حزب البعث وعبد الناصر
حزب البعث وعبد الناصر
في محادثات الوحدة السورية ـ المصرية لعام 1958، من الأهمية النظرة أولاً إلى عبد الناصر كاستراتيجي وتكتيكي من الدرجة الأولى… وثانياً، عند مباحثات الوحدة كانت لديه خبرة غنيّة جداً وتجربة عميقة وواسعة في شؤون المحادثات والمفاوضات وعقد الاتفاقات. نذكر منها على سبيل المثال فقط لا الحصر ما يلي:
1 ـ التخطيط والتنظيم والتنفيذ والسريّة والمناورة من جهة حركة الضباط الأحرار بهدف استلام السلطة في عام 1952 في مصر ضد الملكية..
2 ـ التخلص من تيار اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة وأول رئيس جمهورية في مصر، التخلص منه هو ومَن يمثل من القوى المتحالفة معه داخل الجيش تدريجاً والتخلص كذلك من القوى الحزبية والسياسية التقليدية في الساحة المصرية وتغيير موازين القوى لصالح "حركة الضباط الأحرار"، وقد تمّ ذلك بالفعل في عام 1954…
3 ـ المفاوضات الصعبة والمضنية، وهنا استخدام الأوراق الدولية: الولايات المتحدة الأميركية، والضغوطات الداخلية العسكرية منها أيضاً من أجل الحصول على اعتراف من أنكلترا باستقلال مصر وانسحاب قواتها العسكرية الرابضة في القنال في فترة زمنية محدَّدة، وذلك بتوقيع عقد الاتفاق الانكليزي المصري لعام 1954.
4 ـ قضية السودان والمفاوضات التي جرت مع مصر وفشل تلك المفاوضات والمفاوض المصري وما نتج من ذلك من استقلال السودان…
5 ـ التجربة الغنية بأبعادها المصرية المحلية والعربية والإقليمية وانعكاساتها الدولية المتأتية من: تأميم قناة السويس، وما أعقبها من الاعتداء الثلاثي الإسرائيلي، الفرنسي، البريطاني على مصر، وما نتج من ذلك من مباحثات ومفاوضات على مستويات دولية متعددة والتي خرجت مصر على أثرها منتصرة دبلوماسياً وسياسياً…
لذلك، وبالاعتماد على هذه الخلفية الدبلوماسية والسياسية الغنية، عندما دخل عبد الناصر في مفاوضات من أجل تحقيق الوحدة السورية المصرية لعام 1958، كانت لديه ـ ولدى الثورة المصرية وجهازها المخابراتي والإعلامي الحديث ـ خلفية غنية وتجربة واسعة في إدارة المعركة السياسية وفي إجراء أو كيفية إجراء المحادثات الدبلوماسية ـ السياسية. يضاف إلى ذلك كله، طبعاً، موهبة عبد الناصر في الاستراتيجية والتكتيك، وزعامته السياسية في العالم الثالث وفي المنطقة العربية وفي سورية على وجه الخصوص… كل ذلك جعل منه مفاوضاً من موقع القوة، فهو يعرف تماماً ماذا يريد، وكيف الحصول على ما يريد من أقصر الطرق وأقربها منالاً وأقلها تنازلاً… يضاف إلى ذلك معرفته معرفة شاملة وتفصيلية بالأوضاع الحزبية والسياسية الداخلية العامة في سورية وموازين القوى فيها المدنية ـ السياسية والعسكرية والصراعات السياسية التي تتجاذبها داخلياً وخارجياً…
كان عبد الناصر يعرف تمام المعرفة:
1 ـ أسباب عصيان قطنا عام 1957 وحيثياته والقوى الفاعلة والمؤثرة فيه.
2 ـ القوى والتكتلات العسكرية داخل الجيش، قوى غير موحَّدة وإن كانت متآلفة بُغية تحقيق الوحدة…
3 ـ ما يثيره البعثيون وتكتلهم السياسي المتماسك من تحفظ وعدم رضا في نفوس بعض الضباط ورفاق السلاح من المستقلين والمناوئين لهم في الجيش.
4 ـ التخوف العام الذي كان يثيره حزب البعث العربي الاشتراكي بتياره الشعبي والعسكري بقيادة أكرم الحوراني رئيس المجلس النيابي، لدى السياسيين المحافظين، والقوى الحزبية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التقليدية: حزب الشعب والحزب الوطني وملاكي الأراضي الكبار والعشائر تحديداً… هنا، إذن، الفرصة كانت سانحة والظرف مواتٍ من أجل الانتقام من حزب البعث العربي الاشتراكي والشكوى لدى عبد الناصر، وذلك عن طريق الوشايات والدسائس ولفت نظره لأشياء ربما كانت خافية عليـه… في هذا الجو السياسي الداخلي العام جرت المباحثات من أجل قيام الوحدة السورية المصرية في أواخر عام 1957 ومطلع عام 1958…
* * *