أكرم الحوراني-هل الإسلام رجعي كما يطرحه الكثير من الإسلاميين
مأخوذ عن تسجيل صوتي
لأكرم الحوراني
سنة 1987
سؤال من أحد الحاضرين : عند السؤال عن المشاعر الدينية وارتباطها بالعروبة والدوافع للتغيير التقدمي في الدول العربية ، فإن غموضاً يُطرح هنا عن دور الإسلام في هذا التغيير ، هل الإسلام رجعي كما يطرحه الكثير من الإسلاميين ؟...
جواب أكرم الحوراني : عندما نستحضر الثورة الجزائرية ، فهنالك سؤال يُطرح بإلحاح : هل كانت القومية العربية هي الأساس الأيديولوجي للثورة ؟... صحيح أن الأسس القومية للثورة كانت بارزة ، إلا أن مَن وضع الأسس الأيديولوجية للثورة كان ابن باديس وكان بربرياً ولم يكن لا اشتراكياً عربياً ، ولا بعثياً ، كان ابن باديس إسلامياً متحرراً وتقدمياً ، ومن إلحاحه على تعليم اللغة العربية في مواجهة الثقافة الفرنسية . والثورة في إيران ، هل نستطيع أن ننفي العامل الإسلامي القوي في الثورة ؟... إن الشعور الإسلامي هو شعور طبيعي وأصيل عند العرب ، ارتبط مع حضارتهم ارتباطاً وثيقاً ، مثلما هو الشعور الكاثوليكي في بولونيا ، شعور طبيعي كان له دور في إسقاط حكم الحزب الواحد . نحن لسنا شيوعيين وآراؤنا لا تعتمد على تنظير بعيد عن الواقع . فنحن أكثر واقعية . فهذا يعني بأننا أكثر علمية في تفكيرنا في هذا المجال . أقول في نفسي : أنا مسلم ولو كنا ملحدين لأعلنا ذلك على رؤوس الأشهاد ، لكننا نحاول أن نفهم الإسلام بصورته الأكثر صفاءً بعيداً عن رواسب العصور ، وهي بمجملها رواسب علقت به بعد صدر الإسلام خلال عصور الانحطاط .
وكان للسلطة الحاكمة والتنافس السياسي دورٌ مهمٌ في هذا التشويه . كل هذا أبعد المفاهيم الإسلامية عن صفائها وعقلانيتها ونظرتها المتسامحة بالنسبة لرعاياه من أصحاب الديانات الأخرى وحتى إنه كان متسامحاً مع غير المؤمنين بالله .
إن تردي الواقع الذي يعيشه العرب وانحرافات الأنظمة وسقوط الكثير من التجارب التي تدَّعي الانتماء إلى اليسار والعروبة ، قد أفسح المجال لفهم شعبي للإسلام أحادي النظرة ، والشعب في هذا معذور ، وأتاح للمؤسسات الدينية أن تستأثر بالطموح الإسلامي الصحيح أحياناً والمغلوط في أغلب الأحيان . مع أن هذه المؤسسات أو الأحزاب أو الأفراد لا يستطيعون ادعاء شرعية الوصاية على الدين ، أي لا يوجد لأحد الأفضلية في الدفاع عن الإسلام .
في أيام عمر بن الخطاب ، لا يستطيع عمر أن يقول لأصغر المسلمين شأناً : أنا أفقه الإسلام أكثر منك . أما مفهوم المشايخ والمعمَّمين ورجال الدين ، فقد ابتدأ هذا في القرن الرابع الهجري ، وقبلها كان الناس يتفقون : أن يقيم الخطبة والصلاة أكثرهم أخلاقاً وأن يؤذن فيهم أجملهم صوتاً ( يعني أنا إذا وضعت لفَّة وأطلت لحيتي تحولت إلى شيخ (1)) الجميع يضحكون ...
بالمجمل أقول إن الإسلام لم يقبل بوجود طبقة من رجال الدين أو طبقة الإكليروس ، كما في الأديان الأخرى بكل رتبها وتدرجاتها ، بل إن الدين هو دين الأمة جمعاء لا وصاية لطبقة أو لأفراد أو لحزب ديني عليه .
ولكن للأسف لم تستطع القيادات السياسية وحركتنا واليسار بمجمله توظيف المفاهيم الدينية لمصلحة الأمة ، بل على العكس ، فمثلاً ، قبل أن نؤسس الحزب العربي الاشتراكي كنا في حزب الشباب وكان بعض أفراد حركتنا يسكرون علناً وبعضهم على قلة عقله يشرب السجائر في رمضان علناً وأحدهم ولن أذكر اسمه (2) أصبح فيما بعد في قيادات البعث ثم ناصري ثم أنهى حياته معتكفاً في الجامع ، كان يقول : إن الله في كل زمان ومكان ، فهو في هذه " الكبريتة " ويدوس عليها !
هذه التصرفات استغلت من قبل الإخوان المسلمين في حماه لاتهامنا بالإلحاد واستغلال الدين لأغراض سياسية . ولكني أذكر على عكس هذه الصورة أن الشباب كانوا يخرجون من مدرسة التجهيز للمذاكرة ويطرحون الأسئلة : ما رأيك يا أستاذ بحركة الأخوان المسلمين في مصر ؟... هذا في العام 1947 ، وقد أجبت آنذاك : نحن نعتقد أن الحركة في مصر هي حركة شعبية . ففي ذلك الوقت تحالف الأخوان مع الشيوعيين للمطالبة بالإصلاح الزراعي في مصر . كما أن حركة الأخوان سنة 1948 أدخلت المجاهدين إلى فلسطين . هذا الحديث ذكرني به بعد 45 عاماً عدنان سعد الدين في بغداد ، وسألني أيضاً أن خليل كلاّس دافع عن حركة الأخوان المسلمين في المجلس النيابي وهل هذا كان رأيه الخاص ؟... فأجبت : خليل (الكلاس) هذا رأيه منذ بداية حركة الشباب . لم يتصور عدنان سعد الدين أن مسيحي واشتراكي عربي ويدافع عن حركة الأخوان المسلمين .
إن الولايات المتحدة وإسرائيل تحاول حصر الصراع بين الأخوان المسلمين و(السياسية) الطائفية ، وأعتقد بأن الاتجاه الوطني هو البديل الحقيقي في مثل هذه الظروف ، ان التعاطف الذي تمتَّع به الأخوان المسلمون كان بسبب الكراهية العامة للنظام القائم (في سورية). وقد نكون نحن قد ساهمنا بتضخيم هذا التعاطف ، لأننا وقفنا إلى جانبهم قبل مذبحة حماه وبعدها ، كنقيض للنظام القائم . أمّا بعد المذبحة فإن التأييد الشعبي للأخوان قد انحسر كثيراً . ما قبل المذبحة الكثير من قواعدنا في حركتهم بسبب غياب الترشيد المعاكس من قبلنا ، بسبب سياسة كم الأفواه التي اتبعها النظام . وأيضاً ففي جو القهر والتعذيب والفساد والطائفية والقضاء على الحرّيات ، كان طبيعياً أن يتنامى التطرف وأن يوجد خارجياً من يشجعه، وأن يوجد أشخاص يقدمون بدمٍ بارد على ما حدث في حلب في مدرسة المدينة ، عندما قام أحد المدربين بفرز الطلاب السنّة إلى جانب والعلويين إلى جانب وقتل كما قيل ثمانين طالباً علوياً وحتى نسبة العلويين في المدرسة كانت فضيحة بالنسبة للنظام . ثم كرت السبّحة وابتدأت الاغتيالات العشوائية والتي قوبلت من قبل النظام بوحشية مماثلة ، والكثير من الاغتيالات الطائفية اتهم بها النظام لتصفية معارضيه ضمن الطائفة العلويّة .
وأعود هنا إلى الماضي ، وإن قطعت سياق الحديث : في الماضي كان للغرب مصلحة في الضغط على الاتجاهات التقدمية ودعم التيارات الدينية . إن المعركة الانتخابية التي جرت بين الشيخ مصطفى السباعي وبين رياض المالكي كان هنالك بذٌّ للأموال ، وهذا على العكس كان يعزز مواقعنا الانتخابية خصوصاً في الشام التي اعتبرتها الرجعية مركزها الأساسي .
( هنا طُرح السؤال غير مفهوم )
جواب : طرحت حركتنا قضية الفلاحين اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ليس فقط بتمليكهم الأرض ولكن لجعلهم يشاركون في الحياة العامة ، ولكن الأخوان المسلمين والإقطاع طرحوا النقيض على ذلك . وهذا التحالف قائم حتى الآن .
نعتوا دعوتنا بالشيوعية وأن هذا ضد الدين وضد الإسلام لأنّ الإسلام يصون المِلكية وهي حق مطلق . كان من الممكن أن يلقى هذا الكلام آذاناً صاغية وخصوصاً في مناطق الفلاحين السنّة الذين كان الإقطاع أقل أذى عليهم من الإقطاع على العلويين أو الإقطاع العلوي على العلويين . ففي كثير من الأحيان كان الوضع أشبه بالعبودية ، وقبل أن تتزوج الفتاة في كثير من الأحيان كان عليها أن تزور الآغا . طبعاً أنا لا أريد أن أنشر مثل هذا الكلام وحتى في السابق كنّا لا نتحدث في مثل هذه المواضيع .
كنّا نحاجج المتعصبين بموقف عمر بن الخطاب بالنسبة للفيء (الأرض) والأزمة الفكرية والنفسية التي عاناها ، بسبب أن القرآن ينص على توزيع الغنائم بين الفاتحين وبين بيت المال ، القضية بالنسبة للأموال سهلة ولكن المسألة الآن تتعلق بالأرض ، وفي هذه الحالة فإن كلاًّ من الفلاحين سيمتلك أملاكاً شاسعة ، ولكن عمر قد خرج عن الآية الواضحة في هذا الموضوع وترك للعلوج (أي غير العرب) الموجودين في الهلال الخصيب حق التصرف في هذه الأراضي وأن يدفعوا لبيت المال ، وأن أساس الرقبة في بيت المال .
مداخلة : حق الرقبة يعني المِلكية ؟...
أكرم الحوراني : في عهد العثمانيين كانت المِلكية منوطة بحسن التصرف ، يعني إذا أهملت الأرض ثلاث سنوات ، يعود حق التصرف إلى الدولة .... القضية ليست قضية ملكية الأرض وحدها، ولكن أبناء المدن كانوا متأذين من الإقطاع السياسي ، وعليه فقد كان مطلبهم بالتحرر ينسحب على الطبقة الفلاحية , فالحزب العربي الاشتراكي هو الذي طرح هذا محرراً المدينة والريف في أن واحد . ومقاومة الأخوان المسلمين كان يجابه بموقفنا المعتمد على التراث الإسلامي وتجاوب الشعب معنا واعتبر أن موقف الإقطاع غير عادل وغير إسلامي . وكانت دعوتنا أول دعوة ليس في سورية فحسب ولكن في منطقة الشرق الأوسط ، والتهبت المنطقة وقامت قيامة الصحف التركية وصحف الدول المجاورة كانت تعتبر أن هذه ثورة خطيرة وأنها أخطر من الشيوعية ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) أكرم الحوراني مُلَقَّبٌ بين جماعته بالشيخ .
[2] ) الحادثة معروفة عن عبد الكريم زهور .