النهار ـ كنيسة ضد الاحتلال... ومجلس وطني ضد الإعلام
كنيسة ضد الاحتلال... ومجلس وطني ضد الإعلام
الحزب الشيوعي العجوز في الـ86
لفتني الـ"بوستر" الذي أعده الحزب الشيوعي اللبناني في عيده الـ86، بما فيه من ألوان زاهية وحيوية، وحركة حمامة تحت مظلة، تتفيأ ربما، أو تحتمي من أمطار المذهبية والمناطقية والمصلحية. لم أسأل شيوعياً عن معنى اللوحة التي أعدت للعيد، اكتفيت بمراقبة جانبها الفني، وقررت ان أكتفي بما سأفهمه. ولعلني اذا ما أردت ان أفلسف اللون والرسوم لحصلت على عشرات الإجابات والتحليلات، كما سيفعل آخرون، اذا ما شاهدوها، كل من منطلقه الفكري والعقائدي والثقافي، كما السياسي، وقبل كل شيء الفني.
لكن جمال اللوحة (البوستر) لا يغني ولا يسمن، على ما نقول عادة، اذ ان الأصل والهدف بات ضعيفاً. ولا أعلم ما اذا كان مرد الأمر الى انهيار المنظومة الشيوعية - الإشتراكية في العالم بعد سقوط "الإتحاد السوفياتي"، أم انها لوثة الأحزاب والمجموعات اللبنانية التي ما تلبث ان تنقسم على ذاتها، وتتصارع على السلطة، وتنهب المال الحزبي العام، ان وجد، وتسيطر على كل المقدرات... والمهم الأهم ان تورث الأبناء.
ربما أصاب الحزب الشيوعي اللبناني بعضاً من هذه اللوثات والدبقات، وليس كلها. لكن الأكيد ان الحزب لم يفقد بريقه الا بمقدار ما فقد ثقته بنفسه، وبقدرته على التغيير، وجذب جدد الى صفوفه.
ألا يزال الحزب الشيوعي اللبناني الوريث الشرعي لكل أنواع اليسار اللبناني، وبعض السوري والفلسطيني، اذ ان لا وطن له، ولا انتماء بالمعنى الجغرافي الضيق، وانما كانت قضيته العدالة الإجتماعية والمساواة بين بني البشر وهذه القضية- القضايا لا تموت ولا تذوي ولا تضمحل، بل تتجدد مع كل شروق، وفي كل لحظة ومع ولادة انسان جديد قد تكون الأبواب مفتوحة امامه لفرص عادلة.
صحيح ان الحزب الشيوعي ما زال الأقدر على التحرر من السياسيين، من كبتهم، ومن تحريكهم الناس في اتجاهات شخصية ومصالحية، ونادراً وطنية، اذا انه غير جاذب وحتى بشعاراته الحياتية الملحة. قد تكون المشكلة في المواطن اللبناني، لكن يجب ألا نبرئ مسؤولي الشيوعي من تقصيرهم في الحراك الإجتماعي ومن التواصل مع شرائح واسعة من الناس لا يصيبهم الحزب الا في تصريحات اعلامية صارخة لعدد من مسؤوليه.
ان عدم اصطفاف الشيوعي في 8 و14 آذار شكل خطوة متقدمة له، لكنها خطوة لم تتبعها خطوات، بل ظلت أسيرة نفسها، حتى تكبلت وتسربلت.
آن للحزب الشيوعي ان يعود ليشكل حالة نهوضية، رغم قلة امكاناته المالية، وان ينعتق من حمل السنين الـ86.
شكراً كنيستي العربية المشرقية
أفتخر دوماً بإنتمائي الى كنيسة مشرقية، كاثوليكية رسولية جامعة، لا تحدها الجغرافيا في الإيمان وفي الإنفتاح على الإنسان مهما كان لونه وجنسه ودينه، لا تخاف المسلمين، ولا تعيش في عقدة اليهود.
لكن كنيستي، العالمية الطابع، واضحة الإنتماء الى المكان والزمان، وليس في الأمر تناقض، لأنها تنتمي الى هذا المشرق بتنوعه وتعدده، وتنتمي الى العالم العربي، وأيضاً بتنوعه وتعدده مهما كانا ضئيلين، وهي في الزمان راسخة من العهد الأول، ثابتة عليه، ترتكز الى ماض عريق، ولا تقف عنده.
بالأمس، في خلال السينودس من أجل الشرق الأوسط، تحدث حبر جليل من كنيستنا هو المطران كيرللس سليم بسترس، مطران بعلبك للروم الكاثوليك، الذي انتقل الى أميركا، وهو يتأهب للعودة الى وطنه مطراناً على بيروت.
قال المطران بسترس "انه لا يمكن الإستناد الى مسألة أرض الميعاد لتبرير عودة اليهود الى اسرائيل وتهجير الفلسطينيين"، وأضاف "نحن المسيحيين لا يمكننا الحديث عن ارض الميعاد حقاً حصرياً ومطلقاً للشعب اليهودي..فقد أبطل هذا الحق بمجيء المسيح، ولم يعد هناك شعب مختار، فكل الرجال والنساء من كل الدول أصبحوا شعباً مختاراً".
وجاء في رسالة أساقفة السينودس "اننا نناشد الأسرة الدولية، ولا سيما منظمة الأمم المتحدة، ان تعمل جادة من أجل تحقيق السلام العادل في المنطقة، وذلك بتطبيق قرارات مجلس الأمن، وبإتخاذ ما يلزم من اجراءات قانونية لإنهاء الإحتلال في مختلف الأراضي العربية".
أعادني هذا الكلام الى الرحلة الأخيرة للمطران ايلاريون كبوجي، مطران القدس المنفي الذي ركب "أسطول الحرية" نحو غزة، من دون ان يأبه للسنين التي يحملها على عاتقه، معتبراً ان دافعه كان "واجباً دينياً وأخلاقياً".
هكذا، وبكل بساطة وتواضع، تحافظ الكنيسة على دورها الأصيل في تبني القضايا المحقة، قضية الإنسان، والأرض، لا في فلسطين وحسب، وانما في كل أرض تحتل أو يضطهد عليها انسان، ان في لبنان، او في سوريا، او الأردن، وحتى في السعودية... ألم يطالب السينودس بحرية الممارسة الدينية؟
هكذا وبكل بساطة يقفز الى الواجهة اللبنانية البطريرك الماروني مارنصرالله بطرس صفير، الذي رفض ويرفض بإستمرار كل احتلال ووصاية وتدخل وسلاح غير شرعي وكل ممارسة من خارج المؤسسات.
المجلس الوطني ضد الاعلام
سبقنا الأردن أخيراً الى احترام الاعلام وتقدير الاعلاميين، هذا على الأقل ما ظهر في اليومين الأخيرين، ففيما كان المجلس الوطني للإعلام (اللبناني) يوصي بمنع برنامج "كلام الناس" لمارسيل غانم عبر شاشة "LBC" مدة شهر، كان وزير البيئة الأردني يستقيل لأنه أهان صحافيي بلاده، ما استدعى من نقاباتهم وجمعياتهم ردود فعل صاخبة، حملته على الإعتذار والإنكفاء.
تكمن أهمية هذين الخبرين في الأمور الآتية:
1) ان الوزير الأردني أدرك خطأه واعتذر ثم استقال. وان رئاسة الحكومة، (والقصر الملكي تالياً)، لم تقف الى جانبه في مواجهة الصحافة، القطاع الحضاري الأبرز الذي يفتح الباب على العالم الخارجي، ويدافع عن ديموقراطية (متفاوتة) في الداخل.
2) ان نقابات الصحافة والجمعيات المعنية بهذا القطاع في الأردن حققت انتصاراً باهراً بقدرتها على التأثير في مسار الأمور، وأظهرت تقدماً في بنيتها وفاعليتها، هذه الفاعلية التي نفتقدها منذ أكثر من 50 سنة في نقابتنا للمحررين.
3) ان مجلسنا الوطني للإعلام، الممدد والمجدد له، كما حال نقابة المحررين لخمسين سنة، تنبه الى أمر الفتنة في البلاد، فقرر محاكمة مارسيل غانم، ليظهر انه قادر على الأقوى (؟) ناظراً بعين واحدة الى ما يقدم عبر شاشاتنا، متناسياً كل أشكال الفتنة والتحريض التي تبث كل يوم.
4) ان مجلسنا الوطني للإعلام، المتآكل السمعة لجهة فاعليته، وربما دوره في الأساس، لم يفكر، خلال توصيته، بما ستذهب اليه في مجلس الوزراء (وهي محسومة لمصلحة مارسيل غانم و"كلام الناس")، وبإنعكاسها على المزيد من انكماش صورته، كأنه أراد ان يسجل موقفاً يحفظ في الأرشيف.
5) حبذا لو يتمكن المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع ولمرة واحدة فقط من وقف البث لمحطات اذاعية كثيرة غير مرخصة، ومنها دينية، وتبث يومياً خطاب التفرقة والفتنة، فيطبق القانون الذي قضى بإذاعة واحدة للمسحيين، وأخرى للمسلمين فقط لا غير...
غسان حجار