صيداويات - دار السلام في صيدا: تُبلسم آهات المسنين وترعاهم طبياً ونفسياً
دار السلام في صيدا: تُبلسم آهات المسنين وترعاهم طبياً ونفسياً
صيداويات - الأربعاء 01 أيلول 2010
ثريا زعيتر - اللواء - صيدا:
تُلملم المسنة ليلى أحمد الدسوقي شتات ذكرياتها، وجراح ألمها، ووجع وحدتها بعدما غدر بها المرض وتقدم العمر.. لتستقر في «دار السلام للمسنين» في منطقة شرحبيل بن حسنة - صيدا التابعة لـ «جمعية جامع البحر الخيرية» الى جانب عشرات العجزة الذين يعيشون فيها، وسط إهتمام ورعاية نفسية وطبية بعدما حرموا من الإحتضان العائلي..
وليلى الوافدة من البقاع الى صيدا بعد رحلة عمل شاق إمتدت لعقود متتالية من الزمن، كانت تُحيط بها عائلتها، إلا أنها فقدتهم الواحد تلو الآخر، بدءاً من الوالدين مروراً الى الشقيقات: زينب، عائشة، زهية وميرفت، وصولاً الى الشقيقين محمد وخليل، لتجد نفسها أمام «شجرة مقطوعة» من الحرث والنسل..
«لـــواء صيدا والجنوب» وكعادته في شهر رمضان، يُسلط الضوء على ظاهرة التكافل الإجتماعي بين المحتاجين من الفقراء والمسنين والجمعيات الأهلية والخيرية والإنسانية وأصحاب الأيادي البيضاء، الذين يُحافظون على هذا الواجب الديني، والمعنى الإنساني، رغم اشتداد الظروف الإقتصادية والمعيشية والمالية..
وجوه التكافل
{ على كرسي متحرك تجلس ليلى في صالون «دار المسنين»، تُحدق كثيراً قبل أن تتعرف على الشخص أمامها، إذ تُعاني من مرض أفقدها النظر في إحدى عينيها، بينما الأخرى ترى فيها بصعوبة بالغة وتحتاج الى عملية «مياه زرقاء» لإعادة النور الطبيعي إليها، تقول: كنت أعمل في أحد الفنادق في البقاع وأقيم فيه، وبعدما توفى والداي أقمت عند شقيقتي في شتورا فترة من الزمن، ولكنها توفيت أيضاً، فعدت أدراجي الى الفندق أقيم فيه الى أن عجزت عن العمل، بسبب ألم في عيوني، فإنتهى بي الحال هنا، أنتظر ما تبقى من العمر، على أمل أن تُجرى لي عملية لإزالة «المياه الزرقاء» من أحد عيوني.
وبـتأثر بالغ، تروي ليلى تفاصيل حياتها التي لا تتذكر منها أياً من الأيام الجميلة، لتؤكد «لقد مضى العمر بغتةً في العمل وسعياً وراء قوت اليوم حتى لا نحتاج الى أحد، عملت في أحد الفنادق مدى 40 عاماً، وعندما عجزت عن مواصلة المسيرة نقلت الى هنا منذ خمسة أشهر في رحلة شقاء طويلة ومريرة».. قبل أن تضيف «الآن أفضل من السابق على الأقل، هناك جدران تأويني وأُناس تهتم بي، ولكنني لست سعيدة لأن حياتي قد تغيرت عن السابق، وتعرفت على أصدقاء جدد على أمل الإعتياد على المكان».وقالت: إن المعاملة جيدة في الدار، لا يعاملوننا كأننا عالة، بل بعطف وحنان، والأهم أن كل ما أحتاج إليه يتم تأمينه من طعام وشراب وثياب، وأملي أن يتم إجراء عملية كي أعود وأرى من جديد ألوان الحياة عسى أن تكون زاهية.
يؤكد مدير إدارة «دار السلام» الدكتور علاء الدين القطب «أن المشكلة التي واجهتنا في الموافقة على قبول ليلى الدسوقي هنا أنها لا تملك بطاقة هوية، ولكن إتصال من «دار الفتوى» وتحديداً من مفتي البقاع الشيخ خليل الميس كان كافياً لتسوية الأمر، خاصة أنه ليس لديها معيل ولا تلقى أي إهتمام، كان بعض الجيران وزملاء العمل سابقاً يقدمون لها النذر اليسير ويعطفون عليها، وهؤلاء باتوا غير قادرين على الإستمرار في فعل الخير بسبب الأوضاع المعيشية والإقتصادية الصعبة، فإتخذنا قراراً بالموافقة، وندرس الآن سُبل معالجتها وإجراء عملية للمياه الزرقاء التي تُعاني منها، على أمل أن تعود وترى من جديد وذلك بمساعدة الجمعية أو عن طريق مستوصفات أو إحدى المستشفيات في المدينة».
وأوضح «أن هناك لجنة إجتماعية في الدار تدرس كل طلب يُقدم إلينا مع كل المعلومات الكافية والوافية، وعلى أساسه يتخذ القرار مع مراعاة الوضع المالي للجمعية أيضاً، البعض نُقدم له حسماً، والبعض الآخر يكون مجاناً وفق الوضع الإجتماعي للمسن، فإذا كان هناك من يرعاه فنفضل البقاء في منزله ويكفله مشروع رعاية المسن في منزله بالتعاون مع «الجمعية الإسلامية للإرشاد والعمل الخيري» برئاسة الحاج حبيب الشامي، وإذا لم يكن هناك من يرعاه وحالته الصحية صعبة وتتطلب الإهتمام الدائم، فإننا ندخله الى الدار وعلى كل الأحوال، فإن المشروعين يُكملان بعضهما البعض في خدمة المسن وتخفيف المعاناة عنه».
وأقر الدكتور القطب «أنه في السنوات الأخيرة واجهتنا مشاكل مالية نتيجة الأوضاع الإقتصادية الصعبة وتأثيرها على التبرعات، وأحياناً نضطر الى الموافقة على حالات رغماً عنا، ونحن نئن تحت وطأة العجز المالي، وأحياناً لا نتمكن من ذلك أبداً».. مشيراً الى «أن وزارة الصحة تتكفل عادة بثلث التكاليف وهي تُغطي نفقات 20 سريراً، فيما وزارة الشؤون الإجتماعية لا تقدم إلاّ النُذر اليسير، وغالباً ما يكون المسن من قبلها على نفقة الجمعية التي تدفع ما يفوق 95 % والباقي على وزارة الشؤون الإجتماعية، من المفروض أن تتكفل الوزارة أكثر من ذلك، ولكن كما يقال «العين بصيرة واليد قصيرة»، وكله رهن الميزانية، علماً بأننا الدار الوحيد الموجود من صيدا الى الناقورة جنوباً، ونُطالب دائماً بزيادة عدد الأسرّة والتكاليف المادية التي حددت منذ العام 1989، والكلفة ترتفع كل عام».