هذا الصدد ، إلى الدور المفسد الذي لعبه الشاعر نزار قباني . فإنّ كتب هذا الشاعر تباع أكثر بكثير من أيّ شاعر آخر ، فهو يساعد على نشر الفساد والانكباب على قراءة الكتب الجنسيّة ، لأنّه يضرب على الوتر الحساس ، وبطريقة مثيرة ، للأجيال الشابة وخاصة منها الفتيات . ولأنّ كتبه رائجة ، فقد ترك السلك الدبلوماسي ويهتمّ الآن بطباعة ونشر كتبه فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] ) أنظر ، جريدة " المحرر "، 23 شباط 1972 .