مقابلة مع د. ابراهيم علوش- اجرت المقابلة: سامية الاغبري
د- ابراهيم علوش :اتفاق منع مظاهر التسلح يطال الظواهر وليس الجذورو تصاعد العمليات في العراق يرتبط بشعور قيادة المقاومة باقتراب لحظة النصر
الأربعاء 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 الساعة 09 مساءً
اجرت المقابلة: سامية الاغبري
حوار نتناوله في حلقتين مع رجل من رجالات الفكر القومي,فلسطيني الهوية والهوى عروبي الانتماء قومي الفكر , كاتب, ومناهض للصهيونية والامبريالية العالمية يرفض اتفاقية اوسلوا أواي اعتراف بالعدو الصهيوني او التطبيع معه يؤمن بأن المقاومة هي الخيار الامثل لتحرير الاراضي العربية المحتلة سواء في فلسطين المغتصبة او العراق الجريح,و يرى في تناحر الفصائل الفلسطينية مشروع صهيوني للاجهاز على المقاومة . والده من المناضلين والاحرار ومن كبار الكتاب والمؤلفين العرب انه الناشط في" جمعية مناه ضة الصهيونية والعنصرية" في "عمان" بالاردن الدكتور ابراهيم ناجي علوش استاذ.الاقتصاد في جامعة الزيتونة في الاردن
- كيف تنظر الى إتفاق حماس وفتح بمنع مظاهر التسلح في غزة ؟
اتفاق منع مظاهر التسلح يطال الظواهر ولا يطال جذور المشكلة بحد ذاتها. فالسلاح لو كان مقاوماً فحسب يكون وجوده حميداً ومرغوباً، ولكنه يصبح مشكلة عندما يصبح أداة سياسية للتنافس على النفوذ بين الفصائل. وهنا مصدر المشكلة: التنافس على النفوذ في الشارع وعلى مستوى القرار بعد شبه الانسحاب الصهيوني من غزة، والمشكلة أن هذا التنافس يأتي على خلفية المواجهة مع احتلال، وفي ظل ارتباط بعض الجهات الفلسطينية بمشروع غير مشروع المواجهة مع الاحتلال، حتى أصبح مطلب لجم المقاومة مطلباً يعبر عن مصالح بعض الجهات الفلسطينية التي ارتبطت مصالحها منذ اتفاق أوسلو بالتنسيق الأمني والسياسي مع العدو الصهيوني. وهذا هو فحوى مشروع ما يسمى السلطة الفلسطينية بالأساس، أو الحكم الذاتي على السكان وليس على الأرض على أجزاء من الضفة وغزة. بالتالي المطلوب من حماس هو التخلي عن مشروع المقاومة والانخراط في هذا المشروع البديل لمشروع المقاومة من خلال موافقتها على شروط اللجنة الرباعية، وحتى تفعل ذلك، سوف يبقى الاحتكاك قائماً سواء كان السلاح مكشوفاً أو مخفياً.
- الأزمة بين الحركتين هل ترى أن هناك جهات سعت الى افتعال الأزمة والمساعدة على تفاقمها ؟
أساس الأزمة بين الحركتين يرتبط بعوامل داخلية وخارجية. أما العوامل الداخلية فتنقسم إلى قسمين: الصراع على السلطة والنفوذ بين قوة سائدة وقوة صاعدة، والخلاف على النهج السياسي ما بين قوة ذهبت بعيداً في نهج التفاوض والتنازلات وقوة بنت قاعدتها الجماهيرية على أساس خط المقاومة والعمليات الاستشهادية ولا تريد أن تنتهي إلى ما انتهى إليه من سبقها. أما العوامل الخارجية فلا شك أنها تلعب دوراً في تصعيد المشكلة أساساً لأن الطرف الأمريكي-الصهيوني، والطرف الأوروبي، ناهيك عن الأنظمة العربية المرتبطة بتحالفات وعلاقات مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، تضغط كلها باتجاه تنازل حماس باتجاه القبول بشروط اللجنة الرباعية وهي، كما هو معروف، الاعتراف بالعدو والاتفاقات الموقعة معه والتخلي عن المقاومة، وإلا فإسقاط حكومة حماس.
ومن هو المستفيد برايك؟
في الحالتين المستفيد هو هذه الأطراف. فإن تنازلت حماس سياسياً فإن ذلك سيدمر مصداقيتها، وإن رفضت التنازل واسقط حكمها فإن ذلك سيسقط المشروع السياسي الذي دخلته عندما دخلت الانتخابات وشكلت الحكومة، أي أنها ستفقد مشروعية السلطة، بعدما منحت حماس السلطة المشروعية بدخولها فيها. ونذكر هنا أن حماس كانت ترفض الدخول في السلطة والانتخابات لأن مرجعيتهما القانونية هو اتفاقية أوسلو الخيانية مع العدو الصهيوني. وبالتالي فإن دخولها في الانتخابات والسلطة أعطاهما مشروعية لم يكونا يتحليان بها من قبل. وهذا يعني أن موافقة حماس على شروط الرباعية يضفي المشروعية على نهج أوسلو ويظهر كل معارضتها السابقة له بصورة مزايدة، أي يسقطها تاريخياً، وإن تنحت أو أسقطت لعدم موافقتها على شروط الرباعية، فإنها تكون قد منحت السلطة القائمة على أساس اتفاقية أوسلو مشروعية تاريخية وسياسية كإطار قانوني.
- هل من الممكن أن تؤدي تلك الأوضاع الى صوملة البلد ؟
إذا كانت المقصود بالصوملة هو التناحر الفصائلي، فإن ذلك ليس مجرد احتمال، بل هو المشروع الذي كان يدفع العدو الصهيوني باتجاهه علناً منذ سنوات، حيث كان المطلوب من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة منذ البداية، منذ توقيع اتفاقية أوسلو، الإجهاز العنيف على كل أشكال المقاومة، وبالتالي الانخراط في مشروع حرب أهلية. وأرى، مع كامل التقدير للأخوة في حماس، وكل تاريخهم النضالي الذي لا يزايد عليه أحد، أنهم انجروا باتجاه هذا المشروع عندما دخلوا في الانتخابات وشكلوا حكومة سلطة كانوا لا يعترفون بمشروعيتها سابقاً. وأود هنا أن أسجل للتاريخ أني كتبت مقالاً في جريدة السبيل الإسلامية في الأردن، قبل الانتخابات التشريعية الفلسطينية بأكثر من عام، مقالاً بعنوان "الانتخابات كمدخل للحرب الأهلية في فلسطين"، ويمكن أن تجدوا هذا المقال على الرابط التالي:
http://www.freearabvoice.org/arabi/maqalat/IntikabatKamoqaddemehLeHarbAhleyyehFeeFelasteen.htm
وكان مما جاء في ذلك المقال:
"فلسطينياً، آن أوان الاستحقاق الأمني. فقد كان عرفات يملك ولاء قوى ذات توجهات متناقضة، ويماطل في ذلك الاستحقاق، ومع ذهابه، انفتح الباب على مصراعيه للاستقطاب الفلسطيني-الفلسطيني، وقد جعل الطرف الأمريكي-الصهيوني موقفه واضحاً: المطلوب هو تفكيك منظمات المقاومة. وهي المهمة التي ستتصدى لها شريحة المتعهدين السياسيين والأمنيين في السلطة الفلسطينية إذا أرادت الحفاظ على مواقعها. وكيفما قلبنا المسألة، لا يمكن تجاوز راهنية الاستحقاق الأمني. وهذا سيعني أحد أمرين في المحصلة: الحرب الأهلية أو القبول بالتفكيك الطوعي. وكل ما تفعله حماس، بشكل صحيح أو خاطئ، هو محاولة استيعاب ذلك الضغط دون الانجرار لمعركة داخلية، ولكن إلى متى؟"
"فقد تسرب تقرير على الإنترنت يوم 29/ 11/ 2004 عن فلين ليفيريث الذي تولى منصب مدير شؤون "الشرق الأوسط" في مجلس الأمن القومي الأمريكي وأشرف على "خريطة الطريق"، ثم انتقل بعدها إلى معهد "بروكينغز" للدراسات الاستراتيجية، ليعلن في ندوة للمعهد المذكور أن "هناك خطة أمريكية سرية جاهزة للتنفيذ وتقضي "بتشجيع" القيادة الفلسطينية الجديدة المعتدلة على خوض "حرب أهلية منخفضة الدرجة" ضد حركتي حماس والجهاد الإسلامي وسائر التنظيمات الفلسطينية المسلحة المعارضة لعملية السلام... أن الفلسطينيين لن يستطيعوا تحقيق أي تقدم لتسوية المشاكل العالقة مع إسرائيل ما لم "يتم القضاء" على القوى الفلسطينية المسلحة المعارضة للحل السلمي."""اقرأ، بالعربي الفصيح، حرب أهلية، ستغطي القائمين عليها مشروعية انتخابات لسلطة لا سلطة لها، بغض النظر عن اسم المرشح الناجح. فلا يكفي إذن أن نقاطع الانتخابات... المطلوب الانقضاض عليها بتصعيد المقاومة، خاصة أن العدو لم يوقف اغتيالاته وعدوانه!"
- البعض يقول أن هناك مؤامرة عربية رسمية لإسقاط حكومة حماس.. هل ترى ذلك فعلا؟
أقول إسقاط حكومة حماس أو إسقاط حماس سياسياً من خلال دفعها للموافقة على شروط الرباعية، التي تعني فعلياً الانخراط سياسياً وعملياً، خاصة أمنياً، بنهج أوسلو. والأنظمة العربية لها مصلحة بهذا الأمر لأن الثبات على نهج المقاومة يكشفها ويعريها ويسقطها أكثر أمام الشعب العربي، كما أن تبعيتها لقوى الهيمنة الخارجية، وهو ما تسميه الأنظمة "التزاماتنا الدولية"، يدخلها موضوعياً في المؤامرة ضد خط المقاومة ونهجها على مستوى الإقليم كله، وليس فقط في فلسطين أو فيما يتعلق بمشروع تدجين حماس.
- هل تتوقع سقوط الحكومة في ظل الحصار والأزمة المالية الخانقة التي تعيشها ؟
يؤسفني أن أقول أن ما يسمى وثيقة الأسرى يتضمن اعترافاً غير مباشر بالكيان الصهيوني من خلال الحديث عن "الشرعية العربية والدولية". وهذه الوثيقة يفترض أنها وقعت من القوى الرئيسية في الضفة وغزة، ومنها حماس. ولكن هذا لا يكفي الطرف الأمريكي-الصهيوني كما لم يكفه اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الصهيوني في المجلس الوطني الفلسطيني الذي انعقد في الجزائر عام 88 تحت عنوان إعلان الدولة أو الاستقلال وقتها لتمرير الموافقة على قرار 242 الذي يعترف بحق الكيان الصهيوني بالوجود ضمن حدود آمنة. فمنذ ذلك الوقت، استمر مسلسل التنازلات وصولاً إلى أوسلو وتوابعها. وحتى هذا لم يكف الطرف الأمريكي-الصهيوني،تبين أن المطلوب هو تفكيك قوى المقاومة بالقوة وتحول الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة إلى حارس للكيان الصهيوني. إذن من الواضح أن التنازلات الجزئية والمناورات السياسية لن تجدي نفعاً بدون تحقيق شروط الطرف الأمريكي-الصهيوني الأساسية ومنها القبول بنزع سلاح المقاومة والانخراط في مشاريع تفكيك القضية الفلسطينية سياسياً. وإن لم يحدث هذا، فهناك دوماً سياسة القبضة الحديدية والمجازر والتصفيات والاعتقالات والعقاب الجماعي.
هل باستطاعة الفلسطينيين الخروج من هذه الازمة دون اعتراف بإسرائيل؟
خروج الشعب الفلسطيني من الحصار فمرهون بالتمسك بنهج المقاومة وثوابتها، ومرهون بقيام حركة شعبية عربية منظمة تفرض على الأنظمة العربية فك الحصار عن الشعب العربي الفلسطيني لأن الحصار رسمي عربي، تحت ذريعة "التزاماتنا الدولية" الممجوجة، وليس فقط دولي أو صهيوني. فإذا بقيت حماس تدير اللعبة بهذه الخطة الدفاعية استراتيجياً وتكتيكياً، فإنها لن تتمكن من الحفاظ على الحكم وعلى نهج المقاومة في آنٍ معاً، فإما هذا وإما ذاك في النهاية.
- هل تؤيد تشكيل حكومة وحدة وطنية في فلسطين؟
أنا لا أعترف باتفاقية أوسلو، وبالتالي بكل ما يتمخض عنها، ومنه السلطة الفلسطينية، ولا يعنيني من قريب أو بعيد من يدير السلطة الفلسطينية ما دامت هذه السلطة لا تقوم على أرض محررة فعلاً. ولأوضح هنا لمن قد يسيء الفهم أني أوافق على تحرير ربع شارع في أصغر قرية فلسطينية ولكن بشرط أساسي هو عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، أي تماماً كما حدث عند تحرير جنوب لبنان: تحرير، ولو كان جزئياً للأرض العربية المحتلة، ولكن بدون اتفاقيات تعترف بالعدو وتتنازل عن الحق العربي التاريخي بكل أرض فلسطين. وأكثر من ذلك، لا يعنيني الصراع على سلطة لا سلطة لها ولا حدود ولا عاصمة ولا من يحزنون.
ما يهمني من الوحدة الوطنية أن تكون من أجل المقاومة، لا من أجل الحكم، خاصة عندما يكون حكماً شكلياً وتافهاً مثل حكم السلطة الفلسطينية على السكان وليس على الأرض على أجزاء من الضفة الغربية وغزة. وما نحتاجه فعلاً هو وحدة مقاتلة ملتزمة بعروبة كل فلسطين وبنهج العمل المسلح. تلك هي الوحدة الوطنية التي نحتاجها. أما الصراع على فتات من مائدة العدو الصهيوني فلا يعنيني بشيء. نحتاج إلى نموذج تصعيد المقاومة كما في العراق ولبنان، وليس إلى نموذج الاتفاقيات المذلة على غرار تلك التي أخرجت السلطة الفلسطينية إلى حيز الوجود. حتى رئاسة الحكومة الفلسطينية وصلاحياتها جاءت بضغط أمريكي لإضعاف رئاسة السلطة الفلسطينية في مرحلة ما، فهذا الأمر لا مصلحة لنا به لأننا شعب تحت الاحتلال، فما يهمنا إذن هو المقاومة من أجل التحرير، وأي مشروع أخر غير التحرير هو مشروع لا فائدة منه طالما وجد احتلال. ولا مشروعية لانتخابات أو عملية سياسية في ظل احتلال.
- برأيك ماسبب رفض حماس للمبادرة العربية ؟ وهل في المبادرة مايضمن حق الشعب الفلسطيني ووقف العدوان الصهيوني ضده؟
الطريف فيما يسمى المبادرة العربية أن شارون داس عليها بعد يوم من إعلانها بهجومه على مناطق السلطة الفلسطينية وعلى السلطة نفسها وعلى رئيسها، وأن الأنظمة العربية ما زالت تتغنى بها! وتلك المبادرة تعترف أساساً بمشروعية الكيان الصهيوني، وتدعو للتطبيع الكامل مقابل الانسحاب الصهيوني من الضفة وغزة، وهي مبادرة تتجاهل حق العودة بالمناسبة. فأي حق عربي أو فلسطيني هو الذي تحفظه تلك المبادرة. تلك المبادرة تعبر فقط عن العجز الرسمي العربي في ذروة تصاعد الانتفاضة. أما موقف حماس منها فأضعف مما يجب، حيث أن وثيقة الأسرى تتحدث عن "الشرعية العربية"، والتصريحات الأخيرة لبعض مسئولي حماس تقول أنها على استعداد للاعتراف بمقررات القمم العربية دون الإشارة إلى مبادرة قمة بيروت عام 2002 بالتحديد. فحماس للأسف لم تقطع الصلة بشكل واضح مع المبادرة العربية التي همشها العدو نفسه. ثم أود أن أنبه أن هذا العنوان الذي يطرح دوماً، وهو "وقف العدوان"، بات بديلاً للعنوان الذي يطرحه عادةً أي شعب يتعرض للاحتلال وهو تحرير الأرض. فلنترك عنوان "وقف العدوان" لمنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والحيوان والباذنجان، أما الشعوب الواقعة تحت الاحتلال فعنوانها السياسي هو المقاومة والتحرير، وليس وقف العدوان بأي ثمن ولو كان التنازل عن الحقوق التاريخية.
- بما تفسر الصمت العربي تجاه مايرتكبه العدو الصهيوني من قتل وتجويع وحصار اسرائيليي- غربي ضد الشعب الفلسطيني؟ وما دلالة هذا الحصار؟
الحصار هدفه سياسي وهو تدجين قوى المقاومة، وعلى رأسها حماس التي قام جناحها العسكري عز الدين القسام بأكبر عدد من العمليات الاستشهادية ضد العدو الصهيوني. أما الأنظمة العربية فليست صامتة، بل هي تشارك فعلياً في الحصار، حتى أن بعضها يرفض استقبال ممثلي الحكومة الحماسية حتى يرضي الطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه. الحقيقة أن الصامت ليس الأنظمة العربية التي يلعب بعضها دوراً رئيسياً في حصار الشعب العربي الفلسطيني ,الصامت للأسف هو الشعب العربي، وليس من الطبيعي أن يكون الشعب العربي صامتاً وهو يشاهد ما يحدث لأخوته في فلسطين والعراق ولبنان. الوضع الطبيعي أن يتحرك الشعب العربي وقواه الحية لرفع هذا الحصار، وأن يضغط على أنظمته في الشارع لفرض حقه وواجبه في دعم قوى المقاومة في العراق وفلسطين وغيرها بالمال والسلاح والمتطوعين، ولقطع العلاقة مع العدو الصهيوني بأية صيغة، ولوقف التنسيق الأمني والعسكري مع عدو الشعوب الأول وهي الولايات المتحدة الأمريكية. فالحصار على الشعب العربي الفلسطيني والحصار على الشعب العربي العراقي أو على السودان، وقبله الحصار على ليبيا، من قبل الطرف الأمريكي-الصهيوني وأذنابه أمر طبيعي ومتوقع، لأن ذلك الطرف عدو مبين لنا، أما ما هو غير طبيعي فهو صمت الشارع العربي. وهذا أمر يحتاج لمعالجة منفصلة تتصل بحالة العمل المعارض في الوطن العربي وبرامجه وطليعيته، أو ما يمكن تسميته بأزمة حركة التحرر العربية. ولكني أود أن أضيف أن حماس عندما دخلت السلطة تحملت فوراً مسؤولية عشرات ألوف الموظفين في السلطة الذين تم توظيفهم بغرض الاسترزاق ضمن حساب سياسي أساساً منذ أيام ياسر عرفات، أي أن القطاع العام في شذرات من الضفة وغزة لا يحتاجهم فعلاً، ورواتب هؤلاء باتت ترتبط مباشرة برضا الأمريكان والأوروبيين، والأهم، برضا الصهاينة، فالسلطة، كما سبقت الإشارة، لا سلطة لها. فأصبحوا بالتالي قوة ضغط في الشارع من أجل التساوق مع المشاريع السياسية.
كيف؟
كل مظاهرة للمطالبة بدفع الرواتب هي عملياً مظاهرة للاعتراف بالكيان الصهيوني، على الأقل في هذا الظرف السياسي. وهذا أمر كان يجب أن تفكر فيه حماس قبل تحمل مسؤولية الجهاز البيروقراطي المتضخم خارج أي منطق للسلطة الفلسطينية. وأفضل شيء يمكن أن تفعله حماس هو الخروج من السلطة بعد إعلان حلها، فمهمة حماس التي خلقت لها هي المقاومة، وليس حل مشاكل البيروقراطية أو الرواتب. والشعب العربي الفلسطيني الذي يعيش معظمه خارج فلسطين، وبالأخص خارج الضفة وغزة، ليست مشكلته الأساسية مشكلة الفساد في السلطة أو حل مشكلة الرواتب، بل مشكلة استمرارية المقاومة حتى التحرير، أو على الأقل استمراريتها حتى تتحقق شروط التحرير عربياً من خلال قيام حركة شعبية عربية منظمة، إذا اعتبرنا العدو الصهيوني موجهاً ضد كل الأمة، وليس فقط ضد بعض الفلسطينيين المناهضين له في الضفة وغزة.
- ذكرت صحف العدو أن السعودية اشترت أجهزة وأسلحة من حكومته كيف تنظر لهذه العلاقة خصوصا بعد أنباء عن لقاء الملك عبد الله باولمرت؟وكيف سيؤثر ذلك في حربنا مع العدو؟
ليس هذا بمستغرب، فالأنظمة العربية عودتنا على مثل هذه السلوكيات بغض النظر إن كان هذا الخبر بالذات عن شراء أسلحة من الكيان الصهيوني صحيحاً أم لا. ولا بد أن أشير هنا أن الكثير من الأنظمة تتذرع في علاقاتها التطبيعية بالكيان بعلاقات التنسيق الأمني والسياسي القائمة ما بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية، وبالأخص بعض المسؤولين في فتح، تحت شعار تضليلي هو "نقبل بما يقبل به الفلسطينيون"!.. ونذكر أن عشرات الدول التي لم تكن تقيم علاقات ديبلوماسية مع الكيان الصهيوني أقامتها بعد توقيع اتفاقية أوسلو. طبعاً، ليس هناك أي مبرر لأي كان في الوطن العربي أن يقيم علاقة مع الكيان الصهيوني. فهذا الكيان موجه ضد كل الأمة، وكل شعب محتل كان ينتج من صفوفه مقاومين وخونة ومناضلين ومتساقطين وأبطال وانتهازيين، وهذا نجده في العراق ولبنان كما نجده في فلسطين وغيرها. ولكن بغض النظر عن هذه البديهية، فإن مشكلة الأنظمة العربية تكمن في نهجها، وبالأخص، في تبنيها للسلام كخيار استراتيجي، دون أن تعد العدة للمواجهة، ودون أن تدعم المقاومة، مما تركها في موقف ضعيف، ثم أن مشكلتها الأكبر تكمن في تبعيتها لقوى الهيمنة الخارجية ضمن شبكة من المحاور والتحالفات الإقليمية التي تظن أنها تديم حكمها على المدى المنظور، بينما مشروع قوى الهيمنة الخارجية هو تفكيك المنطقة جغرافياً وحضارياً. ولعل السؤال الأهم عن الموقف الرسمي السعودي تبدى خلال العدوان على لبنان في الصيف المنصرم وفي الإدانة الرسمية العربية للمقاومة اللبنانية وهو الأمر الذي قال العدو أنه قدم الغطاء السياسي لقصف لبنان بهذا الشكل الوحشي والمكثف. أما العلاقات التطبيعية مع الكيان الصهيوني، في الوقت الذي يصعد فيه هذا الكيان عدوانه علينا، فأقل ما يقال فيه أنه يفتقد للحد الأدنى من اللياقة والوعي، ناهيك عن توصيفه كموقف سياسي يصطف مباشرة ضد مصلحة الأمة.
- ترددت أنباء عن إسرائيل من أنها تهدد باستخدام قنابل ذكية على الحدود بين مصر وقطاع غزة لتدمير أنفاق تزعم إسرائيل أنها تستخدم في تهريب أسلحة للفلسطينيين ما تعليقك على ذلك؟
يستطيع العدو أن يفعل ما يشاء ولن يجديه ذلك نفعاً لأن إرادة المقاومة أثبتت أنها أذكى من أية قنابل ذكية! وها هم العراقيون يهزمون أمريكا أكثر قوة متقدمة تكنولوجياً في العالم في زمن القطب الواحد، وها هم اللبنانيون يهزمون الكيان الصهيوني المتفوق تكنولوجياً، أما الفلسطينيون الذين قدموا نماذج رائدة في العمل المقاوم خلال تاريخهم النضالي الذي يمتد على مدى عقود فلن تثنيهم قنابل ذكية أو غبية عن حل المشاكل العملية للعمل المقاوم ما دامت روح المقاومة متقدة فيهم. فالجدار العازل يمكن تجاوزه بالصواريخ، وعندما منع الشباب الفلسطينيون من دخول الأراضي المحتلة عام 1948 تولى الشيوخ والنساء تنفيذ المزيد من العمليات الاستشهادية، وها هي عملية "الوهم المتبدد" تثبت أن إمكانية العمل المقاوم الراقي موجودة إن لم نبددها في وهم العملية السياسية في ظل الاحتلال. باختصار، القنابل الذكية أقل ما يهدد العمل الفلسطيني المقاوم اليوم، أما الخطر الأكبر عليه فهو غياب الخط السياسي الواضح المتمسك ببرنامج التحرير الكامل وعروبة فلسطين، وغياب القيادة الجذرية والرؤية الاستراتيجية التي يمكن أن تقودنا نحو تحقيق ذلك المشروع. ولكن إذا نظرنا إلى تاريخ الشعب العربي الفلسطيني منذ بداية القرن العشرين، وتاريخ مقاومته، فإننا نجد أنه ينتج كل بضعة سنوات تقريباً موجة مقاومة أو انتفاضة شعبية مسلحة تتخطى سابقتها من حيث الجذرية والشدة، وهذا هو الاتجاه التاريخي العام لمقاومة الشعب الفلسطيني، وهو تاريخ من أمواج الثورات والانتفاضات المتلاحقة والعمليات الفدائية التي تفصل بين الواحدة والأخرى عادة بضعة سنوات، من العرائض والمظاهرات السلمية في مستهل القرن، إلى ثورة البراق وثورة 1936 إلى معارك النكبة عام 1948 التي تكبد فيها اليهود 6500 قتيل بالمناسبة، إلى عمليات الفدائيين من غزة في الخمسينات، إلى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الستينات حتى حصار بيروت عام 1982، إلى الانتفاضة الأولى عام 1987، إلى الانتفاضة الثانية عام 2000، مروراً بموجة العمليات الاستشهادية خلال التسعينات التي تمثل أرقى حالة وعي بطبيعة الصراع باعتباره صراعاً مع التواجد اليهودي في فلسطين، وهو صراع ذو طبيعة تاريخية تناحرية لا يمكن أن يحل إلا بالعنف وإفناء الأخر تماماً.
- بما تفسر زيادة الهجمات على قوات الاحتلال الأمريكي في العراق مؤخرا؟
إجمالاً نلاحظ تزايداً في عمليات المقاومة العراقية خلال شهر رمضان الكريم، وقد كان هذا صحيحاً خلال الأعوام الماضية، وهو ما يعطى معنىً جديداً لرمضان، أنقى وأرقى، معنى جهادي نضالي مناهض للاحتلال، معنى منافي للتقاعس والاستهلاك والمآدب، ذلكم هو المعنى الذي منحته نخوة المقاومة العراقية للشهر الفضيل في الزمن العربي المعاصر. ولكن نلاحظ أيضاً أن المقاومة العراقية، بالرغم من تعدد فصائلها، لا تتصرف بشكل عفوي أو ارتجالي، وأنها تسير وفق منهاج استراتيجي، وأن تحركاتها ترتبط بحبال غير مرئية وتنتظم بمسار سياسي محدد- وربما مسار تنظيمي محدد- أثبت نجاعته بلا أدنى شك في دحر أكبر قوة عاتية في التاريخ هي الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك أعتقد أن تصاعد العمليات يرتبط أساساً بشعور قيادة المقاومة باقتراب لحظة النصر وأن ما بقي أقل مما انقضى. وقد يكون هذا الشعور هو الذي يفسر تصعيد العمل العسكري بهذا الشكل. إذ أن التصعيد يعني بذل الموارد النادرة والرجال والعتاد، فهو ليس مسألة حماسة رمضانية فحسب، بالرغم من أهمية هذا العامل المعنوي. وهذا قرار استراتيجي تأخذه قيادة استراتيجية وليس مجرد "فزعة" أو "هوسة" عابرة، لأن أية عملية عسكرية تكلف مالاً وعتاداً وأسلحة ورجالاً مدربين، وتحتاج إلى تخطيط يرتبط في حالة المقاومة العراقية بساحة عمليات كبيرة نسبياً. وهناك عشرات آلاف الشباب العرب يتحرقون شوقاً لمجاهدة أعداء الأمة فلا يجدون أقنية سياسية-تنظيمية إلى ساحات القتال. فلا بد إذن من قرار يأخذه أحدٌ ما لتصعيد العمليات أو عدم تصعيدها في حالة المقاومة العراقية خاصة عندما يتعلق الأمر بساحة عمليات كاملة وليس بمجموعة صغيرة من الأفراد انتابهم الحماس فجأة، ومن الواضح أن هذا القرار هو قرار قيادة المقاومة العراقية، وأن هناك قيادة ما وقرار ما تلتزم به معظم الفصائل المقاومة بطريقة أو بأخرى.
وهل يمكن أن تؤثر تلك الهجمات كما قال البنتاجون على الانتخابات الأمريكية؟كيف؟
أما بالنسبة لتأثير تصعيد العمليات على الانتخابات الأمريكية، فنحن نرى تصدعات وانشقاقات في صفوف الحزب الجمهوري الحاكم نفسه، ونرى سعي بعض المرشحين الجمهوريين لمجلسي النواب والشيوخ لأن يبقوا مسافة فاصلة بينهم وبين سياسة الرئيس بوش في العراق لكي يتنصلوا من عواقب تلك السياسة على حظهم في النجاح. وبعد أعوام طويلة من فقدانهم الأغلبية في مجلس النواب، نرى الديموقراطيين مرشحين للعودة بقوة إلى الواجهة، ونرى أصوات مهمة في النخبة الحاكمة، مثل جورج سورس المتمول اليهودي المعروف، تشن هجمات ضارية ومستمرة على المحافظين الجدد. وهذا كله يعود للمقاومة العراقية.. وعلى الرغم من أن الناخب الأمريكي عادة يعطي أولوية للقضايا الداخلية على القضايا الخارجية، وان المواطن الأمريكي عامةً يضع السياسة الخارجية في أخر جدول أولوياته، فإن الانتصارات التراكمية التي حققتها المقاومة العراقية جعلت من العراق القضية الانتخابية الأولى في الولايات المتحدة اليوم. النخبة الأمريكية الحاكمة تمر بحالة تخبط وبداية تفكك بسبب العراق. وإدارة الرئيس بوش تعيش في أزمة، ولكنها ليست أزمة هذه الإدارة فحسب، بل أزمة الإمبراطورية الأمريكية نفسها التي أدى تورطها في المستنقع العراقي إلى فقدانها لزمام المبادرة عالمياً، من أمريكا اللاتينية إلى الشرق الأقصى، وإلى تزايد دور القوى المنافسة لأمريكا واستعادة روسيا دورها العالمي وتصاعد وزن الصين الدولي. وهناك أجزاء من النخبة الحاكمة في أمريكا تلقي باللوم هنا على سياسة إدارة بوش. ولكن الحقيقة هي أن العالم بأسره مدين للمقاومة العراقية بإعطائه هذه الفرصة للتنفس. حتى إيران وسوريا تستفيدان من تورط الولايات المتحدة في العراق، وليس فقط كوريا الشمالية وهيوغو شافيز في فنزويلا. فالحقيقة هي أن العراق لم يكن فقط النقطة التي تؤثر على الانتخابات الأمريكية، بل المفصل التاريخي الذي بدأ يتحول عنده هذا العالم من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب. وهو الذي يلقن الولايات المتحدة درساً قد يكون أشد وطأة عليها من درس حرب فيتنام. ونعلم أن العديد من الشعوب تحررت بعد حرب فيتنام لخوف أمريكا من التدخل الخارجي، وسيكون لتحرر العراق نفس الفضل على باقي شعوب الأرض. ففي العراق اليوم تولد البشرية من جديد على يد المقاومة العراقية.
- برأيك من يقود المقاومة العراقية؟
كل المقاومين خير وبركة، ولا ننكر فضل أحد منهم، والمقاومة تضم فصائل وشخصيات مختلفة وطنية وقومية وإسلامية. ولكن من الواضح أن البنية التحتية التي أسس لها الرئيس صدام حسين مثلت الشرط الموضوعي لانطلاق هذه المقاومة بهذه السرعة وهذا الاتساع. وقد وقعت أول عملية للمقاومة العراقية خلف خطوط العدو في 1 نيسان / أبريل 2003، أي قبل احتلال بغداد بأكثر من أسبوع، ولم يحدث من قبل أن انطلقت مقاومة بهذه السرعة وهذا الاتساع والاحتلال لم يكد يبسط سيطرته على العراق بعد. فحتى في فيتنام والجزائر ولبنان اقتضى الأمر عددا كبيراً من السنوات قبل تصاعد المقاومة إلى هذا المستوى. بينما في العراق نجد أن المقاومة تصاعدت واشتد عودها وثبت أنها كانت نتيجة درجة ما من الإعداد والتخطيط الاستراتيجي من قبل القيادة السياسية والعسكرية العراقية. ولا يلغي ذلك أن أطرافاً أخرى دخلت على الخط فيما بعد، وأن ثمة جهات إقليمية تصفي حساباتها مع الولايات المتحدة في الساحة العراقية. ولكن العمود الفقري للمقاومة يبقى عناصر القوات المسلحة العراقية وعناصر حزب البعث والمخابرات العراقية، وهذا إن افترضنا جدلاً أن هؤلاء انضموا للفصائل المقاومة كأفراد، وليس ضمن خطة منهجية لبناء واجهات سياسية وعسكرية عريضة قد تكون أقدر على حشد القوى الشعبية في ظرف المواجهة الضارية مع الاحتلال. ولا أقلل أبداً من دور العناصر الإسلامية المرتبطة بالقاعدة أو حتى بالمحافظين في إيران، ولكن لو أخذنا أفغانستان مثالاً، فإننا نلاحظ أن المقاومة هناك لم تكن شيئاً يذكر، مقارنة بالعراق، في السنوات الأولى لاحتلال أفغانستان، وأفغانستان كانت موطن القاعدة، إذن لو كانت القاعدة مثلاً قيادة المقاومة، كان من المنطقي أن نرى تصاعداً في المقاومة في أفغانستان في السنوات الأولى لاحتلالها يشبه تصاعدها في العراق. ولكننا لم نرَ ذلك، مع كامل التقدير والاحترام لكل المقاومين من كل الفصائل. أما انعكاس التناقض بين الإدارة الأمريكية والمحافظين في إيران على الساحة العراقية، فلا ينكر، وكذلك التناقض مع إدارة بلير البريطانية في جنوب العراق، ولكن ذلك لم يكن يوماً المحرك الرئيسي للمقاومة العراقية، ولا يدعي أحد ذلك حسب علمي، سوى أن الإدارة الأمريكية تحب أن تلقي بعجزها هنا وهناك، على سوريا وإيران مثلاً، بسبب عدم قدرتها على كبح جماح المقاومة العراقية، وإيران وسوريا تنكران ذلك طبعاً كما نعلم. وفي النهاية أعود لأوكد أن كل المقاومين أخوة، وأن كل عمل أو موقف مقاوم مهما كان مصدره يصب في مصلحة الأمة، ولكن يجب أن نعطي كل ذي حقٍ حقه، والأخوة في المقاومة العراقية يبرعون في كل شيء إلا إدعاء الفضل لأنفسهم، وبغض النظر إن كنت قد أصبت أو أخطأت هنا، فإن الفضل للمقاومين بغض النظر عن انتمائهم الفصائلي، وسوف تظهر لحظة ما بعد النصر القريب في العراق كل شيء. ولكني أقول أن قيادة المقاومة في العراق هي النهج العربي الإسلامي بغض النظر عن الشخوص والأسماء.
- ما تقييمك لمؤتمر مكة؟ وهل من أمل لوقف نزيف الدم العراقي؟
نزيف الدم العراقي يتحمل مسئوليته الاحتلال الذي فكك الدولة العراقية ومؤسساتها ووضع نظاماً للحكم يقوم على المحاصصة الطائفية والاثنية، وأتي بالقوى طائفية النزعة لتسرح وتمرح بالبلاد كما تشاء. ولم يكن هذا موجوداً قبل الاحتلال. ولكنه مشروعٌ لتفكيك كل المنطقة تحت عنوان "الشرق أوسطية"، كما عبر عنه أكثر من محلل أو وثيقة صهيونية. فعندما يتم تفكيك الدولة المركزية وتُغذى النزعات الطائفية والمحلية والاثنية تحت عنوان حقوق الأقليات وما شابه، تكون لدينا وصفة فورية للاقتتال الداخلي بغض النظر عن النوايا، وهذا هو فحوى التخطيط الاستراتيجي لتفكيك المنطقة. ثم عندما تدخل بعض القوى الإقليمية على الخط وهي تطمع بحصة من العراق، لتصبح المسألة أكثر تعقيداً. فالحكم في السعودية يظن أن عليه أن يوسع مجال نفوذه في العراق ليواجه التأثير والدور الإيراني، وكذلك الحكم في الأردن، وهنا يبدأ مد الصلات مع العشائر العربية السنية ومحاولة لعب دور الوساطة كما في مؤتمر مكة الذي يذكرنا بالدور السعودي في لبنان من خلال اتفاق الطائف عام 1989 والامتداد لبنانياً من خلال بعض الرموز السنية في لبنان. والحقيقة أن أي مدخل طائفي للعمل السياسي، بغض النظر عن النوايا، يؤدي موضوعياً إلى إذكاء نار التنافر والتناحر الداخلي لأن معادلة الحكم التي تقوم على توازن طائفي هي معادلة غير مستقرة بالضرورة، كما أن الصراع الداخلي يدفع أقطاب الطوائف للاستقواء بجهات دولية وإقليمية خارجية على الطوائف الأخرى، ويؤدي تخلخل الحكم في الداخل إلى طمع تلك الجهات الإقليمية والدولية بزيادة دورها ونفوذها على حساب القاسم المشترك الذي يوحد البلد، ومن هنا أرى أن الدور الرسمي الإيراني والسعودي والأردني والمصري في العراق، وأتحدث عن الأنظمة هنا فقط بالطبع، هو دور سلبي موضوعياً من وجهة نظر العراق ومصلحة الأمة، وذلك دون إهمال الفارق الكبير ما بين الدور الرسمي الإيراني في عهد الرئيس أحمدي نجاد عنه في عهد الرئيس رفسنجاني، حيث كان الثاني ينحى بدرجة أكبر للتفاهم مع أمريكا في العراق.
- هل للأمريكان يد في القتل الذي يحدث يوميا في العراق أم أنها حرب مذهبية وطائفية يقتل فيها ابناء العراق بعضهم البعض؟
كما أشرت في برنامج الاتجاه المعاكس في 19/9/2006 حول هذه النقطة بالذات: "إذا أخذت مثالاً من خلال التقارير الصحفية خاصة على مواقع الإنترنت التابعة للمقاومة تجد أن في تسعة آذار/ مارس 2006 تم اعتقال ثلاثة جنود بريطانيين يحاولون وضع قنبلة في البصرة واعتقال جنديين بريطانيين في 19 تسعة 2005 قبل عام بالضبط من اليوم أيضاًَ يحاولان وضع سيارة ملغومة كريسيدا في البصرة وفي 11 تشرين أول/ أكتوبر 2005 اعتقال أميركيين حاولا أن يضعا سيارة كابريس مفخخة في الغزالية في بغداد..."، والهدف من كل هذا هو دوماً: "إثارة النعرات الطائفية.. يعني مرة في منطقة شيعية مرة في منطقة سُنّية ناهيك عن كل المرات التي لم يلق فيها القبض على الفاعلين وناهيك عن كل المرتزقة من العراقيين وغير العراقيين الذين ينفذون هذه الأشياء لمصلحة الأميركيين ولمصلحة البريطانيين ولمصلحة الصهاينة". وهذا لا يلغي وجود تناقضات داخلية بالطبع، ولكن مثل تلك التناقضات أو المشاكل الداخلية تجدها في كل دول العالم، من إسبانيا (مع الباسك) إلى بريطانيا (مع ايرلندا) إلى غيرها، ولكن المهم في العراق والوطن العربي هو وجود مشروع تفكيك واضح المعالم. وكما أوضحت في نفس البرنامج: "هذا يُبحث علنا في الأدبيات الأميركية والصهيونية لزلي غلب على سبيل المثال الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأميركية (محافظون جدد) في مقالة في النيويورك تايمز في 25 نوفمبر/ تشرين ثاني 2003 طرح عن العراق مقالا بعنوان (The three-state solution) يعني حل الثلاثة الدول. وهذا الشخص نفسه كتب مقالا مع السيناتور جوزيف بايدن بنفس الاتجاه في واحد أيار/ مايو 2006. المراسل العسكري لصحيفة هأرتس في اثنين حزيران / يونيو سنة الـ1982 زئيف شيف طرح مشروعا لتفكيك العراق في ذلك الوقت قائلا إن أفضل شيء يمكن أن يحدث للمصالح الإسرائيلية بين قوسين لأننا لا نعترف بمسمى إسرائيل سواء كانت لكافة مواطنيها ولا لم تكن هذه ليست القضية، القضية الأساسية أنها احتلال ودعونا لا نتلهى عن الاحتلال بسفاسف صغيرة من هذا النوع، المهم زئيف شيف قال بأن القضية الأساسية أو الشيء الأساسي الذي يمكن أن يفيد مصالح إسرائيل بين قوسين هو تفكيك العراق إلى دولة كردية ودولة سُنّية ودولة شيعية ونحن نرى أن محافظات دهوك والسليمانية وأربيل باتت يعني الآن تتوجه باتجاه الانفصال وهناك ممن أتوا على ظهر الدبابات الأميركية يطرحون أيضاً مشروعاً لفصل محافظات أخرى مثل البصرة والعمارة وذي قار ذات الأغلبية الشيعية، إذاً يوجد في العراق مشروع تفكيكي والمحرك الرئيسي لهذا المشروع هو أميركي صهيوني وتوجد أدوات محلية متفاعلة مع هذا المشروع".
- هناك من دعا الى بقاء قوات الاحتلال الأمريكي في العراق بحجة أن الانسحاب سيؤدي الى حرب أهلية.. هل تتفق مع هذا القول؟ وهل بقاء المحتل يصب في صالح الشعب العراقي؟
الاحتلال هو المسئول بوجوده وبسياساته عن تفجير التناقضات الطائفية في العراق، أي أنه هو الذي صنع المشكلة التي يقول أنه باقٍ لمعالجتها. ونظام الحكم الذي قام في ظله يقوم على بلورة الهويات الطائفية والمحلية والاثنية وليس على صهرها في إطار وطني واحد. فهذه الحجة مردودة على الاحتلال لأن الذي يحفظ وحدة العراق ليس وجود الاحتلال، بل أننا نشهد تصاعداً غير مسبوق في عمليات الخطف على الهوية وتفجير السيارات والذبح الطائفي في ظل الاحتلال. فما يحفظ وحدة العراق، وكل الأمة، لا يمكن إلا أن يكون وجود مرجعية مشتركة يحتكم إليها الجميع على مستوى الوعي، هي مرجعية القاسم المشترك القومي والحضاري، ووجود قوة مركزية ومؤسسات مركزية. ودعوني أخالف دعاة الديموقراطية المستوردة هنا بالقول أن الحديث عن ديموقراطية وتمثيل نيابي وانتخابات في ظل وجود وعي تفكيكي لا يمكن إلا أن يؤدي إلى التفكيك وحروب أهلية. فالديموقراطية في أوروبا وأمريكا سبقها وجود وعي وانتماء قومي، وبدون وعي قومي، فإننا عندما ننتخب سوف ننتخب بناءً على الانتماء الضيق العشائري والطائفي والاثني والمحلي، أي على أساس تفكيكي، وليس على أساس المصلحة القومية، ومن هنا تصبح الانتخابات أداة للتفكيك بدلاً من أن تكون أداة للتعبير عن مصلحة الأمة. وهذا لا يصح في العراق فحسب، بل في كل الوطن العربي والعالم الثالث. إذن على المدى التاريخي ترتهن وحدة العراق بمن يحملون المشروع الوطني، الذي يتجاوز الطوائف والمناطق، والمشروع الوطني لا يمكن إلا أن يكون مشروع تحرير. المقاومة العراقية إذن هي ضمانة وحدة العراق وسيادته واستقلاله، وإن كان يوجد خطر على وحدة العراق، فإنه يتمثل بالقوى الإقليمية التي يمكن أن تحاول ملء الفراغ الذي قد يتركه انسحاب الاحتلال. ولكن بعض تلك القوى سبق أن أسهمت بالتعاون مع الاحتلال في العراق، وسهلت قدومه إلى العراق، وسهل الاحتلال تغلغلها سواء بشكلٍ واعٍ أو موضوعياً من خلال تعزيز أدواتها المختلفة وتشغيلها ضد بعضها البعض. ولذلك فإن علاقتها بالاحتلال كانت علاقة استغلال مصلحي متبادل وليس الاحتلال هو الذي يعيق تمددها سواء كان الحديث عن النفوذ الإيراني في جنوب العراق مثلاً أو عن غيره، بل أن ما يعيقها هو المقاومة واستلامها للسلطة، وعودة العراق دولة مركزية قادرة على الدفاع عن وجودها - والحديث هنا بالطبع عن المقاومة التي تحمل مشروعاً وطنياً عراقياً يتجاوز الطوائف والمناطق، وهو العامود الفقري للمقاومة حالياً برأيي المتواضع.
- ما الهدف من تأسيس لجنة بيكر؟ وما الذي ستقدمه اللجنة للعراقيين؟
اللجنة التي يرأسها جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق في عهد بوش الأب لمراجعة السياسة الخارجية الأمريكية في العراق أكدت بدورها على الهوية الطائفية والمناطقية للعراق واقترحت بالتالي مشروعاً فدرالياً تفكيكياً يأخذ بعين الاعتبار موقع العراق الجغرافي السياسي وعدم ترك فراغ في تلك المنطقة الحيوية من العالم. وبيكر من الحزب الجمهوري وهو سياسي مرموق يحظى بقدر كبير من الاحترام في صفوف حزبه وفي صفوف الديموقراطيين، وتأتي لجنته دليلاً أخر على إفلاس سياسة المحافظين الجدد واليمين المسيحي في الإدارة الأمريكية، وكان هؤلاء قد انتقدوا بوش الأب لأنه لم يجتح بغداد عام 1991 بالمناسبة! الحزب الجمهوري الآن يعود إلى بيكر لينقذه من المأزق الذي وقع فيه في العراق. والجديد في توصيات لجنة بيكر فقط كان الاعتراف بوجود إخفاق في السياسة الأمريكية في العراق والقبول بفكرة الانسحاب، والتنسيق مع سوريا وإيران، وهذا يهدف لتصحيح المسار عند النخبة الحاكمة الأمريكية، ولا يفيد العراقيين بشيء لأنه يقترح تفكيك العراق إلى مناطق حكم ذاتي موسع... ولكن من خلال تعبيرها عن أزمة الإدارة الأمريكية وتخبطها، فإن توصيات لجنة بيكر تبشر العراقيين والعرب والمسلمين وكل أحرار العالم باقتراب ساعة النصر.
- كيف تقرأون مستقبل العراق في ظل هذه المستجدات؟
مستقبل العراق مرهونٌ بالمقاومة وبرنامجها أكثر من أي شيء أخر، وبالتحديد، بفصائل المقاومة التي تحمل رؤى وطنية وقومية تتجاوز البعد الطائفي أو المناطقي والصراع المباشر مع المحتل وأذنابه. لا شك أن المشروع الأمريكي في العراق في طور الأفول. والاحتلال ماضٍ إلى مزبلة التاريخ عاجلاً أو آجلاً، ومعه ستمضي كل البنى والقوى والشخصيات التي خلفها. أما اللحظة المباشرة التي تلي الهزيمة الكاملة للاحتلال ومشروعه فترتبط أساساً بطبيعة العلاقة مع الشيعة العرب بالتحديد، أو العلاقة ما بين المقاومة والشيعة العرب وما يمثلونه من ثقل في جنوب العراق خاصةً والعراق عامة. وأرى أن الذي يؤخر التحرير هو قدرة المقاومة على استقطاب جماهير الشيعة العرب بمئات الآلاف. فإن تم ذلك، فإن محاولات الاختراق الإقليمية بعد التحرير لن يكون لها تأثير يذكر في النهاية. وسيكون الحفاظ على وحدة العراق سهلاً. ولكن لتحقيق ذلك فإن المقاومة يجب أن تنأى بنفسها عن أي شكل من أشكال التحريض الطائفي، ويجب أن تتبنى خطاباً وطنياً عراقياً وقومياً عربياً وإسلامياً توحيدياً، أي خطاب يركز على القاسم المشترك. وللأسف، فإن البعض خلال السنوات الماضية قد انزلق إلى خطاب طائفي بغيض يصب مباشرة في مصلحة أعداء الأمة. ومن الواضح أن عمليات القتل الطائفي ليست مقاومة ولا علاقة لها بالمقاومة من قريب أو بعيد. ولكن لا يكفي أن تدين المقاومة مثل هذه العمليات القذرة. لا بد من بناء جسور مع كل القوى والشخصيات من كافة الطوائف والمناطق العراقية على أساس برنامج وطني عراقي مناهض للاحتلال. وقد فعلت المقاومة التي نؤيدها بعقلنا وقلبنا ووجداننا بعض هذا، ولكنه لم تفعله بشكلٍ كافٍ، وأقول هذا مع كامل الإدراك لتعقيدات الوضع الداخلي في العراق، وليس من قبيل "التنظير" أو "الفلسفة" على المقاومة العراقية التي علمتنا وعلمت العالم بأسره دروساً في التكتيك والاستراتيجية والجهاد، ولكن الضرورة الموضوعية الآن تقتضي إبداع ذراع سياسية للمقاومة تمتد في صفوف جماهير الشيعة العرب، وهذه ليست ضرورة للتحرير فحسب، ولكن للحفاظ على وحدة العراق فيما بعد. والحريصون على وحدة العراق وعروبته يدركون تماماً مغزى هذا الكلام.