عاشت الجزائر ثورة وتاريخ
المصدر:google
عاشت الجزائر ثورة وتاريخ
في ذكري الاستقلال:
عاشت الجزائر ثورة وتاريخ
وطن القادة الاحرار والابطال والثوار وطن الشهداء
اللجنة الاعلامية للقدس في الجزائر
الثورة الجزائرية
تعرف الثورة الجزائرية باسم"ثورة المليون شهيد"، وهي حرب تحرير وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وكانت نتيجتها انتـزاع الجزائر لاستقلالها بعد استعمار شرس وطويل استمرّ أكثر من 130 عاماً.
انطلقت الرصاصة الأولى للثورة الجزائرية في الاول من نوفمبر 1954 الذي يصادف عند الأوروبيين يوم "عيد جميع القديسين" معلنةً قيام الثورة بعد حوالي 130 سنة من الاستعمار الفرنسي للبلاد.
وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزوّدين بأسلحة قديمة وبنادق صيد وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد وفي وقت واحد.
ومع انطلاق الرصاصة الأولى للثورة، تمّ توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع "الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني" وجاء فيه: "أن الهدف من الثورة هو تحقيق الاستقلال الوطني في إطار الشمال الأفريقي وإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادىء الإسلامية".
ودعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية إلى الانضمام إلى الكفاح التحريري ودون أدنى اعتبار آخر.
وتمّ تشكيل الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني من تسعة أعضاء..
وقبل الدخول في تفاصيل هذه الثورة يمكن القول إنها لم تكن وليدة أول نوفمبر 1954.. بل كانت تتويجاً لثورات أخرى سبقتها، ولكن هذه الثورة كانت أقوى تلك الثورات، وأشملها، وتمخضت عن إعلان استقلال الجزائر بعد ثمانية أعوام من القتال الشرس، ويمكن تقسيم عمر الثورة إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى (54-56): وتركز العمل فيها على تثبيت الوضع العسكري وتقويته، ومد الثورة بالمتطوعين والسلاح والعمل على توسيع إطار الثورة لتشمل كافة أنحاء البلاد.
أما ردة فعل المستعمر الفرنسي فكانت القيام بحملات قمع واسعة للمدنيين وملاحقة الثوار..
المرحلة الثانية (56 - 58): شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل القضاء عليها.. إلا أن الثورة ازدادت اشتعالاً وعنفاً بسبب تجاوب الشعب معها، وأقام جيش التحرير مراكز جديدة ونشطت حركة الفدائيين في المدن.
كما تمكّن جيش التحرير من إقامة بعض السلطات المدنية في بعض مناطق الجنوب الجزائري وأخذت تمارس صلاحياتها على جميع الأصعدة.
المرحلة الثالثة (58 - 60): كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مرّت فيها الثورة الجزائرية، إذ قام المستعمر الفرنسي بعمليات عسكرية ضخمة ضد جيش التحرير الوطني. وفي هذه الفترة، بلغ القمع البوليس حده الأقصى في المدن والأرياف.. وفرضت على الأهالي معسكرات الاعتقال الجماعي في مختلف المناطق.
أما رد جيش التحرير، فقد كان خوض معارض عنيفة ضد الجيش الفرنسي واعتمد خطة توزيع القوات على جميع المناطق من أجل إضعاف قوات العدو المهاجمة، وتخفيف الضغط على بعض الجبهات، بالإضافة إلى فتح معارك مع العدو من أجل إنهاكه واستنـزاف قواته وتحطيمه.
وفي 19 أيلول - سبتمبر عام 1958 تمّ إعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة السيد فرحات عباس، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه الحكومة هي الممثل الشرعي والناطقة باسم الشعب الجزائري والمسؤولة عن قيادة الثورة سياسياً وعسكرياً ومادياً، وأعلنت في أول بيان لها عن موافقتها على إجراء مفاوضات مع الحكومة الفرنسية شرط الاعتراف المسبق بالشخصية الوطنية الجزائرية.
وفي تشرين الثاني - نوفمبر من عام 1958 شنّ جيش التحرير الوطني هجوماً على الخط المكهرب على الحدود التونسية، كما خاض مع الجيش الفرنسي معارك عنيفة وبطولية في مختلف أنحاء الجزائر.. وعلى الصعيد السياسي، طرحت قضية الجزائر في الأمم المتحدة وفي مؤتمر الشعوب الأفريقية بـ"أكرا" ولاقت التضامن والدعم الكاملين والتأييد المطلق لها...
وفي كانون الأول - ديسمبر من 1958، ألقى الجنرال ديغول خطاباً في الجزائر العاصمة أشار فيها إلى الشخصية الجزائرية، وانتخب في 22 من هذا الشهر رئيساً للجمهورية الفرنسية.
وفي 16 أيلول - سبتمبر 1959، أعلن الجنرال ديغول اعتراف فرنسا بحق الجزائر في تقرير مصيرها. وكان جواب الحكومة الجزائرية المؤقتة قبولها لمبدأ تقرير المصير واستعدادها للتفاوض المباشر في الشروط السياسية والعسكرية لوقف القتال وتوفير الضمانات الضرورية لممارسة تقرير المصير.
المرحلة الرابعة (1960 - 1962): المرحلة الحاسمة، خلال هذه الفترة الهامة والحاسمة من حرب التحرير.. حاول الفرنسيون حسم القضية الجزائرية عسكرياً.. ولكنهم لم يفلحوا في ذلك.. لأن جذور الثورة كانت قد تعمقت وأصبحت موجودة في كل مكان. وأضحى من الصعب، بل من المستحيل القضاء عليها، ورغم هذا الواقع.. فقد جرّد الفرنسيون عدة حملات عسكرية ضخمة على مختلف المناطق الجزائرية، ولكنها جميعاً باءت بالفشل وتكبّد الجيش الفرنسي خلالها خسائر فادحة، وقد تمّ في شهر كانون الثاني - يناير 1960 تشكيل أول هيئة أركان للجيش الجزائري الذي كان متمركزاً على الحدود الجزائرية - التونسية والجزائرية - المغربية وتمّ تعيين العقيد هواري بومدين أول رئيس للأركان لهذا الجيش.
وفي هذه الفترة بالذات، تصاعد النضال الجماهيري تحت قيادة الجبهة، وقد تجسّد ذلك في مظاهرات 11 كانون الأول - ديسمبر 1960، وتمّ خلال هذه الفترة عقد المؤتمر الثاني لجبهة التحرير الوطني في مدينة طرابلس بليبيا عام 1961.
أما على الصعيد السياسي، فقد عقدت الدورة 16 للأمم المتحدة (أيلول - سبتمبر 1961 وشباط - فبراير 1962)، وأمام أهمية الاتصالات المباشرة بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية، فإن الأمم المتحدة "دعت الطرفين لاستئناف المفاوضات بغية الشروع بتطبيق حق الشعب الجزائري في حرية تقرير المصير والاستقلال، وفي إطار احترام وحدة التراب الجزائري".
وهكذا انتصرت وجهة نظر جبهة التحرير الوطني.. وأُجبرت فرنسا على التفاوض بعد أن تأكدت فرنسا نفسها أن الوسائل العسكرية لم تنفع، خاصة بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به حملاتها الضخمة وعدم فعالية القمع البوليسي في المدن، ورفض الشعب الجزائري المشاركة في الانتخابات المزوّرة واستحالة إيجاد "قوة ثالثة" تكون تابعة للمستعمر بأي حال.
وقام الفرنسيون بمناورات عدة وتهديدات كثيرة لتحاشي التفاوض، وعملوا كل ما بوسعهم لتصفية جيش التحرير الوطني كقوة عسكرية وكقوة سياسية.. فتهربت فرنسا من كل محاولات التفاوض النـزيه عاملة على إفراغ حق تقرير المصير من محتواه الحقيقي، متوهمة بذلك أنها ستنتصر عسكرياً على الثورة.
وكان يقابل سياسة المفاوضات هذه.. حرب متصاعدة في الجزائر بهدف تحقيق النصر؛ فقد كان الفرنسيون يعتقدون أن رغبة جبهة التحرير في السلم وقبولها للاستفتاء يعتبر دليلاً على الانهيار العسكري لجيش التحرير الوطني.. إلا أن الجبهة عادت وأكدت من جديد أن الاستقلال ينتـزع من سالبه ولا يوهب منه، فاتخذت جميع التدابير لتعزيز الكفاح المسلح..
وعادت فرنسا بعد ذلك لتقدم لمندوبي جبهة التحرير صورة كاريكاتورية للاستقلال: جزائر مقطوعة عن أربعة أخماسها (الصحراء) وقانون امتيازي للفرنسيين... فرفضت الجبهة المقترحات جملة وتفصيلاً.. ولما عجزت فرنسا عن حلّ القضية بانتصار عسكري.. أجرت اتصالات ومفاوضات جديدة لبحث القضايا الجوهرية، وقد دخلت هذه المرة مرحلة أكثر إيجابية، وتحددت الخطوط العريضة للاتفاق، أثناء مقابلة تمت بين الوفد الجزائري والوفد الفرنسي في قرية فرنسية بالقرب من الحدود السويسرية.
وبعد ذلك.. عقدت ندوة حول إيقاف القتال في إيفيان من 7 إلى 18 آذار - مارس 1962 تدارست الوفود خلالها تفاصيل الاتفاق.. وكان الانتصار حليف وجهة نظر جبهة التحرير، وتوقف القتال في 19 آذار - مارس بين الطرفين وتحدد يوم الأول من تموز لإجراء استفتاء شعبي.. فصوّت الجزائريون جماعياً لصالح الاستقلال.. وبذلك تحقق الهدف السياسي والأساسي الأول لحرب التحرير، بعد أن دفع الشعب الجزائري ضريبة الدم غالية في سبيل الحرية والاستقلال.. وبعد أن استمرت الحرب قرابة ثماني سنوات سقط خلالها ما يقرب من مليون ونصف مليون شهيد.
وقد صادف بدء انسحاب القوات الفرنسية في 5 تموز - يوليو 1962 في يوم دخولها 5 تموز - يوليو 1830 أي بعد 132 عاماً من الاستعمار، كما انسحبت هذه القوات من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر في منطقة "سيدي فرج" القريبة من الجزائر العاصمة وتمّ في هذا اليوم تعيين السيد أحمد بن بيللا كأول رئيس لجمهورية الجزائر المستقلة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد من قادة الثورة وكوادرها.
يرجع الفضل في انتصار الثورة الجزائرية إلى وضوح أهداف القائمين بها والتضحيات الشعبية الهائلة التي قدمها الشعب الجزائري الذي عبأ كل طاقاته لتحقيق الانتصار، يضاف إلى ذلك الأساليب المبتكرة التي لجأ إليها المجاهدون والمجاهدات لتوجيه الضربات الأليمة لجيش متفوق في العدد والعدة. وأخيراً التأييد العربي (قواعد الثوار في تونس والمغرب والدعم الشعبي والمادي الواسع من مصر عبد الناصر وسورية والعراق)، والعالمي (دول العالم الثالث والدول الاشتراكية)
في استقلالك يا جزائر
حينما نقرا تاريخ الثورة الجزائرية،ينبغي كفلسطينيين أن نقف في الصفوف الأولى للمحتفلين بيوم الاستقلال الوطني الجزائري،يوم استقلال الجزائر ليس مجرد مناسبة لانتصار ثورة عابرة،إن الثورة الجزائرية حكاية امة عرفت كيف تنتصب أعناقها رغم المقصلة الفرنسية التي جزت رؤوس الثوار الجزائريين،قصة أعظم ثورات التاريخ بماضيه وحاضره،حينما يسقط أكثر من مليون ونصف المليون شهيد من شعب واحد،فان الإشارة التي تحملها دلالة هذا الدم تعني أن الحرية والكرامة خيار واحد لهذا الشعب،ولا مجال للتفاوض حول خيار آخر.
إن تاريخ الاستقلال الجزائري ينبغي أن يكون لنا كفلسطينيين درس في الوعي والفداء ،يجب أن نتعلم حكمة الانتصار لهذه الثورة الباسلة،نبحث في عثراتها وسبل تجاوزها،ونتبصر في آليات استمراها وقوتها،ونقف على تفاصيل نضالها ،إن تقدير استقلال الجزائر الحقيقي بالنسبة لنا كمقاومة فلسطينية يستدعي أن نسير على دربها ونمضي على طريق حريتها.
إن استقلال الجزائر يستدعي أن نسجل كفلسطينيين فضل ثورتها ودولتها علينا ،إن علينا واجب العرفان بدور الجزائر كثورة وكدولة مع المقاومة الفلسطينية،ونستذكر عطاء الجزائر مع فلسطين الإنسان والأرض والمقاومة.
لقد كانت الثورة الجزائرية -التي استطاعت أن تستأصل التجربة الاستعمارية الأوروبية العريقة- الفضاء الذي ألهم الفلسطينيون بكل ميولهم وفئاتهم للاقتداء بنموذج الثورة الجزائرية،وهو ما عجل في انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة رغم الظروف الإقليمية والدولية والذاتية التي اعتبرت تفجير الثورة الفلسطينية المسلحة مغامرة غير مدروسة.ولكن اثبت الأحداث اللاحقة أن تفجير الثورة كان الأمر الحتمي والضروري لمواجهة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني.
رغم تاريخ العلاقة المميزة بين الثورة الفلسطينية والجزائر ،لم تحاول الجزائر أبدا التدخل في الشئون الفلسطينية الداخلية،ووقفت دوما لصالح فلسطين الوطن والهوية والقضية،وكان دعمها السخي بلا توقع لثمن سياسي أو استقطاب في إطار عملية تنافس إقليمي،أو رغبة في استعراض وقفتها مع القضية الفلسطينية لاستمالة الرأي العام،لقد كان الموقف الجزائري مبدأيا ومتصلا بحالة قومية عضوية أصيلة.
احتضنت الجزائر مؤتمرات النقابات والمنظمات الفلسطينية،كما حدث في استضافتها للمؤتمر الخامس والسادس والسابع والتاسع لاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين،وكذلك المؤتمر الثالث للاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين،والمؤتمر الثالث للاتحاد العام للعمال الفلسطينيين،والكثير من المجالس الإدارية خاصة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية واحتضانها للدورة 16و18 و19و20 للمجلس الوطني الفلسطيني.
قام الرئيس الراحل هواري بو مدين بترتيب زيارة الرئيس الراحل أبو عمار التاريخية إلى الأمم المتحدة عام1974،بل ووفر له الطائرة التي أقلت الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة.
ساهمت بالجزائر في إدخال منظمة التحرير الفلسطينية كعضو مراقب في منظمة الوحدة الإفريقية،وتبنت مواقف الفلسطينيين ومنظمة التحرير في كتلة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي ،وناضلت الجزائر في جامعة الدولة العربية وخاصة في مؤتمر الرباط لتحصل منظمة التحرير الفلسطينية على شرعية وحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني.
استقبلت الجزائر الضباط الفلسطينيين في كلية شرشال ،وقد تخرج من هذه الكلية مئات من الضباط الفلسطينيين،وهي الكلية التي ما زالت تقدم مقاعد دراسية سنوية للفلسطينيين،كما وساهمت بتخريج ضباط في البحرية والطيران.
قدمت الجزائر مساعدة نوعية للفلسطينيين في أيام
الشدة وأيام الحصار،حينما استصدرت مئات جوازات السفر الدبلوماسية
والعادية الجزائرية لتمكين الكوادر الفلسطينية من التحرك بسهولة بين
الأقطار العربية والأجنبية، وكان الرئيس الراحل أبو عمار يحمل جواز سفر جزائري
دبلوماسي تحت رقم (40) وهو ما لم يتمتع به بعض كبار المسؤولين
الجزائريين.
احتضنت الجزائر قوات الثورة الفلسطينية بعد الخروج من بيروت عام1982،ووفرت لهم ولعائلاتهم قرى زراعية للعمل بها.
يسجل للجزائر أنها أنشأت أول إذاعة فلسطينية خارج دول الطوق ،وعملت بشكل منتظم منذ 1970حتى عام1995،وعلى كل الموجات القصيرة والمتوسطة والطويلة،ووصل بثها إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا وافريقيا وأمريكا الشمالية واستراليا،وبلغ عدد مستمعيها إلى 250 مليون شخص.
كانت الجزائر أول دولة تفتح مكتب لحركة فتح في العالم عام 1964، وهي أول من فتح مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية مع الصفة الدبلوماسية الكاملة.
كانت ولا زالت الجزائر أكثر الدول في العالم التي تقدم منح دراسية للطلبة الفلسطينيين وفي كافة المجالات والتخصصات.
يسجل للجزائر أنها أول دولة تعترف بدولة فلسطين حينما اقر المجلس الوطني الفلسطيني إعلان الاستقلال،وكانت هذه الدورة منعقدة في الجزائر.
يحسب للجزائر التزامها الكامل -وربما هي الدولة العربية الوحيدة- بتقديم المساعدات الدورية للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ليتمكن من بناء دولته وبنيته التحتية.
يكفي أن نقول خلاصة لهذا الموقف الجزائري مقولة الرئيس العظيم هواري بومدين حينما قال""أن استقلال الجزائر ناقص بدون استقلال فلسطين"
أن تحيــا الجــزائــر
إلى شهداء وشهيدات حرية الجزائر
مع أمنيات صادقة للشعب الشقيق باجتياز
آلام البناء، والنمو، والاختيارات الصعبة
كما إجتاز من قبل آلام الولادة الضـارية
وأن تسترد الجـزائـر عـافيتها ودورها،
مثلما استعادت بالثورة روحها وذاتها وإرادتها ووطنها
لم يلحظ "البيركامو" الشبه بين سلوك "ميرسو"، بطل قصته "الغريب"، وسلوك بلده فرنسا إزاء الجزائر.
أطلق "ميرسو" النار على العربي لسبب سخيف: لأنه وقف بحيث حجب عنه ضوء الشمس! مثلما احتلت فرنسا الجزائر بدعوى أن حاكمها "الداي حسين" أهان مبعوثها!؟
ومثل "ميرسو" –الذي لم يشغله موت أمه، بقدر ما انشغل بوقت وصول البرقية التي أبلغته بذلك، كانت فرنسا ميتة الإحساس إزاء مصير الجزائر, فيما انهمكت بدأب متواصل بقتل شخصيتها الحضارية ونهب ديارها وثرواتها.
لكن فرنسا لم تكن غريبة شأن "ميرسو" "كامو" الغريب". وحادثة مبعوثها الذي لطمه "الداي" بمنشة كما قيل، لم تكن سوى ذريعة لقرار إتخذ فتم إنفاذه. وما من جدوى ترجى من "السؤال" عن مدى "مشروعيته" أو "ملائمته" لشعارات ثورتها: (الحرية، الإخاء، المساواة)، أو "علاقته" بفكر "عصر الأنوار" وعقلانيته.
فـ"القوي عايب" كما يقول أهل حوران
و"السؤال" –إستفهامياً كان أو إستنكارياً- يليق فقط بالطيبين البلهاء الذين نشهد أمثالهم في أيامنا يحتجون (بغضب) على (ازدواجية معايير) أميركا وتعارض أفعالها مع مزاعمها عن حقوق الإنسان والديمقراطية ,
فمثلما لا تتغير طبيعة الذئب باختلاف لونه، ظلت فرنسا أمينة لغريزتها وشهيتها التوسعية الاستعمارية في كل العهود: الملكية والجمهورية والإمبراطورية
وهي شهية نلحظ علائم الحنين لها تطل من عيني رئيسها "نيكولا ساركوزي" الذي اكتشف أهمية وضرورة "الدور الفرنسي في العالم" بالتعاون مع أميركا
كان غزو الجزائر في العام 1830م، هو الغزو الثاني الذي تقوم به فرنسا لبلاد عربية بعد غزوة مصر النابليونية المخفقة عام 1798م. وشيئاً فشيئاً بسطت احتلالها على الأرض الجزائرية ودفعت إليها تباعاً بالمستعمرين الذين استولوا على أخصب الأراضي الجزائرية، فحولوا معظمها إلى كروم عنب على شرف صناعة "النبيذ"
وإذ أعلنت فرنسا أن الجزائر قطعة منها، فقد عملت كل جهدها لمحو شخصيتها الحضارية (العربية- الإسلامية)، بالتدمير المنهجي لمدارس ومراكز التعليم العربي، وبفرض اللغة والثقافة الفرنسية على البلاد: لتأبيد بقائها من جهة، ولقطع تواصل الجزائريين مع مجالهم الطبيعي: العربي-الإسلامي
ولئن كان ممكناً –وقد حدث هذا ويحدث بالفعل- تصنيع وإستنبات قادة، وحكومات، وأحزاب، وحتى "دول"، بقرارات يفرضها الأقوياء، فإن الأمم وهوياتها وشخصياتها الحضارية أمر آخر لا يمكن تلفيقه بقرارات
فالأمم وشخصياتها الحضارية تتكون في سياق تفاعل مركب مديد: تاريخي، روحي، ثقافي، اقتصادي، جغرافي... وتنشأ وتنمو في الفضاء الطلق للحياة المشتركة, لا في مختبرات ودفيئات المهيمنين
لذلك، وبرغم إمكانياته المحدودة وضعف وخذلان "الدولة العثمانية" له، قاوم الشعب الجزائري (بعربه وأمازيغه) المستعمرين محبطاً محاولاتهم لتفرقته وتمزيقه. وتواترت ثورات وانتفاضات أجياله ومناطقه المختلفة خلال القرن التاسع عشر ذوداً عن الهوية والحرية والوطن
ويحتفظ التاريخ بذكريات ناصعة لثورات: "الأمير عبدالقادر" و"الشيخ الحداد" والمتصوفة "لالا فاطمة" (السيدة فاطمة) التي أطلق عليها بعض الفرنسيين اسم بطلتهم القومية في الحرب ضد الإنجليز، فلقبوها بـ"جان دارك" القبائل
وبنتيجة التفوق الاستعماري الساحق، والخسائر الفادحة التي لحقت بالجزائريين، وتردد وتقاعس وتواطؤ بعض فئاتهم، هزمت فرنسا أخيراً المقاومة. ومر وقت قبل أن يرمم الشعب بعضاً من قواه ويستأنف الجهاد، فتأسست الجمعيات والمنتديات والمدارس والصحافة والأحزاب السياسية التي كرّس معظمها لمواجهة الفَرْنَسَة، ولبعث وإحياء روح وشخصية الجزائر التي عبّر عنها ولخصها رئيس "جمعية العلماء المسلمين في الجزائر" الشيخ: "عبد الحميد بن باديس" ببيت الشعر الشهير
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
نعم والف نعم الجزائر ثورة وتاريخ
لكن المراهنات على حل سلمي عادل للقضية الجزائرية، والآمال المعولة على استجابة فرنسا للمطالب الوطنية للجزائريين، تبددت المرة تلو المرة. وكان جزاء نصرتهم لفرنسا الحرة خلال الاحتلال النازي لفرنسا، ومشاركة بعض من أبنائهم في مهمات الجيش الفرنسي، هو الإصرار المتعجرف على "فرنسية الجزائر" وعلى المعاملة الاستعلائية العنصرية التمييزية بحقهم
وسقط عشرات الآلاف منهم ضحية للقمع الوحشي للمظاهرات والمسيرات التي انطلقت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية منادية بالحرية والعدالة
ولما كانت الحرب العالمية الثانية قد انهكت الإمبراطوريتين الاستعماريتين: (بريطانيا وفرنسا) فقد تحفزت الشعوب المُسْتَعْمَرَة للنضال التحرري، فظفرت تباعاً باستقلالها: سورية ولبنان، الهند وباكستان، كوريا، الصين، ومصر التي عززت ثورة 1952 من استقلالها وتوجهاتها التحررية العربية
وكان لهزيمة فرنسا في معركة "ديان بيان فو" -1954- الفاصلة في فيتنام، أصداؤها القوية في عقول وقلوب الشباب الجزائريين الذين كان تيار منهم قد تبيَّن عقم وعبث الكفاح بالوسائل السلمية، فحسم أمره وشرع بالإعداد للسير في الطريق الوحيد الممكن لخلاص الجزائر وتحقيق استقلالها وبناء دولتها السَّيدة
وفي الفاتح من نوفمبر –تشرين الثاني 1954- دوّى الرصاص المُحرر لـ"جيش التحرير الوطني" في مواقع متعددة من الجزائر، معلناً إنطلاق الثورة وولادة إطارها السياسي "جبهة التحرير الوطني" التي أذاعت بيانها الأول المحدد لمبادئها وأهدافها
ومثل الرصاص المبشر بالحرية، تعالى النشيد الوطني للشاعر (مفدي زكريا) الذي إحتضنته الأمة العربية كلها ورددته بعزم
قسمـاً بالنـازلات المـاحقـــات
والدمـاء الزاكيـات الطـاهـرات
نحـن ثـرنـا فحيـاة أو ممـات
وعقـدنا العـزم أن تحيـا الجزائر
فـاشهدوا.. فـاشهدوا.. فـاشهدوا
لم تمض ثمانية أعوام، حتى كانت الثورة قد وضعت خاتمة أطول استعمار عرفه العرب في تاريخهم الحديث ودام 132 عاماً
وفي تموز –يوليو 1962 أنجزت الجزائر استقلالها بعد آلام ولادة رهيبة، لتبدأ من بعد رحلتها الصعبة مع آلام البناء، والنمو، والاختيار، والتحول، والحياة
جبال الآوراس لا ترحل أبداً
ثورة الشعب الجزائري, التي انطلقت في نوفمبر عام 1954, وحققت إنتصارها التاريخي في الخامس من يونيو عام 1962, تضيء اليوم شمعة انتصارها الثامنة والأربعين.
ثورة الجزائر, شكلت حالة شاملة من الإلهام ليس فقط في محيطها العربي, وخاصة في فلسطين التي استلهمت في مسيرتها الصعبة روح الثورة الجزائرية!! بل أن هذا الإلهام الجزائري إمتد إلى الوطن العربي من المحيط إلى الخليج, وامتد إلى أفريقا من شمالها إلى جنوبها, وإمتد إلى كل مكان في هذه الدنيا الواسعة, حيث يحلم الناس بأن ترسم أصابعهم علامة النصر التي رسمها الجزائريون, بكفاحهم البطولي, وملاحمهم الخارقة, وإبداعاتهم العليا, وصبرهم النبيل, وطموحاتهم التي يستحقونها بأنهم أمة تعلو هامتها وهمتها لتصل إلى ذرى جبال الآوراس السامقة.
هل هناك حركة تحرر بالعالم لم تقرأ التجربة الجزائرية, ولم تردد النشيد الجزائري, ولم تسلتهم الروح الجزائرية, ولم تستند في مسيرتها إلى اليد الجزائرية الشجاعة؟؟
بالنسبة لنا في فلسطين, فأن الجزائر هي التي أطلقت النداء الخالد, على لسان الرئيس الشهيد هواري بو مدين, بأن الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة!!, لان الجزائريين اللذين خاضوا غمار الكفاح في أقسى حلقاته, وفي اعنف أطوره, وفي أغلى ضحاياها, تعلموا الحكمة المقدسة, بأن من يخوض مرارة الكفاح ليس مثل من يتفرج عليه!!, ولذلك ظلت الجزائر دوماً حضناً دافئاً لفلسطين, وسنداً قوياً لفلسطين, و ساحة أمان وعون لفلسطين, ومصدر إلهام للفلسطينيين بأنه مهما إدلهم الخطب, وتضاعفت صعوبات الطريق, فأن الفجر آت لا محال وإن النصر يتلألأ هناك في نهاية الطريق.
لم تكن الجزائر منكفئة على نفسها ذات يوم, لان جبال الآوراس أعلى هامه من الانحناء او الانكفاء!!, بالجزائر في كفاحها البطولي في سنوات الثورة كانت منارة للآخرين, وفي إنتصارها كانت عوناً وعطاءاً ونموذجاً يحتذي, وحلماً يضيء القلوب.
ولهذا كان خوف الأعداء منها كبيراً, وتوجسات القوى المعادية لحرية الشعوب لا تهدأ عند حد, فأنفتح في لحظة صادمة من الزمن جرحها الكبير الذي نزف أطهر الدماء, ولكن الشعب الجزائري بروح الثورة المتغلغلة فيه, كان هو الأقوى, والجيش الوطني الجزائري أبن الثورة الشرعي, كان هو السياج الأقوى الذي يحمل حديقة الوطن المقدسة, بل إن ميراث الثورة ظل هو الحاضر دوماً في العقول والقلوب, وروح الوحدة الوطنية, ظلت هي لحمة النسيج الوطني, والإيمان بالجزائر القوية القائدة هو أول الكلام وأخر الكلام.
نفرح بالجزائر التي تلهمنا مشهدنا القيامة المتجددة, وتجدد إنتصارها بأكثر من معنا, وتتعاقد مع المستقبل, وترسل لأمتها العربية والإسلامية, محيطها الإفريقي, وأفقها العالمي رسالة أمل, وبناء ورفاهية, رسالة مصالحة ووحدة متينة, رسالة إنفتاح بأن الشعب الذي أنجز الثورة العظيمة وحقق إنتصار خالد لا يمكن ابدأ أن يغرق بالظلام, رسالة ندية وإعتزاز بأن الأمة التي قدمت على مذبح الثورة مليون ونصف المليون من الشهداء, لا يملى عليها أحد, أين تقف أو كيف تفتح نوافذها على الزمن القادم.
تحية للشعب الجزائري في ذكرى إنتصار ثورته الكبرى ملهمه الثورات في بقاع الأرض, الروح القوية التي ساندت كل طامح من أجل الحرية, وفي ذكرى إنتصار الثورة الجزائرية, نصعد إلى قمم الآوراس, نرفع علم الجزائر, ونرى حين نفعل ذلك أن العالم يصبح أفضل.
دروس للمقاومة الفلسطينية
في ذكرى انطلاقة الثورة الجزائرية
قبل نحو نصف قرن استطاع شعب الجزائر تسطير واحدة من أعظم انتصارات شعوب العالم، حينما تم اعلان استقلال الجزائر بعد ثورة استمرت نحو ثماني اعوام، جسد فيها شعب الجزائر نموذجا للفداء اثار اعجاب العالم كله ، ومثلت هذه الثورة تاريخا جديدا من تواريخ مقاومة الشعوب ضد جلاديها. واتضح أن هذا الشعب الباسل بتضحياته وصموده قد وضع النهاية الطبيعية لواحدة من ابرز وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، ودفع فرنسا على التسليم بهزيمة مشروعها الاستعماري الذي امتد نحو مائة واثنين وثلاثين عاما، استمرت عبرها محاولات طمس الهوية القومية للجزائر، وتشويه عمقها الثقافي الاسلامي، في محاولة لتكريس و تأصيل تبعيتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.لكن ارادة الجزائريين انتصرت على الرغم من تباين موازين القوى والامكانيات والادوار ، بين فرنسا ذات التاريخ الامبراطوري الكولينيالي، وأحد أهم اركان حلف الاطلسي، وبين أحد شعوب العالم الثالث، التي سعت فرنسا الى اغراقها يالتخلف والجهل. علما ان فرنسا حينما غزت الجزائر سنة 1830 كانت نسبة الامية في فرنسا أعلى منها في الجزائر، كما يؤكد ذلك عدد من الباحثين والمؤرخين.
لقد ارادت فرنسا في اطار مشروعها الاستعماري للجزائر الحصول على حظوظها الاستعمارية التي سبقتها إليها انجلترا واسبانيا والبرتغال وهولندا.حيث كان الدافع الاقتصادي هو المحرك الرئيسي لذلك. ولقرب الجزائر من فرنسا غدت ملجأ لالوف متزايدة من الايدي العاملة الفرنسية الباحثة عن العمل، والتي اختصت بأخصب الاراضي. ولاضفاء المشروعية على العملية الاستعمارية اصطنعت مقولة "استرداد الجزائر"
لقد نجح مجاهدو الجزائر في فرض صيغة استقلاله بعد اقل من ثماني سنوات بعد الفاتح من نوفمبر 1954، بعد ان تبنى قادة الثورة الجزائرية خطوطا انضباطية لحالة الصراع والاختلاف الداخلي،في سعي محمود لتعزيز وحدة الصف الوطني الداخلي طوال سنوات الجهاد الثمان، برغم كل عمليات اغتيال وتصفية رفاق الدرب ومسلسل محاولات التآمر الداخلية والخارجية يومذاك، ولم تتفجر الصراعات الداخلية فيما بين اجنحة الثورة لتبلغ مرحلة التصفيات والغرق في التناقضات الثانوية او الولوج في مرحلة"الاحتراق الذاتي" في وقت المواجهة مع العدو الفرنسي المستعمر،وهو الدرس الاول والاستراتيجي في تجربة الثورة الجزائرية.
لقد انحازت الجزائر في صراعها ضد الاستعمار الفرنسي الى عمقها القومي متجاوزة بدلك الانغلاق القطري ومتمسكة بهويتها القومية الاسلامية والعربية ،وقد كان هذا الانفتاح والتلاحم من الاسباب التي مكنتها من تحقيق انجازات مؤثرة في صراعها ،وهو الدرس الثاني الهام الذي نتعلمه من تجربة الثورة الجزائرية .
لقد انطلقت الثورة الجزائرية في توقيت محلي ودولي مناسب،ففرنسا كانت تعاني من الحرب الضروس في الهند الصينية،وكانت تعيش مرارة تداعيات الحرب العالمية وهزيمتها من الالمان،والمغرب العربي يعيش حراكا سياسيا نشطا،وثورة عبدالناصر القومية التي الهمت العرب ورفعت معنوياتهم،فقد ساعدها دقة التوقيت وموضوعيته في تحقيق إنجازات عسكرية وسياسية، وفرضت على ديغول التوجه للمفاوضات والوصول إلى تسوية تنقذ ما يمكن إنقاذه من علاقات اقتصادية وثقافية مع الجزائر المستقلة.وهو الدرس الثالث الذي يبين ضرورة ان تتجاوز ثورة شعب وتقرير مصيره عملية الانفعال الى تبني خطوات محسوبة ومدروسة.
و في شباط/ فبراير 1955 تشكلت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي شارك في تشكيلها ممثلو كل من: جمعية العلماء برئاسة الشيخ محمد البشير الابراهيمي، وجماعة مصالي الحاج، وحزب البيان برئاسة فرحات عباس، واللجنة المركزية المنشقة، وثلاثة من قادة جيش التحرير الناشىء في الجزائر: احمد بن بللا، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد. وقد تم توقيع اللائحة الداخلية لجبهة التحرير من الجميع تأكيدا لالتزامهم بمنهج المقاومة بقيادة جيش التحرير. وبتشكيل الجبهة من أبرز الأحزاب الوطنية أمكن الحيلولة دون نجاح الدعوة الفرنسية للتهدئة من خلال الأحزاب وفي الوقت ذاته احتفظ جيش التحرير بوحدة البندقية الجزائرية،وهو الدرس الرابع التي تعلمنا اياه هذه الثورة العظيمة.
اما الدرس الخامس الذي تقدمه لنا الثورة الجزائرية ،فهو يتعلق بادارة مفاوضات سياسية لا تبدو فيها عملية السلام كوجه اخر من الهزيمة،بل امتدادا لفكرة الثبات والصلابة التي كانت بقدر ثبات المجاهدين وصلابتهم،وباعتبار ان العمل السياسي لا يعني التفريط بالثوابت وبالقواعد العامة،ولا تعني بحال تجاوز تضحيات الجزائر يتقديم تنازلات استراتيجية،فقد لجات الثورة الجزائرية للتفاوض كاحد خيارات المقاومة،وليس باعتباره خيارا استراتيجيا لا تحول عنه،وهو ما استطاعت الثورة الجزائرية في أواخر فبراير 1962 بعد جولة من المفاوضات انتهت بالاتفاق على اعتراف فرنسا باستقلال الجزائر وسيادتها الكاملة على اراضيها ووحدة ترابها .
ان قراءة الثورة الجزائرية تستوجب منا كفلسطينيين الاستفادة منها،والاخد باسباب نجاحها،والتعلم من سياق تطوراتها التاريخية في شقيها العسكري والسياسي،وتجاوز الاخفاقات التي تعيشها حركة المقاومة الفلسطينية حاليا،خاصة مع حالة الانقسام الوطني الفلسطيني،وتشتت الجهود الحزبية في صراعات جانبية استنزفت القدرة الفلسطينية والجهود الثورية مما ادى الى تجميد جبهة المواجهة مع العدو الصهيوني ومنحه راحة يعيد فيها بناء هجمات جديدة على الشعب الفلسطيني.
نعم والف نعم الجزائر ثورة وتاريخ
على درب الجزائر
نكابد ما كابدتم ونقاوم ما قاومتم ،
جئناكم ونحن ندرك أنكم الأكثر دراية بهمومنا، فقد كابدتم الاستعمار الاستيطاني ورفضتم محو تاريخ بلدكم وانتزاعها من محيطها العربي وثقافتها الممتدة في التاريخ.وقاومتم بنجاح آلته الحربية الغاشمة، قدمتم خلال المقاومة اشرف أبناء شعبكم على مطهر الشهادة، فكلما ذكر اسم الجزائر يمر في الخاطر طيف جدنا المعري ينشد:
خفف الوطء ما أرى أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
سر إن استطعت في الهواء رويدا لا اختيالا على رفات العباد
قاومت الجزائر محاولات محو تاريخها، ويقاوم الشعب الفلسطيني أيضا محو تاريخه.ومحاولة محو التاريخ العربي في فلسطين تكمن خلف كل المجازر و أعمال الهدم و التهجير و التخريب التي تضعها إسرائيل على جدول أعمالها.
ولم تواجه الجزائر قوة استعمارية واحدة ، بل تكتل قوى استعمارية ، وتواجه فلسطين تكتلا من الدول يسترشد بالمسيحية الأصولية الساعية ل " تصوير الكتاب المقدس " فاثبت باطن الأرض الفلسطينية انه خال من أي معلم لتوراتية فلسطين .فشلت أبحاث التنقيب في العثور على ما يسند مزاعم التلمود ، كاثلين كاينون ، كيث وايتلام ، صاحب كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة وإسكات التاريخ الفلسطيني " سنة 1996، ثم بروفيسور حضارة الشرق القديم بجامعة تل أبيب ، زئيف هيرتسوغ ، أكدوا مع آخرين أن كل شيء مختلق ، ولم يتم العثور على شيء يتفق و الرواية التوراتية .هذا بعد أن انفرد علم الآثار الإسرائيلي – الأمريكية بتزييف المكتشفات الأثرية طوال قرن من الزمان و "تصوير الكتاب المقدس " ومزاعمه التي رددت قبل قرنين من تشكيل الحركة الصهيونية.فالصهيونية ،سياسة وفكرا حاجة ضرورية للهيمنة الامبريالية على منطقة الشرق الأوسط ، ورغم النتائج المخيبة لآمال الاستيطان الاستعماري تعوض إسرائيل فراغ المقدس بعمل الجرافات والصواريخ والقنابل الفسفورية .
من يشك أن الاستيطان الصهيوني في فلسطين ليس من طينة الاستيطان الفرنسي في الجزائر ؟ ومن يظن أن الصهيونية قصرت كيدها على فلسطين ؟ الم يغتل الموساد الإسرائيلي المناضل الجزائري محمد بودية ، ومن ينسى هبة الثوريين الجزائريين انتصاراً لجمال عبد الناصر عندما خاطب رئيس حكومة فرنسا "أتركك لشعب الجزائر يؤدبك" فوجهوا ضربات موجعة لجيش الاحتلال ، كسرت غطرسة فرنسا الاستعمارية ؟ في أوج عربدة الفاشيين من ضبط الجيش الفرنسي كان تعفن جثث الأبرياء الملقاة في الشوارع رمزاً لتعفن الرأسمالية الامبريالية ، كما قال كاتب جزائري آنذاك واليوم ترمز ممارسات إسرائيل للتوحش يغشى الكون بأجمعه .
ولكننا نذكر بالامتنان الكبير أولئك الذين وقفوا بجانبنا من جميع الأعراق و الأديان يناهضون الوحشية الإسرائيلية في عدوانها على غزة تكرار لما فعلته في لبنان، نحن نحيي جميع الأشقاء العرب ومنظمات حقوق الإنسان والقوى الشريفة التي وقفت مع و خلف تقرير غولدستون وأيدت قرار محاكمة المسئولين الإسرائيليين ممن خططوا للمجزرة الشرسة، لقد عرفنا من التدافع حول تقرير غولستون إننا لسنا وحيدين في كفاحنا .
فيا أشقائنا الجزائريين نحن نمضى على خطاكم ونسترشد بمآثركم يوم نجحتم في الحفاظ على وحدة قواكم فكسرتم بضرباتكم ظهر الاستعمار الاستيطاني وحررتم دياركم مدعومين من قوى الحرية والتقدم في العالم.وكما انتصر نضالكم سوف ننتصر .إن ثقافة التحرر ينبغي أن تبرز نزعتها القومية الديمقراطية ، وأن تنفتح على الثقافة العربية الوطنية في أمصارها كافة ، فتحية من القدس إلى شقيقتها الجزائر التي كانت ولازالت خير نصير وداعم للقدس وقضيتنا فذاكرتنا حية بكم و بنضالكم و انتم من احتضن إعلان استقلالنا الوطني على أرض المليون ونصف مليون شهيد فطوبى لكم و طوبى لنا بكم أيها الأشقاء الأعزاء.
واليوم بات على الثقافة الفلسطينية أن تنهض بعبء الحفاظ على عروبة فلسطين وتعزيز روابط التضامن العربية و العالمية، إن ثقافة المقاومة الفلسطينية مناهضة للتوحش والفاشية العنصرية.وخلال التصدي لمشروع المحو الوحشي كان لابد لفلسطين أن تتبلور فكرتها من أشواق النضال من اجل الحقيقة و العدالة و مناهضة العنصرية، وكان لابد لثقافة
مقاومة العنصرية المتوحشة أن تكتسب مضامين إنسانية ديمقراطية تحريرية ومنفتحة على الحضارة حوله، روابط التضامن العربي و الدولي وكما أكد شاعرنا محمود درويش ، بات على الفلسطينيين أن يلتزموا بالتفوق الأخلاقي على خصومهم ، دين على الثقافة الفلسطينية أن لا تخوض في وحل العنصرية ، وان تحض على تقليد أساليب التوحش الإسرائيلي .ففي تجنب العنصرية و الفاشية يكمن خلاص الشعب الفلسطيني و اختراقه لحائط الكراهية المشيد حوله، واستعصاؤه على الاندثار.
نحتفي وإياكم بالقدس عاصمة أبدية للثقافة العربية و على مر السنين كما أسميتموها في الجزائر، هذه المدينة مدينة السلام، عاصمة الأرض والسماء و الأنبياء ومدينة الله في الأرض.هي لنا ولكم وهي عاصمة الدولة الفلسطينية.
رافعة جراحنا وآلامنا وأمل حياتنا التي نحب وكما قال درويش عن القدس.
نحب الحياة ما أستطعنا إليها سبيلا
وفي بلادنا لنا ما نزرع ولنا ما نعمل ونحصد
وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة
كرمة في شارع الشهداء
من يقطع الطريق إلى حيث تقع إدارة وهيئة تحرير صحيفة الشعب لابد أن يمر من شارع الشهداء بالجزائر العالية، أين تقع أهم مؤسسات الإعلام الوطني الجزائري الرئيسية من إذاعات محلية ووطنية وقنوات تلفزيونية أرضية وفضائية. ومن يمر من شارع الشهداء لا بد أن يستذكر واحدة من أهم معارك استكمال السيادة الوطنية لتحرير واسترجاع منشئات وقطاع الإذاعة والتلفزة الجزائرية بعد أن تركها المستعمرون وهربوا من غير رجعة غداة استقلال الجزائر، تبعتها معركة سيادة الحرف العربي وعودته إلى صدر صفحات الإعلام الصحفي الوطني بلغته الوطنية، ممثلا بصدور صحيفة الشعب الغراء.
ظلت الشعب وفية لعنوانها، ولدماء شهداء الجزائر والأمة العربية، ملتزمة بعنوانها وبخطها الافتتاحي كقلعة من قلاع جزائر التحرر والثورة والبناء، صحيفة الشعب صوت ورباط وقلعة للصمود الوطني والقومي والإنساني تصدرت كل المراحل مجاهدة ضد كل أشكال الظلم والاستبداد والقهر الاستعماري. لا يمكن أيفاء صحيفة الشعب الجزائرية حقها من خلال عمود أو مقالة فهي بذاتها عنوان المقالات كلها، وتاج الأعمدة الصحفية، عميدة الصحف، وهي الطود الأشم لعلاء الكلمة الحرة المجاهدة في هذه الربوع الطاهرة.
وفي الشعب، ومنذ أن أعلنت الجزائر بصوتها النضالي المعهود: أن القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية كانت الشعب وإدارتها وطاقم تحريرها سباقة ورائدة بأن غرست في تربتها وفي طيات قلبها النابض ملحقها الأسبوعي ( الشعب المقدسي) بالتعاون مع اللجنة الإعلامية للقدس بالجزائر. نشأ هذا البرعم في روضة الشعب وصار رسالة وعنوانا تنتظره القدس وحواضر فلسطين وقراها كمواعيد الربيع وعودة الأبناء وترحاب الأعياد وبشائر النصر واستذكار أنفاس شهداء الوطن التي تزكي بها رياض المعرفة والثقافة والصمود المقدسي.
الشعب المقدسي فسيلة نشأت في كنف شجرة الشعب الجزائرية، صارت عنوانا يمتد فخور الخطى في شارع الشهداء وأعالي البهجة، هو كرمة من القدس، عالية العرائش بفخر الجزائر وشموخ الشعب وسمت الثورة والانتصار.
وثيقة الروح
استقلال الجزائر
الحضارات أوانٍ مستطرقة, لا يكفي أن تتسم بالقدرة على البطش والإفساد, هذا إن لم يكن هذا عينُه دليلَ همجيتها, وشفيعَ نزعِ السمة الحضارية عنها, فهكذا كان المغول والتتار رغم ما فعلوا من بطش وحرق وتدمير, فقد انتهوا وذابوا وتبخّروا مع الأثير, "فهل تُحسُّ منهم مِن أحدٍ أو تسمعُ لهم رِكزا", فكان لابد من فصلٍ أخير تستعيدُ فيها الأمورُ سياقَها بفطرة الأشياء المجبولة على الحرية, ورفضِ الظلم والاستغلال والعبوديّة, وهو دأبُ الذّرّات والكائنات الحيّة, وهي نفسُ الحرّيّة الكامنة في المجرّات, وهي نبضُ القلب وفسحةُ الروح وشرطُ الحياة.
ولِذا فإنَّ المساسَ بها يعني بداهةً انتفاءَ شرط الوجود الأوّل, وهل يُمكن أسرُ البحرِ والسماء, فكيف إذن بما طواهما وَوَسِعَهُما, وسعى لِلـ ما وراء, أقصدُ روحَ الإنسان, فكيف إذا كانت هذه الروحُ ذاتَ سماتٍ حضارية متميزة ومستعلية ومتفوقة على الغازي المستعمِر, وذاتَ شأنٍ وتاريخٍ وثقافةٍ مستنيرة أبيّةٍ, ومستعصيةٍ على الدّنِيّة,
لكنّ الغريبَ أنْ يكونَ هناك مَنْ يُفكّرُ ويحلم ويخطّط ويَسعى للنهب والسرقة والظلم واستعباد الشعوب ونهب خيراتها وحرمان أهلها من أملاكهم وتوزيعها على أفراد العصابات الوافدة من ما وراء البحار, أيُّ نفوسٍ هي تلك النفوس, وكيف يُمكنُ أنْ يقرَّ لها قرار, وهنا, في هذه الديار, يتماهى الإنسان بِحُرّيّةِ الصحراء, ولا يحدُّه البحرُ, وهو الذي ركبه, وجعلَه لُعبتَهُ, والجبلُ أحدُ تضاريس روحه, مداهُ لا نهايةٌ, وأفقُه الفضاء, وبيتُه العتيقُ حدُّ شوقِه, وقدسُه معراجُه إلى السماء, فما تقولُ فيمن افترى وجاء؟, غيرَ الظلامية والجهل والغباء,
لكنّه قد جاء, ومنذ يومه الأول ابتدأ الفساد ولإفساد, بجرعة زائدةٍ لعلها تحسمُ الأمور وتصلُ الرسالةُ وتنكسرُ الأرواح وتستسلمُ النفوس ويطيبُ له ولها المقام, لكنّ هذا اليومَ الأول طال واستطال لأكثر من خمسين عاماً في إشارةٍ ذات دلالة إعجازية, بل لم تهدأْ لحظةً واحدةً مظاهرُ الرفض والإباء, وعمد الشعب إلى تخزين ومراكمة وتطوير وإبداع أدواتٍ تعجزُ بصيرةُ العميان عن إدراكها, وقد حجبَتْها عنهم قراءتُهم الآثمة لمعنى الحياة, وعمدوا ـ وقد ظنّوا أنْ قد استقرَّ الحال ـ إلى الإيغال في الضلال, بإلحاق الجزائر حديقةً لخدمةِ السّيّدِ المُختال, وإلغاءِ هويتها وذاتِها وكرامتها وشخصيتها وملامحِها الحضارية, جاهلين بعمى البصر والتقدير والبصيرة أنّه بكثيرٍ قبل العصور الغربيّةِ والتنوير, كان هنا امرأةٌ متنورةٌ بحجم زنوبيا وكليوباترة وذكاء وفطنة وحكمةً بلقيس, تقودُ الجيوش, وتسوسُ النفوس, ديهيا الجميلة, الكاهنة الجزائرية الأمازيرية, والتي تواصلَتْ في مسامات التاريخ إلى أنْ رأَوْها بأمِّ أعينهم مجسَّدةً في لالّة فاطمة نسومر التي وُلدَتْ في نفس العام الذي وطئوا فيه شاطئ سيدي فرج, الطاهر الشريف, وهي أختُ العالم سي الطاهر, وهي ربيبة العائلة المتعلمة, وهي العالمة المتفقهة وبنتُ الزاوية الرحمانية, وبنتُ سيدي محمد بن عيسى مقدم زاوية الطريقة الرحمانية, وأمُّها لالة خديجة التي منحَتْ اسمَها للجبال في جرجرة, فلعلهم لا يدَّعون أنهم جاؤوا إلى هنا في مهمَّةٍ حضاريّةٍ تعليمية, وقد علَّمَتْهم لالة فاطمة دروسَ البطولة والحنكة والفروسيّة والدراية في إدارة المعارك, إذ لم يكونوا أهلاً لِتُعَلِّمَهم دروسَ الحكمة والتصوف والأدب, وأوقعَتْ بهم وبجنرالاتهم هزائمَ نكراء, كان منهم الجنرالان زوندوف ويوسف التركي, وقتلتْ الخائنَ الجودي بيدها, وأنقذَتْ من الموت المحقَّقِ زميلَها في السلاح الشريفَ بوبغلة, وقد تواصلتْ هجماتُها وانتصاراتُها بنواحي يللتن والأربعاء وتخجلت وعين تاوريج وتوريرت موسى, حتى جاء الجنرال روندون وجنَّدَ جيشاً من خمسة وأربعين ألف رجل معززاً بدعم قوات الجنرال مكمهون التي جاءت من قسنطينة, وكان المشهدُ الذي يُلَخِّصُ الحكايةَ حين التقى الجمعان واحتدمَ السيفان, وبرزَتْ لالة فاطمة نسومر في مقدمة الجمع كأبهى ما يكونُ المعنى في لباسها الحريري الأحمر, ولم ينتِه الأمرُ إلا بمفاوضاتٍ واتفاق, ثُمّ غَدْرٍ {كالعادة} مِن السلطاتِ الاستعمارية, فقد أُسِرتْ رغم الاتفاق, وأُبعِدَتْ, إلى أنْ وافتها بعد سبعِ سنواتٍ المنيّة, وقد كان كلُّ هذا وعمرُها ثلاثٌ وثلاثون سنة ميلاديّة,
وهل كان يمكنُ لأولاد قلعة سلامة حيث اعتزل ابن خلدون ليكتبَ مقدمتَه, أن يقبلوا بالضيم, وهل توقَّعَ المستعمِرُ أنَّ أحفادَ عُقبة سيقبلون لحظةً واحدةً ويستسلمون ويسلِّمون, كيف وأجدادهم قد جابوا البحارَ وما وراء البحار لتحريرِ الأقوام, من ربقة العبودية والجهل والظلام, دونما طمعٍ في نهب واستغلال أو استعباد, فهم الذين فتحوا الأندلس, ووهبوها للنور والحرية والمجد, فعشقَتْهم الأماكنُ وتعلَّقَتْ بهم, واستعارت أسماءهم ومجدَهم, فأصبحَ الجبلُ أحَدَ آثارِ طارق, والمضيقُ ملحقاً به,
فمَنْ هؤلاء إلا أحفاد هؤلاء, فلو تصوَّرْنا أنَّ طارق بن زياد سيقبل بالعبودية, لَتَحَطَّمَ الجبلُ واختنقَ المضيق, فكان كلُّ الجزائريين طارق, وكانت كلُّ الجزائريات لالة فاطمة نسومر, وما حسيبة وجميلة إلّا عيناتٍ ماجِدات,
وقد ركَّز المستعمِرُ جهدَه على المرأة, وقد عبَّأت قوى الاحتلال لمعركتها على المرأة أغزر مواردها وأكثرها تنوُّعاً, ووضعَ نظريةً سياسية محدّدة "إذا أردنا أن نضرب المجتمع الجزائريَّ في صميم بنيته وفي قدراته على المقاومة فيجب علينا قبل كل شيء كسبُ النساء", وإذا كانت "البنات مرايا البلاد على القلب", كما يقول محمود درويش, فإنها تصبح شارتَه ورمزَه ومغلاقه ومفتاحه, وباختصار كُلُّ الوطن, ولهذا وكما يقول فرانز فانون؛ "إنَّ هناك عدائيةً متبلورةً تتجلَّى في درجة العنف لدى الأوروبي إزاء المرأةِ الجزائرية, فنزعُ الحجاب عن هذه المرأة هو كشفُ جمالها للأنظار, وهو هتك سرِّها,وتحطيمُ مقاومتها, وجعلُها رهنَ الإشارة للمغامرة, وإنَّ إخفاءَ ا