إحدى المبادرات الرائدة: ترميم سوق النَّجَّارين في صيدا القديمة
إحدى المبادرات الرائدة:
ترميم سوق النَّجَّارين في صيدا القديمة
لقد شهدت مدينة صيدا القديمة في الآونة الأخيرة حركة تأهيل ناشطة لأبنية تراثية وتاريخية ومبادرات ترميم فردية قامت بها مؤسسات خاصة، ولا سيما بعد أن اجتاحت إسرائيل عسكرياً لبنان عام 1982، وتحديداً بعد انسحابها من صيدا في العام 1985. فعلى سبيل المثال فقط لا الحصر، فإن مؤسسة الحريري قد أنجزت ترميم الجوامع وإعادة تأهيلها ـ وبخاصة الجامع العمري الكبير وجامع الكيخيا التاريخييْن وغيرهما ـ والحمّامات، "حمّام الورد" و"حمّام الشيخ"، و"خان الإفرنج" وإلى غير ما هنالك… كما أن مؤسسة عودة قد قامت هي أيضاً بمبادرة فردية بإعادة ترميم دارة آل عودة القديمة التي سوف تتحوَّل إلى مركز ثقافي ومكتبة عامة والطابق السفلي، المصبنة القديمة التي حُولِّت إلى متحف تراثي حديثك متحف الصابون. كذلك دأبت مؤسسة دبانة على إنجاز ترميم وتأهيل قصر دبانة الذي كان في الأصل بيت العائلة وحولته إلى متحف ولربما أيضاً في جانب منه إلى مكتبة عامة. في هذا الإطار، جاءت مؤسسة الوليد بن طلال الإنسانية وأخذت على عاتقها إعادة ترميم وتأهيل دارة رضا بيك الصلح، قائم مقام صيدا في حينه، والتي شهدت ولادة رياض الصلح. وهذه الدار قائمة على هضبة عالية بمحاذاة القلعة البرية من الجهة الغربية الجنوبية، وتحويلها إلى مكتبة عامة ومتحف وطني. وكانت قبل ذلك مديرية الآثار قد قامت بترميم مدرسة عائشة أم المؤمنين التي تُعتبر، ببنائها الداخلي وبنقوشها وفسيفسائها وجدرانها وسقوفها، آية في الجمال والروعة من الناحية التراثية والأثرية والمعمارية. وهكذا فقد أخذت تتوالى في السنين القليلة الماضية مبادرات التَّرميم الفردية وتأهيل البيوت والمحلات والمطاعم والمقاهي بصورة تلقائية في مدينة صيدا القديمة.
في هذا السياق العام، تأتي المبادرة الرائدة لترميم سوق النَّجارين وتأهيله وتأخذ كل معناها وأهميتها، تلك المبادرة الخاصة التي قامت بها وأنجزتها جمعية محمد زيدان للإنماء…
زيارة مشروع ترميم
سوق النَّجَّارين(1)
….لقد كانت نقطة الانطلاق في هذه الزيارة لمشروع ترميم "سوق النَّجَّارين" من مكان كاتدرائيَّة مار نقولا للروم الأرثوذكس. وهذه الكاتدرائيَّة كانت قد أُنشئت في القرن الثامن (8) للميلاد.. وكانت مقسَّمة إلى قسمَيْن: قسم لكنيسة الروم الأرثوذكس والقسم الآخر لكنيسة الروم الكاثوليك، وكان ما يفصل بينهما ستـار، قبل أن تنتقـل الكنيسـة الكاثوليكية إلى خارج المدينة القديمة وتُقام في ما يسمى شائعـاً شارع الشاكريـة (أو شارع المطران) بين جامع المجذوب والجامع البرّاني…..
من هنا، ابتدأت جمعية محمد زيدان للإنماء ترميم سوق النَّجّارين في صيدا القديمة ـ وهو يُسمَّى تجاوزاً "شارع" مار نقولا للنَّجَّارين الذي يؤدي ويُكْمِله ما يُعرف بسوق النَّجَّارين ـ الذي يبتدئ من هنا ـ من كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس وينتهي آخره في سوق الخضار، (سوق الخُضرة) السابق في صيدا القديمة. يقول المهندس خضر بديع رئيس جمعية محمد زيدان للإنماء في صيدا، ورئيس الَّلجنة الفنية للمشروع، أنه تمَّ توثيق المكان بصُوَرٍ لوضعه الحالي قبل مباشرة الأعمال، ما يعني تصوير المحلات والواجهات والمنازل وشبكات الإنارة والكهرباء الهوائية، ومن ثَمَّ تمَّت عمليات التَّرميم التي شملت الواجهات الرئيسية بكامل طوابقها من حيث أعمال الحجر الرملي أو الورقة الملونة حيث يَلْزم، وإعادة تصنيع كامل الخشبيات، ثم العمل أيضاً على إنشاء شبكة جديدة للتيار الكهربائي تحت الأرض وإلغاء ما هو معلق. وقد تمَّ كذلك تنفيذ شبكة إنارة متنوعة: ففي بعض الأحيان وخاصة تحت العقود، جعلنا الإنارة بأجهزة غير مباشرة تحت الأرض، بينما تمَّت الواجهات للمحلات والمساكن عَبْر أجهزة تتناسب مع الطابع الخاص للشارع.
وليس بعيداً عن الكنيسة الأرثوذكسية، فإننا نمرّ بـ"نفق" طوله حوالي ثلاثة أمتار، نسير فيـه بمنعطف يُشكـل زاوية ذات سقفٍ يشبـه "القبـو" المظلم سابقاً والذي أضحى الآن هذا الممرّ نظيفاً ومضيئاً بلمبات كهربائيةٍ مغلَّفة بشبك من حديد، بحيث ينفتح هذا "النّفق"على ما يُعرف بـ "سوق النَّجّارين" المكشوف…
وهنا، في إحدى زوايا المكان، كان يوجد فيما مضى ما كان يُسمى "فندق عطية" ذو الشهرة الشعبية، والذي يؤدّي إليه درج متعثِّر، وذلك قبل الدخول مباشرة في هذا "النَّفق المظلم"، إذا جاز لنا التعبير….
وفي الجانب الآخر وليس بعيداً عن الكنيسة، كان يوجد أيضاً "أوتيل بكاسين". ويوضِّح المهندس بديع أنه وخلال التَّرميم، لاحظنا التصميم الخاص لهذا المبنى، فقمنا بأبحاث عديدة مع المالكين وقدماء الساكنين، فعلمنا أنه كان في بداية القرن العشرين وتحديداً في العام 1914 قد تَمَّ إنشاء هذا الفندق من قِبَل أصحاب العقار القادمين من "المكسيك". وقد سُميَ "بأوتيل بكاسين" لأن المالكين كانو من بلدة "بكاسين" قضاء جزين. وقد تَمَّ العمل على إعادة إبراز الواجهات فنياً ومعمارياً من الداخل والخارج.
* * *
هذا عمل حقيقة بالغ الأهمية والأناقة والجمال، خصوصاً بالمقارنة مع ما كان في السابق. لقد تغير شكل المكان ومنظره الآن مع رؤية أبواب المحلات بخشبها ذات اللون الجوزي والشبابيك التي تعلوها في بيوتٍ عالية نسبياً والتي ما زالت آهلة بالسكان، والمشربيّات التي أعادت بالذاكرة إلى تراث المدينة القديمة، وكذلك الدرابزين تمَّ ترميمه على النَّمط التقليدي المعروف…
* * *
ومن الملاحظ أثناء الزيارة أن هناك نوعاً من الحركة لا أقول التجارية، وإنما حركة المارة، حركة الناس وأصحاب المحلات وبعض الزائرين الصيداويين واللبنانيين أو بعض الوفود من السوّاح الأجانب… وهي حركة إلى حدٍ ما لم تكن موجودة أو معهودة في السابق أو كما كنت أعرف المكان جيداً… بل أستطيع أن أقول بأنه قد كان مكاناً في السابق أشبه ما يكون بحالة النِّزاع الأخير، إذا لم أقل "الموت البطيئ المبرم".
وعلى الهامش أقول: لقد أقيم مكان الفرن المشهور في سوق النَّجارين معمل لراحة الحلقوم الشهيرة هي أيضاً في مدينة صيدا…
* * *
في السابق، قبل عمليات التَّرميم هذه، لم يكن هذا السوق مقصوداً، ممراً أو مقصداً لسكان صيدا أو لغير السكان. أما الآن فثمة حركة نوعاً ما ملحوظة، فأخذت الناس تتردّد، رواحاً ومجيئاً، إلى هذا المكان نسبياً. لقد عاد النَّجَّارون إلى مزاولة أشغالهم إلى حدٍ ما. وكانت عودتهم إلى محلاتهم، بعد أن هجروها لكساد الأحوال والأعمال والأشغال فيها…
وفي حديث قصير مع أحد أصحاب المحلات، طَرحتُ عليه هذا السؤال قائلاً: إنني ألاحظ أن هناك حركة ناس أكثر من ذي قبل نوعاً ما، حركة سوّاح لم أكن أعهدها في السابق، فما هو سبب ذلك برأيك؟
فأجاب: هؤلاء السوّاح يأتون لزيارة خان الإفرنج، وبعد ذلك يتابعون زيارتهم مروراً من هنا، ليس أكثر من ذلك.
س: … إنني ألاحظ المنتوجات الحِرفيَّة المتنوِّعة التي تعرضونها، أخذت شكلاً ومنظراً مختلفاً عن السابق ما رأيك؟…
ج: … لا، هي، هي، كما كانت منذ زمن بعيد…
س: ما هو رأيك في عملية التَّرميم هذه؟
ج: … كل ذلك خير وبركة للبلد… شىء جميل، منظر جميل… يُلفت النَّظر إلى المحلات، وأصبحت المحلات مختلفة عما كانت عليه قبل ذلك. وهذا يثير اهتمام وانتباه الغريب والأجنبي ويُحيى السياحة والحركة السياحية، ويُحيي أيضاً تراث صيدا القديم ويُبرزه… مثلاً، أبواب المحلات كانت كلها جرّارات حديد، فتغيَّرت وأُبدلت بأبواب خشب ـ كما ترى ـ أبواب خشب جميلة. وجميع الأشرطة الكهربائية وُضعت الآن في كابلات تحت الأرض محافظة على الصحة العامة. والإنارة أصبحت أكثر أماناً وبعيدة عن أيِّ خطر داهم أو محتمل… وقد تحسَّنت إلى حدٍّ ما الحركة التجارية، نأمل أن تزداد أكثر هذه الحركة في شهر رمضان المقبل…… وليس فقط في شهر رمضان، وإنما طول العام، وهذا ما نتمناه من المسؤولين ويتمناه سكان المدينة القديمة وأهلها….
* * *
هنا، وفي هذا السياق، يشير المهندس خضر بديع إلى أن جميع المنازل في هذا الحيّ، وفي هذا السوق بالذات، هي مأهولة بالسكان، وسكانها في أغلبيتهم الساحقة من اللبنانيين والفلسطينيين ونسبة قليلة من السوريين والمصريين ـ وهم من الفئات العاملة في مدينة صيدا…
س: … في تقديرك ـ وأنت كمهندس وتعيش بحكم عملك وإشرافك على مشروع التَّرميم الذي تقوم به جمعية محمد زيدان للإنماء وأنت رئيسها ـ ما هو عدد سكان مدينة صيدا القديمة، بحسب خبرتك ومعرفتك الشخصية، بما أنه لم يجر حتى الآن إحصاء دقيق حول هذا الموضوع؟..
ج: … يجيب المهندس بديع: ليس هناك تقدير بصورة دقيقة وفعلية، والمهتمون بشؤون المدينة من مهندسين وغيرهم لا يتفقون على تقدير موحَّد. وأنا فعلاً لا أستطيع أن أجزم في هذا الموضوع.
س: … من حيث عملية التَّرميم، هل تتِّبعون هنا النَّمط نفسه والأسلوب المتَّبع في عملية التَّرميم في متحف الصابون وحيّ الشارع، التي تقوم بها وتشرف عليها مؤسَّسة عودة في صيدا القديمة؟… إنني هنا ألاحظ أن الأبواب الخشبية للمحلات مختلفة شكلاً ونوعاً وحتى لوناً…
ج: … ما حاولنا أن نقوم به هو إعادة سوق النَّجارين لطابعه الخاص القديم. وقد قدمنا بناءً على ذلك دراسة متكاملة تحتوي على تفاصيل المشروع مع الخرائط والمستندات المطلوبة لمديرية الآثار، بعد أن أخذنا بطبيعة الحال موافقة بلدية صيدا، ومن ثم تَمَّ التَّنفيذ بناءً على الموافقات الرسمية.
س: … هل تتقيَّدون بالنَّمط المعماري والشكل الذي كان سائداً وموجوداً في السابق، وقبل القيام بعملية التَّرميم؟…
ج: … ليس بالضرورة… ليس بمعنى التقدير الأعمى، هناك مرونة في التعاطي بشأن التَّرميم مع احترام الأصول.
س: … من حيث الأبواب والشبابيك والمشربيّات، إلخ…
ج: … ليس الأمر إعادة نسخ ما كان موجوداً، هناك بعض التعديلات في المواد المستعملة، مثلاً، لم نتمكن من توفير كمية الخشب القطران، الكمية الكبيرة لهذا المشروع، عملنا في هذه الحالة على اعتماد الخشب السواد باب أول، مع معالجته لتحمله مياه الأمطار وأشعة الشمس، وإظهاره بلون يناسب المكان. حاولنا قدر الإمكان العودة إلى التفاصيل المعمارية التي كانت عليها الأبواب والقناطر الخشبية والمشربيات والشعيريات، بعد أن تَمَّت إزالة كل ما هو دخيل كالأبواب الجرارة للمحلات التجارية وخلافه.
س: … كيف كان تعاون السكان مع هذا المشروع؟
ج: … لقد تجاوب السكان بمجملهم معنا، وإن كان هناك بعض الاستثناءات. والكثيرون منهم كان تعاونهم معنا جيداً. ونحن من جهتنا، كنا قد ساعدناهم كثيراً…
س: … هل واجهتكم صعوبات؟ وما هي؟
* * *
ج: … طبعاً واجهتنا صعوبات، ففي هذا المكان يقطن عشرات العائلات، وهم جزء من المجتمع، منهم ما كان إيجابياً منذ اللحظة الأولى والبعض الآخر توصلنا مع الوقت إلى بناء علاقة وُديَّة مع الجميع، خاصة وإننا على علاقة يومية بهم للإطلاع على سير المشروع.
أما عن المشروع المستقبلي للجمعية، فيخبرنا المهندس بديع أن الجمعية قد أنهت دراسة ملف سوق الخضار القديم وسوق الكندرجية حتى نهاية سوق الحياكين، وقد تمّت الموافقة عليه من قِبَل بلدية صيدا ومديرية الآثار، وسيباشر قريباً تنفيذ الأعمال فيه.
وحول تكاليف التِّنفيذ يشير المهندس بديع إلى ناحية مهمة وهو أن الأعمال تمّت بالأمانة ومباشرة من الجمعية إلى فريق العمل المنفِّذ، حيث أعطيت الأولوية في اختيار المعملين والعمال لأهل المدينة، وهذا ساعد بالتالي على حماية المشروع وتنفيذه بالكلفة المباشرة والفعلية.
* * *
… وهنا نلتقي بحسين القيسي وهو المكلَّف بحراسة ونظافة الحارة من قِبَل الجمعية حتى يتمّ تنظيم أعمال الصيانة الدورية للحفاظ على المشروع، وهو من سكان المنطقة، فسألناه:
س: لنتحدَّث موضوعياً وبصراحة، هل برأيك استجدَّت، بعد عملية التَّرميم وتأهيل سوق النَّجارين، الحركة التجارية أو الحركة السياحية نوعاً ما في هذا الشارع؟… أنا أعرف جيداً هذه الأحياء، وهذا السوق تحديداً، وكنت أمرّ من هنا أحياناً كثيرة ـ سواءٌ مع طلابي الجامعيين أو غيرهم ـ لم أكن ألاحظ أيَّ حركة، وإنما كنت أرى النَّجارين الحِرفيين في سباتٍ أو في حالة من الإغفاء شبه تامة. أما الآن وأثناء هذه الزيارة الخاطفة، فقد شاهدت نوعاً من الحركة، كثرة المارة رواحاً ومجيئاً…
ج: … صحيح، صحيح، أخذ السوّاح يمرون من هنا أكثر من السابق، وخصوصاً بعد زيارتهم لخان الإفرنج، وحتى من الزوّار الصيداويين أو غير الصيداويين لسبب أو لآخر. فيرون حِلَّة هذا الشارع (السوق) الجديدة، والجميلة، فيتحدثون إلى الآخرين. وهكذا تزداد الحركة نوعاً ما أكثر فأكثر مع الوقت وخصوصاً في شهر رمضان…
س: … وهل تلاحظون أن هناك اهتماماً من وزارة السياحة أو مكتب السياحة في صيدا بموضوع رعاية السياحة الداخلية أو الخارجية، وتنشيطها وإثارة الاهتمام بها، بما لمدينة صيدا من أهمية تاريخية وأثرية وتراثية، أم أن مسألة السياحة متروكة للصدف وللظروف وكيفما تأتَّت؟!…
ج: … يمرّ من هنا بين حين وآخر وفود من السّوّاح غالباً ما يكونون من الأجانب… هذه مثلاً مجموعة صغيرة من السوّاح الأجانب، آتية لا شك من "خان الإفرنج"… [وهنا أتحدث مع شخص من هؤلاء السوّاح: فهم فرنسيون من باريس، نحو ثمانية أشخاص، رجال ونساء. وعندما تسألهم عن رأيهم في هذا الشارع، فيجيبون بأنه جميل جداً… وأنهم أعجبوا بطابعه الخاص التقليدي والتُّراثي. ويقولون بأنهم وصلوا حديثاً إلى لبنان والآن جاؤوا مباشرة إلى مدينة صيدا وسيتابعون رحلتهم السياحية في الأيام القليلة القادمة…]
* * *
ويتابع أخيراً رئيس اللَّجنة الفنيّة للمشروع المهندس بديع حديثه حول خيارات مشاريع المستقبل، فيقول: أما أحد خياراتنا المستقبلية الذي هو لا يزال حتى الآن ضمن خيارات أخرى، فهو مشروع ينطلق مبدئياً من مقهى حلبون (أي جنوبي بحر العيد سابقاً ونقابة الصيادين حالياً) ويُسمى الآن مقهى العيساوي، إلى آخر طريق حارة عمر الجلالي. ومن مدخل حارة عمر الجلالي صعوداً شرقاً حتى محل المختار عباس السكافي. وهذه أحياء من صيدا القديمة وغيرها أيضاً لم يفكر فيها أو يشتغل عليها أحد، وهي في قلب مدينة صيدا التاريخية والتُّراثية. وسوف تكون عمليات التَّرميم على هذا النَّمط وبهذا المستوى المعماري الذي نشاهده، ولربما ستكون أيضاً أحسن من ذلك وأتقن، لأننا نحن سوف نكون قد تعلمنا وازددنا معرفة وخبرة وتجربة.
* * *
مقابلات حول
المشاريع العمرانيّة والبيئيّة والصحيّة في صيدا
…. أسئلة عديدة، ملحَّة ومعقَّدة، مطروحة حول أبرز المشاريع العمرانية الحيويّة وأهمّها بالنسبة إلى الرأي العام من الناحية الاجتماعيّة والبيئيّة والصِّحيّة والثقافيّة… وهذه المشاريع، إما أن تكون قد نُفِّذت أو هي قيد التَّنفيذ أو هي ملحوظة في المستقبل المنظور أو أنها أُجِّلت إلى أجل غير معلوم حتى الآن.
فنحن نسعى في هذا المجال، وقبل إتمام هذا الملفّ الضَّخم وإنجازه حول مشاريع صيدا العمرانيّة، إلى أن تكون الخاتمة، أو إذا شئت، الخلاصة العامة، متضمِّنة ما وصلت إليه هذه المشاريع من حيث التَّنفيذ في نهاية المطاف. فحملنا من أجل تحقيق هذا الغرض، مجموعة من الأسئلة الملحَّة والمقلقة والشائكة، وهي أسئلة في الواقع يطرحها الرأي العام والمواطن الصيداوي بإلحاح شديد، تصل في كثير من الأحيان إلى حدِّ الاعتراض والمعارضة الصريحة والتظاهرات الاستنكاريّة، غالباً ما تكون شديدة اللَّهجة، وتوجَّهنا بها إلى المسؤولين في بلدية صيدا، السَّابقين والحاليّين، وإلى المهندسين والاختصاصيين المهتمّين عن قرب، بشكل أو بآخر، بالشأن العمراني العام والتَّطوُّر الاجتماعي لمدينة صيدا، وطلبنا منهم جميعاً الإجابة عنها بكل صراحة ووضوح وعلمية، كل بحسب اختصاصه والمعلومات والمستندات المتوافرة لديه والتي هي في حوزته.
كما أننا نحن من جهتنا سوف نعمل على نشرها بنصِّها وحرفيَّتها كما وردت إلينا وقُدّمت لنا، وذلك بعد الموافقة عليها. وسوف نقوم في الوقت نفسه ببذل الجهد العلمي والبحث الموضوعي ليكون هذا الملفّ العمراني الكبير في أجزائه الثلاثة وثيقة علمية تاريخية شاملة ومفيدة لكل مسؤول وباحث في شؤون مدينة صيدا وتطوّرها التاريخي والاجتماعي.
وهذه الأسئلة نوردها بصيغتها الأوليَّة كما يلي:
س: … أين أصبح في الوقت الراهن تنفيذ مشروع إزالة مكب النِّفايات أو كما يُقال "جبل النِّفايات" الجائم على صدر خليج اسكندر، عند المدخل الجنوبي لمدينة صيدا، وذلك بعد عقد الاتفاقيّة منذ أكثر من أربع (4) سنوات بين بلدية صيدا ومؤسسة الوليد بن طلال الإنسانيّة عَبْر شركة الجنوب للإعمار (تشرين الأول 2004)؟… هل هناك من عقبات أو صعوبات إداريّة أو تقنيَّة أو سياسيّة أو خلافه في عملية التنفيذ؟ فإذا كان الأمر كذلك، فما هي وكيف يمكن تجاوزها؟…
س: … كذلك وفي المنحى ذاته، إلى أين وصل تنفيذ مشروع تجميع مصبّات مياه الصرف الصحّي، وإنشاء محطة لمعالجته (محضر اجتماع مجلس الوزراء في 23/8/1995)… ماذا تمّ تنفيذه من هذا المشروع حتى الآن، هذا مع العلم أن مجلس الإنماء والإعمار كان قد لزّم في نيسان عام 2001، بناء محطة تكرير مياه المجارير المبتذلة (من القرض الياباني) جنوبي صيدا في مساحة أرض تقدّر بحوالي 22 ألف م2 في سينيق وقد بوشر في التنفيذ آنذاك… فكانت المرحلة الأولى لمدة سنتين (2) تكرير المياه المبتذلة من رواسب المواد الصلبة فقط، على أن تكون المرحلة الثانية دفع الرواسب المبتذلة إلى عمق البحر.
س: … في السياق نفسه فإن السؤال المطروح حول مشروع بناء معمل معالجة النِّفايات المنزليّة الصلبة، الذي يُقام في سينيق على مساحة 38 ألف م2 (38 دونماً)… تقوم الشركة العامة للبناء والمقاولات (جينيكو) بردم البحر واستصلاح الأرض، ما هو نوع الاتفاقيّة التي تمَّت بين بلدية صيدا وشركة I.B.C. صاحبة بناء المعمل ومديرها المهندس حمزة المغربي؟… ما هي شروط هذه الاتفاقيّة ونظامها الأساسيّ وعناصرها ومدة التنفيذ؟… والمساحة المردومة، تعود لمن: لبلدية صيدا كأملاك عامة، أم للشركة صاحبة المشروع… إلخ؟!… ما هي الصعوبات التي واجهت هذا المشروع، ماليّة، إداريّة، سياسيّة؟…
س: … الأوتوستراد (أو الكورنيش) البحريّ! ماذا نُفِّذ منه وما لم يُنفَّذ حتى الآن، وأين وصلت الأشغال والتعديلات الملحوظة من الناحية الفنيّة والتنفيذيّة؟ وهل سيكون عملياً وفعلاً طريقاً سريعاً أم بطيئاً، وهل سيسمح لمرور الشاحنات الثقيلة فيه، وهل سيبقى كما هو حاصل الآن مرآباً لجميع السيارات من كلّ نوع أو ممراً وطريقاً للجنوب اللبنانيّ؟…
* * *
س: … مشروع الواجهة البحريّة لمدينة صيدا الذي أُقرّ منذ ما يقرب من عقد من الزمن أو أكثر، بموجب مرسوم 7593، يجيز إنشاء شركة لبنانية لتطوير ساحل منطقة صيدا: هل ما زال ملحوظاً تنفيذه أم مؤجل إلى أجل غير مسمّى؟… وإلى متى؟… ما هي العقبات التي تقف في وجه تنفيذه حتى الآن: هل هي ماليّة، إداريّة، سياسيّة أو غير ذلك؟…
س: … ثم أخيراً ما يهمُّ أيضاً معرفته بالنسبة إلى الرأي العام الصيداوي على وجه الخصوص، هو حول مشروع إقامة مرفأ تجاريّ في مدينة صيدا، بعدما قامت الضجة الكبرى طوال التسعينات من القرن الماضي حوله وأقيمت المباراة من أجله، وأقرت الدراسات وأدخلت عليها كثيراً من التعديلات؟… هل توقف نهائياً أو موقتاً، لماذا؟ وما هي الأسباب: ماليّة، سياسيّة (معارضة) أو غير ذلك…
س: … هناك أيضاً موضوع من الأهمية معرفته والحديث عنه وهو مشروع الإرث الثقافي والتنمية المدينيّة، وما مدى قيمته المعمارية وفائدته الاجتماعية داخل مدينة صيدا الذي يقوم به مجلس الإنماء والإعمار، ما هي مواصفات هذا المشروع، وهل سيكون نموذجاً لمسارات تراثيّة وثقافية وسياحية أخرى شبيهة في المدينة؟…
* * *
س: … وهناك أيضاً أسئلة أخرى من الأهمية طرحها ومناقشتها، وهي على سبيل المثال فقط تتعلق بـ : توسعة الطريق السلطانية (الخرائط معدّة وموجودة)، وكذلك إنشاء الحدائق العامة في صيدا، داخل المدينة القديمة أو خارجها…. القشلة وترميمها وإعادة تأهيلها ومعها القلعة البريّة…. والملعب البلديّ الذي أُنشئ في عهد رئيس الوزراء رياض الصلح في أواخر الأربعينات من القرن العشرين، وتحوّل فيما بعد تحت اسم المدينة الرياضيّة في صيدا: فلا هي مدينة، ولا رياضيّة… فما هو وضعها الآن وكيف ستكون عليه في المستقبل، كي تؤدي وظيفتها وتلبّي حاجة المدينة في تنشيط الحركة الرياضيّة والثقافيّة… إلخ… إلخ…
* * *
وهنا تجدر الإشارة إلى أننا كنا قد طلبنا وبشئ من الإلحاح من المهندس أحمد الكلش إجراء حديث مطوَّل معه حول تجربته في رئاسة بلدية صيدا مدة عشرين (20) سنة متتالية (1978 ـ 1998) وحول قضايا المدينة العمرانية والإنشائية والاجتماعية والبيئية ولكنه للأسف الشديد كان يعتذر في كل مرة. كذلك كنا قد اتصلنا بالمهندس وليد بعاصيري، رئيس مجلس إدارة مصلحة استثمار مرفأ صيدا وطلبنا منه إجراء مقابلة معه حول مشروع مرفأ صيدا التجاري الذي كان يجري الحديث عنه مطوَّلاً واتخذ مجلس الوزراء قراراً بهذا الشأن (مرسوم رقم 7593، تاريخ 25/10/1995)، ثم توقف فجأة البحث في الموضوع. من هنا أردنا الاستفهام منه مباشرة حول هذا المشروع بالغ الأهمية بالنسبة لمدينة صيدا. ولكنه لم يجبنا على طلبنا، لا سلباً ولا إيجاباً…
هذه هي مجمل الأسئلة أو الاهتمامات الملحَّة والشائكة والمعقَّدة التي تشغل بال الرأي العام الصيداوي بصورة عامة والاختصاصيين من مهندسين واقتصاديين ونقابيين وأصحاب المهن الحرَّة ومؤسسات المجتمع الأهلي وغيرهم على وجه التحديد. فحملنا هذه الأسئلة وطرحناها على: المهندس هلال قبرصلي رئيس بلدية صيدا (1998 ـ 2004)
الدكتور عبد الرحمن البزري رئيس بلدية صيدا الحالي (2004ـ …)
المهندس المعماري رهيف فيّاض، رئيس هيئة المعماريين العـرب
المهندس المعماري الدكتور غازي مكداشـي، الحائز على الجائزة الثانيـة مناصفـة في مباراة التحكيم لواجهة مدينة صيدا القديمة
المهندس محمود دندشلي رئيس لجنة التخطيط والأشغال في المجلس البلدي الحالي..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1) ـ لقد قمنا بزيارة مشروع ترميم سوق النَّجَّارين الذي قامت بتنفيذه جمعية محمد زيدان للإنماء، برفقة المهندس المعماري خضر بديع رئيس الجمعية ومدير المشروع، وذلك صباح يوم الإربعاء الواقع فيه 20 آب 2008، قام بالتسجيل والمقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي. وقد حافظنا على الجوِّ العام، العفوي والتلقائي واللَّهجة المحكية لهذه الزيارة…