النهار ــ مراسلون بلا حدود" في التصنيف السنوي للحريات الصحافية في العالم: الإعلام العربي في تردٍّ مستمر ولا راحة للإعلاميين نتيجة القمع
"مراسلون بلا حدود" في التصنيف السنوي للحريات الصحافية في العالم:
الإعلام العربي في تردٍّ مستمر ولا راحة للإعلاميين نتيجة القمع
جرياً على عادة منظمة "مراسلون بلا حدود" العالمية المدافعة عن الحريات الاعلامية في "التصنيف السنوي لحرية الصحافة" في نسخته التاسعة، احتلت دول مثل فنلندا وايسلندا ونروج وسويسرا المراكز الاولى في حرية الاعلام والصحافة وقدمت نموذجاً يحتذى به، في موازاة التردي المستمر في اوضاع الصحافة في العالم الثالث بما فيه الدول العربية التي وان سجلت في التقارير السابقة بعضاً من التقدم الا انها عادت لتتراجع ولتسقط في ما وصفته المنظمة حالة "اللاراحة للصحافيين في الانظمة الديكتاتورية". وانضمت رواندا واليمن وسوريا وميانمار وكوريا الشمالية إلى خانة البلدان الأكثر قمعا في العالم حيال الصحافيين.
ولاحظ تقرير المنظمة "ان التطور الاقتصادي وإصلاح المؤسسات واحترام الحقوق الأساسية لا تتفق بعضها مع بعض بأي شكل من الأشكال"، معتبرا ان الدفاع عن حرية الصحافة "معركة بكل ما في الكلمة من معنى، من أجل البقاء في تيقّظ دائم في ديموقراطيات أوروبا القديمة، ومعركة ضد الظلم وفي سبيل العدالة في الأنظمة التوتاليتارية التي لا تزال متناثرة في العالم". وفي هذا السياق، نوهت المنظمة بمحرّكي حرية الصحافة في فنلندا وايسلندا ونروج وهولندا وأسوج وسويسرا، واشادت بعزم الناشطين الحقوقيين والصحافيين والمدوّنين في أنحاء العالم "الذين يدافعون ببسالة عن حق الاستنكار والتنديد ولا يزال مصيرهم يشغل بالنا(...)".
وأضافت: "ما يثير القلق هو أن عدداً من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ما زال يخسر المراكز في التصنيف العالمي. وما لم يستدرك الاتحاد الأوروبي الوضع، فقد يخسر مكانته كرائد عالمي في مجال احترام حقوق الإنسان. فكيف له أن يبدو مقنعاً عندما يطلب من الأنظمة الاستبدادية إخضاع سياساتها للتحسينات". واعرب التقرير عن قلق المنظمة حيال تشدّد بعض الحكومات، مشيرا الى انضمام رواندا واليمن وسوريا وميانمار وكوريا الشمالية إلى خانة البلدان الأكثر قمعية في العالم حيال الصحافيين. "وهذا التوجّه لا يبشر بالخيرلسنة 2011" .
الاتحاد الأوروبي يفقد الريادة
وأبرز التقرير قلقه من تدهور "وضع حرية الصحافة في الاتحاد الأوروبي". وأشار الى أنه "من أصل 27 بلداً عضواً في الاتحاد، ثمة 13 بلداً في المراكز العشرين الأولى بينما احتلّ 14 بلداً مراكز أدنى. ويتربع البعض على مراكز دنيا: اليونان (المرتبة 70)، بلغاريا (70)، رومانيا (52)، إيطاليا (49).
وفي تحليل لواضعي التقرير انه لا يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي مجموعة متجانسة من حيث حرية الصحافة. وينطبق هذا الوضع على فرنسا وإيطاليا اللتين شهدتا حوادث وأحداثاً بارزة هذه السنة، مما أكّد عجزهما عن عكس الاتجاه السائد: "انتهاك حماية المصادر، تركّز وسائل الإعلام، ازدراء السلطة السياسية بالصحافيين وعملهم واستدعاؤهم أمام القضاء".
وعلى رغم هذه الصورة المفاجئة عن اوروبا الا ان دولا في القارة العجوز لا تزال تتقاسم المركز الأول، مثل: فنلندا، ايسلندا، نروج، هولندا، أسوج وسويسرا. وهي تحتل صدارة التصنيف منذ إعداده للمرة الأولى عام 2002. وتشكل هذه الدول الست مثالاً يحتذى في مجال احترام الصحافيين ووسائل الإعلام وحمايتهم من الملاحقة القضائية. حتى أنها مستمرة في التقدّم شأن أيسلندا التي اقترحت مشروع قانون نموذجياً وفريداً من نوعه في العالم في هذا الصدد هو "المبادرة الايسلندية لوسائل الإعلام الحديثة". ويتميز بلد مثل أسوج بإطاره القانوني (قانون حرية الصحافة) الذي يصب في مصلحة ممارسة مهنة الصحافة وقوة مؤسساته واحترام السلطات المضادة، بما في ذلك الصحافة، في الأداء السليم للديمقراطية.
وفي لائحة الدول العشر الاولى الاكثر سوءاً من حيث التعامل مع الصحافيين واضطهادهم والافتقار الكامل للإعلام، لا يزال وضع حرية الصحافة في تدهور مستمر حتى بات يصعب التمييز بين دولة وأخرى وإعداد هرمية معيّنة. ففي 2010، بات فارق النقاط بين البلدان العشرة الأخيرة 24,5 بينما كان 37,5 نقطة في 2009 و43,25 نقطة في 2007. واللافت ان كوبا لا تنتمي الى هذه المجموعة. ويعزى هذا التقدّم أساساً إلى الإفراج عن 14 صحافياً و22 ناشطاً خلال صيف 2010 مع أن الوضع الميداني لم يشهد أي تقدّم فعلي في ظل رقابة وقمع لا يزالان الخبز اليومي للمعارضين السياسيين والإعلاميين. وهذه الدول السيئة الذكر للحريات الصحافية هي: ميانمار، أفغانستان، باكستان، الصومال، المكسيك، وتعتبر الأكثر خطورة في العالم، ويستهدف فيها الصحافيون بشكل مباشر.
أرقام دموية معبرة
وكشف تصنيف 2010 تباينات كبيرة في أوضاع حرية الصحافة، إذ تقدّمت البرازيل (المرتبة 58) في حين أن الهند تراجعت 17 مركزاً وباتت في المرتبة 122. أما روسيا التي اتشحت بالدموية في العام الماضي فلا تزال تحافظ على مركزها السيئ (المرتبة 140). وحتى لو كانت الصين تضمّ عالم التدوين الأكثر حيوية وتعبئة، إلا أنها لا تزال مستمرة في قمع الأصوات المعارضة وسجنها (...)
العرب: تراجع مستمر
اما في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا فأشار التقرير الى استمرار التراجع اذ سجل التقرير تراجع المغرب ثماني مراتب نتيجة توتر السلطات بشأن مسائل مرتبطة بحرية الصحافة ومنها إدانة صحافي وسجنه سنة، والإغلاق التعسفي لإحدى الصحف، والاختناق المالي الذي نظّمته السلطات ضد صحيفة أخرى، الى ممارسات اخرى. وتنطبق الملاحظة نفسها على تونس التي انتقلت من المرتبة 154 إلى المرتبة 164 نتيجة ما وصفته المنظمة بـ"سياسة القمع التلقائي التي تنفذها السلطات التونسية ضد أي شخص يعبّر عن فكرة مخالفة للنظام". ولا يختلف الوضع في سوريا التي تراجعت بمعدل ثماني نقاط واليمن بمعدل ثلاث نقاط حيث تتقلّص مساحة حرية الصحافة إلى حد كبير. ولا تزال عمليات الاحتجاز التعسفي مستمرة وكذلك التعذيب. أما إيران فلا تزال تحافظ على مكانتها في أسفل التصنيف لا سيما أن القمع الذي انقضّ على الصحافيين ومستخدمي الإنترنت غداة إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد في حزيران 2009 قد ازداد في 2010، على ما ذكر التقرير.
اسرائيل
واشارت المنظمة الى استمرار الجيش الاسرائيلي في ممارساته ضد حرية الصحافة كما يتضح من حالات الصحافيين الأجانب المعتقلين في قافلة السلام في أيار الفائت، او الصحافيين الفلسطينيين الذين باتوا أهدافاً دائمة لنيران الجنود الإسرائيليين، وفي جنوب لبنان حيث قتل صحافي لبناني في آب الماضي. وتنطبق الملاحظات نفسها على الأراضي الفلسطينية التي كسبت 11 مرتبةً في 2010 (150 بدلاً من 161)، نتيجة ممارسات وصفتها المنظمة بأنها "أقل خطورة" مما كانت في 2009 حتى لو كان الصحافيون لا يزالون يدفعون ثمن المعركة الحادة بين حركتي "حماس" و "فتح".
وفي الجزائر، تراجع عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الصحافيين على نحو ملحوظ، ما يفسر تقدّم هذا البلد 8 مراتب في التصنيف العالمي. وبين عامي 2008 و2009، تراجعت الجزائر 20 مرتبة بسبب تعدد الدعاوى القضائية. وكسب العراق 15 مرتبة (130) نظراً إلى تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد على رغم مقتل ثلاثة صحافيين بين 1 أيلول 2009 و31 آب 2010، من بينهم اثنان تعرّضا للاغتيال. ومنذ ذلك الحين، توفي ثلاثة في غضون شهر منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية آب بما يسجل بداية لحقبة جديدة.
وسجل التقرير تراجعاً في اوضاع الحريات الصحافية في الخليج العربي، واشار الى البحرين التي تراجعت في التصنيف من 119 إلى 144. ويمكن تفسير هذا التراجع بازدياد عدد الاعتقالات والمحاكمات، خصوصا تلك الموجهة ضد المدونين ومستخدمي الإنترنت. وسجّلت الكويت أيضاً انخفاضاً ملحوظاً في التصنيف بخسارتها 27 مرتبة، فإذا بهذا البلد ينتقل من المرتبة 60 إلى المرتبة 87 بسبب تنكيل السلطات بالمحامي والمدوّن محمد عبد القادر الجاسم المسجون مرتين إثر رفع قضايا من شخصيات مقرّبة من النظام ضده، بما يتنافى مع رغبة السلطات نفسها في إعطاء صورة كأول ديموقراطية في الخليج.
بيار عطاالله