مفهومُ الثقافةِ والعملُ الثقافيّ ودورُ المثقّفِ
مفهومُ الثقافةِ والعملُ الثقافيّ ودورُ المثقّفِ ( )
اسمحوا لي ، في نهاية هذا اللقاء ، أن أتوجّهَ باسمِ المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا ، بالشكرِ العميقِ إلى المثقّفين والهيئات الثقافيّة ـ الاجتماعيّة المشاركةِ في لقائنا ، والذين عملوا جميعاً صادقين مخلصين على إنجاحهِ ، سواءٌ كان ذلك بحضورهم أم بمداخلاتهم ...
وأتقدَّم أيضاً بالشكرِ والتقدير إلى " جمعية رعاية اليتيم " في صيدا ، التي تُؤمّنُ لنا دائماً قاعة المحاضراتِ وجميع التسهيلاتِ لإحياء لقاءاتِنا وندواتِنا الثقافيّة ، هذه الندوات التي قاربت أن تكون في الموسمِ الثقافيّ المنصرم ، أسبوعيَّة ...
كما وأنّني بهذه المناسبة لا يَسعني إلاّ أن أُوجّهَ تحيّةَ تقديرٍ واحترامٍ إلى الآباءِ والمسؤولين في " دار العناية ـ الصالحية "، الذين تعاونوا ويتعاونون معنا دائماً تعاوناً مخلصاً صادقاً وها قد استقبلونا اليوم في دارهم العامرة ...
لن أدخل تفصيلاً في ظروف مرحلة تأسيس المركز الثقافي في النصف الثاني من العام 1977 ، أي في نهاية ما سُمّي " حرب السنتين " (76ـ 77)، فإنّ ذلك منشور وبتوسّع في البيانات السنويّة التي وضعناها بين أيديكم... كذلك لن أتحدّث عن الإنجازات التي حقّقناها منذ أكثر من إحدى عشرة سنة . فذلك مذكور كذلك بالتاريخ وبالتفصيل في نشراتنا الموزّعة عليكم ...
غير أنّني ، وعلى سبيل المثال فقط ، أشير إلى بعض الإنجازات تكثيفاً ، وذلك لإعطاء صورة تقريبيّة .
* فقد قدّم المركز قروضاً ماليّة لتسعة وعشرين (29) طالب وطالبة حتى العام 1963 _ 1984 ، أنهوا جميعهم تخصّصاتهم العالية في مختلف المجالات العلميّة وفي شتّى الجامعات في العالم ... وهو أول مركز ثقافيّ في صيدا يضع ضمن أهدافه الأساسيّة تقديم قروض للطلاب ، بصورة منظّمة ومنتظمة وهادفة ...
* وفي الومت ذاته أصدر الدراسات والبحوث العلميّة ونشرها في كتب بلغت حتى الآن سبعة (7) مؤلفات تُعالجُ جوانب من قضايانا التربويّة والثقافيّة والتاريخيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة .
* يضاف إلى ذلك كله أو في غمرة ذلك كله ، لم يوقف المركز الثقافيّ عن إقامة النّدوات والمحاضرات وتنظيم اللقاءات الثقافيّة والتربويّة والاجتماعيّة والوطنيّة ، منذ تأسيسه حتى الآن . ومن أجل تقديم فكرة وجيزة ألفت إلى أنّها قد بلغت في الموسم الثقافيّ المنصرم (1987 ـ 1988 ) ما مجموعه خمس وعشرون (25) ندوة ومحاضرة شارك فيها سبعون (70) محاضراً من مختلف الاختصاصات العلميّة والاتجاهات الفكريّة والسياسيّة ... كما دعا مركزنا الثقافيّ إلى عقد لقاء ثقافيّ موسّع ، في 14تنرين الأول الماضي ، ضمّ تسعاً وعشرين مؤسّسة ـ ثقافيّة ـ تربويّة ـ اجتماعيّة في صيدا ، حدّد فيه المشتركون مواقفهم الوطنيّة ممّا يجري على الساحة الوطنيّة ...
واسمحوا لي أن أشير إلى أنّ مركزنا الثقافيّ هو الذي وضع بتصرف " الفاعليات الوطنيّة " مركز المعلومات والتوثيق لديه من أجلِ صياغةِ البياناتِ والمذكرات والتصريحات في مواجهة الاحتلال الإسرائيليّ للبنان وهو الذي وزّع بيانات سريّة تحريضيّة عديدة ضدّه ونشرها إعلامياً وجماهيرياً وهو الوحيد الذي تحداه بإقامة بعض النّدوات الجماهيريّة في صيدا ، أبرزها " مساهمة في الحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ في الجنوب اللبنانيّ " [ 1984 ].
وربما يكون من أهمّ ما قام به مركزنا الثقافيّ ، أو أهمّ ما قام به هو إنشاء ، في العام 1980، مركز للمعلومات والتوثيق والدراسات ، يحتوى الآن بنتيجة عمل دؤوبٍ ومكلفٍ ، جميع ما كتبت الصحف والمجلات اللبنانيّة :
* عن مدينة صيدا والجنوب
* عن الأزْمة اللبنانيّة
* عن التيارات الفكريّة والثقافيّة والتربويّة ، وأهمّ الأحداث التاريخيّة في البلاد العربيّة وفي العالم ...
* ولدى مركزنا الآن حصيلة غنيّة من الوثائـق والمعلومات والدراسـات الاجتماعيّـة والاقتصاديّة والتاريخيّة والثقافيّة والتربويّة ، تنتظر جميعها توافر الإمكانات الماليّة لإصدارها ونشرها ...
ومن ناحية المدخول الماليّ ، فإنّ مصدرنا الوحيد ، الأول والأخير ، يأتي : إمّا من اشتراك أعضاء المركز ومساهماتهم الماليّة ، وإمّا من حملات التبرعات السنويّة التي نقوم بها بصورة دوريّة... وأذكر في هذا السياق أنّنا قد استطعنا منذ ما يقرب من سنة أن نشتريَ مقراً جديداً، إثر حملة تبرعات واسعة من أهالي صيدا ... وهي المرة الأولى التي يملك فيها مركزنا الثقافيّ مقراً له، مساحته الإجماليّة (350 م2) ويستوعب قاعةً للنّدوات والمحاضرات ومركز المعلومات والتوثيق، ونواة مكتبة أهليّة عامة ...
لقد كان رائدنا ، دائماً وأبداً ، في كلّ ذلك هو الاستمرار ، الاستمرار ، الاستمرار ... أن لا نتوقف عن العمل الثقافيّ ـ الاجتماعيّ ـ الوطنيّ ، مهما كانت الظروف والعقبات ، ومهما كانت الصعوبات الماديّة والبشريّة ، السياسيّة والأمنيّة ، وهي كثيرة ومعوّقة ...
هذا وأودّ في هذه المداخلةِ السريعةِ أنْ أعالجَ موضوعَ لقائِنا اليوم من زاوية : مفهوم الثقافة والعمل الثقافيّ ودور المثقّف . واسمحوا لي بمطلع حديثي أن أشيرَ إلى أنّ كلمة " ثقافيّ " التي اتخذها مركزُنا صفةً له منذ تأسيسه عام 77 ـ 78 لم تأتِ صدفةً أو تقليداً وإنّما كان لها في أذهانِنا معانيها البعيدة . واسمحوا لي أيضاً أنْ أشيرَ إلى أنّ للمركزِ الثقافيّ خلفيّةً فكريّةً وثقافيّةً يُمكنُ اختصارُها بالنقاط التالية :
1 ـ الانطلاقُ من ملاحظةٍ استقرائيّةٍ عامة تُظهر أنّ الفكر العربيّ بمجمله والفكر هنا في لبنانَ بوجه الخصوص ، إنّما هو فكرٌ مجرّد / مطلقٌ ، بعيدٌ إلى حدٍ صارخٍ أحياناً عن الواقع ، فهناك فراقٌ بين الفكر والواقع المحسوس ، هناك طلاق بينهما . كما ويبدو بوضوحٍ أنّ مثقّفينا يميلون غالباً إلى طرحِ القضايا وحتى القضايا المصيريّة منها فى صورتها الكلّيّةِ النظريّةِ المجردةِ ، والبعدِ عن المعالجةِ الواقعيّة التاريخيّة المحسوسة . فمفاهيمُنا وآراؤنا هي أقربُ في كثيرٍ من جوانِبها إلى المفاهيمِ الغيبيّة والآراء الأسطوريّة التي تحجبُ عن إدراكنا ووعيْنا رؤيةً حقيقيّةً للواقع .
فنحن هنا في " المركز الثقافيّ " ومن خلال تجربتنا الذاتيّة المتواضعة نُريدُ فقط أن نقول بأنّ العمل الفكريّ والثقافيّ الصحيحِ هو الذي يَنطلقُ من جزئيات الواقع إلى كلياتِه ومن الكلياتِ إلى الجزئياتِ بحركةٍ جدلية متفاعلة ، كلّ ذلك من أجلِ الوصولِ إلى معرفة ذلك الواقع معرفة ذاتيّة وحقيقيّة .
إن تجربتَنا في المركز الثقافيّ تقومُ على أساسِ العملِ على إعادة المصالحة والوفاق بين مجالِ الفكر ونطاقِ الواقعِ ، ذلك أنّ الأساسَ في كلّ تحركٍ ثقافيّ اجتماعيّ إنّما هو الواقع الحيّ المحسوس والمعيوش .
2 ـ ينتج عن الملاحظةِ الأولى فكرةٌ كانت ولا تَزالُ محورَ أهدافِ المركز الثقافيّ ونشاطاتِه الثقافيّة والاجتماعيّة وملخصها أنّ أيّ عمليّةِ إصلاحٍ حقيقيّة للمجتمع ، مهما كانت جزئيّة ، يجبُ أن تبدأ من فهمِ واقعِ هذا المجتمع بجوانبِه المتنوّعة . فالإصلاحُ أي إصلاحٍ مهما كان جزئياً يجب أن يسبقَه ويلازمَه استيعابُ ذلك الذي نحن بصددِ إصلاحِه. فلا يُمكنُ القيامُ بعمليةِ تغييرٍ حقيقيّة، ولمصلحة الإنسان ، لما لا نَفهمُه ولا ندركُه .
فالانطلاقُ من معرفةِ هذا الواقعِ بكل تفصيليّاته وجزئيّاته ضرورةٌ علميّةٌ حتى تكون عملية التغيير واعيةً وصحيحة .
3 ـ إنّ عمليةَ التحوّلات الفكريّةِ والثقافيّةِ هي أصعبُ وأبطأُ بكثيرٍ بالنظر للتحوّلات الماديّة
للمجتمع ، من شقّ طرقٍ وبناءِ مصانعَ وعماراتٍ وشوارعَ ، إنّما بناءُ الإنسان بتحوّلاته الفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة هو الأصعبُ وهنا تكمنُ المعضلة الأساسيّة . فالتغييرُ الماديّ للمجتمع ، مع أهميته القصوى ، ينبغي أن يرافقَه في الوقت ذاته أو أن يسبقَه وعيٌ فكريّ ومعرفةٌ حقيقيّةٌ حتى تكون رؤيةُ المستقبلِ أوضحَ وطرقُ الإصلاحِ والتقدم أضمن .
4 ـ فالثقافةُ هنا ، إذاً ، وكما أفهمها ، هي الثقافة الواقعيّة لا الثقافة المثاليّةُ ، هي تلك التي تلتصقُ بظروفِ المجتمع في الماضي والحاضر وتعالجُ قضاياه المحسوسة وتتخذُ من الإنسان غايةً لها. فالثقافة هي العقلُ والعِلْمُ والتنظيمُ والواقعيّةُ الاجتماعيّة .
5 ـ لذلك كنّا نرى ولا نزال ، الآن أكثرَ من أيّ وقتٍ مضى ، أنّ للمثقّفين عموماً والفكرِ الاجتماعيّ على الخصوص ، دوراً أساسياً في مرحلةِ التغييرِ وفي مرحلة تحرير الأرض والوطن والإنسان . فالثقافةُ بهذا المعنى هي التزامٌ حقيقيّ ، هي التزامٌ داخليّ ، ذاتيّ وموضوعيّ في آنٍ معاً ، التزامٌ واعٍ بقضايا الناسِ وقضايا الشعب . هي التزامٌ فكريّ بظروفِ الواقع من أجلِ السيطرة على المحركِ الاجتماعيّ السياسيّ في تطويرِ المجتمع .
6 ـ هنا يُطرحُ السؤالُ في هذا السياقِ أيضاً حول من هو المثقّف ؟...
إنّ المثقّف نتيجةً لما تقدم ، هو ذلك الإنسان الذي يلتزمُ التزاماً عميقاً بقضايا مجتمعه ويُدركها إدراكاً واعياً حتى يستطيع أقلَّه نظرياً أن يتحكّمَ بمختلفِ جوانبها . فالمثقّف هو الذي يعيش في صميمِ الواقعِ لا بعيداً أو غريباً عنه ، هو الذي يعيشُ ظروفَ المجتمع . لذلك نجد أنّ صفةً أساسيّةً من صفات المثقّف الحقيقيّ هي صفةُ النقدِ ونقدِ النقد. والمثقّف كما أراه وأتصوّرُه هو الإنسانُ الذي يطمحُ دائماً نحو الأفضل ، هو ذلك الإنسانُ الذي يحملُ معولَه على كتفِه ويحاولُ أن يهدمَ من أجلِ البناءِ ، بناءِ " إنسانيّة الإنسان ".
7 ـ فمن ضِمن هذه الرؤية لمفهومِ الثقافة والعمل الثقافيّ فإنّ نشاطاتِ مركزنا المتنوّعة من تنظيمِ النّدوات والمحاضراتِ وعقدِ اللقاءاتِ الثقافيّةِ وتحقيقِ الأبحاثِ والدراساتِ الاجتماعيّة والتربويّة وتأسيسِ مركزٍ للتوثيق والمعلومات تابعٍ لـه ومتخصصٍ بقضايا مجتمع صيدا والجنوب والأزْمة اللبنانيّة، إنّما يعتمد ذلك كلُّه على تلك المنهجيّةِ التي ذكرت في الفكر والبحث والعمل الثقافيّ.
8 ـ واسمحوا لي في نهاية مداخلتي أن أتقدم ببعض المقترحات من أجل أن يتبلورَ لدينا تدريجاً تصوّرٌ نظريٌّ وعمليّ لمشروعٍ ثقافيّ مستقبليّ تلتقي عليه هيئاتُنا الثقافيّة الاجتماعيّة :
1 ) من الأهميّة بمكانٍ كبيرٍ أن نحدِّد مفاهيمِنا الثقافيّةَ والفكريّةَ والسياسيّةَ وأن نحاولَ توضيحَ مضامينِها بصورةٍ تُزيلُ عنها ما عَلِقَ بها من التباس وإبهام وغموض .
2 ) أن نعمد إلى تحديدِ قضايانا المصيريّة الملحة تحديداً واضحاً وطرحها في العمق وعلى مستويات مختلفة .
3 ) أن نعتمدَ اللقاءاتِ الفكريّةَ الثقافيّةَ بشكلٍ دوريٍّ وكصيغةِ عملٍ بين الهيئاتِ الثقافيّةِ والمثقّفين وتحت صيغٍ متنوّعة وذلك من أجلِ لغةٍ ثقافيّةٍ مشتركة بين الجميع .
4 ) العمل أخيراً على إيجاد صيغة عملٍ ثقافيّ مشتركٍ حول مواضيعَ محدّدة توحِّدُ جهود المؤسّسات الثقافيّة الاجتماعيّة المشاركة ، مع المحافظة على استقلاليّة كلّ واحدةٍ منها .
المناقشة العامة
في المناقشة العامة التي جرت بعد الجلسة المسائيّة الثانية تركّز الحديث حول أهميّة توحيد جهود الهيئات الثقافيّة المشاركة وتنسيق نشاطاتها المشتركة ، بهدف متابعة هذه اللقاءات الدوريّة وقيام جبهة ثقافيّة واحدة فيما بينها ...
* الياس العطروني
طرح سؤالاً من شقين موجّهاً من جهة إلى المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا ، منظّم هذا اللقاء الثقافيّ ، ومن جهة أخرى إلى الهيئات الثقافيّة في لبنان ، وقال : ما هي الخطوات العمليّة التي سوف تتبع هذا اللقاء الثقافيّ الذي جمع " كلّ الثقافة " في لبنان ؟... وأضاف : لقد ناقشت الهيئات الثقافيّة في لبنان ، في هذا المكان الكريم ، آراء جدّ هادفة وبحثت مواضيع مهمّة ... الآن نريد أشياء عمليّة . فإذا انتهينا كما بدأنا ، فكأنّنا لم نفعل شيئاً . فلنجعل هذا اللقاء مميّزاً نوعا ما ... بمعنى أنّه ينبغي علينا أن نتفق على خطة عمليّة يكون اللقاء فيها مميّزاً عن كلّ اللقاءات الأخرى في لبنان ... فلديّ اقتراح بتشكيل " لجنة متابعة " مؤلفة من كلّ الهيئات التي حضرت هذا اللقاء ، مهمّتها متابعة تنفيذ المقررات التي سوف يتخذها هذا اللقاء ...
* د. صبحي مراد
... نظر إلى الجمعيات والهيئات الثقافيّة ـ الاجتماعيّة في لبنان ، على أنّ لديها إمكانيات كبيرة تتمتع بها ، مشيراً في ذلك إلى ازدياد تحركها واتساع نشاطاتها في مناسبات عديدة . ثم دعا إلى أن تقوم هذه الهيئات بخطوة إجرائيّة تعبويّة من أجل تحقيق انقلاب مدنيّ ضدّ الميليشيات المسلحة وإلى تشكيل اتحاد لها على أساس برنامج عمل موحّد ، يكون بمثابة تصوّر إجرائيّ لعمل حكوميّ أو رئاسيّ ، يتضمّن وجهة نظر الجمعيات في مختلف قضايا الإصلاح والتحرير ...
* د. مصطفى دندشلي
يؤكد في إجابته على الأهداف الثقافيّة التي يسعى المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق إلى بلورتها وتحقيقها وهي :
1 ) تحريك الجوّ الثقافيّ ـ الاجتماعيّ ـ الديمقراطيّ وتحريك الإمكانيات الثقافيّة والفكريّة والاجتماعيّة ، انطلاقاً من الواقع الذي نعيش فيه .
2 ) العمل على إيجاد رابطة تضمّ مختلف الجمعيات والهيئات الثقافيّة في صيدا والجنوب وذلك من أجل تنسيق عملها ونشاطاتها فيما بينها ...
3 ) المشاركة على صعيد لبنان مع الهيئات الثقافيّة من أجل بلورة مشروع إقامة جبهة ثقافيّة عريضة تعتمد برنامج عمل موحّداً وأهدافاً مشتركة .
* د . حسن صعب
يرى أنّنا أمام تحدٍ له بعد مصيريّ ثقافيّ . وأنّ هذا البعد تعمل في خدمته أو من أجله كلّ هيئة من هيئاتنا ... ولكن هذا العمل الثقافيّ يقوم في نطاق وطن ، مصيره ووجوده الآن في الميزان: بين أن يكون أو لا يكون . ولذلك فإن الهيئات الثقافيّة والاجتماعيّة والإنمائيّة ، مع متابعة كلّ منها لرسالتها ، رأت أنّ من واجبها أيضاً أن تعبئ جهودها في العمل المصيريّ لوجود لبنان والمحافظة على استقلاله وسيادته وعروبته ومن أجل تحريره ومن أجل إصلاح نظامه . وبالفعل ، فقد ابتدأ لقاء الهيئات منذ حوالي ثلاثة أشهر والتي بلغ عددها الثلاثين ، وهي تكثر كلّ يوم من جميع أنحاء لبنان لا فرق بين شمال وجنوب ، ولا بين شرق وغرب .
ويسرّني أن أقول إنّ المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا ، الذي نجتمع عنده اليوم ، كان من الهيئات المشاركة مشاركة فعّالة في مجهود هذه الهيئات . وهذه الهيئات الثقافيّة هي على وشك إنجاز بيان مشترك يعبّر عن موقف وطنيّ واحد تجاه التحديات التي يواجهها لبنان . وهي أيضاً تُقرن هذا البيان ـ ذلك أن الكلمة يجب أن تقترن الآن بالفعل ـ بخطة تحرك تقوم به من أجل إنهاء الأزْمة ، أو الإسراع على الأقل في إنهاء الأزْمة التي يعانيها لبنان ...
فإذأ ، عملنا الثقافيّ الآن ليس محصوراً بمعناه الحرفي المتعلق بالفكر أو بالفن أو بالأدب أو ما إلى ذلك من فروع المعرفة ... ولكن عملنا أيضاً يتناول مصير هذا الوطن . ولذلك نحن بصدد تكوين هذا التجمع من الهيئات الثقافيّة المشاركة ...
إدارة النّدوة
متابعة منّا لهذا الموضوع ، أطرحُ عليكم " البيان " الذي أعدته الهيئات الثقافيّة المشاركة في هذا اللقاء، والتي تصبّ النقاط الأساسيّة فيه في هذا النقاش ... سأقرأه عليكم وأطرح بنوده للنقاش للموافقة عليه فيما بعد ، للخروج بنتيجة عمليّة من هذا الاجتماع ...
" إنّ الهيئات الثقافيّة والاجتماعيّة والإنمائيّة الملتقية في صيدا بدعوة مز المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق بتاريخ 3 شباط 1989 ، تؤكد على الأمور التالية :
1 ـ تقديم الشكر والتقدير للمركز الثقافيّ ـ صيدا على تنظيمه لهذا اللقاء .
2ـ اعتبار هذا اللقاء حلقة في سلسلة اللقاءات التي تربط مختلف الهيئات الثقافيّة والإنمائيّة والاجتماعيّة ، دفاعاً عن استقلال لبنان ووحدته وتحريره وإصلاح نظامه . واعتبار النشاطات المشتركة جزءاً من بلورة لإرادة وطنيّة تجمع كلّ هذه الهيئات في جهة ثقافيّة موحدة ...
3 ـ اعتبار الثقافة إحدى أبرز الأدوات التي تساعد على تقدم الإنسان وتوحيد المجتمع والوطن ...
4 ـ إجماع الهيئات المشاركة على تأييد الثوابت التي تمّ الاتفاق عليها في مؤتمر " الثقافة والتغيير "، الذي عقد في أنطلياس ( 6 ـ 7 ـ 8 أيار 1988 )...
5 ـ عقد لقاءات دوريّة بين ممثلي جميع الهيئات الثقافيّة ، للتداول في السُّبُل العمليّة التي تحقق أمل مواطنينا في إيقاف الحرب والحفاظ على حقوق الإنسان ورفض كلّ أشكال الاحتلال والفرز السكانيّ والتوطين وتأكيد سيادة الدولة على كامل إقليمها الجغرافيّ .
6 ـ عزم جميع المشاركين على استمرار التعاون والتنسيق في مختلف النشاطات والمؤتمرات التي تقيمها الهيئات ، منفردة ومجتمعة ، وذلك بهدف ترسيخ ثقافة ديمقراطيّة تُؤمّن الحرية والعدالة والمساواة لكلّ أبناء الشعب .
7 ـ المشاركة الجماعيّة في إحياء " يوم الانتصار لحريّة الكلمة والبحث العلميّ " في 19 أيار القادم في جميع المناطق اللبنانيّة .
* مدير النّدوة
الدكتور معن زيادة ، يضيف على ذلك موضحاً أنّ الهيئات الثقافية هي في لقاء دائم وهي تلتقي مرة كل أسبوع تقريباً وآخر اجتماع لها كان في النادي الثقافيّ العربيّ ... وقد انبثقت " لجنة متابعة " مهمّتها استكمال البحث في المذكرة النهائيّة التي ستصدر عن تجمّع الهيئات الثقافيّة .. وميّزة الاجتماع المقبل أنّه سينضم إلى لجنة المتابعة وهي لجنة تمثل حوالي 55 هيئة ثقافيّة ، سينضمّ إليها بعض ممثلي النقابات : نقابة المهندسين ونقابة المعلمين ونقابة المحامين والاتحاد العماليّ العام . لذلك أصبح هناك ذع من الشموليّة في عمل الهيئات الثقافيّة حتى تكون أكثر فعاليّة وتأثيراً .. فليس هناك من خلاف حول برنامج العمل الذي نوقش سابقاً والذي سيرد من ضمنه إعلان يوم التضامن مع وحدة لبنان ، يوم الوفاق الوطنيّ وسيعلن عنه لاحقاً ...
* الدكتور علي سعد ( رئيس اتحاد الكتّاب اللبنانيين )
... مع الموافقة الكاملة على التوصية في مضمون البيان النهائيّ ، أرى أن نضيف بنداً قد لا يبدو للوهلة الأولى متفقاً مع روح هذا اللقاء الثقافيّ . ولكن بما أنّنا موجودون ني صيدا ، صيدا المقاومة ، صيدا رمز الصمود الوطنيّ في وجه الاحتلال الإسرائيليّ وفي مقاومته ، أرى أن نضيف شيئاً يتعلق باستنكار ، من قِبَل جميع الهيئات المشاركة في هذا اللقاء ، استنكار عملية القمع الإسرائيليّ التي تجري في لبنان الجنوبيّ وفي الشريط الحدوديّ ، ومنها عمليات الإبعاد وتدمير البيوت ... ( تصفيق ).
• إدارة النّدوة
بنود البيان الذي قرأته منصبّة في الواقع على المؤتمر ونقاطه الأساسيّة وهي تنشيط وتفعيل التعاون ين الهيئات الثقافيّة في سبيل إنشاء جبهة ثقافيّة . ولكن في نفس الوقت تمّت مناقشة قضيّة تهجير أبناء القرى الجنوبيّة . وهناك مشروع بيان استنكار سوف يصدر عن هذا اللقاء ، وهذا نصه :
" إنّ الحربَ المهدّدة للمجتمع والدولة والاقتصاد والثقافة ، التي تقوم بها إسرائيل في لبنان، وخاصة خطر اقتلاع المواطنين من الجنوب وما يرافقها من اعتقالات وقهر وإبعاد ، تتطلب موقفاً داعماً منكم يحقّق وحدة واستقلال وتحرير لبنان الذي لـه فضل لا شكّ تقدرونه في الثقافة العربيّة المعاصرة . ننتظر مواقف عمليّة ، سويعة داعمة ... ".
* الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب .
* الأمين العام لاتحاد المحامين العرب .
* الأمين العام لاتحاد كتّاب آسيا وأفريقيا ( لطفي الخولي ).
* المجلس القوميّ للثقافة العربيّة .
* الأمين العام للمنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم ( الألكسو ).
* سعيد طه ( لقاء الجمعة الثقافيّ )
... ليس هناك من تداخل بين الاجتماع الذي تعقده الهيئات الثقافيّة والنقابيّة في النادي الثقافيّ العربيّ والذي هو استمرار لجلسات سابقة ، وبين هذا اللقاء الذي هو حسب موضوعه اللقاء الأول حول : الثقافة والمؤسّسات الثقافيّة بين الواقع والمستقبل : تجربة ذاتيّة . يعني أنّ لقاءنا هنا هو لدراسة التجارب الثقافيّة ، بينما اللقاء الذي يحصل في بيروت هو لقاء ممثلين عن هيئات نقابيّة وثقافيّة لدرس موضوع له طابع وطنيّ سياسيّ مختلف عن هذا اللقاء . فنتمنّى لهذا اللقاء الذي انعقد طوال هذا اليوم أن يتواصل في إطار منفصل عن ذلك اللقاء. فليس لهما علاقة مع بعضهما البعض.. إنّ لقاءنا اليوم هو لقاء مؤسّسات ثقافيّة لدرس التجربة الذاتيّة .
* المهندس محمد قبّاني ( رئيس النادي الثقافيّ العربيّ )
... الهيئات الثقافيّة المشاركة في اللقاءين هي نفسها والأشخاص هم أنفسهم . ولا يمكن أن يفرز كلّ لقاء لجنة متابعة جديدة . إنّ الهيئات الثقافيّة التي اجتمعت وأصدرت بيانها في أنطلياس هي نفسها التي تجتمع الآن في صيدا بدعوة من المركز الثقافيّ وهي التي سوف تجتمع قريباً في النادي الثقافيّ العربيّ من أجل الإعلان عن موقفها الموحّد ني بيان يصدر عنها ... أعتقد أنّ الهموم الثقافيّة هي واحدة التي تحملها لجة المتابعة المكونة سابقاً والتي سوف تجتمع قريباً ...
* سمير سعد ( أمين سرّ اتحاد الكتّاب اللبنانيّين )
... حول المسألة الأخيرة التي طُرحت ، هناك في الحقيقة بعض الالتباس ، باعتبار أنّ الوظيفة المحدّدة للقاء الهيئات الثقافيّة التي تتابع اجتماعاتها منذ ثلاثة أشهر ، هو لقاء محدّد في إطار معيّن مستقل عن اللقاءات الدوريّة للهيئات الثقافيّة التي انبثقت كلقاءات منذ مؤتمر الثقافة والتغيير في أنطلياس . هذا جسم ثقافيّ وكهيئات ثقافيّة دون الهيئات الاجتماعيّة الأخرى . إنّ التوصية الواردة هنا تأتي على ذكر أن تستمر هذه الهيئات الثقافيّة بما هي ثقافيّة ، دون أن يتعارض ذلك أو أن يُفهم منه تعارض مع الأشكال الأخرى من العمل التنسيقيّ المشترك ... بمعنى أنّ من الأهميّة أن تتابع الهيئات الثقافيّة كهيئات ثقافيّة لها همومها الثقافيّة المحضة ...
* عبد الله بلولي ( اتحاد الشباب الديمقراطيّ )
... يتقدم باقتراح وهو إقامة أيام ثقافيّة في المناطق ... يشارك فيها الفنّانون الشباب والرسّامون الشباب ... ويدعو إلى عقد لقاءات ثقافيّة في المناطق وتفعيلها على الأرض ، لقاءات موسيقيّة ، فنّيّة ، معارض للرسّامين الهواة والمحترفين ... لنأخذ مثلاً قلعة صيدا الأثريّة المهملة وتحويلها إلى مركز ثقافيّ ، إلى مسرح أو متحف فنيّ أو أي شيء آخر من هذا القبيل ...
* إدارة النّدوة
... اقتراح وجيه ومن الأهميّة درسه وإخراجه إلى حيّز التنفيذ العمليّ. ولكن ، في الواقع ، فإنّ الهيئات الثقافيّة التي اجتمعت في إطار مؤتمر " الثقافة والتغيير " في أنطلياس ، كانت قد قررت خطوات عمليّة من هذا النوع . ولكن هذا العمل الجبهويّ ما زال حديث السن . وإنّنا نأمل مح الأيام أن تتمكن الهيئات الثقافيّة من أن تقوم بنشاطات أوسع ... ولقاؤنا اليوم هو ضمن نطاق الأيام الثقافيّة. وكان حصل يوم ثقافيّ في طرابلس نأمل أن يتبع ذلك أيام ثقافيّة آخر ...
* د. فهمية شرف الدين ( المجلس الثقافيّ للبنان الجنوبيّ )
... أودّ أن أشير فقط إلى أنّ المجلس الثقافيّ للبنان الجنوبيّ هو بصدد التحضير لإقامة أيامٍ ثقافيّة في صيدا والجنوب مع المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا . فالمجال مفتوح لجميع المؤسّسات الثقافيّة للمشاركة في هذه اللقاءات التي تعقد بيننا ...
* إدارة النّدوة
ختاماً ، أستطيع أن أقول إنّ مسيرة العمل الثقافيّ الجبهويّ قد بدأت.هناك تحركات ولقاءات ثقافيّة منذ ما يقرب من سنة وإنّنا نأمل أن تتفاعل هذه اللقاءات الثقافيّة أكثر وتتكثف كي تمهّد لقيام عمل ثقافيّ موحّد في لبنان قاطبة .. فأشكر لكم حسن إصغائكم وإلى اللقاء ني الأيام الثقافيّة المقبلة في طرابلس والبقاع وبيروت وصيدا وفى كلّ مكان آخر ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أنظر ، يوم صيدا الثقافيّ ، اللقاء الأول ، 3 شباط 1989 ، ص 94 .