صفحات من نضال حزب البعث العربى الإشتراكى في ليبيا - ابراهيم عميش
صفحات من نضال حزب البعث العربى الإشتراكى في ليبيا
من محتويات كتاب "التاريخ السياسى ومستقبل المجتمع المدنى فى ليبيا
بقلم: ابراهيم عميش
لما كان عنصر العاطفة في التكوين القومي للأمة؛ هو الشعور المُشترك بحياة واحدة ومصير واحد ورسالة واحدة؛ تقوم دعائمها على عملية تاريخية طويلة، ومتراكمة، تُشكل الوعي القومي بوحدة المصالح والمصير وتتفاعل فيها الأجيال المُتعاقبة وتتوارث خلالها المفهوم الاجتماعي السياسي الثقافي المشترك للهوية القومية ؛ فإن الأمة العربية الممتدة رقعة استيطانها الجغرافي من المحيط إلى الخليج، هي أمة عربية واحدة لها صفاتها المميزة سوسيولوجياً بما لم يتوافر لغيرها من الأمم في مختلف العصور وإن جُزأت بفعل مؤامرات الاستعمار والصهيونية، القديمة والجديدة المُستمرة، لذلك… ولأسباب أخري كثيرة؛ لا يُمكننا أن نقفز فوق مسار التاريخ لنتجاوز الدور الثقافي للفكر القومي العربي وأثاره على التحولات السياسية على امتداد جغرافية المنطقة العربية وما حولها، وقد كانت لإستراتيجيات وموازين القوى الدولية و أطرافها حساباتها المعنية بالأمن القومي العربي في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولأن الحال العربية متميزة بخصائصها القومية في الفكر الثقافي –السوسيولوجي– العربي، فإن شبكة التحولات السياسية عبر تاريخ الدولة العربية الحديثة على اختلاف مساراتها وألوانها وأهدافها، كانت في عمومها مُطعّمة بالنزوع القومي… سلباً وإيجاباً… تأمرا وتعاوناً… صدقاً وكذباً…
فبقدر ما كان الإنتماء القومي نزوعاً عاطفياً، ومن المكونات الفطرية في سلوك الوجدان العربي، كان غاية تبرر للحكام الانفراد بالسلطة، وإعلان الأحكام العرفية بقوانين استثنائية تُجيز نصب المشانق في الشوارع والساحات العامة، ويصبح مطلب الديمقراطية وسيادة القانون؛ خيانة عظمى وانتهاكاً للأمن القومي، فبحجة قومية المعركة وتحرير فلسطين؛ رُهنت شعوب الأقطار العربية طيلة الخمسين سنة الماضية؛ للتخلف الاجتماعي، وأُخضعت للقهر السياسي، وأُغرقت في مُثلث الجهل والبطالة والمرض، ولم يكن ذلك بفعل غير الرفاق، رفاق درب القومية الذين ولجو من المدخل العروبي إلى قصر السُلطة، وتنكروا لكل القيم و المبادئ والأهداف التي أسست لحركة القومية، وأقامت بُنيان جمعياتها وأحزابها السرّية منها و العلانية منذ أول مؤتمر عربي لممثلي الأحزاب والروابط والجمعيات القومية في شهر يونيو – حزيران سنة 1913م في باريس، وكان قد حدد منظمو المؤتمر، برئاسة عبد الحميد الزهراوي (1855–1916)؛ وقتذاك المهمة الرئيسية للمؤتمر في البيان الذي وجّهوه إلى ممثلي الجماعات القومية في؛ (… مناقشة التدابير التي ينبغي اتخاذها من أجل حماية أرضنا من أطماع الأجانب، وإنقاذها من الاستبداد والنير، وتصريف شئوننا الداخلية على أساس اللامركزية، والحيلولة دون انحطاط بلادنا واحتلالها من قِبلّ الغرباء)... ووفقاً للبيان؛ تضمن جدول أعمال المؤتمر المسائل الأربع التالية:
1- الحياة القومية والنضال ضد الاحتلال.
2- حقوق العرب من الإمبراطورية العثمانية.
3- ضرورة إدخال إصلاح على أساس اللامركزية.
4- النزوح عن سوريا والهجرة إلى سوريا [1]
وإلى جانب وحدة اللغة والتاريخ والعادات والتقاليد التي تربط بين الشعوب المتجاورة وتُميزها عن غيرها من النظم الإقليمية في العالم؛ تميزت المنطقة العربية إلى جانب كل ذلك بِسمات خاصة وثابتة أخذت تتبلور في الفكر القومي العربي الجمعي مع اضمحلال الإمبراطورية العثمانية وزحف الجيوش الاستعمارية الأوروبية على الوطن العربي، وكانت القوى الصهيونية العالمية قد تمكنت من تحقيق أكبر عمليات الهجرة اليهودية الجماعية إلى الأراضي العربية بإتجاه تحقيق الهدف الصهيوني العالمي وإعلان قيام دولة إسرائيل... وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت ساحة الشرق الأوسط برقعته العربية بعد إبرازها لقوتها الدولية وقدراتها العسكرية خلال وبعد الحرب العالمية الثانية.
وكان من الطبيعي أن لا تركن قوى التحرر الوطني العربي إلى الواقع الذي حيّدها إليه الاستعمار، وأن ترفض حال التردي الاقتصادي والظلم الاجتماعي والقهر السياسي المُصاحبة لمُخططات الإمبريالية للسيطرة الكاملة على الوطن العربي بعمومه، ولأن قوى الإمبريالية والصهيونية العالمية كانت تدرك حقيقة المُعطيات التاريخية العقيدية للقومية العربية فقد عملت على تجزئة المنطقة العربية وفصلها، ومحاولة تفكيك المقاومات الفكرية والسياسية والاجتماعية للقومية الواحدة لهذه الأمة؛ وقد مكّنتها بعض العناصر والقيادات الإقليمية المُوغلة في العشائرية القبلية والطبقية الإقطاعية من تنفيذ مُخططاتها وتحقيق مصالحها نظير أثمان بخسة وزهيدة حصرتها الإمبريالية في إقامة دويلات تخضع إدارتها لحكم ذاتي منقوص تحت إشراف الإدارات العسكرية الإنجليزية منها والفرنسية.
ومن هنا… من قلب هذا الواقع المُزري… وأملاُ في أن تنهض هذه الأمة بما لخصائصها التاريخية والحضارية من مقومات تؤهلها لصياغة خطاب سياسي يؤكد أهمية البعد القومي العربي في مواجهة الاستعمار والاستغلال والتخلف ويخترق التجزئة ليلاحم بين الشروط الموضوعية وبين العوامل الذاتية في مرحلة عجزت أن تُحقق فيها الحكومات والقيادات الإقليمية - القطرية منفردة الاستقلال التام والتحرر من رقعة الخضوع لمُخططات الاستعمار والصهيونية، كانت الولادة الطبيعية لنشأة الأحزاب والحركات السياسية التي اتخذت من الإيديولوجية مبادئ للتضامن العربي، وتفعيل الثورة العربية الشاملة، فكان حزب البعث العربي الاشتراكي من أول الأحزاب السياسية العربية والقومية التي انتقلت بالفكر القومي والتيار الثوري إلى واقع الفعل العملي من خلال فروع تُؤسس للحزب في سائر الأقطار العربية تعالج السياسات القطرية من وجهة نظر المصلحة العربية العُليا ؛ ففي السابع من شهر أبريل – نيسان سنة 1947م عُقد المؤتمر التأسيسي الأول لحزب البعث العربي في دمشق بحضور ومشاركة نواة الحزب العربية من الأردن والعراق ولبنان؛ وغيرها من الطلبة العرب في الجامعة السورية والجامعة الأمريكية في بيروت.
كان النزوع القومي هو المُحرك الفاعل في حركة التحرر الوطني في مواجهة الاستعمار والإمبريالية العالمية التي تجتاح العالم العربي دعماً لنفوذها و سيطرتها على المنطقة وتأسيساً لقيام دولة إسرائيل على الأرض في فلسطين… وكانت الوكالة اليهودية العالمية تعمل على إعاقة استقلال الدول العربية بالتأثير والضغط على الدول العُظمى لربط الاستقلال بإعلان قيام دولة إسرائيل؛ وقبول العالم العربي بها، وفي هذا أقنع رئيس الوكالة اليهودية "وايزمان" رئيس وزراء فرنسا آنذاك "ليون بلوم" بالضغط على الجنرال ديجول لإلغاء معاهدة سنة 1936 م وتأجيل انسحاب فرنسا من سوريا وتعطيل استقلالها الذي سوف يكون عقبة أمام إقامة دولة إسرائيل في فلسطين، وقد واجه ديجول انتفاضة الشعب السوري بقصف دمشق ومبنى البرلمان السوري بالمدافع في 29 مايو – آيار 1945 م، وكانت ثورة رشيد على الكيلاني 1941م في العراق، قد صعدت من إنتفاضة الشعب السوري ودفعت كل من أمريكا وبريطانيا لإعلان موافقتها على استقلال سوريا عن فرنسا سنة 1946م.
عندما بدأ حزب البعث نشاطه سنة 1941م كانت قد وُضعت قواعد مُختصرة… لم تكن دستوراً… ولكنها ضمّـنت المبادئ الأساسية في عقيدة الحزب ونصت صراحةً على مبادئ الوحدة و الحرية و الاشتراكية، وبقيت هذه المبادئ هي المُوجّهة للحزب ونشاطه الذي تركز في سوريا فقط… فلم تكن قد تأسست للحزب فروع أخرى حتى انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول في أبريل – نيسان 1947م… فقد كان فرع حزب البعث العربي في الأردن هو أول فرع للحزب يؤسس خارج سوريا بعد المؤتمر التأسيسي الأول بأشهر؛ ثم تبعه فرعا لبنان والعراق فيما بين عامي 1949م و1959م.
إعتمد المؤتمر التأسيسي الأول وأعلن في ختام أعماله دستوراً للحزب ضمنه ثلاثة مبادئ أساسية ؛ أكدت في مُجملها على أن: (العرب أمة واحدة لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة وأن تكون حرة في توجيه مُقدراتها ولهذا؛ فإن حزب البعث العربي الاشتراكي هو حركة قومية شعبية انقلابية تناضل من سبيل الوحدة والحرية والاشتراكية، ويعتبر الوطن العربي وحدة سياسية – اقتصادية لا تتجزأ ولا يُمكن لأي قُطر من الأقطار العربية أن يستكمل شروط حياته عن الأخر وهو القائم على هذه البقعة من الأرض التي تسكنها الأمة العربية والتي تمتد بين جبال طوروس وجبال بشتكويه وخليج البصرة والبحر العربي وجبال الحبشة والصحراء الكبرى والمحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط…) (2)
وقد نصّت المادة الأولى من المبادئ العامة للدستور على أن: (حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب قومي عربي شامل تُؤسس له فروع في سائر الأقطار العربية و يعالج السياسات القطرية من وجهة نظر المصلحة العربية العُليا)... كما وحدد المؤتمر التأسيسي في بيانه الختامي هذا، القوى التي تقف موقفاً عدائياً من الأمة العربية؛ والتي تحتل وتغتصب أجزاء من الأرض العربية وتؤازر الصهيونية وتستلب ثروة الوطن العربي؛ بأنها:
- بريطانيا، التي تحتل وادي النيل وفلسطين وشرقي الأردن والعراق وليبيا والمحميات.
- فرنسا، التي تحتل الجزائر وتونس ومراكش.
- وأمريكا التي تتدخل في شئون الشرق الأوسط وتؤيد الاستعمار البريطاني وتؤازر الصهيوني.
ومع مطلع عام 1954م كانت فروع حزب البعث العربي الاشتراكي قد بدأت بالتوسع والانتشار وتخوض معارك التحرر الوطني في عديد أقطارها العربية، سراً وعلانية، في برامج وخطط سياسية مُوحدة ومُنسجمة مع المبادئ الأساسية والأهداف القومية العامة للحزب الأمر الذي تهيأت معه أسباب وضرورة عقد (المؤتمر القومي الثاني) في شهر يونيو – حزيران سنة 1954م،وكان هذا هو الإجتماع الأول لممثلي قيادات الأقطار خارج سوريا والذي أُسس لإقامة تنظيم حزب البعث على المستوى القومي بإقرار النظام الداخلي للحزب وانتخاب أول قيادة قومية؛ قوامها سبعة أعضاء إلى جانب الأمين العام (ميشيل عفلق)؛ مارست قيادتها للحزب واستمرت عملياً حتى قيام الوحدة المصرية – السورية في الخامس من شهر فبراير – شباط سنة 1958م وإعلان حل التنظيم الحزبي في الجمهورية العربية المتحدة إمتثالاً وامتداداً للقرار الجمهوري المصري بحل الأحزاب السياسية وحظر قيامها في مصر، وهو – القرار السابق عن إعلان قيام الوحدة - لذلك، وبسبب اشتراك بعض أعضاء القيادة القومية للحزب في الحكم، أعلنت القيادة القومية للحزب قراراً يقضي بحل حزب البعث العربي الاشتراكي في الجمهورية العربية المتحدة، ودعىَ الأمين العام لجنة تحضيرية تمثلت فيها كل منظمات الحزب وفروعه للتحضير لعقد المؤتمر القومي الثالث للحزب خارج الجمهورية العربية المتحدة (سوريا – مصر).
في هذا الوقت، كانت كوادر التنظيم القطري لحزب البعث في ليبيا قد بدأت تتشكل على قاعدة البناء التنظيمي لحزب البعث العربي الاشتراكي التي وضع هيكليتها المؤتمر القومي الثالث للحزب على إثر انعقاده الاستثنائي في الفترة بين 27 أغسطس – آب والأول من سبتمبر– أيلول سنة 1959م في بيروت، لمعالجة الأوضاع الداخلية والخارجية للحزب وهي الأوضاع التي وصفها البيان الختامي بأنها أوضاع صعبة وفاصلة في حياة الحزب وكان المد القومي العربي يتصاعد أواره في البلاد (ليبيا)؛ وكانت أصداء الأحداث القومية الكبرى تُسمع من ليبيا؛ ظاهرة في الوجود الفعلي والتأثير الفكري للتيار القومي المؤدلج في التنظيم الحزبي للبعث العربي الاشتراكي فالمناخ الوطني الليبي العام كان مهيئأً للاستقطاب مما يكسب حركة التحرر الوطني الديمقراطي – بعد الإستقلال – آليات الصراع في مواجهة نواقص السيادة الوطنية وخروقات الاستقلال السياسي وما كبلت به بريطانيا ليبيا في نصوص و مواد "معاهدة الصداقة والتحالف" البريطانية الليبية المُوقعة في 29 يوليو – تموز سنة 1953م و كذلك المعاهدة التي أبرمتها الولايات المتحدة الأمريكية مع حكومة الملك إدريس في 9 سبتمبر – أيلول سنة 1954م ، ومنحت بموجبها حق استعمال مناطق في ليبيا للأغراض العسكرية مقابل حصول ليبيا على معونة قدرها 7 مليون دولار ، بالإضافة إلى منّح قدرها 4 مليون دولار تًدفع للحكومة الليبية سنوياً على مدى إحدى عشر سنة ؛ إبتداء من يوليو – تموز سنة 1960م.
عندما إحتدٍم الصراع العربي – البريطاني على امتداد الوطن العربي، وتصاعدت حدة المواجهة في فلسطين والأردن والعراق، ثم إلى درجة إعلان حالة الحرب بالاعتداء الثلاثي… الإسرائيلي – الفرنسي - البريطاني في 31 أكتوبر – تشرين الأول سنة 1956 م على مصر (عبد الناصر) كانت قد أثارت بريطانيا شعوراً عدائياً لدى الشعوب العربية بما اتخذته من مواقف الدعم للكيان الصهيوني وقيام دولة إسرائيل على حساب حرية وأمن الشعب الفلسطيني، وعلى حساب أمن واستقرار دول الجوار العربي؛ وقد بلغ العنف الإسرائيلي مداه في الأراضي الفلسطينية من المذابح الجماعية إلى التهجير العنصري في عراء المخيمات؛ لذلك أحتل المشروع القومي الأولوية عن ما عداه من مشاريع التحرر الوطني في العالم العربي.
ولم تكن ليبيا خارج برامج التثوير القومي في تعليمات وتوجيهات القيادة القومية – التنظيمية و السياسية – لحزب البعث العربي الاشتراكي، وكانت القاهرة مركزاً لنشاط عناصر وقيادات البناء التنظيمي لفروع الحزب في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا حيث التحقت جماعة من الطلبة الليبيين ممن مكّنتهم ظروف أسرهم المادية من الالتحاق بالجامعات المصرية بالقاهرة والإسكندرية، فلم تكن قد تأسست الجامعة الليبية بعد [3]... وكان من الرعيل الجامعي الأول وممن التحق بحزب البعث وشكّل النواة الأولى؛ ثم القيادة القطرية للحزب في ليبيا:
• المرحوم/ الأستاذ عامر الدغيس [4]
• الأسـتـاذ/ عبـد الله شـرف الدين [5]
• الأسـتـاذ/ مـنـصــور الـكـيخــيـا [6]
وإذا ما إعتمدنا مفهوم الصفوة أو النخبة؛ فإن عناصر وقيادات حزب البعث في ليبيا كانت من الصفوة الوطنية السياسية المُثقفة في المجتمع الليبي وقتذاك، ولم تقتصر "الطبيعة النخبوية " على المجموعة المؤسسة لفرع الحزب بل امتد هذا الطابع إلى المُنظمين إليه بعد تأسيسه في القاهرة سنة 1954 م، فكان منهم: إبراهيم حافظ وإبراهيم الهنجارى ومحمد حسين الصغير[7] وخليفة الأسطى وسليمان فارس ومحمود بانون وصالح الشريف وعامر البكوش وعثمان البيزنطي وعبد العاطي حداش [8] وفريد حسين أشرف ومحمد فرج حمى [9] ومحمد أحمد السكر والنقيب محمد فرج التومي [10] ومحمد نجاح… ومحمد الصيد… وآخرون .
كانت أحداث الإعتداء الثلاثي على مصر أول مواجهة يختبر حزب البعث فيها قدرات قياداته القطرية وعناصره في ليبيا على صدام مباشر مع حكومة الملك إدريس، ولأن عبد الناصر كان قد ألهب المشاعر القومية على امتداد الوطن العربي، فقد كان لتداعيات الاعتداء الثلاثي – الإنجليزي – الفرنسي – الإسرائيلي – على مصر أثره البالغ على الأوضاع السياسية لكل من الحكومة والمعارضة على السواء، فمع إعلان صوت العرب من القاهرة 31/10/1956م؛ أن مصر: تتعرض لهجوم استعماري ثلاثي مُسلح، يستهدف السيطرة على قناة السويس واحتلال مدينة غزة وصحراء سيناء وأن المقاومة الشعبية تتصدى للغزو الصهيوني الاستعماري في السويس وبور سعيد وكل مدن القنال، واستجابة لنداءات عبد الناصر التعبوية اندلعت في مدن الولايات الليبية الثلاث مظاهرات عارمة تندد بالاعتداء على مصر، وتطالب الحكومة الليبية بإلغاء المعاهدتين مع كل من بريطانيا وأمريكا وجلاء القوات العسكرية عن ليبيا وكان لعناصر حزب البعث الباع الأكبر فى قيادة المظاهرات وتصعيد المواجهة بإحراق و تفجير (نادي الضباط الإنجليز) في طرابلس، وقد برزت في سياق أحداث الاعتداء الثلاثي و تداعياته الدولية و الإقليمية معارضة وطنية احتلت مكانتها النضالية في التجمعات الشعبية لفئات وشرائح المجتمع المدني – عمال، أرباب مهن وحرفيين، محاميين، مدرسين وطلبة إلى جانب تجمعات المثقفين و الحزبيين في المقاهي والمنتديات الثقافية والرياضية – انعكست مفاعيلها في كتلة برلمانية تطالب الحكومة بإعادة النظر في المعاهدتين البريطانية و الأمريكية وإلغاء الامتيازات الممنوحة لقواعدها العسكرية في ليبيا، الأمر الذي ألزم رئيس الحكومة (مصطفي بن حليم) بمطالبة الحكومة البريطانية بإعادة النظر في بعض النقاط الواردة في المعاهدة البريطانية الليبية و الحصول على تأكيدات بأن القواعد العسكرية لن تستخدم ضد مصر… ألتزاماً بنص المادتين الثانية والرابعة من معاهدة الصداقة والتحالف المُلزمة للحكومة البريطانية "بعدم استعمال قواتها المٌرابطة في ليبيا في أي نزاع مُسلح ضد أي بلد عربي"… وفي هذا يقول مصطفي بن حليم: (("في مساء يوم 31 أكتوبر 1956 أستدعيت السفير البريطاني ودار بيننا اجتماع عاصف أُلخصه فيما يلي: إستهل السفير كلامه بالاعتذار عن تغيبه عن السفارة طوال اليوم قائلاً: "… لا شك عندي أنك ستعذرني عندما تعرف السبب في تغيبي طول اليوم، لقد استقليت طائرة نفاثة من طائرات سلاح الطيران البريطاني وطرت إلى لندن لأنني شعرت أننا نواجه حالة شديدة الخطورة لا تنفع البرقيات في معالجتها؛ لذلك ذهبت بنفسي إلى لندن وقابلت وزير الخارجية على عجل ووصلت منذ ساعة، وأود أن أسّر إليك يا سيادة الرئيس "على أن يبقى هذا سراً بيننا "… أنه كان هناك خلاف بين رئاسة الأركان و وزارة الخارجية،فيما ترى رئاسة الأركان ان نصوص معاهدة التحالف لا تضع استعمالاً محدوداً للقواعد البريطانية في ليبيا في حالة حرب، فإن وزارة الخارجية "بناء على نصحي و إلحاحي الشديدين" رأت أنه لا يجوز استعمال القواعد البريطانية في ليبيا بأي حال من الأحوال و بأي قدر من المقادير، وأنه يجب اعتبار أن القواعد البريطانية في ليبيا غير موجودة إطلاقاً فيما يتعلق بالحملة العسكرية على مصر...)[11] ... ويضيف السفير البريطاني لرئيس الوزراء مصطفي بن حليم قائلاً: "… ولقد تمكنا من إقناع رئاسة أركان الحرب بوجهة نظرنا")).
ولأن بريطانيا قد بدأت تفقد أهم مراكزها الاستراتيجية في الشرق الأوسط بجلاء قواتها عن مصر، وتأميم عبد الناصر للشركة العالمية للملاحة في قناة السويس ومظاهر سيطرته على الحدود والممرات الاستراتيجية على الأرض وفي البحرين الأبيض و الأحمر، ومع احتدام حدة صراع الاستقطاب في الشرق الأوسط، تصاعدت وتيرة المواجهة في حرب باردة بين الاتحاد السوفيتي المتزعم لدول المعسكر الاشتراكي والولايات المتحدة الأمريكية القائدة للمعسكر الرأسمالي، وهي الحالّة محل حليفتها بريطانيا في مراكز النفوذ الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وحماية الدولة (العبرانية) في إسرائيل، لذلك، ولأسباب أخرى كثيرة من أهمها ؛ أن أدوات الصراع التي يسعى كل طرف – روسيا – أمريكا – إلى الاستحواذ عليها، لمنازلة الآخر بها ، … ليست إلا قوى السلطة المحلية (ملوك... أمراء... رؤساء، أو القوى السياسية البديلة).
كان من الصعب على الحكومة الليبية وقتها (1956م) أن تطلب من بريطانيا إلغاء المعاهدة معها أو جلاء قواتها عن قواعدها العسكرية في ليبيا لسببين:
الأول: أن الملك إدريس السنوسي ما زال يقيد نفسه بما يحمله من شعور بالدين المعنوي تجاه المملكة البريطانية التي قدمت له كافة وسائل الدعم لتشكيل الجيش السنوسي (1940م) وساعدت بلاده على التحرر من الاستعمار الإيطالي الفاشي، وهي التي اعترفت به أميراً على إقليم برقة، وهي التي ما زال يعتقد أنها القوة العُظمى المهيمنة على إدارة شئون العالم، وهي التي يمكنها الإطاحة بأي من يناوئ مصالحها، وهو الذي يخشى إلى جانب ذلك مكرها و يحذر مؤامرات و كيد ساستها.
ثانياً: الوضع الاقتصادي الصعب وما خلفته، سنين الحرب من دمار إلى جانب حاجة الدولة الماسة إلى إيرادات تغطى ميزانيتها المتواضعة إلى جانب أن أهم أجهزة الدولة الإدارية والمالية كانت وما تزال تسير من خلال عدد كبير من الخبراء والمستشارين الإنجليز، وكانت البنى الأساسية شبه معدومة (الصحة والتعليم والمواصلات وحاجة البلاد الماسة إلى المياه والكهرباء)، وليس من مورد سوى ما تدفعه بريطانيا بموجب معاهدة الصداقة والتحالف (1953م) وتأجير القواعد العسكرية و هو مبلغ 4/3 2 مليون جنيه إسترليني سنوياً لتغطية عجز الموازنة ، زائد مليون واحد سنوياً لأغراض التنمية، وما تدفعه الولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية (أكتوبر 1954م) وهو مبلغ 7 ملايين دولار مخصصة للتنمية الاقتصادية تحت إشراف (المجلس الليبي – الأمريكي) لإعادة الإعمار.
وكان لعناصر وقيادات حزب البعث في ليبيا دورها فى ربط الاستقلال والتحرر الوطني في البلاد بمستقبل المشروع القومي العربي، وقد تسللت عوامل القلق وعدم الاستقرار إلى أجهزة وقوى النظام الملكي في ليبيا؛ خوفاً من عدوة ناصرية تصيب المؤسسة العسكرية وقد شاعت عوامل الثورة القومية وأيديولوجية الوحدة العربية كمخرج ومنقذ وحيد للوطن العربي المستهدف من القوى الإمبريالية المتربصة به، وكان قد قبض عبد الناصر على ناصية الشارع السياسي العربي في مواجهة مشروعي "سوريا الكبرى" و"الهلال الخصيب" وتعبئة الرأي العام العربي لإسقاط ما كان يُسمى بــ "حلف بغداد"… وقد إستقوى عبد الناصر بالتيارات القومية والأحزاب التقدمية وعلى رأسها كان حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تواءم مع قومية عبد الناصر وزعامته (بما هو مفيد وما هو ضار) تحت ضغط الشارع العربي، وفي حال النشوة العاطفية التي كانت هي الأقوى من التأسيس السياسي والدستوري لدولة الوحدة و نواتها (المصرية – السورية) التي لم تدم أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة.
وبقدر ما أهتز النظام الملكي وحكومة الملك إدريس في ليبيا لسقوط الملكية وقيام ثورة 17 يوليو – تموز سنة 1958م بقيادة عبد الكريم قاسم في العراق وقيام الجمهورية؛ بقدر ما تُعزز دور حزب البعث وقوية شوكة عبد الناصر بمحاولة اغتيال قاسم في خريف 1959م ولجوء قطبي (المحاولة والقيادة القطرية للحزب) فؤاد الركابي وصدام حسين إلى حمى عبد الناصر؛ وقد توطدت رفاقية العلاقة الحزبية على ضفاف نيل القاهرة – بتسهيلات استخباراتية مشوبة بحذر ناصري – بين عناصر القيادتين القطريتين للحزب في العراق وليبيا، فقد شارك صدام حسين ومدحت جمعة وسعدون حمادي[12] رفاقهم من عناصر وقيادات البعث في ليبيا في ترتيب أولويات النضال القومي في منطقة المغرب العربي بما يمكـّن قيادة القطر الليبي من بناء مواقع للحزب داخل المؤسسة العسكرية للجيش الملكي الليبي؛ وإعدادها للقيام بانقلاب عسكري يُطيح بالنظام وحكومة الملك إدريس ؛ تقوده وتوجهه القيادة المدنية للحزب في ليبيا.
وكان قد انعقد المؤتمر القومي الرابع للحزب في (بيروت) في أواخر شهر أغسطس – آب سنة 1960م تنفيذاً لقرار المؤتمر القومي الاستثنائي (الثالث) بعقد مؤتمر قومي عادي بعد سنة واحدة…
وكانت هناك قضيتان تستأثران باهتمام البعثيين هما: وضع الحكم في الجمهورية العربية المتحدة (مصر – سورية) وموقفها من الحزب، وقضية محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم وما تبعها من تردي الوضع في العراق، لذلك أولى المؤتمر الرابع للحزب قضية (أسلوب العمل الحزبي أهمية خاصة، وركز أبحاثه حول الطرق التي يتوجب على الحزب (البعث)، وعلى الحركات القومية التقدمية الأخرى في الوطن العربي اتباعها لتحريك الجماهير الشعبية و دفعها لمتابعة نضالها في سبيل "الوحدة والحرية والاشتراكية".
ووفقاً لتوصياته المبدئية العامة، وتوصياته السياسية، وتوصياته حول أسلوب العمل التي رفعها للقيادة القومية الجديدة للحزب؛ أدان المؤتمر القومي الرابع قرار حل فرع الحزب في الجمهورية العربية المتحدة واستنكر الأسلوب الذي جاء اعتماداً على الوعود والنوايا وليس نتيجة لدراسة علمية للواقع الاجتماعي والسياسي.
وأشارت القيادة القومية في تقريرها للحزب في أواخر أغسطس – آب سنة 1960 م إلى: (أن التطورات التي حدثت في ال ج.ع.م خلقت انطباعاً شاملاً بان قرار الحزب (في الإقليم السوري) كان خاطئاً من أساسه، ولم يصدر عن مؤتمر قومي للحزب، ولا عن القيادة القومية بشكل نظامي، ولم يكن لقيادة الحزب خارج سوريا رأي جَدّي في الموضوع بل أن هذه القيادات جُوبهت بالأمر الواقع… وقد وضع الحزب عملياً أمام الأمر الواقع خلال مفاوضات الوحدة، وكان على قادته الذين طرحوا شعار تحقيق الوحدة وفرضوه في سوريا أحد أمرين: إما أن يقبلوا بالوحدة بالشرط الذي أشترطه عبد الناصر، أو يرفضوا شروط عبد الناصر فتفشل الوحدة ويظهر الحزب أمام الرأي العام العربي كمُعرقل للوحدة… وقد أصبح الحزب محصوراً بين احتمالين: إما وحدة على أساس ديكتاتوري… وإما انفصال، ولم يكن أمام الحزب إلا أن يختار الوحدة و لو مُجردة من المحتويات الملازمة لها. فمسئولية الحزب الكبرى هي؛ أنه هو الذي حرك الجماهير نحو الوحدة دون أن ترافقه الضمانات الكافية…).
وعن مسألة (استلام الحزب للحكم) أضافت القيادة القومية في تقريرها هذا: (أننا عندما نقول أن الحزب أداة حية لتحقيق أهدافه فأننا نعني بصورة من الصور أن الحزب أداة حية للحكم… وأننا نعني بصورة من الصور أن الحكم أداة حية لتحقيق أهداف الحزب. فمسألة استلام الحزب للحكم يجب أن لا تُثير أي تساؤل بعد الأن في كافة أوساط الحزب لأن ثورية الحزب لا تقترن إطلاقاً بموقفه من الحُكم وانما يجب أن تقترن دائماً بأسلوب الوصول إلى الحكم وشكل هذا الحكم. أن ثورية الحزب لا تكون في رفض الحكم وإنما في رفض اعتبار الحُكم نقطة البدء في تحقيق أهداف الحزب… إن العمل الثوري يتجسد في قترة من فترات التغيير في المجتمع باستلام الحُكم، وإن أي تباطؤ أو تلكؤ في استلام الحُكم يكون عملاً انهزامياً مُخرباً…) [13]
وفي توصياته السياسية التي أصدرها المؤتمر القومي الرابع للحزب في ختام أعماله، وفيما يعنيه شأن حزب البعث في ليبيا: (لاحظ المؤتمر وجود إمكانيات كبيرة لتحقيق انطلاقة حزبية واسعة في ليبيا، كما لاحظ سلامة البداية فى بناء الحزب من حيث صحة التركيب الاجتماعي للحزب واعتماده أساساً على قوى شعبية وعمالية، لذا فالمؤتمر القومي الرابع يوصي القيادة القومية بالعمل (في القُطر الليبي) على:
1- الاستفادة من سلامة التركيب الاجتماعى والبداية على أُسس متينة والاستفادة منها كتجربة هامة في العمل الحزبي... 2- تقوية الاتصال بها لإغناء القيادة المحلية بكل تجارب الحزب وإمكانياته... 3- توحيد الحركة العُمالية في ليبيا و تحقيق علاقاتها بالحزب.
ومع حلول سنة 1962م وانسجاماً مع توصيات المؤتمر القومي وتوجيهات القيادة القومية، كان الفرع القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي في ليبيا قد حقق انتشاراً سياسياً واجتماعياً من خلال أدواته الإعلامية (منشورات سياسية، مقالات صحفية وندوات عامة) ومواقع عناصره في النقابات والاتحادات المهنية والطلابية، وكانت قد صدرت التعليمات إلى وزارة الداخلية وأجهزة الأمن العام بتكثيف المراقبة والمتابعة لعناصر الحزب في البلاد ورصد تحركات قياداته التي ظهرت آثار توجهاتها الفكرية والسياسية ونشاطاتها الحزبية داخل أجهزة الإدارة والحكم في ولايتي طرابلس وبرقة والمساعي التي يبذلها ويُمهد بها كل من عامر الطاهر الدغيسي وعبد الله مصطفى شرف الدين في طرابلس ومحمد فرج حمى في بنغازي؛ الأول للترشيح لعضوية مجلس النواب، والثاني لعضوية المجلس التشريعي وقد تقدم بطلب الترخيص له بإصدار جريدة "الأيام"… والثالث بما عُرف عنه تحريضه العلني ومعارضته لسياسات النظام ونشره أفكار حزب البعث وتأييده لسياسات عبد الناصر القومية، إلى جانب ما وصفته تقارير الملاحقات الأمنية بخطورة تأثيراته الحزبية في الوسط الطلابي بالجامعة الليبية بإعتباره موظفاً بكلية الآداب "مُسجل الكلية"… إلى جانب رصد تحركات عدد من عناصر الحزب العربية من غير الليبيين، كان على رأسهم "الدكتور سعدون حمادي" الموظف بمصرف ليبيا المركزي، والفلسطينيين تاج الدين غانم، ومحمد بن محمود الذي كان يعمل مستشاراً قانونياً بمكتب رئيس الوزراء.
ولما كانت نكسة الانفصال في 27 سبتمبر/ أيلول سنة 1961م إحباطاً أصاب الروح القومية والإرادة السياسية للأمة العربية؛ فإن رزمة الاتهامات التي وُجهت إلى عبد الناصر من طرف القيادة القومية لحزب البعث، قد قابلها عبد الناصر - وبدافع الرغبة في نفض يده من مسئولية فشل تجربة الوحدة "المصرية -السورية" وحدوث الانفصال - بفتح جبهة صراع استهدفت عناصر وكوادر حزب البعث وبعض القوى الوطنية السورية التي وجدت في عدم مراعاة الخصائص المحلية "السورية" نوعاً من القسرية الأحادية، إلى جانب الأخطاء القاتلة التي نُفذت منها المُخططات التآمرية، ومهدت الطريق لحدوث عملية الانفصال… (وبخاصة مسلك النظام في حل الأحزاب الوطنية والوحدوية وتصفية الديمقراطية، وتعزيز هيمنة عبد الحكيم عامر ومجموعته العسكرية في سوريا)[14] وقد امتدت جبهة الصراع الناصري ضد حزب البعث من القاهرة إلى سوريا والعراق شرقاً... وإلى المملكة الليبية غرباً، وما عادت خيمة عبد الناصر تحمي عناصر وقيادات البعث (إلاّ ّمن خالف في رؤاه البعث والتحق بالناصرية) الأمر الذي أفسح المجال لحكومة الملك إدريس للتظلل بمظلة عبد الناصر المتوجس شراً من نشاطات حزب البعث في ليبيا.
وتهيأت الأسباب مع الذكرى العاشرة لثورة عبد الناصر، في يوليو - تموز سنة 1962م وعلى أثر انتشار طائفة من المنشورات التي أصدرتها وعممتها القيادة القطرية وعناصر حزب البعث في ليبيا: قامت أجهزة الأمن في كل من ولايتي طرابلس وبرقة وبإذن من النيابة العامة بضبط واعتقال عناصر وقيادات الحزب ووجهت لهم تهمة: "تشكيل تجمع حزبي دون الحصول على ترخيص"… وإصدار منشورات تُحرض القوات المُسلحة على القيام بانقلاب عسكري يُطيح بالنظام في البلاد…"[15]
وقد تمكن عضو القيادة القطرية للحزب في ليبيا المحامي عبد الله شرف الدين من مغادرة البلاد إلى القاهرة قبل اعتقاله، وكان ما يزال بالقاهرة كل من صدام حسين، كريم الشيخلي، حاتم العزاوي، طه ياسين العلي، ومدحت إبراهيم جمعة الذي أقترح أن يبقى شرف الدين بالقاهرة بإنتظار ما تُسفر عنه نتائج التحقيقات. وفي أواخر شهر أغسطس - آب وبعد صدور الأحكام القضائية غادر شرف الدين القاهرة عائداً إلى طرابلس حيث سلّم نفسه طوعاً لتنفيذ الحكم عليه بالسجن لمدة سنتين، قضى بعضاً منها مع رفاقه في سجن مزدة قبل أن يصدر الديوان الملكي مرسوماً بإسم الملك محمد إدريس السنوسي يقضي بالعفو عنهم جميعاً وعودتهم إلى أعمالهم ومزاولة مهنهم.
(1) راجع: "الأحزاب والحركات القومية" الجزء الثانى إشراف على ناصر محمد، عن مركز الدراسات الاستراتيجية – بيروت 1995م.
(2) راجع: الجزء الرابع من كتاب "نضال البعث" صادر عن دار الطليعة ، الطبعة الثانية بيروت 1972م.
(3) تأسست الجامعة الليبية بموجب قانون إنشاءها سنة 1955م، وافتتحت أول كلياتها – الأداب والتربية فى 15/12/1955م ثم تلتها كلية العلوم سنة 1956م ثم كلية الاقتصاد فى بنغازى سنة 1957م.
(4) هو: المرحوم الأستاذ عامر الطاهر الدغيس؛ تخرج فى كلية العلوم جامعة القاهرة سنة 1958م وافتتح مكتب ( محرر عقود – كاتب عدل ) بمدينة طرابلس وإثر اعتقاله من محل سكناه قتل تحت التعذيب بالمعتقل يوم الأجد 24/2/1980م وكان قد رفض الشهد عامر الدغيس المشاركة فى نظام الحكم الذى افرزه انقلاب سبتمبر 1969م وطالب بعودة العسكر الى ثكناتهم وتسليم شئون البلاد الى المدنيين.
(5) هو: الأستاذ عبدالله مصطفى شرف الدين ، تخرج فى كلية العلوم – جامعة القاهرة سنة 1956م عمل محاميا وانتخب عضوا فى المجلس التشريعى عن " زاوية الدهمامنى " فى ولاية طرابلس سنة 1968م، ثم صار نقيبا للمحامين وعضوا فى إتحاد المحامين العرب، وتولى فى سنة1975م رئاسة المنظمة الدولية لمناهضة جميع انواع التمييز العنصرى.. وبعد مقتل رفيقه عامر الدغيس سنة 1980م غادر البلاد الى جنيف ثم الى هيوستن فى اميريكا، ثم استقر به المقام ومازال مقيما بالقاهرة ورئيسا للمنظمة الدولية لمناهضة العنصرية، ورافضا لسياسات النظام الشمولى القائم ى بلاده ليبيا.
(6) هو: المناضل الوطنى المغيب (منصور رشيد الكيخيا) تخرج فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1954م وواصل تعليمه بجامغعة السربون بباريس قبل ان يلتحق بوزرة الخارجية الليبية سنة 1959م ومن بعد انقلاب سبتمبر 1969م ابح وكيلا ثم وزيرا للخارجية الليبية، ثم مندوبا دائما لليبيا فى المنظمة الدولية للأمم المتحدة حتى سبتمبر سنة 1980م ومن بعد مقتل الشهيد عامر الدغيس ثم مقتل الشهيد محمد فرج حمى أعلن مفاصلته للنظام فى ليبيا والتحق بالقوى الوطنية المعارضة وانتخب أمينا عاما للتحالف الوطنى الليبيى سنة 1987م وهو عضو مجلس امناء المنظمة العربية لحقوق الانسان و ممثل اتحاد الحقوقيين العرب فى الأمم المتحدة ورئيس لجنة الحريات النقابية التابعة لمنظمة الدول العربية... وقد عمل المناضل منصور الكيخيا على لم شمل المعارضة الوطنية الليبية فى موادجهة النظام الشمولى القائم فى ليبيا إلى ان قامت عناصر النظام الليبى بإختطافه فى القاهرة يوم 10/12/1993م اثناء مشاركته فى اعمال مؤتمر مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
(7) هو المرحوم الاستاذ محمد حسين الصغير، من أهالى مدينة مصراته، تخرج ى كلية الحقوق – جامعة بنغازى سنة 1967م و عمل وكيلا للنيابة العامة ثم قاضيا الى ان استقال من جهاز القضاء وعمل محاميا فى مدينة طرابلس الى ان قامت اجهزة القمع البوبيسى بتصفيته جسديا واغتياله بع اعتقاله فى ابريل سنة 1980م.
(8) هو المرحوم الاستاذ عبد العاطى ابراهيم حداش ، جتاز امتحان رجال القضاء والنيابة سنة 1960م وعمل وكيلا للنيابة العامةفى بنغازى وبعد خروجه من السجن سنة 1963م عمل محاميا، ومن بعد انقلاب سبتمبر سنة 1969م اعتقل مرات عديده إلى أن استشهد فى الحادث المبر لإسقاط الطائرة اليبية فى رحلتها رقم (1103) من بنغازى الى طرابلس بتاريخ 22/12/1992م.
(9) هو المرحوم الاستاذ محمد فرج حمى 1920-1980م كان احد الأعضاء البارزين والنشطين فى جمعية عمر المختار، وكان شرفا بمدرسة (الأبيار) ثم عين مسجلا الجامعة الليبية فى أول تأسيسها سنة 1957م. اعتقل مع رفاقه فى حزب البعث العربى سنة 1961م وبعد خروجه من السجن عمل ( محرر عقود) وفى ابريل سنة 1980م وإثر فروغه من تشييع جثمان رفيقه عامر الدغيس وتأبينه اعتقل وقتل تحت التعذيب – ابريل سنة 1980م.
(10) هو المرحوم النقيب محمد فرج التومى 1946-1976م التحق بالكلية العسكرية الليبية سنة 1964م وتخرج منها ضابطا برتبة ملازم فى اغسطس سنة 1966م ، وكان عضوا فاعلا فى صفوف حزب البعث فى ليبيا كما كان عضوا بتنظيم حركة الضباط الأحرار الذى اطاح بالنظام الملكى سنة 1969م واعتقل فى 4/12/1969م بتهمة الاشتراك فى اول محاولة انقلاب لاسقاط النظام الثورى وإقصاء القذافى عن القيادة بتدبير انقلاب عسكرى بقيادة المقدمان (أدم الحواز وزير الدفاع و موسى احمد وزير الداخلية فى حكوكة انقلاب القذافى.. وظل بالسجن الى ان اصيب بكسر فى الجمجمة وتوفى فى 20 مارس سنة 1976م.
(11) راجع: كتاب "صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسى" مصطفى بن حليم – لندن 1992م.
(12) سعدون حمادى هو: احد القيادات العراقية لحزب البعث ، يحمل شهادة للدكتوراة فى الاقتصاد من جامعة ويسكانسن الاميريكية سنة 1957م وعمل فى ليبيا موظفا بمصرف ليبيا المركزى الى ان قبض عليه سنة 1962م وتم ترحيله الى العراق حيث عين وزيرا لمرات عديدة كما تولى رئاسة مجلس الوزراء قبل ان ينتخب عضوا فى المجلس الوطنى ثم رئيسا له فى دورات عدة.
13) راجع : مصدر ستلق.
14) راجع: كتاب "متل جمال عبد الناصر" عزيز السيد جاسم، المكتبة الوطنية، الطبعة الثانية – بغداد سنة 1985م.
15) عقب استقلال ليبيا، وبعد أول انتخابات نيابية سنة 1952م، أصدر مجلس الوزراء قرارا يقض (بـحل جميع الأحزاب السياسية فى ليبيا) بأعتبار ان الأحزاب القائمة وقتها؛ امت وتأسست لمقاومة الإحتلال والنضال من اجل استقلال ليبيا ، وقد انتهت مرحلتها بإنتهاء اسباب قيامها المشار اليه فى برامجها وبيانات تأسيسها، وباعلان استقلال ليبيا.. ولم ينص الدستور الليبى الصادر فى 7 أكتوبر سنة 1951م ولا تعديلات اخحكامه فى 27/4/1963م على حظر تأسيس أو قيام الاحزاب السياسية، كما ولم يصدر قانون يبيح أو يشرع لتأسيس الأحزاب فى البلاد، غير إن المادة (26) من الدستور قد نصت على أن "حق تكوين الجمعيات السلمية مكفول، وكيفية استعمال هذا الحق يبينها القانون ط الى جانب ما نصت به المادة (22) بأن "حرية الفكر مكفولة ولكل شخص الإعراب عن رأيه وإذاعته بجميع الطرق والوسائل، ولا يجوز اساءة استعمال هذه الحرية فيما يخالف النظام العام أو ينافى الأداب" وكذلك المادة (5) التى تكفل (حق الاجتماع السلمى مكفول فى حدود القانون) وتلك النصوص الدستورية الصريحة هى التى بنت عليها هيئة الدفاع دفوعها ببطلان إقامة الدعوة على المتهمين فى قضية حزب البعث العربى وطالبت بالبراءة والتعويض عما أصاب المتهمين من أضرار مادية ومعنوية بسبب الاعتقال والمحاكمة.