سوريا والعراق ..سياسات الامس واقتصاد اليوم
المصدر:google
سوريا والعراق ..سياسات الامس واقتصاد اليوم
1- العلاقات الاقتصاديه "السورية _العراقية"
شاهر جوهر | سوريا
تكتسب العلاقات العراقية - السوريةأهمية خاصة بسبب أهمية هاتين الدولتين وثقلهما السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وبسبب التأثير المتبادل لكل منهما في الواقع السياسي للأخرى أيضا ذلك ان كل تطور داخلي أو خارجي في سياسة احداهما لا بد ان يؤثر على الدولة الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر بشكل يفوق ما هو حاصل في معظم الدول الأخرى في العالم ذلك للقرب التاريخي والجغرافي والاجتماعي بين البلدين.
سياسات الأمس:
تعود العلاقات إلى زمن الخلافة الراشدة حيث الصراع بين الخليفة علي بن ابي طالب ومعه اهل العراق وبين الوالي الخارج عن دولة الخلافة معاوية بن ابي سفيان والي الشام ومقره دمشق. ومن ثم استمرت العلاقات في أوائل القرن العشرين حيث كان كلا البلدين حتى نهاية الحرب العالمية الأولى جزءا من الدولة العثمانية التي دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا ضد دول الحلفاء وقد وقع العراق الذي كان يتكون من ولايات "البصرة وبغداد والموصل" في قبضة الانتداب البريطاني في حين سيطرت على سوريا قوات الثورة العربية القادمة من الحجاز بقيادة الامير فيصل بن الشريف حسين الذي اعلن ملكا على سوريا وكان معظم اركان حكومته من العراقيين (مثل جعفر العسكري وياسين الهاشمي ونوري السعيد ومولود مخلص..الخ). وفي عام 1920 وقعت أحداث عديدة اثرت على مجرى التطور اللاحق للبلدين ففي نيسان من هذا العام عقد مؤتمر الحلفاء في سان ريمو بإيطاليا الذي اعلن فرض الانتداب البريطاني على العراق والفرنسي على سورياوفي حزيران من العام نفسه اندلعت الثورة العراقية الكبرى والشهيرة بثورة العشرين في محاولة لتحرير العراق من الاحتلال البريطاني وفي 20 تموز من العام نفسه 1920وقعت معركة ميسلون الشهيرة التي انتهت بأحتلال الفرنسيين لدمشق وإسقاط حكومة الملك فيصل. كانت الحدود بين البلدين غير محددة في هذه الفترة المبكرة من تاريخ البلدين الا انه كان خط الحدود العثماني بين الولايات العراقية والسورية هو نهر الخابور ولذلك فان مدن البوكمال والميادين ودير الزور كانت مدنا عراقية حسب هذه الحدود وقد ارسلت بريطانيا والتي كانت تمارس السيادة القانونية على العراق في تلك الفترة ضباطا سياسيين لحكم هذه المدن ولكن في اواخر عام 1919 شنت قوات سورية وعشائر هجوما على هذه البلدات واسرت الضباط البريطانيين وكان من نتيجة هذا العمل ان اعترفت بريطانيا بالامر الواقع وتم تعديل الحدود إلى وضعها الحالي. ومنذ ذلك الحين وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية لم تشهد العلاقات بين البلدين اية تطورات مهمة فكلتا الدولتين خضعت لنظام الانتداب الذي يمنع الدول من اقامة علاقات سياسية أو دبلوماسية الا باذن الدولة المنتدبة ولذلك اقتصرت العلاقات بين العراق وسوريا على العلاقات التجارية.
أعلن استقلال سوريا ولبنان عام 1943 وقد بذل العراق بوصفه دولة مؤسسة في الأمم المتحدة جهوداً جبارة لأجل الاعتراف الدولي بسوريا ولبنان وادخالهما في عضوية الأمم المتحدة، الامر الذي اوجب تحققه شكر الحكومتين السورية واللبنانية للحكومة العراقية. وفي اواخر الاربعينيات وقعت سلسلة من الانقلابات العسكرية في سوريا كان بعضها يدعو إلى ضم سوريا إلى العراق كحل لازمة عدم الاستقرار السياسي.
وفي عام 1958اقيمت الوحدة بين مصر بقيادة جمال عبد الناصر وبين سوريا وكان النظام الملكي في العراق رافضا لهذه الوحدة مما احدث قطيعة بين البلدين وحالة من التوتر والمؤامرات استمرت حتى سقوط النظام الملكي العراقي بعد ثورة تموز 1958 ومع ان اقامة الوحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة مصر وسوريا كان أحد اهداف ثورة العراق إلا أن هذا لم يحدث بل دخل البلدان في حالة من العداء والهجمات الاعلامية استمرت حتى بعد انفصال سورياعن مصر عام 1961. وفي عام1963 لاحت فرصة أخرى للوحدة بين مصر وسوريا والعراق عندما حدثت خلال شهر واحد ثورتان في 8 شباط و8 اذار 1963 في كل من العراق وسوريا قادهما حزب البعث في كلا الدولتين وبعد مباحثات مع مصر اعلن ميثاق 17 نيسان للوحدة بين البلدان الثلاثة ولكن الميثاق لم يطبق نتيجة لرفض مصر للوحدة الفورية بعد تجربة عبد الناصر في وحدة عام 1958 مع سوريا وفيما بعد اطيح بحكم البعث في العراق على يد الرئيس عبد السلام عارف في تشرين الثاني 1963 ورغم عودة البعث إلى الحكم في العراق عام 1968 وفي سوريا عام 1970 إلا أن البلدين لم يتحدا ابدا بل ان العلاقات بين البلدين ازدادت عدائية لان كلا جناحي حزب البعث السوري والعراقي اعتبر كل منهما نفسه الممثل الحقيقي لحزب البعث واعتبر الطرف الاخر بمثابة انشقاق عن المبادئ الأساسية للبعث واقيمت قيادة قومية في كلا البلدين اعتبرت نفسها بمثابة القيادة الشرعية ومن الواضح ان هذا الصراع الذي اكتسى طابعاً ايديولوجيا لم تكن له علاقة بالايديولوجية بل كان صراعاً على السلطة فكلاً الفرعين لم يكن يقبل زعامة الاخر للحزب ومن ثم للدولة الموحدة.
وفي حرب أكتوبر 1973 اشترك الجيش العراقي على الجبهتين المصرية والسورية. وفي عام 1978 لاحت فرصة أخرى لتحسن العلاقات بين الدولتين فبعد أن قامت مصر بعقد اتفاقية كامب ديفيد قام كل من العراق وسوريا بمحاولات للتقارب فيما بينهما ,وعقدت بين سوريا والعراق اتفاقية العمل المشترك وتم توحيد بعض المؤسسات في خطوة أولى للوحدة الكاملة بين القطرين غير ان بعض الاطراف في القيادة العراقية وخصوصاً نائب رئيس مجلس قيادة الثورة حينذالك صدام حسين ومؤيديه اعلنوا عن وجود مؤامرة ضد نظام الحكم اشتركت فيها اطراف من داخل القيادة العراقية وبتأييد من سوريا وان الغرض منها ان يكون الرئيس الراحل حافظ الاسد رئيساً للدولة الموحدة واعدم اعضاء القيادة العراقية امثال محمد عايش وعدنان حسين واعقب هذا الحادث قطع العلاقات كافة بين البلدين بما فيها إمكانية سفر مواطني كل من البلدين إلى الاخر. وبعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية اتخذت سوريا ومعها ليبيا- موقفاً رافضا لتلك الحرب ً.
وبعد احتلال العراق للكويت انضمت سوريا إلى التحالف الدولي لإخراج القوات العراقية من الكويت. ونتيجة للمصلحة المشتركة للطرفين السوري والعراقي في التقارب فقد حدث نوع من التقارب بين الطرفين جسدته زيارات للقيادات العراقية إلى سوريا والتي ادت إلى توقيع اتفاقات للتعاون الاقتصادي بين البلدين وبما فيها اتفاق لاعادة ضخ النفط عبر الاراضي السورية الذي توقف عام 1982,
اقتصاد اليوم:
بعد الاحتلال الاميركي للعراق دخلت العلاقات العراقية السورية في مأزق جديد فقد شعرت سوريا بقلق لوجود القوات الاميركية في العراق المجاور لها وهذا يعني ان تحشر بين مطرقة إسرائيل وسندان الولايات المتحدة. لذلك كانت هناك مصلحة سورية الوطنية والقومية هي بدعم حركات المقاومة في العراق.
وإلى الآن ما زالت العلاقات السورية العراقية السياسية متواضعة ولكن العلاقات التجارية والاجتماعية ازدادت بشكل كبير جدا وذلك عن طريق العائلات المشتركة بين البلدين ولجوء لاجئين باعداد ضخمة إلى سورية يعدون بالملاين حوال مليونين ونصف لاجئ عراقي والكثير من هؤلاء بدؤا العمل وتاسيس اعمال لهم في سورية.
ففي ظل الصعوبات الاقتصادية الداخلية التي تعاني منها سوريا اليوم تستعد لتوسيع نطاق علاقاتها التجارية مع العراق بشكل كبير على أمل الاستفادة من الفرص الاقتصادية الجديدة التي توفرها إعادة الأعمار في العراق.
وقيمة التجارة الثنائية الحالية هي حوالي ملياردولار ومن المفترض توسيع حجم التجارة الثنائية بحيث تصل إلى 3 مليارات دولار في غضون عامين. ويقول مسؤولون في البلدين أن بإمكان سوريا أن تصبح شريكا تجاريا هاما وأساسيا للعراق في المستقبل القريب.
ويعتقد ان بإمكان سوريا أن تكون المستفيد الأكبر من السوق العراقي،ويتوقع أن يصبح حجم التجارة العراقية السورية في السنتين القادمتين أكبر من حجم التجارة مع جميع الدول المجاورة و أن يصل حجم التبادل التجاري إلى 10 مليار دولار أمريكي.
وكانت العلاقات بين البلدين قد شهدت تراجعا كبيرا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 عندما أعربت سوريا عن معارضتها للاحتلال الأميركي مما تسبب آنذاك بانهيار العلاقات السياسية والاقتصادية وأدى إلى تراجع الصادرات السورية إلى العراق في عام 2007 لتصل إلى 641 مليون دولار أمريكي فقط، مقارنة ب 2 مليار دولار أمريكي قبل الغزو مباشرة. وقد كانت سوريا في فترة التسعينات، وفي ظل العقوبات الدولية المفروضة على العراق، بوابة هامة جدا للتجارة مع العراق. علماً أنه استأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية بينهما في تشرين الثاني عام 2006 بعد قطيعة استمرت 26 عاما وذلك خلال زيارة وزير الخارجية وليد المعلم الى بغداد في في الحادي والعشرين من الشهر نفسه. تلى هذه الزياره قيام رئيس الوزراء السوري بأول زيارة له للعراق في مرحلة ما بعد صدام حسين لإظهار الرغبة في تحسين العلاقات بين البلدين. وخلال هذه الزيارة، عقد الجانبان محادثات على مستوى عال بحثت خلالها إمكانية توقيع 20 اتفاقية تجارية بين البلدين ،حيث عقد اتفاق بين البلدين يقضي بإنشاء ثلاثة خطوط تصدير الأول بطاقة 5.1 مليون برميل نفط يومياً، والثاني 25.1 مليون برميل، والثالث سيكون مخصصاً لتصدير الغاز العراقي عبر منفذ البحر المتوسط. وكان قد سبق للجانبين أن اتفقا على إعادة فتح خط أنابيب النفط الواصل بين كركوك وبانياس الذي يمتد من حقول النفط في شمال العراق إلى ميناء بانياس السوري. وقد بلغت قدرة هذا الخط الذي أغلق منذ عام 2003 نحو 300 ألف برميل من النفط الخام يوميا. هذا ويبلغ طول الخط العراقي السوري 235 كم وسعته التصديرية تتراوح بين 900 ألف ومليون برميل يومياً.
ويأتي هذا التحسن في العلاقات في ظل ما تواجهه سوريا من حاجة ملحة لتوسيع علاقاتها التجارية في الوقت الذي يعاني اقتصادها من ضغوط شديدة نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية، وتضاؤل احتياط سوريا النفطي، والعقوبات الاقتصادية الأمريكية والجفاف المستمر الذي تمر به البلاد. وتركز سوريا الآن، وبزخم جديد، على إمكانيات العراق الاقتصادية. وتتوقع سوريا أن تتيح لها حدودها المباشرة مع العراق والبحر الأبيض المتوسط الفرصة كي تصبح خط ترانزيت رئيسي بين أوروبا والعراق.
وسيفتح قريبا خطوط سكك حديدية ما بين البلدين، بما في ذلك خط لنقل البضائع يمتد من مدينة طرطوس الساحلية حتى ميناء أم قصر في جنوب العراق، وهناك أيضا خطة لتعبيد طريق مباشر بين بغداد وطرطوس.
في حال تنفيذ هذه الخطط ستصبح طرطوس فعليا ميناء العراق الثاني، الذي ستمر منه جميع البضائع القادمة من الغرب مما سيوفر لسوريا فرصة تحقيق أرباح كبيرة. وفي الوقت نفسه، يتطلع التجار السوريين بشغف للمشاركة في عملية إعادة اعمار العراق وللاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الضخمة غير المستغلة لبلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 28 مليون نسمة. ففور عودة ما يشبه الحياة الطبيعية إلى العراق، من المتوقع أن تزدهر السلع والخدمات السورية نتيجة القرب الجغرافي بين البلدين.
بالإجمال العراق اليوم غني بثرواته الطبيعية والبشرية، وتشكل سوريا للعراق ممرا هاما نحو المتوسط وبابا نحو العالم، فهي معبر رئيسي للبضائع والمواد المتجهة نحو العراق بكل ما يمكن أن يدره على اقتصادها من عوائد، وتشكل أيضا معبرا ذو مزايا تفضيلية فيما يتعلق بالنفط العراقي، وبالتالي فإن الازدهار والاستقرار العراقي سينعكس بصورة واضحة على الاقتصاد السوري.
هذا ويتشارك البلدان في نهر الفرات، ومع بروز مشكلة المياه يمكن أن يتعاونا في تنسيق مواقفهما مع تركيا للحصول على تقسيمات عادلة في حصص المياه بين هذه الدول الثلاث، كما أن العراق المستقر هو سوق محتملة للعمالة السورية التي ساهمت وتساهم في بناء دول الخليج العربي، وبالتالي هي مصدر محتمل للتحويلات المالية الداعمة للاقتصاد السوري.
ومن جانب آخر فإن قدرة المنتجات السورية على الوصول بحرية إلى السوق العراقية ستعمل على تدعيم الاقتصاد السوري وتحسين الميزان التجاري، وهو الأمر المتعذر حاليا نتيجة الأحوال الأمنية السائدة، وما يترتب عليها من إعاقة متكررة لدخول الشاحنات السورية إلى العراق، فضلاً عن المخاطر الأمنية والاعتداءات والسرقات التي تستهدف هذه الشاحنات وسائقيها داخل العراق نتيجةً للانفلات الأمني.
ومن هنا وبالنظر إلى كل ما تقدم يبدو ان الوقت قد حان حتى يتم اتخاذ خطوات جاده وحقيقيه لعلاقات مستقره وخاليه من التشنج .فالذي يجمع الشعبين هو أكبر بكثير مما يفرقهما.