حزب البعث العربي - مصطفى محمد الطحان
حزب البعث العربي
الحلقة الثانية
بقلم: مصطفى محمد الطحان
soutahhan@hotmail.com
كلمة حول المؤسسين
وقبل أن ندخل في تفصيلات هذا الحزب.. يحسن بنا أن نعطي فكرة مبسطة عن مؤسسه وخاصة أولئك الذين تركوا بصماتهم على فكره وموقفه.
1- زكي الأرسوزي
كتب عنه تلميذه سامي الجندي فقال: (كان الأرسوزي زعيم المقاومة العربية في لواء أسكندرون، استقطب إعجابا شباب سورية وتأييدهم قاطبة، وغدا رمزا وطنياً، كان اول من جاء للسياسة بتحليل متأثر بالثقافة والفكر الأوروبي.. انضم إلى عصبة العمل القومي وانسحب منها، وحاول بالاشتراك مع ميشيل قوزما وعفلق والبيطار وإليس قندلفت إنشاء منظمة حزبية ولكن الاجتماعات فشلت ولم تسفر عن شيء ثم أسس الحزب القومي العربي الذي ما لبث أن تلاشى، ثم أسس عام 1940 حزباً آخر أسماه حزب البعث العربي.. من أفكاره أن للعرب زعيماً واحداً هو صورة علمانية حديثة لإمام الزمان الذي يُقتدى به بالصلاة، ويطاع فيما يقضي فيه، فهو الحاكم السياسي الديني. العروبة عنده هي الوجدان القومي الذي انبثقت عنه المقدسات. كان يعتبر نفسه ذروة المنحنى العربي.. بل هو الذي أعطاه معناه الفلسفي والحضاري.. كان متمرداً على كل القيم القديمة، عدواً لكل ما تعارف عليه البشر، ألحد مع مريديه بكل الطقوس والعلاقات والأديان. اتهمنا (ما زال الحديث لسامي الجندي عن أستاذه) بالإلحاد وكان ذلك صحيحاً.. كنا عرقيين معجبين بالنازية، فقرأ كتبنا ومنابع فكرها وخاصة (نيتشه) و(فيخته) و(تشمبرلين) و(داره). كان يرى الجاهلية مثله الأعلى، يسميها المرحلة العربية الذهبية.. تبنى كل ما كان جاهلياً في الإسلام.. كان إنسان الرفض ورفضنا معه.. ناقشته سنة 1946 بالقرآن فعاب علي نزعتي الدينية قائلاً: أنت راهب في ثياب ثوري. اعترضت قائلاً: إن الإيمان بالأفكار هو دينيُّ الملامح، فأجاب: إن الثورة نفسها إيمان صوفي. وجدتُ أنهم لم يقرأ القرآن.. وقد لا يعلم كثيرون أنه بدأ يدرس اللغة العربية عام 1940، وقبل ذلك كان يفضل الحديث بالفرنسية. كان متوتراً الأعصاب يقضم نفسه. وبدأ الشك يسيطر عليه على منطقه حتى غدا مريض الاضطهاد: كل من حوله جاسوس)(1).
كان أقرب إلى التفكير النازي بل إنه أقرب إلى التفكير الروماني في تقسيم الناس إلى عبيد وسادة(2).
هذا هو زكي الأرسوزي فيلسوف حزب البعث.. رجل طائفي نصيري، متقلب، متشنج، لا يعرف لغة العرب، ولا يثق بأحد حتى بأقرب الناس إليه، مثله الأعلى الجاهلية وزعيمه الأعظم امرؤ القيس الشاعر العربي.. درس الفلسفة في السوربون وتأثر بالفلاسفة (برعسون، نيشه، فيخته، ديكارت وكانْت).
2- ميشيل عفلق(3)
المؤسس الحقيقي لحزب البعث العربي.. طبع الحزب بطابعه الشخصي وأثر فيه تأثيراً عميقاً، ليس فقط على الصعيد الأيديولوجي، بل وعلى صعيد التنظيم الحزبي والعمل السياسي واتخاذ المواقف. من هنا فلدراسة حزب البعث دراسة عميقة وصحيحة ينبغي أن ندرس حياة مؤسسه ومنظّره عفلق. ولبلوغ ذلك يمكننا أن نتناول الموضوع بالتركيز على مظاهر ثلاثة: الاهتمامات الأدبية لعفلق، وعلاقاته مع الماركسية، وأخيراً الملامح المميزة لشخصيته.
البدايات الأدبية لعفلق
بعد عودته إلى دمشق، بعد أن أمضى قرابة أربعة أعوام في باريس (1929-1933) أظهر ميشيل عفلق اهتماماً كبيراً بالقضايا الأدبية. وكان ينظر إليه في ذلك الوقت كقصاص وشـاعر. كـان أحد مؤسسي مجلة الطليعة الشيوعية، ومن كتابها بالإضافـة إلى يوسـف يزبك، كامل عياد، ورشوان عيسى، ورشيف خوري، وكان هؤلاء من بين الأعضاء الأوائل للحزب الشيوعي السوري. كما أنه كان يكتب في جريدة (الأيام) التي يغلب عليها الاتجاه الشيوعي.
تأثر بالكتّاب الفرنسيين أمثال (أندريه جيد، رومان رولان) ولقد صرّح لجريدة الأيام أنه قلما يقرأ القصص العربية (لأني لا أجد فيها نفسي – والحديث لعفلق - .. أما إذا اشتقت أن أسمع صدى نفسي فانشده في قصة فرنسية أو روسية).
علاقاته مع الشيوعية
يدعي الشيوعيون أنه ما بين 1940 و1945 كان عفلق عضواً في الحزب الشيوعي السوري وأنه طرد منه على إثر صدام احتدم بينه وبين خالد بكداش على مركز الأمانة العامة الأمانة العامة للحزب.
ولقد كب صلاح البيطار وعفلق عام 1944 نشرة بعنوان: (القومية العربية وموقفها من الشيوعية) يقولان فيها: بعد فترة قصيرة من الإقامة في باريس لاحظاً أن التعاطف مع قضية بلدهما لم تكن تأتي إلا من جانب الشيوعيين وبعض النواب الاشتراكيين في البرلمان الفرنسي. وكان ذلك هو السبب الذي حببهم إلينا. وبعد العودة إلى الوطن كان من الطبيعي (ما زال الحديث لهما) أن يوحدا جهودهما مع الحركة التقدمية الممثلة في ذلك الوقت بالحزب الشيوعي السوري الناشيء. ويظهر أن كلاً من البيطار وعفلق قد توقفا عن الاستمرار مع الشيوعيين خاصة بعد أن نشر (أندريه جيد) ملهمهما والذي كان عضواً في الحزب الشيوعي الفرنسي ما بين 1931 – 1936 كتابه (العودة من الاتحاد السوفياتي) عبّر فيه عن خيبة أمله نتيجة للفارق الفاصل بين الصورة التي رسمها عن روسيا السوفياتية والواقع السياسي للنظام القائم. وأن روسيا لم تحتفظ بالشيوعية الأممية إلا في دعايتها الخارجية وأنها في الداخل امة تمشي حثيثة الخطى نحو نظام خاص بها وتتهيأ للتوسع شأنها شان غيرها من الدول الكبرى. من أجل ذلك (والحديث ما زال لهما) لا نألوا جهداً في مكافحة الشيوعية وتحذير النشء العربي من خطرها.
الملامح المميزة لشخصية عفلق
ولد عفلق عام 1910 في حي الميدان في دمشق. كان أبوه يوسف تاجر حبوب على رغدٍ من العيش.. وحبكم عمله فقد كان له علاقات وثيقة مع المزارعين والوجهاء في جبل الدروز. بعد أن أنهى عفلق دراسته الثانوية في دمشق، سافر إلى فرنسا وحصل من جامعة السوربون على إجازة في التاريخ.. عاد بعدها ليدرّس نفس المادة في ثانوية التجهيز في دمشق التي تخرج منها. الأمر الذي يلفت الانتباه في شخصيته هو ذلك البطء المحير، البطء في طريقته بالتفكير والحياة. وهو كمفكر ومنظّر لحركة البعث، لك يظهر أبداً كرجل عمل وممارسة. نظراته يلقيها بخجل، وحساسيته تبلغ حد الإفراط. كان يتضايق لأقل الأسباب خصوصاً عندما كان يوضع خطُّه أو فكره السياسي موضع التساؤل. كثير التردد والتقلب يجد صعوبة فائقة باتخاذ أي قرار مهما كانت أهميته. كان عفلق يلوذ بالكتمان إلى درجة يصعب فيها حتى على أقرب المقربين إليه أن يدركوا حقيقة نواياه. يدّعي عبد البر عيون السود (وهو أحد مؤسسي حزب البعث) أن عفلق يتمتع بذكاء خاص. ويقول سامي الجندي: إن عفلق من أكثر السياسيين ذكاء، فقد استطاع أن يحتفظ بمنصبه كامين عام للحزب طيلة خمسة وعشرين عاماً. أما الكثيرون من زعماء من الحزب الذين يعرفون عفلق جيداً فلا يشاطرون الجندي ولا (عيون السود) رأيهما هذا.
وعفلق وإن كان يجذبه النفوذ والأبهة.. إلا أنه كان متواضعاً في حياته الخاصة والعامة. لم يكن قارئاً جيداً. يذكر للصحفي الفرنسي (إيريك رولو) بأنه فقد الصلة مع تيارات الفكر الغربي مع مطلع الحرب العالمية الثانية(4).
هذا هو عفلق، مؤسس ومنظر البعث، كان رجلاً نصرانياً بطيئاً في الفهم متردداً في اتخاذ القرار، وذكاؤه ينحصر في قدرته على الاحتفاظ بمنصبه، مثله الأعلى الفكر الرنسي.. كان مع الشيوعية يوم كان (أندريه جيد) معها، وتركها عندما تركها فيلسوفه المفضل.
---------------------------
(1) البعث- سامي الجندي، ص- (21-28).
(2) البعث- جلال السيد، ص- 18.
(3) حزب البعث العربي الاشتراكي- مصطفى دندشلي، 1: 19 وما بعدها.
(4) حزب البعث العربي الاشتراكي- مصطفى دندشلي، 1: (19-32) بتصرف.