د. دندشلي - مـحـادثـة في بـاريـس مع بعـض البـعـثيـيـن
مـحـادثـة في بـاريـس
مع بعـض البـعـثيـيـن
19/1/1971
* * *
أسماء بعض الضباط البعثيين الذين ساهموا في بناء قواعد الحزب العسكريّة في زمن الانفصال والذين لعبوا فيما بعد دوراً كبيراً في وصول الحزب إلى الحكم ، هؤلاء الضباط هم : محمد عمران ، أمين الحافظ ( مع أنّه كان مبعداً من سورية ) صلاح جديد ، عبد الكريم الجندي ، سليم حاطوم ، حمد عبيد ، أحمد المير ، ابو رباح الطويل ، مصطفى طلاس ، إلخ ...
أسباب الأزمة التي وقعت في صفوف الحزب في شباط سنة 1966 بين القيادة القومية من جهة ( البيطار ، الرزاز ، عفلق ) والقيادة القطرية آنذاك ( صلاح جديد ، حافظ الأسد ، سليم حاطوم، إلخ ...) ترجع في الواقع والأساس ، ليس إلى خلاف بين يمين ويسار ولكن إلى سياسة الحزب ككل وبنائه التنظيميّ . هناك سببان أساسيان :
1) علاقة الحزب بالجيش ، ودور العسكر في بناء النظام ،
2) الموقف من الجمهورية العربية المتحدة ، أي التقرب والاتحاد مع عبد الناصر .
على هذا الأساس ، عندما حاولت حكومة البيطار أن تضع حداً لتدخل الضباط العسكريين في شؤون الحكم والحزب وفي تسيير سياسة الدولة ، وفي نفس الوقت أرادت أن تعيد ـ على الأقل ـ العلاقات الحسنة مع الجمهورية العربية المتحدة تحت رئاسة عبد الناصر ، وذلك ربما لأنّ البيطار قد وقَّع على وثيقة الانفصال ويريد أن يمحيَ " عاراً " بتقربه من عبد الناصر.
عندما أرادت حكومة البيطار ، إذن ، أن تسير في هذين الخطين ، قامت حركة الضباط العسكريين في شباط 1966 ، كدفاع في الدرجة الأولى عن وجودهم وكردّة فعل مباشرة للدفاع عن النفس . من هنا يعبّر الشعار الذي رُفع بعد المؤتمر القومي التاسع الاستثنائي : ( عدا شعار تصفية الحزب من اليمين الرجعي ) ربط النضال القومي والوحدوي بالنضال الاشتراكي وتعميقه أكثر فأكثر.... وكذلك أيضاً شعار الوحدة العربية لا يمكن أن تتحقق إلاّ من خلال الحرب الشعبيّة المسلحة لتحرير الأرض الفلسطينيّة .
ليس فقط أنّ هذين الشعاريْن فارغيْن من أيِّ مضمون عملي وموضوعي ، ولكن ، وهنا المهمّ ، المقصود في الدرجة الأولى ، إحراج عبد الناصر وتعميق الهوّة بين سوريا ومصر ، وإبعاد سوريا عن الارتماء بشكل أو بآخر في شباك الحكم الناصرية وتقوية بالنتيجة العناصر والفئات الناصرية في سوريا . ضد الذين كانوا ـ من الحزبيين ـ لا يزالون ينادون بالتقارب أو الاتحاد الفيدرالي مع القاهرة ، كان جواب صلاح جديد ورفاقه من القيادة القطرية : كيف يمكن التقارب والتعاون مع نظام لا يتبنى الخط الثوري الاشتراكي والمفهوم الوحدوي الذي يقوم على الكفاح المسلح الذي أقرّه المؤتمر القومي التاسع الاستثنائي ، والذي تسير عليه سوريا . إذن ، ليس هناك من تقارب عملي ، إلاّ ضمن حدود ، وإلاّ إذا تبنّى النظام الناصريّ الخطّ الثوريّ الاشتراكيّ الوحدويّ للبعث السوريّ ، وهذا طبعاً غير ممكن ، ومحاولة تعجيز لا أكثر ...
كيف يمكن تفسير الحوادث الأخيرة التي وقعت في سوريا في أواخر سنة 1970 والتي كانت نتائجها إبعاد القيادة القطرية والقيادة القومية السورية ( صلاح جديد ، زعيّن ، ماخوس ، نور الدين الأتاسي ، إلخ ) وانتصار اتجاه حافظ الأسد ؟... ما هي وجهة نظر السياسة لاتجاه جديد وما هي الخطوط العامة لتيار الأسد ؟... في الحقيقة ، بعد نكسة حزيران سنة 1967 ، احتدم النقاش داخل الحزب حول السياسة العسكرية والعربية والداخلية في سوريا . ما هو الخطّ الجديد في هذه النواحي الذي يجب أن تسير عليه سوريا ؟... الرأي الحزبي الذي يقوده صلاح جديد يقول في الدرجة الأولى: يجب السير أكثر من أيّ وقت مضى بمتابعة الخطّ الاشتراكي الثوري ، على الصعيد الاقتصاديّ والاجتماعيّ وفي الوقت نفسه تعميق وتوسيع الكفاح المسلح والحرب الشعبيّة المسلحة لتحرير الأراضي المحتلة ...
ومن النتائج العملية لهذه السياسة، إذن، هو مقاطعة المؤتمرات العربية ورفض الحل السلمي، والسعي لعقد مؤتمرات المنظمات الشعبيّة الثوريّة والتقدميّة العربيّة ، بدل مؤتمرات الملوك والرؤساء العرب .أما الخطّ الثاني الذي تبناه حافظ الأسد ودافع عنه يمكن تلخيصه في هذا الشعار : " وحدة مناضلي الحزب لتقوية الجبهة الشرقيّة . إنّ هذا الخطّ يسعى قبل كل شيء إلى الاهتمام بالتقارب العربي على الأقل على الصعيد العسكري ، والعمل لبناء الجبهة الشرقية ، والتعاون في سبيل ذلك مع كل الفئات السياسيّة وحتى مع مختلف الأنظمة العربية، وعلى الصعيد الداخلي الانفتاح على القوى السياسيّة والاجتماعيّة التي يمكنها في هذه المرحلة مساعدة نجاح هذه الاستراتيجيّة ( حركة الوحدويين الاشتراكيين ، القوميين العرب ، الاتحاد الاشتراكي ، الحزب الشيوعي ، إلخ ). في إحدى اجتماعات المؤتمر القطري الرابع الاستثنائي المنعقد في آذار سنة 1968 ، قال حافظ الأسد : " لماذا كلكم متشنجون بالنسبة للانفتاح على الحركات الوحدوية وخصوصاً الجمهورية العربية المتحدة "؟!...
أي أننا نجد وراء كلّ ذلك الصراع السياسي ، وراء كلّ التفسيرات الأيديولوجيّة الثوريّة التي ظاهرها شعارات عنيفة وعاطفية ، يكمن موقف أساسي ورئيسي هو الموقف من الوحدة ، ومن الوحدة بالذات أو الاتحاد وقبل كل شيء مع الجمهورية العربية المتحدة ومع عبد الناصر .